22 - (ولو قاتلكم الذين كفروا) بالحديبية (لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا) يحرسهم (ولا نصيرا)
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من أهل بيعة الرضوان : " ولو قاتلكم الذين كفروا " بالله أيها المؤمنون بمكة " لولوا الأدبار " يقول : لانهزموا عنكم ، فولوكم أعجازكم ، وكذلك يفعل المنهزم من قرنه في الحرب " ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا " يقول : ثم لا يجد هؤلاء الكفار المنهزمون عنكم ، المولوكم الأدبار ، وليا يواليهم على حربكم ، ولا نصيرا ينصرهم عليكم ، لأن الله تعالى ذكره معكم ، ولن يغلب حزب الله ناصره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار " نعني كفار قريش ، قال الله : " ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا " ، ينصرهم من الله .
قوله تعالى : " ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار " قال قتادة : يعني كفار قريش في الحديبية ، وقيل : ( ولو قاتلكم ) غطفان وأسد والذين أرادوا نصرة أهل خيبر ، لكانت الدائرة عليهم " ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا " .
قال مجاهد في قوله تعالى: "وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها" هي جميع المغانم إلى اليوم "فعجل لكم هذه" يعني فتح خيبر, وروى العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما "فعجل لكم هذه" يعني صلح الحديبية "وكف أيدي الناس عنكم" أي لم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال, وكذلك كف أيدي الناس عنكم الذين خلفتموهم وراء ظهوركم عن عيالكم وحريمكم "ولتكون آية للمؤمنين" أي يعتبرون بذلك, فإن الله تعالى حافظهم وناصرهم على سائر الأعداء مع قلة عددهم, وليعلموا بصنيع الله هذا بهم إنه العالم بعواقب الأمور, وإن الخيرة فيما يختاره لعباده المؤمنين وإن كرهوه في الظاهر كما قال عز وجل "وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم" "ويهديكم صراطاً مستقيماً" أي بسبب انقيادكم لأمره واتباعكم طاعته, وموافقتكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تبارك وتعالى: "وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديراً" أي وغنيمة أخرى وفتحاً آخر معيناً لم تكونوا تقدرون عليها, قد يسرها الله عليكم وأحاط بها لكم, فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون, وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ما المراد بها فقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما هي خيبر, وهذا على قوله عز وجل: "فعجل لكم هذه" إنها صلح الحديبية, وقاله الضحاك وابن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وقال قتادة: هي مكة واختاره ابن جرير, وقال ابن أبي ليلى والحسن البصري: هي فارس والروم, وقال مجاهد: هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة. وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة عن سماك الحنفي عن ابن عباس رضي الله عنهما "وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها" قال: هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم.
وقوله تعالى: "ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً" يقول عز وجل مبشراً لعباده المؤمنين, بأنه لو ناجزهم المشركون لنصر الله رسوله وعباده المؤمنين عليهم, ولا نهزم جيش الكفر فاراً مدبراً لا يجدون ولياً ولا نصيراً, لأنهم محاربون لله ولرسوله ولحزبه المؤمنين. ثم قال تبارك وتعالى: "سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً" أي هذه سنة الله وعادته في خلقه, ما تقابل الكفر والإيمان في موطن إلا نصر الله الإيمان على الكفر فرفع الحق ووضع الباطل, كما فعل تعالى يوم بدر بأوليائه المؤمنين نصرهم على أعدائه من المشركين مع قلة عدد المسلمين وعددهم وكثرة المشركين وعددهم.
وقوله سبحانه وتعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً" هذا امتنان من الله على عباده المؤمنين حين كف أيدي المشركين عنهم فلم يصل إليهم منهم سوء, وكف أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام, بل صان كلاً من الفريقين وأوجد بينهم صلحاً فيه خير للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والاخرة, وقد تقدم في حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه حين جاؤوا بأولئك السبعين الأسارى, فأوقفوهم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إليهم فقال: "أرسلوهم يكن لهم بدء الفجور وثناه". قال وفي ذلك أنزل الله عز وجل: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الاية. وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون, حدثنا حماد عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلاً من أهل مكة بالسلاح, من قبل جبل التنعيم, يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا. قال عفان: فعفا عنهم ونزلت هذه الاية: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" ورواه مسلم وأبو داود في سننه والترمذي والنسائي في التفسير من سننيهما من طرق عن حماد بن سلمة به.
وقال أحمد أيضاً: حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا الحسين بن واقد, حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه قال: "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال تعالى في القرآن, وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه. وسهيل بن عمرو بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فأخذ سهيل بيده وقال: ما نعرف الرحمن الرحيم, اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال: اكتب باسمك اللهم ـ وكتب ـ هذا ما صالح عليه محمد رسول الله أهل مكة فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال: لقد ظلمناك إن كنت رسوله اكتب في قضيتنا ما نعرف فقال اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح, فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذ الله تعالى بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد ؟ أو هل جعل لكم أحداً أماناً ؟ فقالوا: لا , فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم" " .الاية رواه النسائي من حديث حسين بن واقد به.
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا يعقوب القمي, حدثنا جعفر عن ابن أبزى قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمر رضي الله عنه: يا نبي الله, تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع ؟ قال: فبعث صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلا حمله, فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى, فنزل بمنى فأتاه عينه أن عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة, فقال لخالد بن الوليد رضي الله عنه: "يا خالد هذا ابن عمك قد أتاك في الخيل" فقال خالد رضي الله عنه: أنا سيف الله وسيف رسوله, فيومئذ سمي سيف الله, فقال: يا رسول الله ابعثني أين شئت, فبعثه على خيل فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, ثم عاد في الثانية فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, ثم عاد في الثالثة فهزمه حتى أدخله حيطان مكة, فأنزل الله تعالى: " وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا * هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما " قال فكف الله عز وجل النبي صلى الله عليه وسلم عنهم من بعد أن أظفره عليهم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها كراهية أن تطأهم الخيل, ورواه ابن أبي حاتم عن ابن أبزى بنحوه, وهذا السياق فيه نظر فإنه لا يجوز أن يكون عام الحديبية, لأن خالداً رضي الله عنه لم يكن أسلم بل قد كان طليعة للمشركين يومئذ, كما ثبت في الصحيح, ولا يجوز أن يكون في عمرة القضاء لأنهم قاضوه على أن يأتي في العام القابل فيعتمر, ويقيم بمكة ثلاثة أيام, ولما قدم صلى الله عليه وسلم لم يمانعوه ولا حاربوه ولا قاتلوه.
فإذا قيل: فيكون يوم الفتح ؟ فالجواب: ولا يجوز أن يكون يوم الفتح لأنه لم يسق عام الفتح هدياً, وإنما جاء محارباً مقاتلاً في جيش عرمرم, فهذا السياق فيه خلل وقد وقع فيه شيء فليتأمل والله أعلم. وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنه قال: إن قريشاً بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين, وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصيبوا من أصحابه أحداً فأخذوا أخذاً, فأتي بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم وخلى سبيلهم, وقد كانوا رموا إلى عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل. قال ابن إسحاق: وفي ذلك أنزل الله تعالى: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الاية. وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً يقال له ابن زنيم اطلع على الثنية من الحديبية, فرماه المشركون بسهم فقتلوه, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلاً فأتوه باثني عشر فارساً من الكفار فقال لهم: "هل لكم علي عهد ؟ هل لكم علي ذمة ؟" قالوا: لا , فأرسلهم وأنزل الله تعالى في ذلك: "وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم" الاية.
22- "ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار" قال قتادة يعني كفار قريش بالحديبية، وقيل أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر، والأول أولى "ثم لا يجدون ولياً" يواليهم على قتالكم "ولا نصيراً" ينصرهم عليكم.
22. " ولو قاتلكم الذين كفروا "، يعني: أسد، وغطفان، وأهل خيبر، " لولوا الأدبار "، [لانهزموا]، " ثم لا يجدون ولياً ولا نصيراً ".
22-" ولو قاتلكم الذين كفروا " من أهل مكة ولم يصالحوا " لولوا الأدبار " لانهزموا . " ثم لا يجدون ولياً " يحرسهم . " ولا نصيراً " ينصرهم .
22. And if those who disbelieve join battle with you they will take to flight, and afterward they will find no protecting friend nor helper.
22 - If the Unbelievers should fight you, they would certainly turn their backs; then would they find neither protector nor helper.