(ولا تجعلوا الله) أي الحلف به (عرضة) علة مانعة (لأيمانكم) أي نصباً لها بأن تكثروا الحلف به (أن) لا (تبروا وتتقوا) فتكره اليمين على ذلك ويسن فيه الحنث ويكفِّر بخلافها على فعل البر ونحوه فهي طاعة (وتصلحوا بين الناس) المعنى لا تمتنعوا من فعل ما ذكر من البر ونحوه إذا حلفتم عليه بل ائتوه وكفروا لأن سبب نزولها الامتناع من ذلك (والله سميع) لأقوالكم (عليم) بأحوالكم
قوله تعالى ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية أخرج ابن جرير من طريق ابن جريج قال حدثت أن قوله ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية نزلت في أبي بكر في شأن مسطح
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم ". فقال بعضهم معناه: ولا تجعلوه علة لأيمانكم، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال: علي يمين الله أن لا أفعل ذلك- أوقد حلفت بالله أن لا أفعله فيعتل في تركه فعل الخير والاصلاح بين الناس بالحلف بالله. ذكر من قال ذلك:حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " قال: هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح، ثم يعتل بيمينه، يقول الله: "أن تبروا وتتقوا" هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح، وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك.حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه مثله، إلا أنه قال: وإن حلفت فكفر عن يمينك، وافعل الذي هو خير. حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن السدي، عمن حدثه، عن ابن عباس في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " قال هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول: قد حلفت . قال: يكقر عن يمينه: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا" يقول: لا تعتلوا بالله، أن يقول أحدكم إنه تألى أن لا يصل رحما، ولا يسعى في صلاح، ولا يتصدق من ماله. مهلا مهلا، بارك الله فيكم، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان، فلا تطيعوه، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذوركم ولا أيمانكم.حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا ابن مهدي قال، حدثنا سفيان، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر، فإذا قيل له، قال: قد حلفت . حدثني القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، سألت عطاء عن قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" قال: الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير، الأمر الحسن، يقول: حلفت! قال الله: افعل الذي هو خير وكفر عن يمينك، ولا تجعل الله عرضة.حدثت عن الحسين قال، سمعت أبا معاذ قال، أخبرنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك، يقول في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية: هو الرجل يحرم ما أحل الله له على نفسه، فيقول: قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبر يميني فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ويأتوا الحلال. حدثنا موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" أما "عرضة" فيعرض بينك وبين الرجل الأمر، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله. وأما "تبروا" فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول: قد حلفت! فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه، وليبره، ولا يبالي بيمينه. وأما "تصلحوا" فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه، فيحلف أن لا يصلح بينهما، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه. وهذا قبل أن تنزل الكفارات.حدثنا المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " قال: يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين، فلايمنعه يمينه. وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير. ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" يقول: لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفرعن يمينك واصنع الخير.حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عزوجل عن ذلك فقال: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا". حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم في قوله:"ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " قال: هو الرجل يحلف أن لا يبر قرابته، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين. يقول: فليفعل، وليكفر عن يمينه.حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن إبراهيم النخعي في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس"، قال: لا تحلف أن لا تتقي الله، ولا تحلف أن لا تبرولا تعمل خيرا، ولا تحلف أن لا تصل، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس، ولا تحلف أن تقتل وتقطع.حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن داود، عن سعيد بن جبير، ومغيرة، عن إبراهيم في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة" الآية، قالا: هو الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يتقي، ولا يصلح بين الناس. وأمر أن يتقي الله، ويصلح بين الناس، ويكفر عن يمينه.حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى- وحدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل- عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" فأمروا بالصلة والمعروف والإصلاح بين الناس. فإن حلف حالف أن لا يفعل ذلك فليفعله، وليدع يمينه.حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الاية، قال: ذلك في الرجل يحلف أن لا يبر، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. فأمره الله أن يدع يمينه، ويصل رحمه، ويأمر بالمعروف، ويصلح بين الناس. حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا محمد بن حرب قال، حدثنا ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة في قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" قالت: لا تحلفوا بالله وإن بررتم.حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج عن ابن جريج قال: حدثت أن قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية، نزلت في أبي بكر، في شأن مسطح.حدثنا هناد قال، حدثنا ابن فضيل، عن مغيرة، عن إبراهيم قوله: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" الآية، قال: يحلف الرجل أن لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يصل رحمه.حدثني المثنى، حدثنا سويد، أخبرنا ابن المبارك، عن هشيم، عن المغيرة، عن إبراهيم في قوله:"ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" قال: يحلف أن لا يتقي الله، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين اثنين. فلا يمنعه يمينه. حدثني ابن عبد الرحيم البرقي قال، حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد، عن مكحول أنه قال في قول الله تعالى ذكره: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم"، قال: هو أن يحلف الرجل أن لا يصنع خيرا، ولا يصل رحمه، ولا يصلح بين الناس. نهاهم الله عن ذلك. قال أبو جعفر: وأولى التأويلين بالآية، تأويل من قال: معنى ذلك: لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير فيما بينكم وبين الله وبين الناس. وذلك أن العرضة في كلام العرب، القوة والشدة. يقال منه: هذا الأمر عرضة لك يعني بذلك: قوة على أسبابك. ويقال: فلانة عرضة للنكاح? أي قوة (1)، ومنه قول كعب بن زهير في صفة نوق:
من كل نضاحة الذفرى إذا عرقت، عرضتها طامس الأعلام مجهول
يعني بـعرضتها: قوتها وشدتها. فمعنى قوله تعالى ذكره: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" إذا: لا تجعلوا الله قوة لأيمانكم في أن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا بين الناس. ولكن إذا حلف أحدكم فرأى الذي هو خير مما حلف عليه من نرك البر والإصلاح بين الناس، فليحنث في يمينه، وليبر، وليتق الله، وليصلح بين الناس، وليكفر عن يمينه. وترك ذكر لا من الكلام، لدلالة الكلام عليها، واكتفاء بما ذكر عما ترك، كما قال امرؤ القيس:
فقلت: يمين الله أبرح قاعدا ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
بمعنى: فقلت: يمين الله لا أبرح، فحذف لا، اكتفاء بدلالة الكلام عليها. وأما قوله: "أن تبروا!" فإنه اختلف في تأويل البر الذي عناه الله تعالى ذكره. فقال بعضهم: هو فعل الخير كله. وقال آخرون: هو البر بذي رحمه، وقد ذكرت قائلي ذلك فيما مضى. وأولى ذلك بالصواب قول من قال: عنى به فعل الخير كله وذلك أن أفعال الخير كلها من البر، ولم يخصص الله في قوله: "أن تبروا" معنى دون معنى من معاني البر فهو على عمومه. والبر بذوي القرابة أحد معاني البر. وأما قوله: "وتتقوا" فإن معناه: أن تتقوا ربكم فتحذروه وتحذروا عقابه في فرائضه وحدوده أن نضيعوها أو تتعدوها. وقد ذكرنا تأويل من تأول ذلك أنه بمعنى التقوى قبل. وقال آخرون في تأويله بما:-حدثني به محمد بن سعد قال، حدثنا أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: "أن تبروا وتتقوا"، قال: كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال: "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" الآية. قال: ويقال: لا يتق بعضكم بعضا بي، تحلفون بي وأنتم كاذبون، ليصدقكم الناس وتصلحون بينهم، فذلك قوله: "أن تبروا وتتقوا" الآية. وأما قوله: "وتصلحوا بين الناس" فهو الإصلاح بينهم بالمعروف فيما لا مأثم فيه، وفيما يحبه الله دون ما يكرهه. وأما الذي ذكرنا عن السدي: من أن هذه الاية نزلت قبل نزول كفارات الأيمان، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة. والخبر عما كان، لا تدرك صحته إلا بخبر صادق، وإلا كان دعوى لا يتعذر مثلها وخلافها على أحد. وغير محال أن تكون هذه الآية نزلت بعد بيان كفارات الأيمان في سورة المائدة واكتفي بذكرها هناك عن إعادتها ههنا، إذ كان المخاطبون بهذه الاية قد علموا الواجب من الكفارات في الأيمان التي يحنث فيها الحالف. قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: "والله سميع" لما يقوله الحالف منكم بالله إذا حلف
فقال: والله لا أبر ولا أتقي ولا أصلح بين الناس ولغير ذلك من قيلكم وأيمانكم، "عليم" بما تقصدون وتبتغون بحلفكم ذلك، ألخير تريدون أم غيره؟ لأني علام الغيوب وما تضمره الصدور، لا تخفى علي خافية، ولا ينكتم عني أمرعلن فظهر، أو خفي فبطن. وهذا من الله تعالى ذكره تهدد ووعيد. يقول تعالى ذكره: واتقون أيها الناس أن تظهروا بألسنتكم من القول، أو بأبدانكم من الفعل، ما نهيتكم عنه- أو تضمروا في أنفسكم وتعزموا بقلوبكم من الارادات والنيات بفعل ما زجرتكم عنه، فتستحقوا بذلك مني العقوبة التي قد عرفتكموها، فإني مطلع على جميع ما تعلنونه أو تسرونه.
فيه أربع مسائل :
الأولى : قال العلماء : لما أمر الله تعالى بالإنفاق وصحبة الأيتام والنساء بجميل المعاشرة قال : لا تمتنعوا عن شيء من المكارم تعللاً بأنا حلفنا ألا نفعل كذا ، قال معناه ابن عباس و النخعي و مجاهد و الربيع وغيرهم ، قال سعيد بن جبير : هو الرجل يحلف ألا يبر ، ولا يصل ولا يصلح بين الناس ، فيقال له : بر ، فيقول : قد حلفت ، وقال بعض المتأولين : المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح ، فلا يحتاج إلى تقدير (( لا )) بعد (( أن )) وقيل : المعنى لا تستكثروا من اليمين بالله فإنه أهيب للقلوب ، ولهذا قال تعالى : " واحفظوا أيمانكم " [ المائدة : 89 ] ، وذم من كثر اليمين فقال تعالى : " ولا تطع كل حلاف مهين " [ القلم : 10 ] ، والعرب تمتدح الأيمان ، حتى قال قائلهم :
قليل الألايا حافظ ليمينه وإن صدرت منه الألية برت
وعلى هذا " أن تبروا " معناه : أقلوا الأيمان لما فيه من البر والتقوى ، فإن الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى : وهذا تأويل حسن : مالك بن أنس : بلغني أنه الحلف بالله في كل شيء وقيل ، المعنى لا تجعلوا اليمين مبتذلة في كل حق وباطل وقال الزجاج وغيره : معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير أعتل بالله فقال : علي يمين ، وهو لم يحلف ، القتبي : المعنى إذا حلفتم على ألا تصلوا أرحامكم ولا تتصدقوا ولا تصلحوا ، وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا اليمين .
قلت : وهذا حسن لما بيناه ، وهو الذي يدل عليه سبب النزول ، على ما نبينه في المسألة بعد هذا .
الثانية : قيل : نزلت بسبب الصديق إذ حلف ألا ينفق على مسطح حين يتكلم في عائشة رضي الله عنها ، كما في حديث الإفك ، وسيأتي بيانه في (( النور )) عن ابن جريج وقيل : نزلت في الصديق أيضاص حين حلف ألا يأكل مع الأضياف ، وقيل نزلت في عبد الله بن رواحة حين حلف ألا يكلم بشير بن النعمان وكان ختنه على أخته ، والله أعلم .
الثالثة : قوله تعالى : " عرضة لأيمانكم " أي نصباً ، عن الجوهري ، وفلان عرضة ذاك ، أي عرضة لذلك ، أي مقرن له قوي عليه ، والعرضة : الهمة ، قال :
هم الأنصار عرضتها اللقاء
وفلان عرضة للناس : لا يزالون يقعون فيه ، وجعلت فلاناً عرضة لكذا أي نصبته له ، وقيل : العرضة من الشدة والقوة ، ومنه قولهم للمرأة ، عرضة للنكاح ، إذا صلحت له وقويت عليه ، ولفلان عرضة : أي قوة على السفر والحرب ، قال : كعب بن زهير :
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
وقال عبد الله بن الزبير :
فهذي لأيام الحروب وهذه للهوي وهذي عرضة لارتحالنا
أي عدة : وقال آخر :
فلا تجعلني عرضة للوائم
وقال أوس بن حجر :
وأدماء مثل الفحل يوماً عرضتها لرحلي وفيها هزة وتقاذف
والمعنى : لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم ، وعدة في الإمتناع من البر .
الرابعة : قوله تعالى : " أن تبروا وتتقوا " مبتدأ وخبره ، محذوف ، أي البر والتقوى والإصلاح أولى وأمثل ، مثل " طاعة وقول معروف " [ محمد : 21 ] ، عن الزجاج و النحاس ، وقيل محله النصب ، أي لا تمنعكم اليمين بالله عز وجل البر والتقوى والإصلاح ، عن الزجاج أيضاً ، وقيل : مفعول من أجله ، وقيل ، معناه ألا تبروا ، فحذف (( لا )) كقوله تعالى : " يبين الله لكم أن تضلوا " [ النساء : 176 ] ، أي لئلا تضلوا ، قاله الطبري و النحاس ، ووجه رابع من وجوه النصب ، كراهة أن تبروا ، ثم حذفت ذكره النحاس و المهدوي وقيل : هو في موضع على قول الخليل و الكسائي ، التقدير : في أن تبروا ، فأضمرت (( في )) وخفضت بها ، و " سميع " أي لأقوال العباد " عليم " بنياتهم .
يقول تعالى: لا تجعلوا أيمانكم بالله تعالى مانعة لكم من البر وصلة الرحم إذا حلفتم على تركها, كقوله تعالى: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم " فالاستمرار على اليمين آثم لصاحبها من الخروج منها بالتكفير , كما قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن همام بن منبه, قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "نحن الاخرون السابقون يوم القيامة" وقال رسول صلى الله عليه وسلم "والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه" وهكذا رواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به, ورواه أحمد عنه به, ثم قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور , حدثنا يحيى بن صالح, حدثنا معاوية هو ابن سلام, عن يحيى وهو ابن أبي كثير, عن عكرمة عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثماً, ليس تغني الكفارة" وقال علي بن طلحة عن ابن عباس في قوله "ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" قال: لا تجعلن عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير , ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير, وكذا قال مسروق والشعبي وإبراهيم النخعي ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهري والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراساني والسدي رحمهم الله, ويؤيد ما قاله هؤلاء الجمهور ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني والله إن شاء الله, لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها" وثبت فيهما أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لعبد الرحمن بن سمرة "يا عبد الرحمن بن سمرة, لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها, وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها, إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير, وكفر عن يمينك" وروى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه, وليفعل الذي هو خير" وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم, حدثنا خليفة بن خياط , حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه, عن جده, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها, فتركها كفارتها" ورواه أبو داود من طريق أبي عبيد الله بن الأخنس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا نذر ولا يمين فيما لا يملك ابن آدم, ولا في معصية الله, ولا في قطيعة رحم, ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليدعها وليأت الذي هو خير, فإن تركها كفارتها" ثم قال أبو داود: والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كلها "فليكفر عن يمينه" وهي الصحاح.
وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سعيد الكندي, حدثنا علي بن مسهر عن حارثة بن محمد, عن عمرة, عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حلف على يمين قطيعة رحم ومعصية فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه" وهذا حديث ضعيف, ثم روى ابن جرير عن ابن عباس وسعيد بن المسيب ومسروق والشعبي أنهم قالوا: لا يمين في معصية ولا كفارة عليها.
وقوله "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية, وهي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير تعقيد ولا تأكيد, كما ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "من حلف فقال في حلفه باللات والعزى, فليقل لا إله إلا الله" فهذا قاله لقوم حديثي عهد بجاهلية, قد أسلموا وألسنتهم قد ألفت ما كانت عليه من الحلف باللات من غير قصد, فأمروا أن يتلفظوا بكلمة الإخلاص كما تلفظوا بتلك الكلمة من غير قصد لتكون هذه بهذه, ولهذا قال تعالى: "ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" الاية, وفي الاية الأخرى "بما عقدتم الأيمان". قال أبو داود (باب لغو اليمين) حدثنا حميد بن مسعدة الشامي, حدثنا حيان يعني ابن إبراهيم, حدثنا إبراهيم يعني الصائغ, عن عطاء: في اللغو في اليمين, قال: قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته: كلا والله, وبلى والله" ثم قال أبو داود: رواه دواد بن الفرات عن إبراهيم الصائغ, عن عطاء عن عائشة موقوفاً, ورواه الزهري وعبد الملك ومالك بن مغول كلهم عن عطاء عن عائشة موقوفاً أيضاً. (قلت) وكذا رواه ابن جريج وابن ليلى عن عطاء عن عائشة موقوفاً, ورواه ابن جرير عن هناد عن وكيع وعبدة وأبي معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة في قوله "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" لا والله وبلى والله, ثم رواه عن محمد بن حميد عن سلمة, عن ابن إسحاق, عن هشام, عن أبيه عنها, وبه عن ابن إسحاق عن الزهري عن القاسم عنها, وبه عن سلمة عن ابن أبي نجيح عن عطاء عنها, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة في قوله "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" قالت: هم القوم يتدارؤون في الأمر, فيقول هذا: لا والله, بلى والله, وكلا والله, يتدارؤون في الأمر لا تعقد عليه قلوبهم, وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني, حدثنا عبدة يعني ابن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة في قول الله "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" قالت: هو قول الرجل: لا والله, وبلى والله. وحدثنا أبي, حدثنا أبو صالح كاتب الليث, حدثني ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة, قال: كانت عائشة تقول: إنما اللغو في المزاحة والهزل, وهو قول الرجل: لا والله, وبلى والله, فذاك لا كفارة فيه, إنما الكفارة فيما عقد عليه قلبه أن يفعله ثم لا يفعله, ثم قال ابن أبي حاتم: وروي عن ابن عمر وابن عباس في أحد قوليه, والشعبي وعكرمة في أحد قوليه, وعروة بن الزبير وأبي صالح والضحاك في أحد قوليه, وأبي قلابة والزهري نحو ذلك. (الوجه الثاني) قرىء على يونس بن عبد الأعلى, أخبرنا ابن وهب, أخبرني الثقة عن ابن شهاب عن عروة, عن عائشة أنها كانت تتأول هذه الاية, يعني قوله "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" وتقول: هو الشيء يحلف عليه أحدكم لا يريد منه إلا الصدق فيكون على غير ما حلف عليه, ثم قال: وروي عن أبي هريرة وابن عباس في أحد قوليه, وسليمان بن يسار وسعيد بن جبير ومجاهد في أحد قوليه, وإبراهيم النخعي في أحد قوليه, والحسن وزرارة بن أوفى وأبي مالك وعطاء الخراساني وبكر بن عبد الله, وأحد قولي عكرمة وحبيب بن أبي ثابت والسدي ومكحول ومقاتل وطاوس وقتادة والربيع بن أنس ويحيى بن سعيد وربيع نحو ذلك. وقال ابن جرير حدثنا محمد بن موسى الحرشي, حدثنا عبد الله بن ميمون المرادي, حدثنا عوف الأعرابي عن الحسن بن أبي الحسن قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم ينتضلون, يعني يرمون, ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه, فقام رجل من القوم فقال: أصبت والله, وأخطأت والله, فقال الذي مع النبي صلى الله عليه وسلم للنبي صلى الله عليه وسلم: حنث الرجل يا رسول الله, قال "كلا أيمان الرماة لغو لا كفارة فيها ولا عقوبة" هذا مرسل حسن عن الحسن. وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عائشة القولان جميعاً, حدثنا عصام بن رواد, أنبأنا آدم, حدثنا شيبان عن جابر, عن عطاء بن أبي رباح, عن عائشة, قالت: هو قوله: لا والله, وبلى والله, وهو يرى أنه صادق ولا يكون كذلك. (أقوال أخر) ـ قال عبد الرزاق, عن هشيم عن مغيرة, عن إبراهيم: هو الرجل يحلف على الشيء ثم ينساه. وقال زيد بن أسلم: هو قول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا, أخرجني الله من مالي إن لم آتك غداً, فهو هذا. قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا مسدد بن خالد, حدثنا خالد, حدثنا عطاء عن طاوس, عن ابن عباس, قال: لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان. وأخبرني أبي: حدثنا أبو الجماهر, حدثنا سعيد بن بشير, حدثني أبو بشر عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله لك فذلك ما ليس عليك فيه كفارة, وكذا روي عن سعيد بن جبير. وقال أبو داود (باب اليمين في الغضب) حدثنا محمد بن المنهال, أنبأنا يزيد بن زريع, حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب, عن سعيد بن المسيب: أن أخوين من الأنصار كان بينهما ميراث, فسأل أحدهما صاحبه القسمة, فقال: إن عدت تسألني عن القسمة فكل ما لي في رتاج الكعبة, فقال له عمر: إن الكعبة غنية عن مالك, كفر عن يمينك, وكلم أخاك, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل, ولا في قطيعة الرحم, ولا فيما لا تملك". وقوله "ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هو أن يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب, قال مجاهد وغيره, وهي كقوله تعالى: "ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان" الاية. "والله غفور حليم" أي غفور لعباده حليم عليهم.
العرضة: النصبة، قاله الجوهري. يقال: جعلت فلاناً عرضة لكذا: أي نصبة: وقيل: العرضة من الشدة والقوة، ومنه قولهم للمرأة عرضة للنكاح: إذا صلحت له وقويت عليه، ولفلان عرضة: أي قوة، ومنه قول كعب بن زهير:
من كل نضاخة الدفرى إذا عرقت عرضتها طامس الأعلام مجهول
ومثله قول أوس بن حجر:
وأدماء مثل العجل يوماً عرضتها لرحلي وفيها هزة وتقاذف
ويطلق العرضة على الهمة، ومنه قول الشاعر:
هم الأنصار عرضتها اللقاء
أي همتها، ويقال: فلان عرضة للناس لا يزالون يقعون فيه- فعلى المعنى الذي ذكره الجوهري أن العرضة النصبة كالقبضة والغرفة يكون ذلك اسماً لما تعرضه دون الشيء: أي تجعله حاجزاً له ومانعاً منه: أي لا تجعلوا الله حاجزاً ومانعاً لما حلفتم عليه، وذلك لأن الرجل كان يحلف على بعض الخير من صلة رحم أو إحسان إلى الغير أو إصلاح بين الناس بأن لا يفعل ذلك، ثم يمتنع من فعله معللاً لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله، وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية، ينهاهم الله أن يجعلوه عرضة لأيمانهم: أي حاجزاً لما حلفوا عليه ومانعاً منه، وسمي المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين، وعلى هذا يكون قوله: 224- "أن تبروا" عطف بيان لأيمانكم: أي لا تجعلوا الله مانعاً للأيمان التي هي بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس، ويتعلق قوله: "لأيمانكم" بقوله: "لا تجعلوا" أي لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعاً وحاجزاً، ويجوز أن يتعلق بعرضة: أي لا تجعلوه شيئاً معترضاً بينكم وبين البر وما بعده. وعلى المعنى الثاني، وهو أن العرضة: الشدة والقوة يكون معنى الآية: لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم، وعدة في الامتناع من الخير، ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث، وهو تفسير العرضة بالهمة- وأما على المعنى الرابع، وهو من قولهم فلان لا يزال عرضة للناس: أي يقعون فيه، فيكون معنى الآية عليه: ولا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم، فتبذلونه بكثرة الحلف به، ومنه: "واحفظوا أيمانكم" وقد ذم الله المكثرين للحلف فقال: "ولا تطع كل حلاف مهين". وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان حتى قال قائلهم:
قليل الألايا حافظ ليمينه وإن ندرت منه الألية برت
وعلى هذا فيكون قوله: "أن تبروا" علة للنهي أي لا تجعلوا الله معرضاً لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن من يكثر الحف بالله يجترئ على الحنث ويفجر في يمينه. وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلأى هذه الوجوه التي ذكرناها، فمن ذلك قول الزجاج معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه الفعل الذي فيه خير اعتل بالله، فقال على يمين وهو لم يحلف، وقيل معناها: لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، وقيل: معناها إذا حلفتم على أن لا تصلوا أراحامكم ولا تتصدقوا ولا تصلحوا وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا عن اليمين. وقد قيل إن قوله: "أن تبروا" مبتدأ خبره محذوف أي البر والتقوى، والإصلاح أولى. قاله الزجاج وقيل إنه منصوب: أي لا تمنعكم اليمين بالله البر والتقوى والإصلاح وروي ذلك عن الزجاج أيضاً، وقيل: معناه أن لا تبروا، فحذف لا، كقوله: "يبين الله لكم أن تضلوا" أي لا تضلوا. قاله ابن جرير الطبري، وقيل: هو في موضع جر على قول الخليل والكسائي، والتقدير في "أن تبروا". وقوله: "سميع" أي لأقوال العباد "عليم" بما يصدر منهم.
224. قوله تعالى : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " نزلت في عبد الله بن رواحة ، كان بينه وبين ختنه عى أخته بشير بن النعمان الأنصاري شيء ، فحلف عبد الله أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين خصمه ، وإذا قيل له فيه قال : قد حلفت بالله أن لا أفعل ، فلا يحل لي إلا أن تبر يميني ، فأنزل الله هذه الآية .
وقال ابن جريج : نزلت في أبي بكر الصديق حين حلف أن لا ينفق على مسطح حين خاض في حديث الإفك ، و العرضة : أصلها الشدة و القوة ومنه قيل للدابة التي تتخذ للسفر عرضة ، لقوتها عليه ، ثم قيل لكل ما يصلح لشيء هو عرضة له حتى قالوا للمرأة هي عرضة النكاح إذا صلحت له و العرضة كل ما يعترض فيمنع عن الشيء ومعنى الآية " لا تجعلوا " الحلف بالله سبباً مانعاً لكم من البر و التقوى يدعى أحدكم إلى صلة رحم أو بر فيقول حلفت بالله أن لا أفعله ، فيعتل بيمينه في ترك البر " أن تبروا " معناه أن لا تبروا كقوله تعالى " يبين الله لكم أن تضلوا " ( 176- النساء ) أي لئلا تضلوا " وتتقوا وتصلحوا بين الناس و الله سميع عليم " .
أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو اسحق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ، وليفعل الذي هو خير ".
224-" ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " نزلت في الصديق رضي الله تعالى عنه لما حلف أن لا ينفق على مسطح لافترائه على عائشة رضي الله تعالى عنهما ،أو في عبد الله بن رواحة حلف أن لا يكلم ختنه بشير بن النعمان ولا يصلح بينه وبين أخته . والعرضة فعلة بمعنى المفعول كالقبضة تطلق لما يعرض دون الشيء وللمعرض للأمر ،ومعنى الآية على الأول ولا تجعلوا الله حاجزاً لما حلفتم عليه من أنواع الخير ، فيكون المراد بالإيمان الأمور المحلوف عليها ، كقوله عليه الصلاة والسلام لابن سمرة " إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها ، فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك " . وأن مع صلتها عطف بيان لها ، واللام صلة عرضة لما فيها من معنى الاعتراض ، ويجوز أن تكون للتعليل ويتعلق أن بالفعل أو بعرضة أي ولا تجعلوا الله عرضة لأن تبروا لأجل أيمانكم به ، وعلى الثاني ولا تجعلوا معرضاً لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف به ، ولذلك ذم الحلاف بقوله : " ولا تطع كل حلاف مهين " و " أن تبروا " علة للنهي أي أنهاكم عنه إرادة بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ،فإن الحلاف مجترئ على الله تعالى ،والمجترئ عليه لا يكون براً متقياً ولا موثوقاً به إصلاح ذات البين " والله سميع " لأيمانكم . " عليم " بنياتكم .
224. And make not Allah, by your oaths, a hindrance to your being righteous and observing your duty unto Him and making peace among mankind. Allah is Nearer, Knower.
224 - And make not God's (name) and excuse in your oaths against doing good, or acting rightly, or making peace between persons; for God is one who heareth and knoweth all things.