22 - (ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه) القرآن (ثم أعرض عنها) لا أحد أظلم منه (إنا من المجرمين) المشركين (منتقمون)
يقول تعالى ذكره: وأي الناس أظلم لنفسه ممن وعظه الله بحججه، وآي كتابه ورسله، ثم أعرض عن ذلك كله، فلم يتعظ بمواعظه، ولكنه استكبر عنها.
وقوله " إنا من المجرمين منتقمون " يقول: إنا من الذين اكتسبوا الآثام، واجترحوا السيئات منتقمون.
وكان بعضهم يقول: عني بالمجرمين في هذا الموضع: أهل القدر.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا وائل بن داود، عن مروان بن سفيح، عن يزيد بن رفيع، قال: إن قول الله في القرآن " إنا من المجرمين منتقمون " هم أصحاب القدر، ثم قرأ ( إن المجرمين في ضلال وسعر) .. ( القمر: 47) إلى قوله ( خلقناه بقدر) ( القمر: 49).
حدثنا الحسن بن عرفة، قال: ثنا مروان، قال: أخبرنا وائل بن داود، عن ابن سفيح، عن يزيد بن رفيع بنحوه، إلا أنه قال في حديثه: ثم قرأ وائل بن داود هؤلاء الآيات ( إن المجرمين في ضلال وسعر) ( القمر: 47) ... إلى آخر الآيات.
وقال آخرون في ذلك، بما:
حدثني به عمران بن بكار الكلاعي، قال: ثنا محمد بن المبارك، قال: ثنا إسماعيل بن عياش، قال: ثنا عبد العزيز عبيد الله، عن عبادة بن نسي، عن جنادة بن أبي أمية، عن معاذ بن جبل، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من اعتقد لواءً في غير حق، أو عق والديه، أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم: يقول الله " إنا من المجرمين منتقمون " ".
قوله تعالى:"ومن أظلم" أي لا أحد أظلم لنفسه. "ممن ذكر بآيات ربه" أي بحججه وعلاماته. "ثم أعرض عنها" بترك القبول. "إنا من المجرمين منتقمون" لتكذيبهم وإعراضهم.
يخبر تعالى عن عدله وكرمه أنه لا يساوي في حكمه يوم القيامة من كان مؤمناً بآياته متبعاً لرسله, بمن كان فاسقاً أي خارجاً عن طاعة ربه, مكذباً لرسل الله إليه, كما قال تعالى: "أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون" وقال تعالى: "أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار" وقال تعالى: "لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة" الاية, ولهذا قال تعالى ههنا "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون" أي عند الله يوم القيامة, وقد ذكر عطاء بن يسار والسدي وغيرهما أنها نزلت في علي بن أبي طالب وعقبة بن أبي معيط , ولهذا فصل حكمهم فقال "أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي صدقت قلوبهم بآيات الله وعملوا يمقتضاها وهي الصالحات "فلهم جنات المأوى" أي التي فيها المساكن والدور والغرف العالية "نزلا" أي ضيافة وكرامة "بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا" أي خرجوا عن الطاعة فمأواهم النار, كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها, كقوله "كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها" الاية قال الفضيل بن عياض : والله إن الأيدي لموثقة, وإن الأرجل لمقيدة, وإن اللهب ليرفعهم, والملائكة تقمعهم "وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون" أي يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً.
وقوله تعالى: " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " قال ابن عباس : يعني بالعذاب الأدنى مصائب الدنيا وأسقامها وآفاتها, وما يحل بأهلها مما يبتلي الله به عباده ليتوبوا إليه. وروي مثله عن أبي بن كعب وأبي العالية والحسن وإبراهيم النخعي والضحاك وعلقمة وعطية ومجاهد وقتادة وعبد الكريم الجزري وخصيف . وقال ابن عباس في رواية عنه: يعني به إقامة الحدود عليهم. وقال البراء بن عازب ومجاهد وأبو عبيدة : يعني به عذا ب القبر. وقال النسائي , أخبرنا عمرو بن علي , أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص , و أبي عبيدة عن عبد الله "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" قال: سنون أصابتهم.
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثني عبد الله بن عمر القواريري , حدثنا يحيى بن سعيد عن شعبة عن قتادة عن عروة عن الحسن العوفي عن يحيى الجزار , عن ابن أبي ليلى عن أبي بن كعب في هذه الاية "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر" قال: القمر والدخان قد مضيا والبطشة واللزام, ورواه مسلم من حديث شعبة به موقوفاً نحوه. وعند البخاري عن ابن مسعود نحوه. وقال عبد الله بن مسعود أيضاً في رواية عنه: العذاب الأدنى ما أصابهم من القتل والسبي يوم بدر, وكذا قال مالك عن زيد بن أسلم . قال السدي وغيره: لم يبق بيت بمكة إلا دخله الحزن على قتيل لهم أو أسير, فأصيبوا أو غرموا, ومنهم من جمع له الأمران.
وقوله تعالى: "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها" أي لا أظلم ممن ذكره الله بآياته وبينها له ووضحها, ثم بعد ذلك تركها وجحدها وأعرض عنها وتناساها كأنه لا يعرفها. قال قتادة .: إياكم والإعراض عن ذكر الله, فإن من أعرض عن ذكره فقد اغتر أكبر الغرة, وأعوز أشد العوز, وعظم من أعظم الذنوب, ولهذا قال تعالى متهدداً لمن فعل ذلك "إنا من المجرمين منتقمون" أي سأنتقم ممن فعل ذلك أشد الانتقام. وروى ابن جرير : حدثني عمران بن بكار الكلاعي , حدثنا محمد بن المبارك , حدثنا إسماعيل بن عياش , حدثنا عبد العزيز بن عبيد الله عن عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن معاذ بن جبل قال: " سمعت رسول الله يقول: ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق, أو عق والديه, أو مشى مع ظالم ينصره فقد أجرم " , يقول الله تعالى: "إنا من المجرمين منتقمون" ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش به وهذا حديث غريب جداً.
22- "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها" أي لا أحد أظلم منه لكونه سمع من آيات الله ما يوجب الإقبال على الإيمان والطاعة، فجعل الإعراض مكان ذلك، والمجيء بثم للدلالة على استبعاد ذلك، وأنه مما ينبغي أن لا يكون "إنا من المجرمين منتقمون" أي من أهل الإجرام على العموم فيدخل فيه من أعرض عن آيات الله دخولاً أولياً.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "إنا نسيناكم" قال: تركناكم. وأخرج البيهقي في الشعب عنه قال: نزلت هذه الآية في شأن الصلوات الخمس "إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً" أي أتوها "وسبحوا" أي صلوا بأمر ربهم "وهم لا يستكبرون" عن إتيان الصلاة في الجماعات. وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أنس بن مالك أن هذه الآية "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" نزلت في انتظار الصلاة التي تدعى العتمة. وأخرج البخاري في تاريخه وابن مردويه عنه قال: نزلت في صلاة العشاء. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن أبي حاتم ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: كانوا لا ينامون حتى يصلوا العشاء. وأخرج ابن أبي شيبة عنه قال: كنا نجتنب الفرش قبل صلاة العشاء. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن مردويه عنه أيضاً قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راقداً قط قبل العشاء، ولا متحدثاً بعدها، فإن هذه الآية نزلت في ذلك "تتجافى جنوبهم عن المضاجع". وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" قال: هم الذين لا ينامون قبل العشاء فأثنى عليهم. فلما ذكر ذلك جعل الرجل يعتزل فراشه مخافة أن تغلبه عينه فوقتها قبل أن ينام الصغير ويكسل الكبير. وأخرج ابن مردويه عن بالا قال: كنا نجلس في المسجد وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون بعد المغرب العشاء تتجافى جنوبهم عن المضاجع. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن عدي وابن مردويه عن أنس نحوه. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود ومحمد بن نصر وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس في قوله: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع" قال: كانوا ينتظرون ما بين المغرب والعشاء يصلون. وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه عن معاذ بن جبل: "عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "تتجافى جنوبهم" قال: قيام العبد من الليل". وأخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابن نصر في كتاب الصلاة وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثاً وأرشد فيه إلى أنواع من الطاعات وقال فيه " وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ " تتجافى جنوبهم عن المضاجع "". وأخرج ابن مردويه عن أنس في الآية قال: كان لا تمر عليهم ليلة إلا أخذوا منها. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد من طريق أبي عبد الله الجدلي عن عبادة بن الصامت عن كعب قال "إذا حشر الناس نادى مناد: هذا يوم الفصل أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع" الحديث. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية يقول: تتجافى لذكر الله كلما استيقظوا ذكروا الله، إما في الصلاة، وإما في القيام أو قعود، أو على جنوبهم لا يزالون يذكرون الله. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: كان عرش الله على الماء فاتخذ جنة لنفسه، ثم اتخذ دونها أخرى، ثم أطبقهما بلؤلؤة واحدة، ثم قال: "ومن دونهما جنتان" لم يعلم الخلق ما فيهما. وهي التي قال الله: "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين" تأتيهم منها كل يوم تحفة. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: إنه لمكتوب في التوراة: لقد أعد الله للذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر ولا يعلم ملك مقرب ولا نبي مرسل، وإنه لفي القرآن "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين". وأخرج البخاري مسلم وغيرهما عن أبي هريرة "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال أبو هريرة: واقرأوا إن شئتم "فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين"". وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة، وهي معروفة فلا نطول بذكرها. وأخرج أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني والواحدي وابن عدي وابن مردويه والخطيب وابن عساكر من طرق عن ابن عباس قال: قال الوليد بن عقبة لعلي بن أبي طالب: أنا أحد منك سناناً، وأنشط منك لساناً، وأملأ للكتيبة منك، فقال له علي: اسكت فإنما أنت فاسق، فنزلت "أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون" يعني بالمؤمن علياً، وبالفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر عنه في الآية نحوه. وروي نحو هذا عن عطاء بن يسار والسدي عبد الرحمن بن أبي ليلى. وأخرج الفريابي وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود في قوله: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى" قال: يوم بدر "دون العذاب الأكبر" قال: يوم القيامة "لعلهم يرجعون" قال: لعل من بقي منهم أن يتوب فيرجع. وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي وابن المنذر والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن مسعود في الآية قال: العذاب الأدنى سنون أصابتهم "لعلهم يرجعون" قال: يتوبون. وأخرج مسلم وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وأبو عوانة في صحيحه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي بن كعب في قوله: "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى" قال: مصائب الدنيا والروم والبطشة والدخان. وأخرج ابن جرير عنه قال: يوم بدر. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس "من العذاب الأدنى" قال: الحدود "لعلهم يرجعون" قال: يتوبون. وأخرج ابن منيع وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه. قال السيوطي بسند ضعيف عن معاذ بن جبل: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثلاث من فعلهن فقد أجرم: من عقد لواء في غير حق، أو عق والديه، أو مشى مع ظالم لينصره فقد أجرم" يقول الله: "إنا من المجرمين منتقمون". قال ابن كثير بعد إخراجه: هذا حديث غريب.
22- "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين"، يعني: المشركين، "منتقمون".
22ـ " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها " فلم يتفكر فيها ، و " ثم " لاستبعاد الإعراض عنها مع فرض وضوحها وإرشادها إلى أسباب السعادة بعد التذكير بها عقلاً كما في بيت الحماسة .
ولا يكشف الغماء إلا ابن حرة يرى غمرات الموت ثم يزورها
" إنا من المجرمين منتقمون " فكيف ممن كان أظلم من كل ظالم .
22. And who doth greater wrong than he who is reminded of the revelations of his Lord, then turneth from them. Lo! We shall requite the guilty.
22 - And who does more wrong than one to whom are recited the Signs of his Lord, and who then turns away therefrom? Verily from those who transgress We shall exact (due) Retribution.