21 - (ألم تر) تعلم (أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع) أدخله أمكنة نبع (في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج) ييبس (فتراه) بعد الخضرة مثلا (مصفرا ثم يجعله حطاما) فتاتا (إن في ذلك لذكرى) تذكيرا (لأولي الألباب) يتذكرون به للدلالة على وحدانية الله تعالى وقدرته
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : "ألم تر" يا محمد "أن الله أنزل من السماء ماء" وهو المطر "فسلكه ينابيع في الأرض" يقول : فأجراه عيوناً في الأرض ، واحدها ينبوع ، وهو ما جاش من الأرض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر، عن الشعبي ، في قول "فسلكه ينابيع في الأرض" قال : كل ندى وماء في الأرض من السماء نزل.
قال : ثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن جابر، عن الحسن بن مسلم بن بيان ، قال : ثم أنبت بذلك الماء الذي أنزله من السماء فجعله في الأرض عيوناً "زرعا مختلفا ألوانه" يعني : أنواعاً مختلفة من بين حنطة وشعير وسمسم وأرز، ونحو ذلك من الأنواع المختلفة "ثم يهيج فتراه مصفرا"يقول : ثم ييبس ذلك الزرع من بعد خضرته ، يقال للأرض إذا يبس ما فيها من الخضر وذوي : هاجت الأرض ، وهاج الزرع.
وقوله "فتراه مصفرا"يقول : فتراه من بعد خضرته ورطوبته قد يبس فصار أصفر، وكذلك الزرع إذا يبس اصفر "ثم يجعله حطاما" والحطام : فتات التبن والحشيش ، يقول : ثم يجعل ذلك الزرع بعد ما صار يابساً فتاتاً متكسراً.
وقوله "إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب" يقول تعالى ذكره : إن في فعل الله لك كالذي وصف لذكرى وموعظة لأهل العقول والحجا يتذكرون به ، فيعلمون أن من فعل ذلك فلن يتعذر عليه إحداث ما شاء من الأشياء، وإنشاء ما أراد من الأجسام والأعراض ، وإحياء من هلك سن خلقه من بعد مماته وإعادته من بعد فنائه كهيئته قبل فنائه ، كالذي فعل بالأرض التي أنزل عليها من بعد موتها الماء، فأنبت بها الزرع المختلف الألوان بقدرته.
قوله تعالى : " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء " أي إنه لايخلف الميعاد في إحياء الخلق ، والتمييز بين المؤمن والكافر ،وهو قادر على ذلك كما أنه قادر على إنزال الماء من السماء ، والتمييز بين المؤمن والكافر ، وهو قادر على ذلك كما أنه قادر على إنزال الماء من المساء . " أنزل من السماء " أي من السحاب ( ماء ) أي المطر " فسلكه " أي فادخله في الأرض وأسكنه فيها ،كما قال : " فأسكناه في الأرض " [ المؤمنون : 18] . " ينابيع " جميع ينبوع وهو يفعل من نبع ينبع وينبع وينبع بالرفع والنصب والخفض . النحاس : وحكى لنا ابن كسيان في قول الشاعر :
ينابع من ذفري عضوب جسرة
أنمعناه ينبع فأشبع الفتحة فصارت ألفاً ، نبوعاً خرج . والينبوع عين الماء والجمع الينابيع . وقد مضى في ( سبحان ) . ثم يخرج به أي بذلك الماء الخارج من ينابيع الأرض " زرعا " . وهو للجنس أي زروعاً شتى لها ألوان مختلفة ، حمرة وصفرة وزرقة وخضرة ونوراً . قال الشعبي و الضحاك : كل ماء في الأرض فمن ابلسماء نزل ، إنما ينزل من السماء إلى الصخرة ، ثم تقسم منها العيون والركايا . " ثم يهيج " أي ييبس . " فتراه " أي بعد خضرته " مصفرا " قال المبرد قال الأصمعي : يقال هاجت الأرض تهيج إذا أدبر نبتها وولى . قال : وكذلك هاج النبت . قال : وكذلك قال غير الأصمعي . وقال الجوهري : هاج النبت هياجاً أي يبس . وأرض هائجة يبس بقلها أو اصفر ، وأهاجت الريح النبت أيبسته ، وأهيجنا الأرض أي وجدناها هائجة النبات ، وهاج هائجه أي ثار غضبه ، وهدأ هائجه أي سكنت فورته . " ثم يجعله حطاما " أي فتاتاً مكسراً من تحطم العود إذا تفتت من اليبس . والمعنى أن من قدر على هذا قدر على اإعادة . وقيل : هو مثل ضربه الله للقرآن ولصدور من في الأرض ، أي أنزل من السماء قرآناً فسلكه في قلوب المؤمنين " ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه " أي ديناً مختلفاً بعضه أفضل من بعض ، فأما المؤمن فيزداد إيماناً ويقيناً ، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الرزع . وقيل : هو مثل ضربه الله للدنيا ، أي كما يتغير النبت الأخضر فيصفر كذلك الدنيا بعد بهجتها . " إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب " .
يخبر تعالى أن أصل الماء من السماء كما قال عز وجل: "وأنزلنا من السماء ماء طهوراً" فإذا أنزل الماء من السماء كمن في الأرض ثم يصرفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء وينبعه عيوناً ما بين صغار وكبار بحسب الحاجة إليها ولهذا قال تبارك وتعالى: "فسلكه ينابيع في الأرض" قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو قتيبة عتبة بن اليقظان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض" قال ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء ولكن عروق في الأرض تغيره فذلك قوله تعالى: "فسلكه ينابيع في الأرض" فمن سره أن يعود الملح عذباً فليصعده, وكذا قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي أن كل ماء في الأرض فأصله من السماء, وقال سعيد بن جبير أصله من الثلج يعني أن الثلج يتراكم على الجبال فيسكن في قرارها فتنبع العيون من أسافلها. وقوله تعالى: "ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه" أي ثم يخرج بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض زرعاً مختلفاً ألوانه أي أشكاله وطعومه وروائحه ومنافعه "ثم يهيج" أي بعد نضارته وشبابه يكتهل فتراه مصفراً قد خالطه اليبس "ثم يجعله حطاماً" أي ثم يعود يابساً يتحطم "إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب" أي الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا تكون خضرة نضرة حسناء ثم تعود عجوزاً شوهاء والشاب يعود شيخاً هرماً كبيراً ضعيفاً وبعد ذلك كله الموت, فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير, وكثيراً ما يضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء وينبت به زرعاً وثماراً ثم يكون بعد ذلك حطاماً كما قال تعالى: " واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا " وقوله تبارك وتعالى: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" أي هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق كقوله عز وجل: "أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها" ولهذا قال تعالى: "فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله" أي فلا تلين عند ذكره ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم "أولئك في ضلال مبين".
لما ذكر سبحانه الآخرة ووصفها بوصف يوجب الرغبة فيها والشوق إليها أتبعه بذكر الدنيا ووصفها بوصف يوجب الرغبة عنها والنفرة منها، فذكر تمثيلاً لها في سرعة زوالها وقريب اضمحلالها مع ما في ذلك من ذكر نوع من أنواع قدرته الباهرة وصنعه البديع فقال: 21- "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء" أي من السحاب مطراً "فسلكه ينابيع في الأرض" أي فأدخله وأسكنه فيها، والينابيع جمع ينبوع من نبع الماء ينبع، والينبوع عين الماء والأمكنة التي ينبع منها الماء، والمعنى أدخل الماء النازل من السماء في الأرض وجعله فيها عيوناً جارية، أو جعله في ينابيع: أي في أمكنة ينبع منها الماء، فهو على الوجه الثاني منصوب بنزع الخافض. قال مقاتل: فجعله عيوناً وركايا في الأرض "ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه" أي يخرج بذلك الماء من الأرض زرعاً مختلفاً ألوانه من أصفر وأخضر وأبيض وأحمر، أو من بر وشعير وغيرهما إذا كان المراد بالألوان الأصناف "ثم يهيج" يقال هاج النبت يهيج هيجاً إذا تم جفافه. قال الجوهري: يقال هاج النبت هياجاً: إذا يبس، وأرض هائجة يبس بقلها أو اصفر، وأهاجت الريح النبت أيبسته. قال المبرد: قال الأصمعي: يقال هاجت الأرض تهيج: إذا أدبر نبتها وولى. قال: وكذلك هاج النبت "فتراه مصفراً" أي تراه بعد خضرته ونضارته وحسن رونقه مصفراً قد ذهبت خضرته ونضارته "ثم يجعله حطاماً" أي متفتتاً منكسراً، من تحطم العود إذا تفتت من اليبس " إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب " أي فيما تقدم ذكره تذكير لأهل العقول الصحيحة، فإنهم الذين يتعقلون الأشياء على حقيقتها فيتفكرون ويعتبرون ويعلمون بأن الحياة الدنيا حالها كحال هذا الزرع في سرعة التصرم وقرب التقضي، وذهاب بهجتها وزوال رونقها ونضارتها، فإذا أنتج لهم التفكر والاعتبار العلم بذلك لم يحصل منهم الاغترار بها والميل إليها وإيثارها على دار النعيم الدائم والحياة المستمرة واللذة الخالصة، ولم يبق معهم شك في أن الله قادر على البعث والحشر، لأن من قدر على هذا قدر على ذلك. وقيل هو مثل ضربه الله للقرآن ولصدور من في الأرض. والمعنى: أنزل من السماء قرآناً فسلكه في قلوب المؤمنين، ثم يخرجبه ديناً بعضه أفضل من بعض، فأما المؤمن فيزداد إيماناً ويقيناً، وأما الذي في قلبه مرض فإنه يهيج كما يهيج الزرع، وهذا بالتغيير أشبه منه بالتفسير. وقرأ الجمهور "ثم يجعله" بالرفع عطفاً على ما قبله، وقرأ أبو بشر بالنصب بإضمار أن، ولا وجه لذلك.
21. قوله عز وجل: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً فسلكه "، أدخل ذلك الماء، " ينابيع "، عيوناً وركايا، " في الأرض "، قال الشعبي : كل ناء في الأرض فمن السماء نزل، " ثم يخرج به "، أي: بالماء " زرعاً مختلفاً ألوانه "، أحمر وأصفر وأخضر، " ثم يهيج "، ييبس، " فتراه "، بعد خضرته ونضرته، " مصفراً ثم يجعله حطاماً "، فتاتاً متكسراً، " إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ".
21-" ألم تر أن الله أنزل من السماء ماءً " هو المطر " فسلكه " فأدخله " ينابيع في الأرض " هي عيون ومجاري كائنة فيه ، أو مياه نابعات فيها إذ الينبوع جاء للمنبع وللنابع فنصبها على الظرف أو الحال " ثم يخرج به زرعاً مختلفاً ألوانه " أصنافه من بر وشعير وغيرهما ، أو كيفياته من خضرة وحمرة وغيرهما " ثم يهيج " يتم جفافه لأنه إذا تم جفافه حان له أن يثور عن منبته " فتراه مصفراً " من يبسه " ثم يجعله حطاماً " فتاتاً " إن في ذلك لذكرى " لتذكيراً بأنه لا بد من صانع حكيم دبره وسواه ، أو بأنه مثل الحياة الدنيا فلا تغتر بها " لأولي الألباب " إذ لا يتذكر به غيرهم .
21. Hast thou not seen how Allah hath sent down water from the sky and hath caused it to penetrate the earth as water springs, and afterward thereby produceth crops of divers hues; and afterward they wither and thou seest them turn yellow; then He maketh them chaff. Lo! herein verily is a reminder for men of understanding.
21 - Seest thou not that God sends down rain from the sky, and leads it through springs in the earth? then He causes to grow, therewith, produce of various colours: then it withers; thou wilt see it grow yellow; then He makes it dry up and crumble Away. Truly, in this, is a Message of remembrance to men of understanding.