21 - (وإن) ما (من) زائدة (شيء إلا عندنا خزائنه) مفاتيح خزائنه (وما ننزله إلا بقدر معلوم) على حسب المصالح
يقول تعالى ذكره : وما من شيء من الأمطار إلا عندنا خزائنه ، وما ننزله إلا بقدر لكل أرض معلوم عندنا حده ومبلغه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا ابن إدريس ، قال : اخبرنا يزيد بن أبي زياد ، عن رجل ،عن عبد الله ، قال : ما من أرض أمطر من أرض ، ولكن اله يقدره في الأرض ، ثم قرأ "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله قال : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يصرفه عمن يشاء ، ثم قال : "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي ، قال : حدثنا علي بن مسهر ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن أبي جحيفة ، عن عبد الله بن مسعود : ما من عام بأمطر من عام ، ولكن الله يقسمه حيث شاء ، عاماً ههنا وعاماً ههنا ، ثم قرا "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، قال : قال ابن جريج "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" قال : المطر خاصة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن الحكم بن عتيبة ، في قوله : "وما ننزله إلا بقدر معلوم" قال : ما من عام بأكثر مطراً من عام ولا أقل ،ولكنه يمطر قوم ، ويحرم آخرون ، وربما كان في البحر ، قال : وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت .
قوله تعالى: " وإن من شيء إلا عندنا خزائنه " أي وإن من شيء من أرزاق الخلق ومنافعهم إلا عندنا حزائنه، يعني المطر المنزل من السماء، لأن به نبات كل شيء. قال الحسن: المطر خزائن كل شيء. وقيل: الخزائن المفاتيح، أي في السماء مفاتيح الأرزاق، قاله الكلبي . والمعنى واحد. " وما ننزله إلا بقدر معلوم " أي ولكن لا ننزله إلا على حسب مشيئتنا وعلى حسب حاجة الخلق إليه، كما قال: " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء " ( الشورى: 27). وروي عن ابن مسعود والحكم بن عيينة وغيرهما أنه ليس عام أكثر مطراً من عام، ولكن الله يقسمه كيف شاء، فيمطر قوم ويحرم آخرون، وربما كان المطر في البحار والقفار. والخزائن جمع الخزنة، وهو الموضع الذي يستر فيه الإنسان ماله. والخزنة أيضاً مصدر خزن يخزن. وما كان في خزانة الإنسان كان معداً له. فكذلك ما يقدر عليه الرب فكأنه معد عنده، قاله القشيري . وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال: في العرش مثال كل شيء خلقه الله في البر والبحر. وهو تأويل قوله تعالى: ( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه). والإنزال بمعنى الإنشاء والإيجاد، كقوله: " وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج " ( الزمر: 6) وقوله: " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " ( الحديد: 25). وقيل: الإنزال بمعنى الإعطاء، وسماه إنزالاً لأن أحكام الله إنما تنزل من السماء.
يخبر تعالى أنه مالك كل شيء وأن كل شيء سهل عليه يسير لديه, وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف "وما ننزله إلا بقدر معلوم" كما يشاء وكما يريد, ولما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة بعباده لا على جهة الوجوب بل هو كتب على نفسه الرحمة قال يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله: ما من عام بأمطر من عام, ولكن الله يقسمه بينهم حيث شاء عاماً ههنا وعاماً ههنا, ثم قرأ "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" الاية, رواه ابن جرير, وقال أيضاً: حدثنا القاسم, حدثنا هشيم, أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عتيبة في قوله: "وما ننزله إلا بقدر معلوم" قال: ما عام بأكثر مطراً من عام ولا أقل, ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون بما كان في البحر, قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس, وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت.
وقال البزار: حدثنا داود هو ابن بكير, حدثنا حيان بن أغلب بن تميم, حدثني أبي عن هشام, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خزائن الله الكلام, فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان" ثم قال: لا يرويه إلا أغلب وليس بالقوي, وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين, ولم يروه عنه إلا ابنه. وقوله تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقح" أي تلقح السحاب فتدر ماء, وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها, وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم, فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج, لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعداً.
وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو, عن قيس بن السكن, عن عبد الله بن مسعود في قوله: "وأرسلنا الرياح لواقح" قال: ترسل الريح فتحمل الماء من السماء, ثم تمرى السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة, وكذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة. وقال الضحاك: يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلىء ماء. وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قماً, ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب, ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب, ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر, ثم تلا "وأرسلنا الرياح لواقح".
وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون عن أبي المهزم عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الريح الجنوب من الجنة, وهي التي ذكر الله في كتابه, وفيها منافع للناس" وهذا إسناد ضعيف, وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده. حدثنا سفيان, حدثنا عمرو بن دينار, أخبرني يزيد بن جعدية الليثي أنه سمع عبد الرحمن بن مخراق يحدث عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق في الجنة ريحاً بعد الريح بسبع سنين, وإن من دونها باباً مغلقاً, وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب, ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء, وهي عند الله الأذيب, وهي فيكم الجنوب".
وقوله: "فأسقيناكموه" أي أنزلناه لكم عذباً يمكنكم أن تشربوا منه لو نشاء جعلناه أجاجاً, كما نبه على ذلك في الاية الأخرى في سورة الواقعة, وهو قوله تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ؟ * لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون", وفي قوله: "هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون". وقوله: "وما أنتم له بخازنين" قال سفيان الثوري: بما نعين, ويحتمل أن المراد وما أنتم له بحافظين, بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معيناً وينابيع في الأرض, ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به, ولكن من رحمته أنزله وجعله عذباً, وحفظه في العيون والابار والأنهار وغير ذلك, ليبقى لهم في طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.
وقوله: "وإنا لنحن نحيي ونميت" إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته, وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم, ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع, وأخبر أنه تعالى يرث الأرض ومن عليها, وإليه يرجعون, ثم أخبر تعالى عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم, فقال: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الاية, قال ابن عباس رضي الله عنهما: المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام, والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة, وروي نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم, وهو اختيار ابن جرير رحمه الله.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, عن رجل, عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وقد ورد فيه حديث غريب جداً, فقال ابن جرير: حدثني محمد بن موسى الجرشي, حدثنا نوح بن قيس, حدثنا عمرو بن قيس, حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء, قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط, وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا, يعني لئلا يروها, وبعض يستأخرون, فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره, ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما, وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني, وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما, وحكي عن ابن معين تضعيفه, وأخرجه مسلم وأهل السنن, وهذا الحديث فيه نكارة شديدة, وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان, عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" في الصفوف في الصلاة " المستأخرين " فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط, ليس فيه لابن عباس ذكر, وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس, والله أعلم, وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر, عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" وأنها في صفوف الصلاة, فقال محمد بن كعب: ليس هكذا "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الميت والمقتول " المستأخرين " من يخلق بعد "وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم" فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيراً.
21- "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" إن هي النافية ومن مزيدة للتأكيد، وهذا التركيب عام لوقوع النكرة في حيز النفي مع زيادة من، ومع لفظ شيء المتناول لكل الموجودات الصادق على كل فرد منها، فأفاد ذلك أن جميع الأشياء عند الله خزائنها لا يخرج منها شيء: والخزائن جمع خزانة. وهي المكان الذي يحفظ فيه نفائس الأمور، وذكر الخزائن تمثيل لاقتداره على كل مقدور، والمعنى: أن كل الممكنات مقدورة ومملوكة يخرجها من العدم إلى الوجوب بمقدار كيف شاء. وقال جمهور المفسرين: إن المراد بما في هذه الآية هو المطر، لأنه سبب الأرزاق والمعايش، وقيل الخزائن المفاتيح: أي ما من شيء إلا عندنا في السماء مفاتيحه، والأولى ما ذكرناه من العموم لكل موجود، بل قد يصدق الشيء على المعدوم على الخلاف المعروف في ذلك "وما ننزله إلا بقدر معلوم" أي ما ننزله من السماء إلى الأرض أو نوجده للعباد إلا بقدر معلوم، والقدر المقدار، والمعنى: أن الله سبحانه لا يوجد للعباد شيئاً من تلك الأشياء المذكورة إلا متلبساً ذلك الإيجاد بمقدار معين حسبما تقتضيه مشيئته على مقدار حاجة العباد إليه كما قال سبحانه: "ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء" وقد فسر الإنزال بالإعطاء وفسر بالإنشاء، وفسر بالإيجاد، والمعنى متقارب، وجملة وما ننزله معطوفة على مقدر: أي وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ننزله وما ننزله، أو في محل نصب على الحال.
21-"وإن من شيء"، أي: وما من شيء، "إلا عندنا خزائنه"، أي مفاتيح خزائنه.
وقيل: أرد به المطر.
"وما ننزله إلا بقدر معلوم"، لكل أرض حد مقدر، ويقال: لا تنزل من السماء قطرة إلا ومعها ملك يسوقها حيث يريد الله عز وجل ويشاء.
وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: في العرش مثال جميع ما خلق الله في البر والبحر، وهو تأويل قوله تعالى: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه".
21."وإن من شيء إلا عندنا خزائنه"أي وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكونيه أضعاف ما وجد منه ، فضرب الخزائن مثلاً لاقتداره أو شبه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد ."وما ننزله"من بقاع القدرة . "إلا بقدر معلوم"حده الحكمة وتعلقت به المشيئة ، فغن تخصص بعضها بالإيجاد في بعض الأوقات مشتملاً على بعض الصفات والحالات لا بد له من مخصص حكيم.
21. And there is not a thing but with Us are the stores thereof. And We send it not down save in appointed measure.
21 - And there is not a thing but its (sources and) treasures (inexhaustible) are with us; but we only send down thereof in due and ascertainable measures.