ونزل في جهد أصاب المسلمين (أم) بل أ (حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما) لم (يأتكم مثل) شبه ما أتى (الذين خلوا من قبلكم) من المؤمنين من المِحَن فتصبروا كما صبروا (مستهم) جملة مستأنفة مبينة ما قبلها (البأساء) شدة الفقر (والضراء) المرض (وزُلزلوا) أزعجوا بأنواع البلاء (حتى يقولَ) بالنصب والرفع أي قال (الرسول والذين آمنوا معه) استبطاء للنصر لتناهي الشدة عليهم (متى) يأتي (نصر الله) الذي وُعِدناه فأُجيبوا من قبل الله (ألا إن نصر الله قريب) إتيانه
قوله تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة الآية قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة قال نزلت هذه الآية في يوم الأحزاب أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ بلاء وحصر
قال أبو جعفر: أما قوله: "أم حسبتم"، كأنه استفهم بـ "أم" في ابتداء لم يتقدمه حرف استفهام، لسبوق كلام هو به متصل. ولو لم يكن قبله كلام يكون به متصلاً، وكان ابتداء، لم يكن إلا بحرف من حروف الاستفهام. لأن قائلا لو كان قال مبتدئا كلاماً لآخر: أم عندك أخوك ؟ لكان قائلا ما لا معنى له. ولكن لو قال: أنت رجل مدل بقوتك، أم عندك أخوك ينصرك؟ كان مصيبا. وقد بينا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا، بما فيه الكفاية عن إعادته. فمعنى الكلام: أم حسبتم أنكم أيها المؤمنون بالله ورسله تدخلون الجنة، ولم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء والرسل من الشدائد والمحن والاختبار، فتبتلوا بما ابتلوا واختبروا به من "البأساء"- وهو شدة الحاجة والفاقة، "والضراء"- وهي العلل والأوصاب- ولم تزلزلوا زلزالهم- يعني: ولم يصبهم من أعدائهم من الخوف والرعب شدة وجهد حتى يستبطىء القوم نصر الله إياهم فيقولون: متى الله ناصرنا؟ ثم أخبرهم الله أن نصره منهم قريب، وأنه معليهم على عدوهم، ومظهرهم عليه، فنجز لهم ما وعدهم، وأعلى كلمتهم، وأطفأ نار حرب الذين كفروا. وهذه الآية- فيما يزعم أهل التأويل- نزلت يوم الخندق حين لقي المؤمنون ما لقوا من شدة الجهد من خوف الأحزاب، وشدة أذى البرد وضيق العيش الذي كانوا فيه يومئذ. يقول الله جل وعز للمؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها" إلى قوله: "وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا" [الأحزاب: 9- 11]. ذكر من قال نزلت هذه الآية يوم الأحزاب: حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا"، قال: نزل هذا يوم الأحزاب حين قال قائلهم: "ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" [الأحزاب: 12].حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله:"ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا"، قال: نزلت في يوم الأحزاب،أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بلاء وحصر، فكانوا كما قال الله جل وعز: "وبلغت القلوب الحناجر". وأما قوله: "ولما يأتكم"، فإن عامة أهل العربية يتأولونه بمعنى: ولم يأتكم، ويزعمون أن ما صلة وحشو. وقد بينت القول في ما التي يسميها أهل العربية صلة، ما حكمها ، في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته. وأما معنى قوله: "مثل الذين خلوا من قبلكم"، فإنه يعني: شبه الذين خلوا فمضوا قبلكم.وقد دللت في غير هذا الموضع على أن المثل ، الشبه. وبنحو ذلك الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن ابي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا". ...(1)حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن عبد الملك بن جريج قال: قوله: "حتى يقول الرسول والذين آمنوا"، قال: هو خيرهم وأعلمهم بالله. وفي قوله: "حتى يقول الرسول" وجهان من القراءة: الرفع والنصب. ومن رفع فإنه يقول: لما كان يحسن في موضعه لما فعل أبطل عمل حتى فيها. لأن حتى غير عاملة في فعل ، وإنما تعمل في يفعل ، وإذا تقدمها فعل ، وكان الذي بعدها فعل وهو مما قد فعل وفرغ منه، وكان ما قبلها من الفعل غير متطاول، فالفصيح من كلام العرب حينئذ الرفع في يفعل ، وإبطال عمل حتى عنه. وذلك نحو قول القائل: قمت إلى فلان حتى أضربه ، والرفع هو الكلام الصحيح في أضربه ، إذا أراد: قمت إليه حتى ضربته، إذا كان الضرب قد كان وفرغ منه، وكان القيام غير متطاول المدة. فأما إذا كان ما قبل حتى من الفعل على لفظ فعل متطاول المدة، وما بعدها من الفعل على لفظ غير منقض، فالصحيح من الكلام نصب يفعل ، وإعمال حتى، وذلك نحو قول القائل: ما زال فلان يطلبك حتى يكلمك، وجعل ينظر إليك حتى يثبتك ، فالصحيح من الكلام- الذي لا يصح غيره- النصب بـ حتى، كما قال الشاعر:
مطوت بهم حتى تكل مطيهم وحتى الجياد ما يقدن بأرسان
فنصب تكل، والفعل الذي بعد حتى ماض، لأن الذي قبلها من المطول متطاول. والصحيح من القراءة- إذ كان ذلك كذلك-: "وزلزلوا حتى يقول الرسول"، نصب يقول ، إذ كانت الزلزلة فعلا متطاولا مثل المطو بالإبل . وإنما الزلزلة في هذا الموضع: الخوف من العدو، لا زلزلة الأرض ، فلذلك كانت متطاولة، وكان النصب في يقول ، وإن كان بمعنى فعل ، أفصح وأصح من الرفع فيه.
قوله تعالى : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " " حسبتم " معناه ظننتم ، قال قتادة و السدي وأكثر المفسرين : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة ، والحر والبرد ، وسوء العيش ، وأنواع الشدائد ، وكان كما قال الله تعالى : " وبلغت القلوب الحناجر " [ الأحزاب : 10 ] وقيل : نزلت في حرب أحد ، نظيرها - في آل عمران - " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم " [ آل عمران : 142 ] ، وقالت فرقة : نزلت الآية تسلية للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين ، وآثروا رضا الله ورسوله ، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأسر قوم من الأغنياء النفاق ، فأنزل الله تعالى تطييباً لقلوبهم " أم حسبتم " ، و" أم " هنا منقطعة ، بمعنى بل ، وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة ألف الاستفهام ليبتدأ بها ، و " حسبتم " تطلب مفعولين ، فقال النحاة : " أن تدخلوا " تسد مسد المفعولين ، وقيل المفعول الثاني محذوف : أحسبتم دخولكم الجنة واقعاً ، و" لما " بمعنى لم ، و " مثل " معناه شبه ، أي ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا ، وحيى النضر بن شميل أن " مثل " يكون بمعنى صفة ، ويجوز أن يكون المعنى : ولما يصبكم مثل الذي أصاب الذين من قبلكم ، أي من البلاء ، قال وهب : وجد فيما بين مكة والطائف سبعون نبياً موتى ، كان سبب موتهم الجوع والقمل ، ونظير هذه الآية " الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم " [ العنكبوت : 1 ، 2 ، 3 ] على ما يأتي ، فاستدعاهم تعالى إلى الصبر ، ووعدهم على ذلك بالنصر فقال : " ألا إن نصر الله قريب " ، والزلزلة : شدة التحريك ، تكون في الأشخاص وفي الأحوال ، يقال : زلزل الله الأرض زلزلة وزلزالاً - بالكسر - فنتزلزلت إذا تحركت واضطربت ، فمعنى " زلزلوا " خوفوا وحركوا ، الزلزال - بالفتح - الاسم ، والزلزال : الشدائد ، قال الزجاج : أصل الزلزلة من زل الشيء عن مكانه ، فإذا قلت : زلزلته فمعناه كررت زلله من مكانه ، ومذهب سيبويه أن زلزل رباعي كدحرج وقرأ نافع ، " حتى يقول " بالرفع ، والباقون بالنصب ، ومذهب سيبويه في " حتى " أن النصب فيما بعدها من جهتين والرفع ممن جهتين ، تقول : سرت حتى أدخل المدينة بالنصب على أن السير والدخول جميعاً قد مضيا ، أي سرت إلى أن أدخلها ، وهذه غاية ، وعليه قراءة من قرأ بالنصب ، والوجه الآخر في النصب في غير الآية سرت حتى أدخلها ، أي كي أدخلها ، والوجهان في الرفع سرت حتى أدخلها ، أي سرت فأدخلها ، وقد مضيا جميعاً ، أي كنت سرت فدخلت ، ولا تعمل حتى هاهنا بإضمار أن ، لأن بعدها جملة ، كما قال الفرزدق :
فيا عجباً حتى كليب تسيني
قال النحاس : فعلى هذا القراءة بالرفع أبين وأصح معنى ، أي وزلزلوا حتى الرسول يقول ، أي حتى هذه احاله ، لأن القول إنما كان عن الزلزلة غير منقطع منها ، والنصب على الغاية ليس فيه هذا المعنى ، والرسول هنا شعياً في قول مقاتل ، وهو اليسع ، وقال الكلبي : هذا في كل رسول بعث إلى أمته وأجهد في ذلك حتى قال : متى نصر الله ؟ وروي عن الضحاك قال : يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ، وعليه يدل نزلو الآية ، والله أعلم ، والوجه الآخر في غير الآية سرت حتى أدخلها ، على أن يكون السير قد مضى والدخول الآن وحكى سيبويه : مرض حتى لا يرجونه ، أي هو الآن لا يرجى ، ومثله سرت حتى أدخلها لا أمنع ، وبالرفع قرأ مجاهد والأعرج وابن محيصن وشيبة ، وبالنصب قرأ الحسن و أبو جعفر و ابن أبي إسحاق و شبل وغيرهم ، قال مكي : وهو الإختيار لأن جماعة القراء عليه وقرأ الأعمش (( وزلزلوا ويقول الرسول )) بالواو بدل حتى ، وفي مصحف ابن مسعود (( وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول )) ، وأكثر المتأولين على أن الكلام إلى آخر الآية من قول الرسول والمؤمنين ، أي بلغ الجهد بهم حتى استبطأوا النصر ، فقال الله تعالى : " ألا إن نصر الله قريب " ويكون ذلك من قول الرسول على طلب استعجال النصر لا على شك وارتياب ، والرسول اسم جنس ، وقالت طائفة : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله ، فيقول الرسول : ألا إن نصر الله قريب ، فقدم الرسول في الرتبة لمكانته ، ثم قدم قول المؤمنين لأنه المتقدم في الزمان ، قال ابن عطية : وهذا تحكم وحمل الكلام على وجهه غير متعذر ويحتمل أن يكون " ألا إن نصر الله قريب " إخباراً من الله تعالى مؤتنفاً بعد تمام ذكر القول .
قوله تعالى : " متى نصر الله " رفع بالإبتداء على قول سيبويه ، وعلى قول أبي العباس رفع بفعل ، أي متى يقع نصر الله ، و(( قريب )) خبر (( إن )) قال النحاس : ويجوز في غير القرآن (( قريباً )) أي مكاناً قريباً ، و(( قريب )) لا تثنيه العرب ولا تجمعه ولا تؤنثه في هذا المعنى ، قال الله عز وجل : " إن رحمة الله قريب من المحسنين " [ الأعراف : 56 ] .
وقال الشاعر :
له الويل إن أمسى ولا أم هاشم قريب ولا بسباسه ابنة يشكرا
فإن قلت : فلان قريب لي ثنيت وجمعت ، فقلت : قريبون وأقرباء وقرباء .
يقول تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة" قبل أن تبتلوا وتخبروا وتمتحنوا كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم, ولهذا قال "ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء" وهي الأمراض والأسقام والالام والمصائب والنوائب. قال ابن مسعود وابن عباس وأبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير ومرة الهمداني والحسن وقتادة والضحاك والربيع والسدي ومقاتل بن حيان "البأساء" الفقر "والضراء" السقم "وزلزلوا" خوفاً من الأعداء زلزالاً شديداً, وامتحنوا امتحاناً عظيماً, كما جاء في الحديث الصحيح عن خباب بن الأرت, قال: قلنا: يا رسول الله, ألا تستنصر لنا, ألا تدعو الله لنا ؟ فقال: "إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه, ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه, لا يصرفه ذلك عن دينه" ثم قال "والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت, لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه, ولكنكم قوم تستعجلون" وقال الله تعالى: " الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين " وقد حصل من هذا جانب عظيم للصحابة رضي الله تعالى عنهم في يوم الأحزاب, كما قال الله تعالى: "إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً" الايات. ولما سأل هرقل أبا سفيان هل قاتلتموه ؟ قال: نعم. قال فكيف كانت الحرب بينكم ؟ قال سجالاً, يدال علينا وندال عليه. قال: كذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة. وقوله "مثل الذين خلوا من قبلكم" أي سنتهم كما قال تعالى: "فأهلكنا أشد منهم بطشاً ومضى مثل الأولين" وقوله " وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " أي يستفتحون على أعدائهم ويدعون بقرب الفرج والمخرج عند ضيق الحال والشدة, قال الله تعالى: "ألا إن نصر الله قريب" كما قال " فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا " وكما تكون الشدة ينزل من النصر مثلها, ولهذا قال "ألا إن نصر الله قريب" وفي حديث أبي رزين "عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه, فينظر إليهم قنطين, فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب" الحديث.
214- "أم" هنا منقطعة بمعنى بل. وحكى بعض اللغويين أنها قد تجيء بمثابة همزة الاستفهام يبتدأ بها الكلام، فعلى هذا معنى الاستفهام هنا التقرير والإنكار: أي أحبستم دخولكم الجنة واقعاً، ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم، فتصبروا كما صبروا، ذكر الله سبحانه هذه التسلية بعد أن ذكر اختلاف الأمم على أنبيائهم، تثبيتاً للمؤمنين وتقوية لقلوبهم، ومثل هذه الآية قوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم" وقوله تعالى: " الم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ". وقوله: "مستهم" بيان لقوله: " مثل الذين خلوا ". و"البأساء والضراء" قد تقدم تفسيرهما، والزلزلة: شدة التحريك يكون في الأشخاص وفي الأحوال، يقال: زلزل الله الأرض زلزلة وزلزالاً بالكسر، فتزلزلت: إذا تحركت واضطربت، فمعنى زلزلوا: خوفوا وأزعجوا إزعاجاً شديداً. وقال الزجاج: أصل الزلزلة: نقل الشيء من مكانه، فإذا قلت: زلزلته فمعناه كررت زلـله من مكانه. وقوله: "حتى يقول" أي استمر ذلك إلى غاية هي قول الرسول ومن معه "متى نصر الله" والرسول هنا قيل: هو محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: هو شعياء، وقيل: هو كل رسول بعث إلى أمته. وقرأ مجاهد والأعرج ونافع وابن محيصن بالرفع في قوله: "حتى يقول" وقرأ غيرهم بالنصب بالرفع على أنه حكاية لحال ماضية، والنصب بإضمار أن على أنه غاية لما قبله. وقرأ الأعمش: " وزلزلوا حتى يقول الرسول " بالواو بدل حتى، ومعنى ذلك أن الرسول ومن معه بلغ بهم الضجر إلى أن قالوا هذه المقالة المقتضية لطلب النصر واستبطاء حصوله واستطالة تأخره، فبشرهم الله سبحانه بقوله: "ألا إن نصر الله قريب". وقالت طائفة في الكلام تقديم وتأخير، والتقدير: حتى يقول الذين آمنوا متى نصر الله، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم ألا إن نصر الله قريب، ولا ملجئ لهذا التكلف، لأن قول الرسول ومن معه: "متى نصر الله" ليس فيه إلا استجال النصر من الله سبحانه، وليس فيه ما زعموه من الشك والارتياب حتى يحتاج إلى ذلك التأويل المتعسف.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أن هذه الآية نزلت في يوم الأحزاب، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء وأنه مبتليهم فيها، وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال: "مستهم البأساء والضراء" فالبأساء: الفتن، والضراء: السقم، وزلزلوا بالفتن وأذى الناس إياهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: " ولما يأتكم مثل الذين خلوا " قال: أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم: "ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً" ولعله يعني بقوله حتى قال قائلهم: يعني قائل المنافقين كما يفيد ذلك قوله تعالى: " إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا * هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا * وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ".
214. قوله تعالى: " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " قال قتادة و السدي : نزلت هذه الآية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد وشدة الخوف والبرد وضيق العيش وأنواع الأذى كما قال الله تعالى: " وبلغت القلوب الحناجر " (10-الأحزاب) وقيل نزلت في حرب أحد.
وقال عطاء : لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة اشتد عليهم الضر، لأنهم خرجوا بلا مال وتركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين وآثروا رضا الله ورسوله، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر قوم النفاق فأنزل الله تعالى تطييباً لقلوبهم " أم حسبتم " أي: أحسبتم، والميم صلة، قاله الفراء ، وقال الزجاج : بل حسبتم، ومعنى الآية: أظننتم أيها المؤمنون أن تدخلوا الجنة " ولما يأتكم " وما صلة " مثل الذين خلوا " شبه الذين مضوا " من قبلكم " من النبيين والمؤمنين " مستهم البأساء " الفقر والشدة والبلاء " والضراء " المرض والزمانة " وزلزلوا " أي حركوا بأنواع البلايا والرزايا وخوفوا " حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " ما زال البلاء بهم حتى استبطؤوا النصر.
قال الله تعالى: " ألا إن نصر الله قريب " قرأ نافع حتى يقول الرسول بالرفع معناه حتى قال الرسول، وإذا كان الفعل الذي يلي حتى في معنى الماضي ولفظه (لفظ) المستقبل فلك فيه الوجهان الرفع والنصب، فالنصب على ظاهر الكلام، لأن حتى تنصب الفعل المستقبل، والرفع لأن معناه الماضي، وحتى لا تعمل في الماضي.
قوله تعالى: ( يسألونك ماذا ينفقون ) نزلت في عمرو بن الجموح، وكان شيخاً كبيراً ذا مال فقال: يا رسول الله بماذا نتصدق وعلى من ننفق؟
214-" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة " خاطب به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعد ما ذكر اختلاف الأمم على الأنبياء بعد مجيء الآيات ، تشجيعاً لهم على الثبات مع مخالفتهم . و " أم " منقطعة ومعنى الهمزة فيها الإنكار " ولما يأتكم " ولم يأتكم ، وأصل " لما " لم زيدت عليهم ما وفيها توقع ولذلك جعلت مقابل قد . " مثل الذين خلوا من قبلكم " حالهم التي هي مثل في الشدة . " مستهم البأساء والضراء " بيان له على الاستئناف . " وزلزلوا " وأزعجوا إزعاجاً شديداً بما أصابهم من الشدائد . " حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه " لتناهي الشدة واستطالة المدة بحيث تقطعت حبال الصبر . وقرأ نافع يقول بالرفع على أنه حكاية حال ماضية كقولك مرض حتى لا يرجونه . " متى نصر الله " استبطاء له لتأخره . " ألا إن نصر الله قريب " استئناف على إرادة القول أي فقيل لهم ذلك اسعافاً لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر ، وفيه إشارة إلى أن الوصول إلى الله تعالى والفوز بالكرامة عنده برفض الهوى واللذات ، ومكابدة الشدائد والرياضات كما قال عليه الصلاة والسلام " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .
214. Or think ye that ye will enter Paradise while yet there hath not come unto you the like of (that which came to) those who passed away before you? Affliction and adversity befell them, they were shaken as with earthquake, till the messenger (of Allah) and those who believed along with him said: When cometh Allah's help? Now surely Allah's help is nigh.
214 - Or do ye think that ye shall enter the garden (of bliss) without such (trials) as came to those who passed away before you? they encountered suffering and adversity, and were so shaken in spirit that even the apostle and those of faith who were with him cried: when (will come) the help of God? ah! verily, the help of God is (always) near!