23 - (إن الذين يرمون) بالزنا (المحصنات) العفائف (الغافلات) عن الفواحش بأن لا يقع في قلوبهن فعلها (المؤمنات) بالله ورسوله (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم)
ك وأخرج الطبراني عن خصيف قلت لسعيد بن جبير أيما أشد الزنا أو القذف قال الزنا قلت ان الله يقول ان الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات قال انما أزل هذا في شأن عائشة خاصة في إسناده يحيى الحماني ضعيف
ك وأخرج ايضا عن الضحاك بن مزاحم قال نزلت هذه الآية في نساء النبي صلى الله عليه وسلم ضاحية ان الذين يرمون المحصنات الغافلات الآية
ك وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في عائشة خاصة
ك واخرج ابن جرير عن عائشة قالت رميت بما رميت به وأنا غافلة فبلغني بعد ذلك فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي إذ أوحي إليه ثم استوى جالسا فمسح وجهه وقال يا عائشة أبشري فقلت بحمد الله لا بحمدك فقرأ إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات حتى بلغ أولئك مبرءون مما يقولون
يقول تعالى ذكره " إن الذين يرمون " بالفاحشة " المحصنات " يعني العفيفات " الغافلات " عن الفواحش " المؤمنات " بالله ورسوله ، وما جاء به من عند الله " لعنوا في الدنيا والآخرة "يقول : أبعدوا من رحمة الله في الدنيا والآخرة " ولهم " في الآخرة " عذاب عظيم " وذلك عذاب جهنم .
واختلف أهل التأويل في المحصنات اللاتي هذا حكمهن ، فقال بعضهم : إنما ذلك لعائشة خاصة وحكم من الله فيها وفيمن رماها ، دون سائر نساء أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بان أبي الشوارب ، قال : ثنا عبد الواحد بن زياد ، قال : ثنا خصيف ، قال : قلت لسعيد بن جبير : الزنا أشد أم قذف المحصنة ؟ فقال : الزنا ، فقلت : أليس الله يقول " إن الذين يرمون المحصنات " ، قال سعيد : إنما كان هذا لعائشة خاصة .
حدثنا أحمد بن عبد الضبي ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، قال : قالت عائشة : رميت بما رميت به وأنا غافلة ، فبلغني ذلك ، قالت : فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي جالس ، إذ أوحي إليه أخذه كهيئة السبات ، وإنه أوحي إليه وهو جالس عندي ، ثم استوى جالسا يمسح عن وجهه ، وقال : يا عائشة أبشري ، قالت : فقلت : بحمد الله لا بحمدك فقرأ :
" إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " حتى بلغ " أولئك مبرؤون مما يقولون " .
وقال آخرون : بل ذلك لأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، دون سائر النساء غيرهن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي بن سهل ، قال : ثنا زيد ، عن جعفر بن برقان ، قال : سألت ميمونا ، قلت : الذي ذكر الله : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " إلى قوله " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فجعل في هذه توبة ، وقال في الأخرى " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات " إلى قوله " لهم عذاب عظيم " قال ميمون : أما الأولى فعسى أن تكون قد قارفت ، وأما هذه ، فهي التي لم تقارف شيئا من ذلك .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا العوام بن حوشب ، عن شيخ من بني أسد ، عن ابن عباس ، قال : فسر سورة النور ، فلما أتى على هذه الآية " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " قال هذا في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مبهمة ، وليست لهم توبة ، ثم قرأ : " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " إلى قوله " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " ، قال : فجعل لهؤلاء توبة ، ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة ، قال : فهم بعض القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه من حسن ما فسر سورة النور .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم " قال : هذا في عائشة ، ومن صنع هذا اليوم في المسلمات ، فله ما قال الله ، ولكن عائشة كانت إمام ذلك .
وقال آخرون : نزلت هذه الآية في أزوج النبي صلى الله عليه وسلم فكان ذلك كذلك ، حتى نزلت الآية التي في أول السورة فأوجب الجلد وقبل التوبة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " إلى " عذاب عظيم " يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رماهن أهل النفاق ، فأوجب الله لهم اللعنة والغضب ، وباءوا بسخط من الله . وكان ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم نزل بعد ذلك " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " إلى قوله " فإن الله غفور رحيم " فأنزل الله الجلد والتوبة تقبل ، والشهادة ترد .
وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب : قول من قال : نزلت هذه الآية في شأن عائشة والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفه بها فيها .
وإنما قلنا ذلك أولى تأويلاته بالصواب ، لأن الله عم بقوله " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " كل محصنة غافلة مؤمنة ، رماها رام بالفاحشة ، من غير أن يخص بذلك بعضا دون بعض ، فكل رام محصنة بالصفة التي ذكر الله جل ثناؤه في هذه الآية ، فملعون في الدنيا والآخرة ، وله عذاب عظيم ، إلا أن يتوب من ذنبه ذلك قبل وفاته ، فإن الله دل باستثنائه بقوله " إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " على أن ذلك حكم رامي كل محصنة بأي صفة كانت المحصنة المؤمنة المرمية ، وعلى أن قوله " لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم " معناه : لهم ذلك إن هلكوا ولم يتوبوا .
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: " المحصنات " تقدم في ((النساء)). وأجمع العلماء على أن حكم المحصنين في القذف كحكم المحصنات قياساً واستدلالاً، وقد بيناه أول السورة والحمد لله. واختلف فيمن المراد بهذه الآية، فقال سعيد بن جبير: هي في رماة عائشة رضوان الله عليها خاصةً. وقال قوم: هي في عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس و الضحاك وغيرهما. ولا تنفع التوبة. ومن قذف غيرهن من المحصنات فقد حعل الله له توبة، لأنه قال: " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء " - إلى قوله - " إلا الذين تابوا " فجعل الله لهؤلاء توبة، ولم يجعل لأولئك توبة، قاله الضحاك . وقيل: هذا الوعيد لمن أصر على القذف ولم يتب. وقيل: نزلت في عائشة، إلا أنه يراد بها كل من اتصف بهذه الصفة. وقيل: إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، واختاره النحاس . وقيل: نزلت في مشركي مكة، لأنهم يقولون للمرأة إذا هاجرت إنما خرجت لتفجر.
الثانية: " لعنوا في الدنيا والآخرة " قال العلماء: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنين من القذفة فالمراد باللعنة الإبعاد وضرب الحد واستيحاش المؤمنين منهم وهجرهم لهم، وزوالهم عن رتبة العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين. وعلى قول من قال: هي خاصة لعائشة تترتب هذه الشدائد في جانب عبد الله بن أبي وأشباهه. وعلى قول من قال: نزلت في مشركي مكة فلا كلام، فإنهم مبعدون، ولهم في الآخرة عذاب عظيم، ومن أسلم فالإسلام يجب ما قبله. وقال أبو جعفر النحاس: من أحسن ما قيل في تأويل هذه الآية إنه عام لجميع الناس القذفة من ذكر وأنثى، ويكون التقدير: إن الذين يرمون الأنفس المحصنات، فدخل في هذا المذكر والمؤنث، وكذا في الذين يرمون، إلا أنه غلب المذكر على المؤنث.
هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات ـ خرج مخرج الغالب ـ المؤمنات فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة, ولا سيما التي كانت سبب النزول, وهي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما, وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الاية, فإنه كافر لأنه معاند للقرآن, وفي بقية أمهات المؤمنين قولان: أصحهما أنهن كهي, والله أعلم.
وقوله تعالى: " لعنوا في الدنيا والآخرة " الاية, كقوله "إن الذين يؤذون الله ورسوله" الاية. وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة رضي الله عنها, فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا عبد الله بن خراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الاية "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" قال: نزلت في عائشة خاصة, وكذا قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان , وقد ذكره ابن جرير عن عائشة فقال: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي , حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قالت عائشة : رميت بما رميت به وأنا غافلة فبلغني بعد ذلك, قالت: " فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عندي إذ أوحي إليه, قالت: وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السبات, وإنه أوحي إليه وهو جالس عندي, ثم استوى جالساً يمسح وجهه, وقال يا عائشة أبشري قالت: فقلت بحمد الله لا بحمدك, فقرأ " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " حتى قرأ " أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " " هكذا أورده وليس فيه أن الحكم خاص بها, وإنما فيه أنها سبب النزول دون غيرها, وإن كان الحكم يعمها كغيرها, ولعله مراد ابن عباس ومن قال كقوله, والله أعلم. وقال الضحاك وأبو الجوزاء وسلمة بن نبيط : المراد بها أزواج النبي خاصة دون غيرهن من النساء.
وقال العوفي عن ابن عباس في الاية "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" الاية, يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رماهن أهل النفاق, فأوجب الله لهم اللعنة والغضب وباءوا بسخط من الله فكان ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, ثم نزل بعد ذلك " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فأنزل الله الجلد والتوبة, فالتوبة تقبل والشهادة ترد. وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا هشيم , أخبرنا العوام بن حوشب عن شيخ من بني أسد عن ابن عباس قال: فسر سورة النور, فلما أتى على هذه الاية "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" الاية, قال: في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم, وهي مبهمة وليست لهم توبة, ثم قرأ " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " الاية, قال: فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة, قال: فهم بعض القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه من حسن ما فسر به سورة النور. فقوله وهي مبهمة أي عامة في تحريم قذف كل محصنة ولعنته في الدنيا والاخرة, وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذا في عائشة ومن صنع مثل هذا أيضاً اليوم في المسلمات فله ما قال الله تعالى ولكن عائشة كانت أماً في ذلك.
وقد اختار ابن جرير عمومها وهو الصحيح, ويعضد العموم ما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن أخي وهب , حدثني عمي , حدثنا سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات قيل: وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" أخرجاه في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال به.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عمر بن أبي خالد الحذاء الطاني المحرمي , حدثني أبي وحدثنا أبو شعيب الحراني , حدثنا جدي أحمد بن أبي شعيب , حدثني موسى بن أعين عن ليث عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة". وقوله تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو يحيى الرازي عن عمرو بن أبي قيس , عن مطرف عن المنهال عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: إنهم يعني المشركين إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة قالوا: تعالوا حتى نجحد فيجحدون, فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم و أرجلهم ولا يكتمون الله حديثاً.
وقال ابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً: حدثنا يونس بن عبد الأعلى , حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فيجحد ويخاصم, فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك, فيقول كذبوا, فيقال أهلك وعشيرتك, فيقول كذبوا, فيقال احلفوا فيحلفون, ثم يصمتهم الله فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم, ثم يدخلهم النار " .
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة الكوفي , حدثنا منجاب بن الحارث التميمي , حدثنا أبو عامر الأسدي , حدثنا سفيان بن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو الفقيمي عن الشعبي عن أنس بن مالك قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه, ثم قال: "أتدرون مم أضحك ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, قال : من مجادلة العبد لربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول: بلى, فيقول: لا أجيز علي إلا شاهداً من نفسي, فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام عليك شهوداً, فيختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله, ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل" وقد رواه مسلم والنسائي جميعاً عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبيه , عن عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوري به , ثم قال النسائي : لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن سفيان الثوري غير الأشجعي , وهو حديث غريب, والله أعلم, هكذا قال, وقال قتادة : ابن آدم, والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك, فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك, فإنه لا يخفى عليه خافية, الظلمة عنده ضوء, والسر عنده علانية, فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى: "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق" قال ابن عباس "دينهم" أي حسابهم وكل ما في القرآن دينهم أي حسابهم, وكذا قال غير واحد, ثم إن قراءة الجمهور بنصب الحق على أنه صفة لدينهم, وقرأ مجاهد بالرفع على أنه نعت الجلالة, وقرأها بعض السلف في مصحف أبي بن كعب : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق, وقوله "ويعلمون أن الله هو الحق المبين" أي وعده ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.
23- "إن الذين يرمون المحصنات" قد مر تفسير المحصنات وذكرنا الإجماع على أن حكم المحصنين من الرجال حكم المحصنات من النساء في حد القذف.
وقد اختلف في هذه الآية هل هي خاصة أو عامة؟ فقال سعيد بن جبير: هي خاصة فيمن رمى عائشة رضي الله عنها. وقال مقاتل: هي خاصة بعبد الله بن أبي رأس المنافقين. وقال الضحاك والكلبي: هذه الآية هي في عائشة وسائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر المؤمنين والمؤمنات، فمن قذف إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فهو من أهل هذه الآية. قال الضحاك: ومن أحكام هذه الآية أنه لا توبة لمن رمى إحدى أزواجه صلى الله عليه وسلم، ومن قذف غيرهن فقد جعل الله له التوبة كما تقدم في قوله: "إلا الذين تابوا" وقيل إن هذه الآية خاصة بمن أصر على القذف ولم يتب، وقيل إنها تعم كل قاذف ومقذوف من المحصنات والمحصنين، واختاره النحاس، وهو الموافق لما قرره أهل الأصول من أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقيل إنها خاصة بمشركي مكة، لأنهم كانوا يقولون للمرأة إذا خرجت مهاجرة إنما خرجت لتفجر. قال أهل العلم: إن كان المراد بهذه الآية المؤمنون من القذفة، فالمراد باللعنة الإبعاد وضرب الحد وهجر سائر المؤمنين لهم وزوالهم عن رتبة العدالة والبعد عن الثناء الحسن على ألسنة المؤمنين، وإن كان المراد بها من قذف عائشة خاصة كانت هذه الأمور في جانب عبد الله بن أبي رأس المنافقين، وإن كانت في مشركي مكة فإنهم ملعونون "في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم" والمراد بالغافلات اللاتي غفلن عن الفاحشة بحيث لا تخطر ببالهن ولا يفطن لها، وفي ذلك من الدلالة على كمال النزاهة وطهارة الجيب ما لم يكن في المحصنات، وقيل هن السليمات الصدور النقيات القلوب.
قوله عز وجل: 23- "إن الذين يرمون المحصنات"، العفائف، "الغافلات"، عن الفواحش، "المؤمنات"، والغافلة عن الفاحشة أي: لا يقع في قلبها فعل الفاحشة وكانت عائشة كذلك، قوله تعالى: "لعنوا في الدنيا والآخرة"، عذبوا بالحدود وفي الآخرة بالنار، "ولهم عذاب عظيم"، قال مقاتل: هذا في عبد الله بن أبي المنافق. روي عن خصيف قال: قلت لسعيد بن جبير: من قذف مؤمنة يلعنه الله في الدنيا والآخرة؟ فقال ذلك لعائشة خاصة.
وقال قوم: هي لعائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات. روي عن العوام بن حوشب عن شيخ بن بني كاهل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذه في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ليس فيها توبة، ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرأ: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء" إلى قوله: "إلا الذين تابوا" فجعل هؤلاء توبة، ولم يجعل لأولئك توبة.
وقال الآخرون: نزلت هذه الآية في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك حين نزلت الآية التي في أول السورة "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء" إلى قوله: "فإن الله غفور رحيم" فأنزل الله الجلد والتوبة.
23 -" إن الذين يرمون المحصنات " العفائف . " الغافلات " عما قذفن به . " المؤمنات " بالله وبرسوله استباحة لعرضهن وطعناً في الرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين كابن أبي . " لعنوا في الدنيا والآخرة " لما طعنوا فيهن . " ولهم عذاب عظيم " لعظم ذنوبهم ، وقيل هو حكم كل قاذف ما لم يتب ، وقيل مخصوص بمن قذف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لا توبة له ، ولو فتشت وعيدات القرآن لم تجد أغلظ مما نزل في إفك عائشة رضي الله تعالى عنها .
23. Lo! as for those who traduce virtuous, believing women (who are) careless, cursed are they in the world and the Hereafter. Theirs will be an awful doom
23 - Those who slander chaste women, indiscreet but believing, are cursed in this life and in the Hereafter: for them is a grievous Penalty,