(كتب) فرض (عليكم القتال) للكفار (وهو كره) مكروه (لكم) طبعا لمشقته (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم) لميل النفس إلى الشهوات الموجبة ونفورها عن التكليفات الموجبة لسعادتها فلعل لكم في القتال وإن كرهتموه خيراً لأن فيه إما الظفر والغنيمة أو الشهادة والأجر وفي تركه وإن أحببتموه شرا لأن فيه الذل والفقر وحرمان الأجر (والله يعلم) ما هو خير لكم (وأنتم لا تعلمون) ذلك فبادروا إلى ما يأمركم به
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه بقوله: "كتب عليكم القتال" ، فرض عليكم القتال، يعني: قتال المشركين، "وهو كره لكم". واختلف أهل العلم في الذين عنوا بفرض القتال.فقال بعضهم: عني بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة دون غيرهم. ذكر من قال ذلك:حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء قلت له: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، أواجب الغزو على الناس من أجلها؟ قال: لا! كتب على أولئك حينئذ.حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد قال، حدثنا خالد، عن حسين بن قيس، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، قال نسختها: "قالوا سمعنا وأطعنا" [البقرة: 285]. قال أبو جعفر: وهذا قول لا معنى له. لأن نسخ الأحكام من قبل الله جل وعز، لا من قبل العباد. وقوله: "قالوا سمعنا وأطعنا" [البقرة: 285- النساء: 46]، خبر من الله عن عباده المؤمنين، وأنهم قالوه، لانسخ منه.حدثني محمد بن إسحاق قال، حدثنا معاوية بن عمرو قال، حدثنا أبو إسحاق الفزاري قال: سألت الأوزاعي عن قول الله عز وجل: "كتب عليكم القتال وهو كره لكم"، أواجب الغزو على الناس كلهم؟ قال: لا أعلمه، ولكن لا ينبغي للأئمة والعامة تركه، فأما الرجل في خاصة نفسه فلا. وقال آخرون: هو على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية، فيسقط فرض ذلك حينئذ عن باقي المسلمين، كالصلاة على الجنائز، وغسلهم الموتى ودفنهم. وعلى هذا عامة علماء المسلمين. قال أبو جعفر: وذلك هو الصواب عندنا، لإجماع الحجة على ذلك، ولقول الله عز وجل: "فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى" [النساء: 95]، فأخبر جل ثناؤه أن الفضل للمجاهدين، وأن لهم وللقاعدين الحسنى. ولو كان القاعدون مضيعين فرضا، لكان لهم السوأى لا الحسنى. وقال آخرون: هو فرض واجب على المسلمين إلى قيام الساعة. ذكر من قال ذلك. حدثنا حبيش بن مبشر قال، حدثنا روح بن عبادة، عن ابن جريج، عن داود بن أبي عاصم قال: قلت لسعيد بن المسيب: قد أعلم أن الغزو واجب على الناس! فسكت، وقد أعلم أن لو أنكر ما قلت لبين لي.
وقد بينا فما مضى معنى قوله: كتب بما فيه الكفاية. قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وهو ذو كره لكم. فترك ذكر ذو اكتفاء بدلالة قوله: "كره لكم" عليه، كما قال: "واسأل القرية" [يوسف: 83]. وبنحو الذي قلنا في ذلك روي عن عطاء في تأويله. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسمقال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء في قوله"وهو كره لكم"، قال: كرة إليكم حينئذ. والكره بالضم: هو ما حمل الرجل نفسه عليه من غير إكراه أحد إياه عليه. والكره بفتح الكاف ، هو ما حمله عليه غيره فأدخله عليه كرها. وممن حكي عنه هذا القول معاذ بن مسلم. حدثني المثنى قال حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حماد، عن معاذ بن
مسلم قال: الكره المشقة، والكره الإجبار. وقد كان بعض أهل العربية يقول:الكره والكره لغتان بمعنى واحد، مثل: الغسل والغسل و الضعف والضعف و الرهب والرهب . وقال بعضهم: الكره بضم الكاف اسم، والكره بفتحها
مصدر. قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تكرهوا القتال فإنكم لعلكم أن تكرهوه وهو خير لكم، ولا تحبوا ترك الجهاد فلعلكم أن تحبوه وهوشر لك، كما:- حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم"، وذلك لأن المسلمين كانوا يكرهون القتال، فقال: "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" يقول: إن لكم في القتال الغنيمة والظهور والشهادة، ولكم في القعود أن لا تظهروا على المشركين، ولا تستشهدوا، ولا تصيبوا شيئا. حدثني محمد بن إبراهيم السلمي قال، حدثني يحيى بن محمد بن مجاهد قال، أخبرني عبيد الله بن أبي هاشم الجعفي قال، أخبرني عامر بن واثلة قال، " قال ابن عباس: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن عباس، ارض عن الله بما قدر، وإن كان خلاف هواك، فإنه مثبت في كتاب الله. قلت: يا رسول الله، فأين؟ وقد قرأت القرآن قال: في قوله: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" " . قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: والله يعلم ما هو خير لكم مما هو شر لكم، فلا تكرهوا ما كتبت عليكم من جهاد عدوكم وقتال من أمرتكم بقتاله، فإني أعلم أن قتالكم إياهم هو خير لكم في عاجلكم ومعادكم، وترككم قتالهم شر لكم، وأنتم لا تعلمون من ذلك ما أعلم. يحضهم جل ذكره بذلك على جهاد أعدائه، ويرغبهم في قتال من كفر به.
قوله تعالى : " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون "
فيه ثلاث مسائل :
الأول : قوله تعالى : " كتب " معناه فرض ، وقد تقدم مثله ، وقرأ قوم (( كتب عليكم القتال )) ، وقال الشاعر :
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جر الذيول
هذا هو فرض الجهاد ، بين سبحانه أن هذا مما امتحنوا به وجعل وصلة إلى الجنة والمراد بالقتال قتال الأعداء من الكفار ، وهذا كان معلوماً لهم بقرائن الأحوال ، ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في القتال مدة إقامته بمكة ، فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين عامة ، واختلفوا من المراد بهذه الآية ، فقيل : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان القتال مع النبي صلى الله عليه وسلم فرض عين عليهم ، فلما استقر الشرع صار على الكفاية ، قاله عطاء و الأوزاعي ، قال ابن جريج : قلت لـ عطاء : أواجب الغزو على الناس في هذه الآية ؟ فقال : لا ، إنما كتب على أولئك ، وقال الجمهول من الأمة : أول فرضه إنما كان على الكفاية دون تعيين ، غير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استفزهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته ، وقال سعيد بن المسيب : إن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه أبداً ، حكاه الماوردي ، قال ابن عطية : والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية ، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين ، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين ، وسيأتي هذا مبيناً في سورة (( براءة )) إن شاء الله تعالى ، وذكر المهدوي وغيره عن الثوري أنه قال : الجهاد تطوع ، قال ابن عطية : وهذه العبارة عندي إنما هي على سؤال سائل وقد قيم بالجهاد ، فقيل له : ذلك تطوع .
الثانية : قوله تعالى : " وهو كره لكم " ابتداء وخبر ، وهو كره في الطباع ، قال ابن عرفة : الكره المشقة ، والكره بالفتح ، ما أكرهت عليه ، هذا هو الاختيار ، ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين ، يقال : كرهت الشيء كرهاً وكرهاً وكراهة وكراهية ، وأكرهته عليه إكراهاً ، وإنما كان الجهاد كرهاً لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل ، والتعرض بالجسد للشجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس ، فكانت كراهيتهم لذلك ، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى ، وقال عكرمة في هذه الآية : إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا : سمعنا وأطعنا ، وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة ، لكن إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات .
قلت : ومثاله في الدنيا إزالة ما يؤلم الإنسان ويخاف منه كقطع عضو وقلع ضرس وفصد وحجامة ابتغاء العافية ودوام الصحة ، ولا نعيم أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق .
الثالثة : قوله تعالى : " وعسى أن تكرهوا شيئا " قيل : (( عسى )) بمعنى قد ، قاله الأصم ، وقيل : هي واجبة ، و (( عسى )) من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى : " عسى ربه إن طلقكن أن يبدله " [ التحريم : 5 ] ، وقال أبو عبيدة : (( عسى )) من الله إيجاب ، والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد من المشقة وهو خير لكم في أنكم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ، ومن مات مات شهيداً ، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم .
قلت : وهذا صحيح لا غبار عليه ، كما أتفق في بلاد الأندلس ، تركوا الجهاد وجبنوا عن القتال وأكثروا من الفرار ، فاستولى العدو على البلاد ، وأي بلاد ؟ ! وأسر وقتل وسبى وأسترق ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته ! وقال الحسن في معنى الآية : لا تكرهوا الملمات الواقعة ، فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ، ولرب عبد الله :
رب أمر تتقيــــــه جر أمـراً ترتضيــه
خفـي المحبــــوب منـه وبــدا المكروه فيـه
هذا إيجاب من الله تعالى للجهاد على المسلمين أن يكفوا شر الأعداء عن حوزة الإسلام, وقال الزهري: الجهاد واجب على كل أحد غزا أو قعد, فالقاعد عليه إذا استعين أن يعين, وإذا استغيث أن يغيث, وإذا استنفر أن ينفر, وإن لم يحتج إليه قعد. (قلت) ولهذا ثبت في الصحيح "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو, مات ميتة جاهلية" وقال عليه السلام يوم الفتح: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية, وإذا استنفرتم فانفروا" وقوله "وهو كره لكم" أي شديد عليكم ومشقة وهو كذلك, فإنه إما أن يقتل أو يجرح مع مشقة السفر ومجالدة الأعداء. ثم قال تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" أي لأن القتال يعقبه النصر والظفر على الأعداء والاستيلاء على بلادهم وأموالهم وذراريهم وأولادهم. "وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم" وهذا عام في الأمور كلها قد يحب المرء شيئاً وليس له فيه خيرة ولا مصلحة, ومن ذلك القعود عن القتال قد يعقبه استيلاء العدو على البلاد والحكم. ثم قال تعالى: "والله يعلم وأنتم لا تعلمون" أي هو أعلم بعواقب الأمور منكم, وأخبر بما فيه صلاحكم في دنياكم وأخراكم, فاستجيبوا له وانقادوا لأمره, لعلكم ترشدون.
وقوله: 216- "كتب" أي فرض، وقد تقدم بيان معناه. بين سبحانه أن هذا: أي فرض القتال عليهم من جملة ما امتحنوا به. والمراد بالقتال قتال الكفار. والكره بالضم: المشقة، وبالفتح: ما أكرهت عليه، ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين، يقال: كرهت الشيء كرهاً وكرهاً وكراهة وكراهية وأكرهته عليه إكراهاً، وإنما كان الجهاد كرهاً لأن فيه إخراج المال، ومفارقة الأهل والوطن، والتعرض لذهاب النفس، وفي التعبير بالمصدر وهو قوله: "كره" مبالغة، ويحتمل أن يكون بمعنى المكروه كما في قولهم: الدرهم ضرب الأمير. وقوله: "وعسى أن تكرهوا شيئاً" قيل: عسى هنا بمعنى قد، وروي ذلك عن الأصم. وقال أبو عبيدة: عسى من الله إيجاب، والمعنى: عسى أن تكرهوا الجهاد لما فيه من المشقة وهو خير لكم، فربما بغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون، ومن مات مات شهيداً، وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم، فربما يتقوى عليكم العدو فيغلبكم، ويقصدكم إلى عقر دياركم فيحل بكم أشد مما تخافونه من الجهاد الذي كرهتم مع ما يفوتكم في ذلك من الفوائد العاجلة والآجلة: "والله يعلم" ما فيه صلاحكم وفلاحكم: "وأنتم لا تعلمون".
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "يسألونك ماذا ينفقون" قال: يوم نزلت هذه الآية لم تكن زكاة، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله، والصدقة يتصدق بها فنسختها الزكاة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: سأل المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت "يسألونك ماذا ينفقون" الآية، فذلك النفقة في التطوع والزكاة سواء ذلك كله. وأخرج ابن المنذر أن عمرو بن الجموح سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا تنفق من أموالنا وأين نضعها؟ فنزلت. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "كتب عليكم القتال" قال: إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بمكة بالتوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكة وأن يكفوا أيديهم عن القتال، فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال، فنزلت: "كتب عليكم القتال" قال: إن الله أمر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بمكة بالتوحيد وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن يكفوا أيديهم عن القتال، فلما هاجر إلى المدينة نزلت سائر الفرائض وأذن لهم في القتال، فنزلت: "كتب عليكم القتال" يعني فرض عليكم وأذن لهم بعد ما نهاهم عنه "وهو كره لكم" يعني القتال وهو مشقة عليكم "وعسى أن تكرهوا شيئاً" يعني الجهاد قتال المشركين "وهو خير لكم"، ويجعل الله عاقبته فتحاً وغنيمة وشهادة "وعسى أن تحبوا شيئاً" يعني القعود عن الجهاد "وهو شر لكم" فيجعل الله عاقبته شراً، فلا تصيبوا ظفراً ولا غنيمة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: قلت لعطاء ما يقول في قوله: "كتب عليكم القتال" أوجب الغزو على الناس من أجلها؟ قال: لا، كتب على أولئك حينئذ. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن شهاب في الآية قال: الجهاد مكتوب على كل أحد غزا أو قعد، فالقاعد إن استعين به أعان، وإن استغيث به أغاث، وإن استنفر نفر، وإن استغني عنه قعد، وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "وهو كره لكم" قال: نسختها هذه الآية: "وقالوا: سمعنا وأطعنا". وأخرجه ابن جرير موصولاً عن عكرمة عن ابن عباس. وأخرج ابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق علي قال: عسى من الله واجب. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي نحوه أيضاً. وقد ورد في فضل الجهاد ووجوبه أحاديث كثيرة لا يتسع المقام لبسطها.
216. قوله تعالى: " كتب عليكم القتال " أي فرض عليكم الجهاد، واختلف العلماء في حكم هذه الآية فقال عطاء : الجهاد تطوع، والمراد من الآية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دون غيرهم، وإليه ذهب الثوري واحتج من ذهب إلى هذا بقوله تعالى: " فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى " (95-النساء) ولو كان القاعد تاركاً فرضاً لم يكن بعده الحسنى، وجرى بعضهم على ظاهر الآية، وقال: الجهاد فرض على كافة المسلمين إلى قيام الساعة.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي الخوارزمي أخبرنا أبو اسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفراتي أخبرنا أبو الهيثم بن كليب أخبرنا أحمد بن حازم بن أبي غرزة أخبرنا سعيد بن عثمان السعيدي عن عمر بن محمد بن المنكدر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق ".
وقال قوم، وعليه الجمهور: إن الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين مثل صلاة الجنازة ورد السلام، قال الزهري و الأوزاعي : كتب الله الجهاد على الناس غزوا أو قعدوا، فمن غزا فيها ونعمت ومن قعد فهو عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغني عنه قعد.
قوله تعالى: " وهو كره لكم " أي شاق عليكم قال بعض أهل المعاني: هذا الكره منحيث نفور الطبع عنه لما فيه، من مؤنة المال ومشقة النفس وخطر الروح، لا أنهم كرهوا أمر الله تعالى، وقال عكرمة ، نسخها قوله تعالى: " سمعنا وأطعنا " يعني أنهم كرهوه ثم احبوه فقالوا " سمعنا وأطعنا ". قال الله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " لأن في الغزو إحدى الحسنيين إما الظفر والغنيمه وإما الشهادة والجنة " وعسى أن تحبوا شيئاً " يعني القعود عن الغزو " وهو شر لكم " لما فيه من فوات الغنيمة والأجر " والله يعلم وأنتم لا تعلمون ".
216-" كتب عليكم القتال وهو كره لكم " شاق عليكم مكروه طبعاً ، وهو مصدر نعت به للمبالغة ، أو فعل بمعنى مفعول كالخبز . وقرئ بالفتح على أنه لغة فيه كالضعف والضعف ، أو بمعنى الإكراه على المجاز كأنهم أكرهوا عليه لشدته وعظم مشقته كقوله تعالى : " حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً " " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " وهو جميع ما كلفوا به ، فإن الطبع يكرهه وهو مناط صلاحهم وسبب فلاحهم . " وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم " وهو جميع ما نهوا عنه ، فإن النفس تحبه وتهواه وهو يفضي بها إلى الردى ، وإنما ذكر " عسى " لأن النفس إذا ارتاضت ينعكس الأمر عليها . " والله يعلم " ما هو خير لكم . " وأنتم لا تعلمون " ذلك ، وفيه دليل على أن الأحكام تتبع المصالح الراجحة وإن لم يعرف عينها .
216. Warfare is ordained for you, though it is hateful unto you; but it may happen that ye hate a thing which is good for you, and it may happen that ye love a thing which is bad for you. Allah knoweth, ye know not.
216 - Fighting is prescribed for you, and ye dislike it. but it is possible that ye dislike a thing which is good for you, and that ye love a thing which is bad for you. but God knoweth, and ye know not.