21 - (يعذب من يشاء) تعذيبه (ويرحم من يشاء) رحمته (وإليه تقلبون) تردون
يقول تعالى ذكره: ثم الله ينشىء النشأة الآخرة خلقه من بعد فنائهم، فيعذب من يشاء منهم على ما أسلف من جرمه في أيام حياته، ويرحم من يشاء منه ممن تاب وآمن وعمل صالحاً " وإليه تقلبون " يقول: وإليه ترجعون وتردون.
قوله تعالى : " ويعذب من يشاء " أي بعدله . " ويرحم من يشاء " أي بفضله . " وإليه تقلبون " ترجعون وتردون . " وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء " قال الفراء : معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية ، للضمير الذي لم يظهر في الثاني . وهو كقول حسان :
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
أراد ومنم يمدحه وينصره سواء ، فأضمر من ، وقاله عبد الرحمن بن زيد . ونظيره قوله سبحانه : " وما منا إلا له مقام معلوم " ي[ الصافات : 164] أي من له . والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه . وقال قطرب : ولا في السماء لو كنتم فيها ،كما تقول : لا يفوتني فلان بالبصرة ولا هاهنا ، بمعنى لاىيفوتني بالبصرة لو صار إليها . وقيل : لا يستطيعون هرباً في الأرض ولا في السماء . وقال المبرد : والمعنى ولا من في السماء على أن من ليست موصولة ولكن تمون نكرة و( في السماء ) صفة لها ، فأقيمت الصفة مقام الموصوف . ورد ذلك علي بن سلمان .وقال : لا يجوز . وقال : إن من إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ، ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة قال : والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقولن ، والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله ، كما قال : " ولو كنتم في بروج مشيدة " [ النساء: 87] .
يقول تعالى مخبراً عن الخليل عليه السلام أنه أرشدهم إلى إثبات المعاد الذي ينكرونه بما يشاهدونه في أنفسهم من خلق الله إياهم بعد أن لم يكونوا شيئاً مذكوراً, ثم وجدوا وصاروا أناساً سامعين مبصرين, فالذي بدأ هذا قادر على إعادته, فإنه سهل عليه يسير لديه, ثم أرشدهم إلى الاعتبار بما في الافاق من الايات المشاهدة من خلق الله الأشياء: السموات وما فيها من الكواكب النيرة الثوابت والسيارات, والأرضين وما فيها من مهاد وجبال, وأودية وبراري وقفار, وأشجار وأنهار, وثمار وبحار, كل ذلك دال على حدوثها في أنفسها, وعلى وجود صانعها الفاعل المختار, الذي يقول للشيء كن فيكون, ولهذا قال: " أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير " كقوله تعالى: "وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه" ثم قال تعالى: " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة " أي يوم القيامة "إن الله على كل شيء قدير" وهذا المقام شبيه بقوله تعالى: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق " وكقوله تعالى: "أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون ؟ * أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون".
وقوله تعالى: "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء" أي هو الحاكم المتصرف الذي يفعل ما يشاء, ويحكم ما يريد, لا معقب لحكمه, ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون, فله الخلق والأمر مهما فعل فعدل, لأنه المالك الذي لا يظلم مثقال ذرة, كما جاء في الحديث الذي رواه أهل السنن "إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم" ولهذا قال تعالى: "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون" أي ترجعون يوم القيامة.
وقوله تعالى: "وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء" أي لا يعجزه أحد من أهل سمواته وأرضه, بل هو القاهر فوق عباده, فكل شيء خائف منه فقير إليه, وهو الغني عما سواه "وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير * والذين كفروا بآيات الله ولقائه" أي جحدوها وكفروا بالمعاد "أولئك يئسوا من رحمتي" أي لا نصيب لهم فيها "وأولئك لهم عذاب أليم" أي موجع شديد في الدنيا والاخرة.
21- "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء" أي هو سبحانه بعد النشأة الآخرة يعذب من يشاء تعذيبه وهم الكفار والعصاة ويرحم من يشاء رحمته، وهم المؤمنون به المصدقون لرسله العاملون بأوامره ونواهيه "وإليه تقلبون" أي ترجعون وتردون لا إلى غيره.
22- "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون"، تردون.
21ـ " يعذب من يشاء " تعذيبه . " ويرحم من يشاء " رحمته . " وإليه تقلبون " تردون .
21. He punisheth whom He will and showeth mercy unto whom He will, and unto Him ye will be turned.
21 - He punishes whom He pleases, and He grants mercy to whom He pleases, and towards Him are ye turned.