23 - (الله نزل أحسن الحديث كتابا) بدل من أحسن أي قرآنا (متشابها) يشبه بعضه بعضا في النظم وغيره (مثاني) ثني فيه الوعد والوعيد وغيرهما (تقشعر منه) ترتعد عند ذكر وعيده (جلود الذين يخشون) يخافون (ربهم ثم تلين) تطمئن (جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) عند ذكر وعده (ذلك) أي الكتاب (هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد)
قوله تعالى الله نزل الآية تقدم سببها في سورة يوسف
يقول تعالى ذكره : "الله نزل أحسن الحديث كتابا" يعني به القرآن "متشابها" يقول : يشبه بعضه بعضاً، لا اختلاف فيه ، ولا تضاد.
كما حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها". . . الاية تشبه الآية ، والحرف يشبه الحرف.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "كتابا متشابها" قال : المتشابه : يشبه بعضه بعضاً.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا جرير، عن يعقوب ، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، في قوله "كتابا متشابها" قال : يشبه بعضه بعضاً ، ويصدق بعضه بعضاً، ويدل بعضه على بعض.
وقوله "مثاني" يقول : تثنى فيه الأنباء والأخبار والقضاء والأحكام والحجج.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن ، في قوله "الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني" قال : ثنى الله فيه القضاء، تكون السورة فيها الآية في سورة أخرى آية تشبهها.وسئل عنها عكرمة0
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد، قوله "كتابا متشابها مثاني" قال : في القرآن كله.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "مثاني" قال : ثنى الله فيه ا لفرائض ، والقضاء ، والحدود.
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "مثاني" قال : كتاب الله مثاني ، ثنى فيه الأمر مراراً.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله "مثاني"قال : كتاب الله مثاني ثنى فيها الأمر مراراً.
حدثنا محمد، قال : ثنا أحمد، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله "مثاني" ثني في غير مكان.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله "مثاني" مردد ردد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء في أمكنة كثيرة.
وقوله "تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم" يقول تعالى ذكره : تقشعر من سماعه إذا تلي عليهم جلود الذين يخافون ربهم "ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" يعني إلى العمل بما في كتاب الله ، والتصديق به.
وذكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن أصحابه سألوه الحديث.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا نصر بن عبد الرحمن الأودي ، قال : ثنا حكام بن سلم ، عن أيوب بن موسى، عن عمرو الملئي عن ابن عباس ، قالوا : يا رسول الله لو حدثتنا؟ قال : فنزلت "الله نزل أحسن الحديث".
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن أيوب بن سيار أبي عبد الرحمن ، عن عمرو بن قيس ، قال : قالوا : يا نبي الله ، فذكر مثله.
"ذلك هدى الله يهدي به من يشاء" يقول تعالى ذكره : هذا الذي يصيب هؤلاء القوم الذين وصفت صفتهم عند سماعهم القرآن من اقشعرار جلودهم ، ثم لينها ولين قلوبهم إلى ذكر الله من بعد ذلك ، "هدى الله" يعني : توفيق الله إياهم وفقهم له "يهدي به من يشاء" يقول : يهدي تبارك وتعالى بالقرآن من يشاء من عباده.
وقد يتوجه معنى قوله "ذلك هدى" إلى أن يكون ذلك من ذكر القرآن ، فيكون معنى الكلام : هذا القرآن بيان الله يهدي به من يشاء، يوفق للإيمان به من يشاء.
وقوله "ومن يضلل الله فما له من هاد"يقول تعالى ذكره : ومن يخذله الله عن الإيمان بهذا القرآن والتصديق بما فيه ، فيضله عنه ، فما له من هاد: يقول : فما له من موفق له ، ومسدد يسدده في اتباعه.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " نزل أحسن الحديث " يعني القرآن لما قال : " فيتبعون أحسنه " بين أن أحسن ما يسمع ما أنزله الله وهو القرآن . وقال سعيد بن أبي وقاص قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو حدثنتا فأنزل الله عز وجل : " الله نزل أحسن الحديث " فقالوا : لو قصصت علينا فنزل : " نحن نقص عليك أحسن القصص " [ يوسف : 3] فقالوا : لو ذكرتنا فنزل : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " [الحديد : 16] الآية . وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له : حدثنا فنزلت . والحديث ما يحدث به المحدث . وسمى القرآن حديثاً ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحدث به أصحابه وقومه ، وهو كقوله : " فبأي حديث بعده يؤمنون " [الأعراف : 175] بوقوله : " أفمن هذا الحديث تعجبون " [النجم : 59] وقوله : " إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " [الكهف : 6 ] وقوله : " ومن أصدق من الله حديثا " [ النساء : 87] وقوله : " فذرني ومن يكذب بهذا الحديث " [ القلم : 44] قال القشيري : وتوهم قوم أن الحديث من الحدوث فليدل على أن كلامه محدث وهو وهم ، لأنه لا يريد لفظ الحديث على ما في قوله : " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " [ الأنبياء : 2] وقد قالوا : إن الحدوث يرجع إلى التلاوة لا إلى المتلو ، وهو كالذكر مع المذور إذا ذكرنا أسماء الرب تعالى . " كتابا " نصب على البدل من ( أحسن الحديث ) ويحتمل أن يكون حالاً منه " متشابها " يشبه بعضه بعضاً في احسن والحكمة ويصدق بعضه بعضاً، وقيل : يشبه كتب الله المنزلة على أنبيائه ، لما يتضمنه من أمر ونهي وترغيب وترهيب وإن كان أعم وأعجز . ثم وصفه فقال : " مثاني " تثنى فيه القصص والمواعظ والأحكام وثني للتلاوة فلا يمل . " تقشعر " أي عند آية الرحمة . وقيل : إلى العمل بكتاب الله والتصديق به .وقيل( إلى ذكر الله ) أي عند آية الرحمة . وقيل : إلى العمل بكتاب الله والتصديق به . وقيل : " إلى ذكر الله " يعني الإسلام .
الثانية : عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم . قيل لها : فإنا أناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه . فقالت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .وقال سعيد بن عبد الرحمن الجمحي : مر ابن عمر برجل من أهل القرآن سلقط فقال : ما بال هذا ؟ قالوا : إنه إذا قرئ عليه القرآن وسمع ذكر الله سقط . فقال ابن عمر : إنا لنخشى الله وما نسقط . قم قال : إن الشيطان يدخل في جوف أحدهم ، وما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وقال عمر بن عبد العزيز ذكر عند ابن سيرين الذين يصرعون إذا تقرئ عليهم القرآن ، فقال : بيننا وبينهم أن يعقد أحدهمم على ظهر بيت باسطاً رجليه ، ثم يقرأ عليه القرآن من أوله إلى آخره فإن رمى بنفسه فهو صادق . وقال أبو عمران الجوني : وعظ موسى عليه السلام يني إسرائيل ذات يوم فشق رجل قميصه ، فأوحى ألله إلى موسى : قل لصاحب القميص لا يشق قميصه فإني لا أحب المبذرين ، يشرح لي عن قلبه .
الثالثة : قال زيد بن أسلم : قرأ أبي كعب عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعنه أصحابه فرقوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أغتنموا الدعاء عند الرقة فإنها رحمة " وعن العباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " إذا اقشعر جلد المؤمن من مخافة الله تحاتت عنه خطاياه كما يتحات عن الشجرة البالية ورقها " وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما اقشعر جلد عبد من خشية الله إلا حرمه االله على النار " وعن شهر بن حوشب عن أم الدرداء قالت : إنما الوجل في قل بالرجل كاحتراق السعفة ، أما تجد إلا قشعريرة ؟ قلت : بلى ، قالت : فادع الله فإن الدعاء عند ذلك مستجاب . وعن ثابت البناني قال قال فلا ن : إني لأعلم متى يستجاب لي . قالوا : ومن أين تعلم ذلك ؟ قال : إذا اقشعر جلدي ، ووجل قلبي ، وفاضت عيناي ، وفذلك حين يستجاب لي . يقال : اقشعر جلد قشعريرة . وقال امرؤ القيس :
فبت أكابد ليل التمام والقلب من خشية مقشعرر
وقيل : إن القرآن لما كان في غاية الجزالة والبلاغة ، فكانوا إذا رأوا عجزهمعن معارضته ، اقشعرت الجلود منه إعظاماً له ، وتعجباً من حسن ترصيعه وتهيباً لما فيه ، وهو كقوله تعالى : " لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله " [الحشر : 21] فالتحدع قريب من الاقشعرارر ، الخشوع قريب من قوله : " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " ومعنى لين القلب رقته وطمأنينته سكونه . " ذلك هدى الله " أي القرآن هدى الله . وقيل : أي الذي وهبه الله لهؤؤلائء من خشية عقابه ورجاء ثوابه هدى الله . " ومن يضلل الله فما له من هاد " أي من خذله فلا مرشد له . وهو يرد على القدرية وغيرهم . وقد مضى معنى هذا كله مستوفى في غير موضع والحمد لله . ووقف ابن كثير و ابن محيصن على قوله : ( هاد ) في الموضعين بالياء ، والباقون بغير ياء .
هذا مدح من الله عز وجل لكتابه القرآن العظيم المنزل على رسوله الكريم. قال الله تعالى: "الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني" قال مجاهد يعني القرآن كله متشابه مثاني, وقال قتادة: الاية تشبه الاية والحرف يشبه الحرف وقال الضحاك: مثاني ترديد القول ليفهموا عن ربهم تبارك وتعالى وقال عكرمة والحسن: ثنى الله فيه القضاء زاد الحسن تكون السورة فيها آية وفي السورة الأخرى آية تشبهها, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: مثاني مردد ردد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أمكنة كثيرة. وقال سعيد بن جبير عن عباس رضي الله عنهما: مثاني قال القرآن يشبه بعضه بعضاً ويرد بعضه على بعض, وقال بعض العلماء ويروى عن سفيان بن عيينة معنى قوله تعالى: "متشابهاً مثاني" أن سياقات القرآن تارة تكون في معنى واحد فهذان من المتشابه وتارة تكون بذكر الشيء وضده كذكر المؤمنين ثم الكافرين وكصفة الجنة ثم صفة النار وما أشبه هذا فهذا من المثاني كقوله تعالى: "إن الأبرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم" وكقوله عز وجل: " كلا إن كتاب الفجار لفي سجين * وما أدراك ما سجين * كتاب مرقوم * ويل يومئذ للمكذبين * الذين يكذبون بيوم الدين * وما يكذب به إلا كل معتد أثيم * إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين * كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالوا الجحيم * ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون * كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين " " هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب * جنات عدن مفتحة لهم الأبواب * متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب * وعندهم قاصرات الطرف أتراب * هذا ما توعدون ليوم الحساب * إن هذا لرزقنا ما له من نفاد * هذا وإن للطاغين لشر مآب " ونحو هذا من السياقات فهذا كله من المثاني أي في معنيين اثنين وأما إذا كان السياق كله في معنى واحد يشبه بعضه بعضاً فهو المتشابه وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله تعالى: "منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" ذاك معنى آخر. وقوله تعالى: "تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" أي هذه صفة الأبرار, عند سماع كلام الجبار, المهيمن العزيز الغفار, لما يفهمون من الوعد والوعيد, والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف "ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه (أحدها) أن سماع هؤلاء هو تلاوة الايات وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات (الثاني) أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم كما قال تبارك وتعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقاً لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم" وقال تعالى: "والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً" أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها فاهمين بصيرين بمعانيها فلهذا إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.
(الثالث) أنهم يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله تعالى من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله. ولم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون بما ليس فيهم بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والاخرة. قال عبد الرزاق حدثنا معمر قال تلا قتادة رحمه الله "تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" قال هذا نعت أولياء الله, نعتهم الله عز وجل بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع, وهذا من الشيطان.
وقال السدي "ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله" أي إلى وعد الله, وقوله: "ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده" أي هذه صفة من هداه الله ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله "ومن يضلل الله فما له من هاد".
ثم ذكر سبحانه بعض أوصاف كتابه العزيز فقال: 23- "الله نزل أحسن الحديث" يعني القرآن وسماه حديثاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث به قومه ويخبرهم بما ينزل عليه منه. وفيه بيان أن أحسن القول المذكور سابقاً هو القرآن، وانتصاب "كتاباً" على البدل من أحسن الحديث، ويحتلم أن يكون حالاً منه "متشابهاً" صفة لكتاباً: أي يشبه بعضه بعضاً في الحسن والإحكام وصحة المعاني وقوة المباني، وقيل يشبه كتب الله المنزلة عن أنبيائه، و"مثاني" صفة أخرى لكتاباً: أي تثنى فيه القصص وتنكرر فيه المواعظ والأحكام. وقيل يثنى من التلاوة فلا يمل سامعه ولا يسأم قارئه. قرأ الجمهور "مثاني" بفتحالياء، وقرأ هشام عن ابن عامر وبشر بسكونها تخفيفاً واستثقالاً لتحريكها، أو على أنها خبر مبتدإ محذوف: أي هو مثاني، وقال الرازي في تبيين مثانية أن أكثر الأشياء المذكورة في القرآن متكررة زوجين زوجين مثل الأمر والنهي والعام والخاص والمجمل والمفصل وأحوال السموات والأرض والجنة والنار والنور والظلمة واللوح والقلم والملائكة والشياطين والعرش والكرسي والوعد والوعيد والرجاء والخوف، والمقصود من ذلك البيان بأن كل ما سوى الحق زوج، وأن الفرد الأحد الحق هو الله ولا يخفى ما في كلامه هذا من التكلف والبعد عن مقصود التنزيل "تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم" هذه الجملة يجوز أن تكون صفة لكتاباً، وأن تكون حالاً منه، لأنه وإن كان نكرة فقد تخصص بالصفة، أو مستأنفة لبيان ما يحصل عند سماعه من التأثر لسامعيه، والاقشعرار التقبض، يقال اقشعر جلده: إذا تقبض وتجمع من الخوف. والمعنى: أنها تأخذهم منه قشعريرة. قال الزجاج: إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله "ثم تلين جلودهم وقلوبهم" إذا ذكرت آيات الرحمة. قال الواحدي: وهذا قول جميع المفسرين، ومن ذلك قول امرئ القيس:
فبت أكابد ليل التمام والقلب من خشية مقشعر
وقيل المعنى: أن القرآن لما كان في غاية الجزالة والبلاغة، فكانوا إذا رأوا عجزهم عن معارضته اقشعرت الجلود منه إعظاماً له وتعجباً من حسنه وبلاغته ثم تلين جلودهم وقلوبهم "إلى ذكر الله" عدي تلين بإلى لتضمينه فعلا يتعدى بها، كأنه قيل: سكنت واطمأنت إلى ذكر الله لينة غير منقبضة، ومفعول ذكر الله محذوف، والتقدير: إلى ذكر الله رحمته وثوابه وجنته، وحذف للعلم به. قال قتادة: هذا نعت أولياء الله نعتهم بأنها تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما ذكر في أهلالبدع وهو من الشيطان، والإشارة بقوله: "ذلك" إلى الكتاب الموصوف بتلك الصفات، وهو مبتدأ، و"هدى الله" خبره: أي ذلك الكتاب هى الله "يهدي به من يشاء" أي يهديه من عباده، وقيل إن الإشارة بقوله ذلك إلى ما وهبه الله لهؤلاء من خشية عذابه ورجاء ثوابه "ومن يضلل الله" أي يجعل قلبه قاسياً مظلماً غير قابل للحق "فما له من هاد" يهديه الحق ويخلصه من الضلال. قرأ الجمهور "من هاد" بغير ياء. وقرأ ابن كثير وابن محيصن بالياء.
23. قوله عز وجل: " الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً "، يشبه بعضه بعضاً في الحسن، ويصدق بعضه بعضاً ليس فيه تناقض ولا اختلاف. " مثاني "، يثنى فيه ذكر الوعد والوعيد، والأمر والنهي، والأخبار والأحكام، " تقشعر "، تضطرب وتشمئز، " منه جلود الذين يخشون ربهم "، والاقشعرار تغير في جلد الإنسان عند الوجل والخوف، وقيل: المراد من الجلود القلوب، أي: قلوب الذين يخشون ربهم، " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله "، أي: لذكر الله، أي: إذا ذكرت آيات العذاب اقشعرت جلود الخائفين لله، وإذا ذكرت آيات الرحمة لانت وسكنت قلوبهم، كما قال الله تعالى: " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " (الرعد-28).
وحقيقة المعنى: أن قلوبهم تقشعر عند الخوف، وتلين عند الرجاء.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد ، حدثنا موسى بن محمد بن علي ، حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أم كلثوم بنت العباس، عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت عنه ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها ".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي ، أخبرني الحسين بن محمد ، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان ، حدثنا موسى بن إسحاق الأنصاري ، حدثنا محمد بن معاوية، حدثنا الليث بن سعد، حدثنا يزيد بن عبد الله بن الهاد بهذا الإسناد، وقال (( إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله على النار )).
قال قتادة : هذا نعت أولياء نعتهم بأن تقشعر جلودهم وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم، إنما ذلك في أهل البدع، وهو من الشيطان.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه ، حدثنا بن شيبة ، حدثنا حمدان بن داود ، حدثنا سلمة بن شيبة، حدثنا خلف بن سلمة، حدثنا هشيم عن حصين عن عبد الله بن عروة بن الزبير قال: قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر: كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن؟ قالت: كانوا كما نعتهم الله عز وجل تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم، قال فقلت لها: إن ناساً اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشياً عليه، فقالت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
وبه عن [سليمان بن] سلمة حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي أن ابن عمر: مر برجل من أهل العراق ساقطاً فقال: ما بال هذا؟ قالوا: إنه إذا قرئ عليه القرآن أو سمع ذكر الله سقط، قال ابن عمر: إنا لنخشى الله وما نسقط!
وقال ابن عمر: إن الشيطان ليدخل في جوف أحدهم، ما كان هذا صنيع أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وذكر عن ابن سيرين : الذين يصرعون إذا قرئ عليهم القرآن؟ [فقال: بيننا وبينهم أن يقعد أحدهم على ظهر بيت باسطاً رجليه ثم يقرأ عليه القرآن] من أوله إلى آخره، فإن رمى بنفسه فهو صادق.
" ذلك "، يعني: أحسن الحديث، " هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد ".
23-" الله نزل أحسن الحديث " يعني القرآن ، روي أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ملوا ملة فقالوا له حدثنا فنزلت . وفي الابتداء باسم الله وبناء نزل عليه تأكيد للإسناد إليه وتفخيم للمنزل واستشهاد على حسنه " كتاباً متشابهاً " بدل من " أحسن " أو حال منه وتشابهه تشابه أبعاضه في الإعجاز وتجاوب النظم وصحة المعنى والدلالة على المنافع العامة . " مثاني " جمع مثنى أو مثنى أومثن على ما مر في الحجر ، وصف به كتاباً باعتبار تفاصيله كقولك : القرآن سور وآيات ، والإنسان : عظام وعروق وأعصاب ، أو جعل تمييزاً من " متشابهاً " كقولك : رأيت رجلاً حسناً شمائله " تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم " تشمئز خوفاً مما فيه من الوعيد وهو مثل في شدة الخوف واقشعرار الجلد تقبضه وتركيبه من حروف القشع وهو الأديم اليابس بزيادة الراء ليصير رباعياً كتركيب اقمطر من القمط وهو الشد " ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله " بالرحمة وعموم المغفرة ، والإطلاق للإشعار بأن أصل أمره الرحمة وأن رحمته سبقت غضبه ، والتعدية بـ" إلى " لتضمن معنى السكون والاطمئنان ، وذكر القلوب لتقدم الخشية التي هي من عوارضها " ذلك " أي الكتاب أو الكائن من الخشية والرجاء " هدى الله يهدي به من يشاء " هدايته " ومن يضلل الله " ومن يخذله " فما له من هاد " يخرجهم من الضلال .
23. Allah hath (now) revealed the fairest of statements, a Scripture consistent, (wherein promises of reward are) paired (with threats of punishment), whereat doth creep the flesh of those who fear their Lord, so that their flesh and their hearts soften to Allah's reminder. Such is Allah's guidance, where with He guideth whom He will. And him whom Allah sendeth astray, for him there is no guide.
23 - God has revealed (from time to time) the most beautiful Message in the form of a Book, consistent with itself, (yet) repeating (its teaching in various aspects): the skins of those who fear their Lord tremble thereat; then their skins and their hearts do soften to the celebration of God's praises. Such is the guidance of God: he guides therewith whom He pleases, but such as God leaves to stray, can have none to guide.