21 - (قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا) أي السفلة والفقراء (من لم يزده ماله وولده) وهم الرؤساء المنعم عليهم بذلك وولد بضم الواو وسكون اللام وبفتحهما والأول قيل جمع ولد بفتحهما كخشب وخشب وقيل بمعناه كبخل وبخل (إلا خسارا) طغيانا وكفرا
وقوله " قال نوح رب إنهم عصوني " فخالفوا أمري ، وردوا علي ما دعوتهم إليه من الهدى والرشاد " واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا " يقول : واتبعوا في معصيتهم إياي من دعاهم إلى ذلك ، ممن كثر ماله وولده ، فلم تزده كثرة ماله وولده إلا خساراً ، بعداً من الله ، وذهاباً عن محجة الطريق .
واختلفت القراء في قراءة قوله " وولده " فقرأته عامة قراء المدينة " وولده " بفتح الواو واللام ، وكذلك قرءوا ذلك في جميع القرآن ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بضم الواو وسكون اللام ، وكذلك كل ما كان من ذكر الولد من سورة مريم إلى آخر القرآن ، وقرأ أبو عمرو كل ما في القرآن من ذلك بفتح الواو واللام في غير هذا الحرف الواحد في سورة نوح ، فإنه كان يضم الواو منه .
والصواب من القول عندنا في ذلك ن أن كل هذه القراءات معروفات ، متقاربات المعاني ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب .
قوله تعالى: "قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا".
شكاهم إلى الله تعالى، وأنهم عصوه ولم يتبعوه فيما أمرهم به منت الإيمان. وقال أهل التفسير: لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً داعياً لهم وهم على كفرهم وعصيانهم. وقال ابن عباس: رجا نوح عليه السلام الأبناء بعد الآباء، فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون، ثم دعا عليهم بعد الاياس منهم، وعاش بعد الطوفان ستين عاماً حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن:كان قوم نوح يزرعون في الشهر مرتين، حكاه الماوردي. "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا" يعني كبراءهم وأغنياءهم الذين لم يزدهم كفرهم وأموالهم وأولادهم إلا ضلالاً في الدنيا وهلاكاً في الآخرة. وقرأ أهل المدينة والشام وعاصم ولده بفتح الواو واللام. الباقون ولده بضم الواو وسكون اللام وهي لغة في الولد. ويجوز أن يكون جمعاً للولد، كالفلك فإنه واحد وجمع. وقد تقدم .
يقول تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام إنه أنهى إليه, وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء, أنه من البيان المتقدم ذكره والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه, واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ومتع بمال وأولاد وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام ولهذا قال: "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً" قرىء وولده بالضم وبالفتح وكلاهما متقارب. وقوله تعالى: "ومكروا مكراً كباراً" قال مجاهد : كباراً أي عظيماً, وقال ابن زيد : كباراً أي كبيراً والعرب تقول أمر عجيب وعجاب وعجاب, ورجل حسان وحسان وجمال وجمال بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد, والمعنى في قوله تعالى: "ومكروا مكراً كباراً" أي بأتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى كما يقولون لهم يوم القيامة "بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً" ولهذا قال ههنا: " ومكروا مكرا كبارا * وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا " وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.
قال البخاري : حدثنا إبراهيم , حدثنا هشام عن ابن جريج , وقال عطاء عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد: أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل, وأما سواع فكانت لهذيل, وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ, وأما يعوق فكانت لهمدان, وأما نسر فكانت لحمير لال ذي كلاع وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح عليه السلام, فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت, وكذا روي عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق نحو هذا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح. وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس "ولا يغوث ويعوق ونسراً" قال: كانوا قوماً صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم, فلما ماتواقال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم, فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.
وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث عليه السلام من طريق إسحاق بن بشر قال: أخبرني جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: ولد لادم عليه السلام أربعون ولداً, عشرون غلاماً وعشرون جارية, فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل وصالح وعبد الرحمن الذي سماه عبد الحارث, وود وكان ود يقال له شيث ويقال له هبة الله, وكان إخوته قد سودوه, وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا أبو عمرو الدوري , حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن أبي حزرة عن عروة بن الزبير قال: اشتكى آدم عليه السلام وعنده بنوه ود ويغوث وسواع ونسر قال وكان ود أكبرهم وأبرهم به وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور , حدثنا الحسن بن موسى , حدثنا يعقوب عن أبي المطهر قال: ذكرواعند أبي جعفر وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب , قال: فلما انفتل من صلاته قال: ذكرتم يزيد بن المهلب أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله, قال: ثم ذكروا رجلاً مسلماً وكان محبباً في قومه فلما مات اعتكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه, فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان, ثم قال إني أرى جزعكم على هذا الرجل فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه ؟ قالوا نعم, فصور لهم مثله, قال: ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه, فلما رأى ما بهم من ذكره قال: هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالاً مثله فيكون له في بيته فتذكرونه ؟ قالوا: نعم, قال: فمثل لكل أهل بيت تمثالاً مثله, فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به, قال: وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به, قال: وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذه إلهاً يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم, فكان أول ما عبد من دون الله: الصنم الذي سموه وداً.
وقوله تعالى: "وقد أضلوا كثيراً" يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقاً كثيراً, فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم, وقد قال الخليل عليه السلام في دعائه "واجنبني وبني أن نعبد الأصنام * رب إنهن أضللن كثيراً من الناس" وقوله تعالى: "ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً" دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله: "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم" وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.
قوله: 21- "قال نوح رب إنهم عصوني" أي استمروا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي، شكاهم إلى الله عز وجل، وأخره بأنهم عصوه ولم يتبعوه وهو أعلم بذلك "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً" أي اتبع الأصاغر رؤساءهم، وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة. قول أهل المدينة والشام وعاصم "وولده" بفتح الواو واللام. وقرأ الباقون بسكون اللام، وهي لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعاً، وقد تقدم تحقيقه، ومعنى واتبعوا: أنهم استمروا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع.
21- "قال نوح رب إنهم عصوني"، لم يجيبوا دعوتي، "واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً"، يعني: اتبع السفلة والفقراء القادة والرؤساء الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة.
21-" قال نوح رب إنهم عصوني " فيما أمرتهم به . " واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً " واتبعوا رؤساءهم البطرين بأموالهم المغترين بأولادهم بحيث صار ذلمك سبباً لزيادة خسارهم في الآخرة ، وفيه أنهم إنما اتبعوهم لوجاهة حصلت لهم الأموال والأولاد وأدت بهم إلى الخسار ، وقرأ ابن كثير و حمزة و الكسائي و البصريان وولده بالضم والسكون على أنه لغة كالحزن أو جمع كالأسد .
21. Noah said: My Lord! they have disobeyed me and followed one whose wealth and children increase him in naught save ruin;
21 - Noah said: O my Lord! They have disobeyed me, but they follow (men) whose wealth and children give them no Increase but only Loss.