23 - (ذلك الذي يبشر) من البشارة مخففا ومثقلا به (الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه) على تبليغ الرسالة (أجرا إلا المودة في القربى) استثناء منقطع أي لكن أسألكم أن تودوا قرابتي التي هي قرابتكم أيضا فإن له في كل بطن من قريش قرابة (ومن يقترف) يكتسب (حسنة) طاعة (نزد له فيها حسنا) بتضعيفها (إن الله غفور) للذنوب (شكور) للقليل فيضاعفه
أخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال قالت الأنصار لو جمعنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مالا فأنزل الله قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى فقال بعضهم إنما قال هذا ليقاتل عن أهل بيته وينصرهم فأنزل الله أم يقولون افترى على الله كذبا إلى قوله وهو الذي يقبل التوبة عن عباده فعرض لهم التوبة إلى قوله ويزيدهم من فضله
يقول تعالى ذكره : هذا الذي أخبرتكم أيها الناس إني أعددته للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الآخرة من النعيم والكرامة ، البشرة التي يبشر الله عباده الذين آمنوا به في الدنيا ، وعملوا بطاعته فيها " قل لا أسألكم عليه أجراً " يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للذين يمارونك في الساعة من مشركي قومك : لا أسألكم أيها القوم على دعايتكم إلى ما أدعوكم إليه من الحق الذي جئتكم به ، والنصيحة التي أنصحكم ثواباً وجزاءً وعوضاً من تعطوننيه " إلا المودة في القربى " .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : " إلا المودة في القربى " فقال بعضهم : معناه : إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا رحمي بيني وبينكم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب و يعقوب ، قالا : ثنا إسماعيل بن إبراهيم ، عن داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن ابن عباس في قوله : " لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم قرابة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أبو أسامة ، قال : ثنا شعبة ، عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : سئل عنها ابن عباس ، فقال ابن جبير : هم قربى آل محمد ، فقال ابن عباس : عجلت ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا وله فيهم قرابة ، قال : فنزلت " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : إلا القرابة التي بيني وبينكم أن تصلوها .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش ، فلما كذبوه وأبوا أن يبايعوه قال : " يا قوم إذا أبيتم أن تبايعوني فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصرتي منكم " .
حدثني محمد بن سعد ، قال: ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " يعني محمد صلى الله عليه وسلم قال لقريش : لا أسألكم من أموالكم شيئاً ، ولكن أسألكم أن لا تؤذوني لقرابة ما بيني وبينكم ، فإنكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن عكرمة ، قال : " إن النبي صلى الله عليه وسلم كان واسطاً في قريش ، كان له في كل بطن من قريش نسب ، فقال : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه إلا أن تحفظوني في قرابتي ، قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن أبي مالك ، قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم واسط النسب من قريش ، ليس حي من أحياء قريش إلا وقد ولدوه ، قال : فقال الله عز وجل : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " : إلا أن تودوني لقرابتي منكم وتحفظوني " .
حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن أبي مالك في هذه الآية " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وأمه من بني زهرة وأم أبيه من بني مخزوم ، فقال : إحفظوني في قرابتي .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا حرمي ، قال : ثنا شعبة ، قال : أخبرني عمارة ، عن عكرمة ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : تعرفون قرابتي ، وتصدقونني بما جئت به ، وتمنعوني .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " وإن الله تبارك وتعالى أمر محمداً صلى الله عليه وسلم إن لا يسأل الناس على هذا القرآن أجراً إلا أن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة ، وكل بطون قريش قد ولدته وبينه وبينهم قرابة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " إلا المودة في القربى " إن تتبعوني ، وتصدقوني وتصلوا رحمي .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ولادة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني لقرابتي منكم .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " يعني قريشاً . يقول : إنما أنا رجل منكم ، فأعينوني على عدوي ، واحفظوا قرابتي ، وإن الذي جئتكم به لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى ، إن تودوني لقرابتي ، وتعينوني على عدوي .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال يقول : إلا أن تودوني لقرابتي كما توادون في قرابتكم وتواصلون بها ، ليس هذا الذي جئت به يقطع ذلك عني ، فلست أبتغي على الذي جئت به أجراً آخذه على ذلك منكم .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : أخبرني سعيد بن أبي أيوب ، عن عطاء بن دينار في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " يقول : لا أسألكم على ما جئتكم به أجراً إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتمنعوني من الناس .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : كل قريش كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة ، فقال : قل لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لمن تبعك من المؤمنين : لا أسألكم على ما جئتكم به أجراً إلا أن تودوا قرابتي .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المري ، عن السدي ، عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنهما أسيراً ، فأقيم على درج دمشق ، قام رجل من أهل الشأم فقال : الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم ، وقطع قرب الفتنة ، فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم ؟ قال : قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ! قال : ما قرأت " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : وإنكم لأنتم هم ؟ قال : نعم .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبد السلام ، قال : ثنا يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، " قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا ، فكأنهم فخروا ، فقال ابن عباس ، أو العباس ، شك عبد السلام : لنا الفضل عليكم ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم في مجالسهم ، فقال : يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : إفلا تجيبوني ، قالوا : ما نقول يا رسول الله ؟ قال : ألا تقولون : ألم يخرجك قومك فأويناك ، أولم يكذبوك فصدقناك ، أولم يخذلوك فنصرناك ؟ قال : فما زال يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا وما في أيدينا لله ولرسوله ، قال : فنزلت " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " " .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا مروان عن يحيى بن كثير ، عن أبي العالية ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : هي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن عمارة الأسدي و محمد بن خلف قالا : ثنا عبيد الله قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق قال : سألت عمرو بن شعيب ، عن قول الله عز وجل : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : قربى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : قل لا أسألكم أيها الناس على ما جئتكم به أجراً إلا أن توددوا إلى الله ، وتتقربوا بالعمل الصالح والطاعة .
ذكر من قال ذلك : حدثني علي بن داود و محمد بن داود أخوه أيضاً قالا : ثنا عاصم بن علي ، قال : ثنا قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، " عن النبي صلى الله عليه وسلم قل لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجراً إلا أن توددوا إلى الله وتتقربوا إليه بطاعته " .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور بن زاذان ، عن الحسن أنه قال في هذه الآية " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : القربى إلى الله .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : إلا التقرب إلى الله ، والتودد إليه بالعمل الصالح .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : قال الحسن ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " قال : لا أسألكم على ما جئتكم به ، وعلى هذا الكتاب أجراً إلا المودة في القربى ، إلا أن توددوا إلى الله بما يقربكم إليه ، وعمل بطاعته .
قال : بشر : قال يزيد : وحدثنيه يونس ، عن الحسن ، حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى " إلا أن توددوا إلى الله فيما يقربكم إليه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إلا أن تصلوا قرابتكم .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا قرة ، عن عبد الله بن القاسم ، في قوله : " إلا المودة في القربى " قال : أمرت أن تصل قرابتك .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، وأشبههما بظاهر التنزيل قول من قال : معناه : قل لا أسألكم عليه أجراً يا معشر قريش ، إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، وتصلوا الرحم التي بيني وبينكم .
وإنما قلت هذا التأويل أولى بتأويل الآية لدخول < في > في قوله : " إلا المودة في القربى " ، ولو كان معنى ذلك على ما قاله من قال : إلا أن تودوا قرابتي ، أو تقربوا إلى الله ، لم يكن لدخول < في > في الكلام في هذا الموضع وجه معروف ، ولكان التنزيل : إلا مودة القربى إن عني به الأمر بمودة قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو إلا المودة بالقربى ، أو ذا القربى إن عني به التودد والتقرب . وفي دخول < في > في الكلام أوضح الدليل على أن معناه : إلا مودتي في قرابتي منكم ، وإن الألف واللام في المودة أدخلتا بدلاً من الإضافة ، كما قيل " فإن الجنة هي المأوى " [ النازعات : 41 ] . وقوله : < إلا > في هذا الموضع استثناء منقطع . ومعنى الكلام : قل لا أسألكم عليه أجراً ، لكن أسألكم المودة في القربى ، فالمودة منصوبة على المعنى الذي ذكرت . وقد كان بعض نحويي البصرة يقول : هي منصوبة بمضمر من الفعل ، بمعنى : إلا أن أذكر مودة قرابتي .
وقوله : " ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً " يقول تعالى ذكره : ومن يعمل حسنة ، وذلك أن يعمل عملاً يطيع الله فيه من المؤمنين " نزد له فيها حسناً " يقول : نضاعف عمله ذلك الحسن ، فنجعل له مكان الواحد عشراً إلى ما شئنا من الجزاء والثواب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، في قول الله عز وجل : " ومن يقترف حسنة " قال : يعمل حسنة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : " ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً " قال : من يعمل خيراً نزد له . الإقتراف : العمل .
وقوله : " إن الله غفور شكور " يقول : إن الله غفور لذنوب عباده ، شكور لحسناتهم وطاعتهم إياه .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " إن الله غفور " للذنوب " شكور " للحسنات يضاعفها .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " إن الله غفور شكور " قال : غفر لهم الذنوب ، وشكر لهم نعماً هو أعطاهم إياها ، وجعلها فيهم .
قوله تعالى : " ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا " قرئ (( يبشر )) من بشره ، و (( يبشر )) من أبشره ، و(( يبشر )) من بشره ، وفيه حذف ، أي يبشر الله به عباده المؤمنين لتيعجلوا السرور ويزدادوا منه وجداً في الطاعة .
قوله تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " قل لا أسألكم عليه أجرا " أي قل يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة جعلاً ، " إلا المودة في القربى " قال الزجاج : (( إلا المودة )) استثناء ليس من الأول ، أي إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني ، والخطاب لقريش خاصة ، قاله ابن عباس و عكرمة و مجاهد و أبو مالك و الشعبي وغيرهم : قال الشعبي : أكثر الناس علينا في هذه الآية فكتبنا إلى ابن عباس نسأله عنها ، فكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أوسط الناس في قريش ، فليس بطن من بطونهم إلا وقد ولده ، فقال الله له : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " إلا أن تودوني في قرابتي منكم ، أي تراعوا ما بيني وبينكم فتصدقوني ، (( القربى )) هاهنا قرابة الرحم ، كأنه قال : اتبعوني للقرابة إن لم تتبعوني للنبوة قال عكرمة : وكانت قريش تصل أرحامها " فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعته ، فقال : صلوني كما كنتم تفعلون " ، فالمعنى على هذا ، قل لا أسألكم عليه أجراً لكن أذكركم قرابتي ، على استثناء ليس من الأول ، ذكره الخامس ، وفي البخاري عن طاوس عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى : " إلا المودة في القربى " فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد ، فقال ابن عباس : عجلت ! إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة ، فقال : إلا أن تصلوا ما بينكم من القرابة ، فهذا قول : وقيل : القربى قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أي لا أسألكم أجراً إلا أن تودوا قرابتي وأهل بيتي ، كما أمر بإعظامهم ذوي القربي ، وهذا قول علي بن حسين و عمرو بن شعيب و السدي ، وفي رواية سعيد بن جبير " عن ابن عباس : لما أنزل الله عز وجل : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين نودهم ؟ قال : علي وفاطمة وأبناؤهما " ، ويدل عليه أيضاً ما روي " عن علي رضي الله عنه قال : شكوت إلى النبي حسد الناس لي ، فقال : أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا وذريتنا خلف أزواجنا "، و" عن النبي صلى الله عليه وسلم : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي وآذاني في عترتي ومن اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب ولم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غداً إذا لقيني يوم القيامة " ، وقال الحسن و قتادة : المعنى إلا أن يتوددوا إلى الله عز وجل ويتقربوا إليه بطاعته (( القربى)) على هذا بمعنى القربة ، يقال : قربة وقربى بمعنى ، كالزلفة والزلفى ، وروى قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس " عن النبي صلى الله عليه وسلم قل لا أسألكم على ما آتيتكم به أجراً إلا أن توادوا وتقربوا إليه بالطاعة " .
وروى منصور و عوف عن الحسن : " قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي " ، قال : يتوددون إلى الله عز وجل ويتقربون منه بطاعته ، وقال قوم : الآية منسوخة وإنما نزلت نبيه وصلة رحمه ، فلما هاجر آوته الأنصار ونصروه ، وأراد الله أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء حيث قالوا : " وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين " [ الشعراء : 109 ] ، فأنزل الله تعالى : " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله " [ سبأ : 47 ] ، فنسخت بهذه الآية وبقوله : " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " [ ص : 86 ] ، وقوله : " أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير " [ المؤمنون : 72 ] ، وقوله : " أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون " [ الطور : 40 ] ، قاله الضحاك و الحسين بن الفضل ، ورواه جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ، قال الثعلبي : وليس بالقوي ، وكفى قبحاً بقول من يقول : إن التقرب إلى الله بطاعته ومودة نبيه صلى الله عليه وسلم وأهل بيته منسوخ ، وقد " قال النبي صلى الله عليه وسلم : من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، من مات على حب آل محمد جعل الله زوار قبره الملائكة والرحمة ، ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه أيس اليوم من رحمة الله ، ومن مات على بغض آل محمد لم يرح رائحة الجنة ، ومن مات على بغض آل بيتي فلا نصيب له في شفاعتي " .
قلت : وذكر هذا الخبر الزمخشري في تفسيره بأطول من هذا فقال : و " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات على حب آل محمد مات شهيداً ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومن مات على حب آل محمد على السنة والجماعة ، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله ، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً ، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة " ، قال النحاس : ومذهب عكرمة ليست بمنسوخة ، قال : " كانوا يصلون أرحامهم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم قطعوه فقال : لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني وتحفظوني لقرابتي ولا تكذبوني " .
قلت : وهذا هو معنى قول ابن عباس في البخاري و الشعبي عنه بعينه ، وعليه لا نسخ ، قال النحاس : وقول الحسن حسن ، ويدل على صحته الحديث المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثنا أحمد بن محمد الأزدي قال أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي قال أخبرنا أسد بن موسى قال حدثنا قزعة وهو ابن سويد البصري قال حدثنا عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا أسألكم على ما أنبئكم به من البينات والهدى أجراً إلا أن توادوا الله عز وجل وأن تتقربوا إليه بطاعته " ، فهذا المبين عن الله عز وجل قد قال هذا ، وكذا قالت الأنبياء صلى الله عليهم قبله : " إن أجري إلا على الله " .
الثانية : واختلفوا في سبب نزولها ، فقال ابن عباس : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه ، فقالت الأنصار : إن هذا الرجل هداكم الله به وهو ابن أخيكم ، وتنوبه نوائب وحقوق لا يسعها ما في يديه فنجمع له ، ففعلوا ، ثم أتوه به فنزلت وقال الحسن : نزلت حين تفاخرت الأنصار والمهاجرون ، فقالت الأنصار نحن فعلنا ، وفخرت المهاجرون بقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، روى مقسم " عن ابن عباس قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فخطب فقال للأنصار : ألم تكونوا أذلاء فأعزكم الله بي ، ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ، ألم تكونوا خائفين فأمنكم الله بي ألا تردون علي ؟ فقالوا : بم نجيبك ؟ قال : تقولون ألم يطردك قومك فآويناك ، ألم يكذبك قومك فصدقناك ... ، فعدد عليهم قال فجثوا على ركبهم فقالوا : أنفسنا وأموالنا لك ، فنزلت : " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " " ، وقال قتادة : قال المشركون لعل محمداً فيما يتعطاه يطلب أجراً ، فنزلت هذه الآية ، ليحثهم على مودته ومودة أقربائه ، قال الثعلبي : وهذا أشبه بالآية ، لأن السورة مكية .
قوله تعالى : " ومن يقترف حسنة " أي يكتسب ، وأصل القرف الكسب ، يقال : فلان يقرف لعياله ، أي يكسب ، والاقتراف الاكتساب ، وهو مأخوذ من قولهم رجل قرفة ، إذا كان محتالاً ، وقد مضى في (( الأنعام )) القول فيه ، وقال ابن عباس : (( ومن يقترف حسنة )) قال المودة لآل محمد صلى الله عليه وسلم : " نزد له فيها حسنا " أي نضاعف له الحسنة بعشر فصاعداً ، " إن الله غفور شكور " قال قتادة : (( غفور )) للذنوب ، (( شكور )) للحسنات ، وقال السدي : (( غفور )) لذنوب آل محمد عليه السلام ، (( شكور )) لحسناتهم .
يقول تعالى لما ذكر روضات الجنات, لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات "ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات" أي هذا حاصل لهم كائن لا محالة ببشارة الله تعالى لهم به. وقوله عز وجل: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة. قال البخاري: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاوساً يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى إلا المودة في القربى فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد فقال ابن عباس: عجلت إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن لا تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة, انفرد به البخاري, ورواه الإمام أحمد بن يحيى القطان عن شعبة به, وهكذا روى عامر الشعبي والضحاك وعلي بن أبي طلحة والعوفي ويوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله, وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا هاشم بن القاسم بن زيد الطبراني وجعفر القلانسي قالا: حدثنا آدم بن أبي إياس, حدثنا شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا أسألكم عليه أجراً إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم" وروى الإمام أحمد عن حسن بن موسى, حدثنا قزعة يعني ابن سويد بن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن قزعة بن سويد عن ابن نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجراً إلا أن توادوا الله وأن تقربوا إليه بطاعته" وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري مثله وهذا كأنه تفسير بقول ثان كأنه يقول إلا المودة في القربى أي إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى. وقول ثالث وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال معنى ذلك أن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم.
وقال السدي عن أبي الديلم قال: لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيراً فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه: أقرأت القرآن ؟ قال: نعم, قال: أقرأت آل حم ؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم, قال: ما قرأت "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" قال: وإنكم لأنتم هم ؟ قال: نعم, وقال أبو إسحق السبيعي: سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى: "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" فقال: قربى النبي صلى الله عليه وسلم رواهما ابن جرير.
ثم قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا مالك بن إسماعيل, حدثنا عبد السلام, حدثني يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: قالت الأنصار: فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا, فقال ابن عباس أو العباس رضي الله عنهما ـ شك عبد السلام ـ لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال: "يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي ؟" قالوا بلى يا رسول الله قال صلى الله عليه وسلم: "ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي ؟" قالوا: بلى يا رسول الله, قال: "أفلا تجيبوني ؟" قالوا: ما نقول يا رسول الله ؟ قال: "ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك أولم يكذبوك فصدقناك أولم يخذلوك فنصرناك" قال: فما زال صلى الله عليه وسلم يقول حتى جثوا على الركب, وقالوا: أموالنا في أيدينا لله ولرسوله, قال: فنزلت "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين عن عبدالمؤمن بن علي, عن عبد السلام عن يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف بإسناده مثله أو قريباً منه. وفي الصحيحين في قسم غنائم حنين قريب من هذا السياق ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه الاية, وذكر نزولها في المدينة فيه نظر لأن السورة مكية وليس يظهر بين هذه الاية وهذا السياق مناسبة, والله أعلم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين, حدثنا رجل سماه, حدثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه, قال: لما نزلت هذه الاية "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى" قالوا: يا رسول الله, من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم ؟ قال: "فاطمة وولدها رضي الله عنهما" وهذا إسناد ضعيف فيه مبهم لا يعرف عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل, وذكر نزول الاية في المدينة بعيد فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة والحق تفسير هذه الاية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري ولا ننكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم, فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً, ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية, كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل ذريته رضي الله عنهم أجمعين.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته بغدير خم: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي, وإنهما لم يفترقا حتى يردا علي الحوض" وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوهم ببشر حسن, وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها, قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال "والذي نفسي بيده لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله".
ثم قال أحمد: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد, عن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب بن ربيعة, قال: دخل العباس رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنا لنخرج فنرى قريشاً تحدث, فإذا رأونا سكتوا, فغضب رسول الله ودر عرق بين عينيه ثم قال صلى الله عليه وسلم: "والله لا يدخل قلب امرىء مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي", وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب, حدثنا خالد, حدثنا شعبة عن واقد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي بكر ـ هو الصديق ـ رضي الله عنه قال: ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته. وفي الصحيح أن الصديق رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه: والله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي, وقال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنهما والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم, لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب. فحال الشيخين رضي الله عنهما هو الواجب على كل أحد أن يكون كذلك, ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أبي حيان التيمي, حدثني يزيد بن حيان قال: انطلقت أنا وحصين بن ميسرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه, فلما جلسنا إليه قال حصين: لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً, رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت معه, لقد رأيت يا زيد خيراً كثيراً, حدثنا يا زيد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: يا ابن أخي لقد كبر سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوه وما لا فلا تكلفونيه, ثم قال رضي الله عنه: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة, فحمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ, ثم قال صلى الله عليه وسلم: "أما بعد, أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب, وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه وقال صلى الله عليه وسلم: "وأهل بيتي أذكركم في أهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي" فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال: إن نساءه لسن من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده, قال: ومن هم ؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس رضي الله عنهم, قال: أكل هؤلاء حرم عليه الصدقة ؟ قال: نعم, وهكذا رواه مسلم والنسائي من طرق يزيد بن حيان به.
وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا علي بن المنذر الكوفي, حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت, عن زيد بن أرقم رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: أحدهما أعظم من الاخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض, والاخر عترة أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما" تفرد بروايته ثم قال: هذا حديث حسن غريب. وقال الترمذي أيضاً: حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي, حدثنا زيد بن الحسن عن جعفر بن محمد بن الحسن عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب, فسمعته يقول: "ياأيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي" تفرد به الترمذي أيضاً, وقال: حسن غريب, وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم.
ثم قال الترمذي أيضاً: حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث, حدثنا يحيى بن معين, حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي, عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس رضي الله عنهم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحبوا الله تعالى لما يغذوكم من نعمه, وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي" ثم قال: حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه, وقد أوردنا أحاديث أخر عند قوله تعالى: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً" بما أغنى عن إعادتها ههنا, ولله الحمد والمنة. وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا سويد بن سعيد, حدثنا مفضل بن عبد الله عن أبي إسحاق عن حنش, قال: سمعت أبا ذر رضي الله عنه وهو آخذ بحلقة الباب يقول: يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني, ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام من دخلها نجا, ومن تخلف عنها هلك" هذا بهذا الإسناد ضعيف.
وقوله عز وجل: "ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً" أي ومن يعمل حسنة نزد له فيها حسناً أي أجراً وثواباً, كقوله تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً", وقال بعض السلف: إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها, ومن جزاء السيئة السيئة بعدها. وقوله تعالى: "إن الله غفور شكور" أي يغفر الكثير من السيئات ويكثر القليل من الحسنات, فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر, وقوله جل وعلا: " أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشإ الله يختم على قلبك " أي لو افتريت عليه كذباً كما يزعم هؤلاء الجاهلون "يختم على قلبك" أي يطبع على قلبك ويسلبك ما كان آتاك من القرآن, كقوله جل جلاله: " ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين * فما منكم من أحد عنه حاجزين " أي لا نتقمنا منه أشد الانتقام, وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه.
وقوله جلت عظمته: "ويمح الله الباطل" ليس معطوفاً على قوله "يختم" فيكون مجزوماً بل هو مرفوع على الابتداء. قاله ابن جرير, قال: وحذفت من كتابته الواو في رسم مصحف الإمام, كما حذفت في قوله: "سندع الزبانية" وقوله تعالى: "ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير". وقوله عز وجل "ويحق الحق بكلماته" معطوف على "ويمح الله الباطل ويحق الحق" أي يحققه ويثبته ويبينه ويوضحه بكلماته, أي بحججه وبراهينه "إنه عليم بذات الصدور" أي بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر.
والإشارة بقوله: 23- "ذلك الذي يبشر الله عباده" إلى الفضل الكبير: أي يبشرهم به. ثم وصف العباد بقوله: "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" فهؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل بما أمر الله به وترك ما نهى عنه هم المبشرون بتلك البشارة. قرأ الجمهور "يبشر" مشدداً من بشر. وقرأ مجاهد وحميد بن قيس بضم التحتية وسكون الموحدة وكسر الشين من أبشر. وقرأ بفتح التحتية وضم الشين بعض السبعة، وقد تقدم بيان القراءات في هذه اللفظة. ثم لما ذكر سبحانه ما أخبر به نبيه صلى الله عليه وسلم من هذه الأحكام الشريفة التي اشتمل عليها كتابه أمره بأنه يخبرهم بأنه لا يطلب منهم بسبب هذا التبليغ ثواباً منهم فقال: "قل لا أسألكم عليه أجراً" أي قل يا محمد: لا أطلب منكم على تبليغ الرسالة جعلاً ولا نفعاً "إلا المودة في القربى" هذا الاستثناء يجوز أن يكون متصلاً: أي إلا أن تودوني لقرابتي بينكم أو تودوا أهل قرابتي، ويجوز أن يكون منقطعاً. قال الزجاج: إلا المودة استثناء ليس من الأول: أي إلا أن تودوني لقرابتي فتحفظوني، والخطاب لقريش، وهذا قول عكرمة ومجاهد وأبي مالك والشعبي، فيكون المعنى على الانقطاع: لا أسألكم أجراً قط، ولكن أسألكم المودة في القربى التي بيني وبينكم، ارقبوني فيها ولا تعجلوا إلي ودعوني والناس، وبه قال قتادة ومقاتل والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم، وهو الثابت عن ابن عباس كما سيأتي. وقال سعيد بن جبير وغيره: هم آل محمد، وسيأتي ما استدل به القائلون بهذا. وقال الحسن وغيره: معنى الآية: إلا التودد إلى الله عز وجل والتقرب بطاعته. وقال الحسن بن الفضل: ورواه ابن جرير عن الضحاك إن هذه الآية منسوخة، وإنما نزلت بمكة، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم الله بمودته، فلما هاجر أوته الأنصار ونصروه، فأنزل الله عليه "وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين" وأنزل عليه "قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله". وسيأتي في آخر البحث ما يتضح به الثواب ويظهر به معنى الآية إن شاء الله "ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً" أصل القرف الكسب، يقال فلان لعياله: أي يكتسب، والاقتراف: الاكتساب، مأخوذ من قولهم رجل فرقة: إذا كان محتالاً. والمعنى: من يكتسب حسنة نزد له هذه الحسنة حسناً بمضاعفة ثوابها. قال مقاتل: المعنى من يكتسب حسنة واحدة نزد له فيها حسناً نضاعفها بالواحدة عشراً فصاعداً. وقيل المراد بهذه الحسنة هي المودة في القربى، والحمل على العموم أولى، ويدخل تحته المودة في القربى دخولاً أولياً "إن الله غفور شكور" أي كثير المغفرة للمذنبين كثير الشكر للمطيعين. قال قتادة: غفور للذنوب شكور للحسنات. وقال السدي: غفور لذنوب آل محمد.
23. " ذلك الذي "، ذكرت من نعيم الجنة، " يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات "، فإنهم أهله، " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ".
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت طاووساً عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه سئل عن قوله: "إلا المودة في القربى "، قال سعيد بن جبير : قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
وكذلك روى الشعبي و طاووس عن ابن عباس رضي الله عنهما، ((إلا المودة في القربى )) يعني: أن تحفظوا قرابتي وتودوتي وتصلوا رحمي. وإليه ذهب مجاهد ، و قتادة ، و عكرمة ، و مقاتل ، و السدي ، و الضحاك ، رضي الله عنهم.
وقال عكرمة : لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجراً إلا أن تحفظوني في قرابتي بيني وبينكم، وليس كما يقول الكذابون.
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في معنى الآية: إلا أن تودوا الله وتتقربوا إليه بطاعته، وهذا قول الحسن ، قال: هو القربى إلى الله، يقول: إلا التقرب إلى الله والتودد إليه بالطاعة والعمل الصالح.
وقال بعضهم: معناه إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب.
واختلفوا في قرابته قيل: هم فاطمة وعلي وأبناؤهما، وفيهم نزل: " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت " (الأحزاب-33).
وروينا عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي "، قيل لزيد بن أرقم: من أهل بيته؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس.
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا خالد ، حدثنا شعبة عن واقد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر قال: ارقبوا محمداً في أهل بيته.
وقيل: هم الذين تحرم عليهم الصدقة من أقاربه ويقسم فيهم الخمس، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، الذين لم يتفرقوا في جاهلية ولا في إسلام.
وقال قوم: هذه الآية منسوخة وإنما نزلت بمكة، وكان المشركون يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية فأمرهم فيها بمودة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلة رحمه، فلما هاجر إلى المدينة وآواه الأنصار ونصروه أحب الله عز وجل أن يلحقه بإخوانه من الأنبياء عليهم السلام حيث قالوا: " وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين " (الشعراء-109) فأنزل الله نعالى: " قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله "، فهي منسوخة بهذه الآية، وبقوله: " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين " (الزمر-86)، وغيرها من الآيات. وإلى هذا ذهب الضحاك بن مزاحم، و الحسين بن الفضل .
وهذا قول غير مرضي، لأن مودة النبي صلى الله عليه وسلم وكف الأذى عنه ومودة أقاربه، والتقرب إلى الله بالطاعة، والعمل الصالح من فرائض الدين، وهذه أقاويل السلف في معنى الآية، فلا يجوز المصير إلى نسخ شيء من هذه الأشياء.
وقوله: (( إلا المودة في القربى ))، ليس باستثناء متصل بلاأول حتى يكون ذللك أجراً في مقابلة أداء الرسالة، بل هو منقطع، ومعناه: ولكني أذكركم المودة في القربى وأذكركم قرابتي منكم، كما روينا في حديث زيد بن أرقم: ((أذكركم الله في أهل بيتي )).
قوله عز وجل: " ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً "، أي: من يزد طاعةً نزد له فيها حسناً بالتضعيف، " إن الله غفور "، للذنوب، " شكور "، للقليل حتى يضاعفها.
23-" ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات " ذلك الثواب الذي يبشرهم الله به فحذف الجار ثم العائد ، أو ذلك التبشير الذي يبشره الله عباده . وقرأ ابن كثير و أبو عمرو و حمزة و الكسائي يبشر من بشره وقرئ يبشر من أبشره . " قل لا أسألكم عليه " على ما أتعاطاه من التبليغ والبشارة . " أجراً " نفعاً منكم . " إلا المودة في القربى" أي تودوا قرابتي ، وقيل الاستثناء منقطع والمعنى : لا أسألكم أجراً قط ولكني أسألكم المودة ، و " في القربى " حال منها أي " إلا المودة " ثابتة في ذوي " القربى " متمكنة في أهلها ، أو في حق القرابة ومن أجلها كما جاء في الحديث " الحب في الله والبغض في الله " . روي :" أنها لما نزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت مودتهم علينا قال : علي وفاطمة وابناهما " . وقيل " القربى " التقرب إلى الله أي إلا تودوا الله ورسوله في تقربكم إليه بالطاعة والعمل الصالح ، وقرئ إلا مودة في القربى . " ومن يقترف حسنةً " ومن يكتب طاعة سيما حب آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه ومودته لهم . " نزد له فيها حسناً " في الحسنة بمضاعفة الثواب ، وقرئ يزد أي يزد الله وحسنى . " إن الله غفور " لمن أذنب " شكور " لمن أطاع بتوفية الثواب والتفضل عليه بالزيادة .
23. This it is which Allah announceth unto His bondmen who believe and do good works. Say (O Muhammad, unto mankind): I ask of you no fee therefor, save loving kindness among kinsfolk. And whoso scoreth a good deed we add unto its good for him. Lo! Allah is Forgiving, Responsive.
23 - That is (the Bounty) whereof God gives Glad Tidings to His Servants who believe and do righteous deeds. Say: No reward do I ask of you for this except the love of those near of kin. And if any one earns any good, We shall give him an increase of good in respect thereof: for God is Oft Forgiving, Most Ready to appreciate (service).