24 - (ولقد همَّت به) قصدت منه الجماع (وهم بها) قصد ذلك (لولا أن رأى برهان ربه) قال ابن عباس مَثُلَ له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله ، وجواب لولا لجامعها (كذلك) أريناه البرهان (لنصرف عنه السوء) الخيانة (والفحشاء) الزنا (إنه من عبادنا المخلصين) في الطاعة ، وفي قراءة بكسر اللام أي المختارين
قال أبو جعفر : ذكر أن امرأة العزيز لما همت بيوسف وارادت مراودته ،جعلت تذكر له محاسن نفسه ، وتشوقه إلى نفسها ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : قالت له : يا يوسف ، ما أحسن شعرك ! قال : هو أول ما ينتثر من جسدي . قالت : يا يوسف ، ما أحسن وجهك ! قال : هو للتراب يأكله . فلم تزل حتى أطعمته ، فهمت به وهم بها ، فدخلا البيت ، وغلقت الأبواب ، وذهب ليحل سراويله ، فإذا هو بصورة يعقوب قائماً في البيت ، قد عض على إصبعه يقول : يا يوسف لا تواقعها ، فإنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير الذي في جو السماء لا يطاق ، ومثلك إذا واقعتها مثله إذا مات ووقع إلى الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه . ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يعمل عليه ، ومثلك إن واقعتها مثل الثور حين يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفع عن نفسه ، فربط سراويله وذهب ليخرج يشتد ، فأدركته فأخذت بمؤخرقميصه من خلفه فخرقته ، حتى أخرجته منه وسقط ، وطرحه يوسف واشتد نحو الباب .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : أكبت عليه ، يعني المرأة ، تطمعه مرة وتخفيه أخرى ، وتدعوه إلى لذة من حاجة الرجال في جمالها وحسنها وملكها ، وهو شاب مستقبل يجد من شبق الرجال ما يجد الرجل ، حتى رق لها مما يرى من كلفها به ، ولم يتخوف منها حتى هم وهمت به ، حتى خلوا في بعض بيوته .
ومعنى الهم بالشيء ، في كلام العرب : حديث المرء نفسه بمواقعته ما لم يواقع .
فأما ما كان من هم يوسف بالمرأة وهمها به ، فإن أهل العلم قالوا في ذلك ما أنا ذاكره ، وذلك ما :
حدثنا ابو كريب ، وسفيان بن وكيع ، وسهل بن موسى الرازي قالوا ، حدثنا ابن عيينة عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ،عن ابن عباس : سئل عن هم يوسف ما بلغ ؟ قال : حل الهميان ، وجلس منها مجلس الخاتن ، لفظ الحديث لأبي كريب .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن عيينة قال ، سمع عبيد الله بن أبي يزيد ابن عباس في : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : جلس منها مجلس الخاتن ، وحل الهميان .
حدثنا زياد بن عبد الله الحساني ، وعمرو بن علي ، و الحسن بن محمد قالوا ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عبد الله بن أبي يزيد قال ، سمعت ابن عباس سئل : ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : حل الهميان ، وجلس منها مجلس الخاتن .
حدثني زياد بن عبد الله قال ، حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة قال : سألت ابن عباس : ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : استلقت له ، وجلس بين رجليها .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : استلقت له وحل ثيابه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا قبيصة بن عقبة قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس : "ولقد همت به وهم بها" ، ما بلغ ؟ قال : استلقت له ، وجلس بين رجليها ، وحل ثيابه ـ أو : ثيابها .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يحيى بن سعد ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة قال : سألت ابن عباس : ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : استلقت على قفاها ، وقعد بين رجليها لينزع ثيابه .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال : سئل ابن عباس عن قوله : "ولقد همت به وهم بها" ، ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : حل الهميان ، يعني السراويل .
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن إدريس قال ، سمعت الأعمش ، عن مجاهد في قول : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : حل السراويل حتى أليتيه ، واستلقت له .
حدثنا زياد بن عبد الله الحساني قال ، حدثنا مالك بن سعير قال ، حدثنا الأعمش ،عن مجاهد في قوله : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : حل سراويله حتى وقع على أليتيه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : جلس منها مجلس الرجل من امرأته .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل قال ، حدثني القاسم بن أبي بزة : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : أما همها به ، فاستلقت له ، وأما همه بها ، فإنه قعد بين رجليها ونزع ثيابه .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثني حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة قال : قلت لابن عباس : ما بلغ من هم يوسف ؟ قال : استلقت له ، وجلس بين رجليها ينزع ثيابه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا يحيى بن اليمان ، عن سفيان ، عن علي ابن بذيمة ، عن سعيد بن جبير ، و عكرمة قالا : حل السراويل ، وجلس منها مجلس الخاتن .
حدثنا ابن وكيع قال ،حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن شريك ، عن جابر ، عن مجاهد : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : استلقت ، وحل ثيابه حتى بلغ ألياته .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "ولقد همت به وهم بها" ، قال :أطلق تكة سراويله .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابي أبي مليكة قال : شهدت ابن عباس سئل عن هم يوسف ما بلغ ؟ قال : حل الهميان ، وجلس منها مجلس الخاتن .
فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يوصف بمثل هذا ،وهو لله نبي ؟ قيل : إن أهل العلم اختلفوا في ذلك .
فقال بعضهم : كان من ابتلي من الأنبياء بخطيئة ، فإنما ابتلاه الله بها ، ليكون من الله عز وجل على وجل إذ ذكرها ، فيجد في طاعته إشفاقاً منها ، ولا يتكل على سعة عفو الله ورحمته .
وقال آخرون : بل ابتلاهم الله بذلك ، ليعرفهم موضع نعمته عليهم ، بصفحه عنهم ، وتركه عقوبته عليه في الآخرة .
وقال آخرون : بل ابتلاهم بذلك ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء رحمة الله ، وترك الإياس من عفوه عنهم إذا تابوا .
وأما آخرون ممن خالف أقوال السلف ، وتأولوا القرآن بآرائهم ، فإنهم قالوا في ذلك أقوالاً مختلفة .
فقال بعضهم : معناه : ولقد همت المرأة بيوسف ، وهم بها يوسف أن يضربها أو ينالها بمكروه لهمها به مما أرادته من المكروه ، لولا أن يوسف رأى برهان ربه ، وكفه ذلك عما هم به من أذاها ، لا أنها ارتدعت من قبل نفسها . قالوا : والشاهد على صحة ذلك قوله : "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" ، قالوا : فالسوء هو ما كان هم به من أذاها ، وهو غير الفحشاء .
وقال آخرون منهم :معنى الكلام : ولقد همت به ، فتناهى الخبر عنها . ثم ابتدىء الخبر عن يوسف فقيل : وهم بها يوسف لولا أن رأى برهان ربه ، كأنهم وجهوا معنى الكلام إلى أن يوسف لم يهم بها ، وأن الله إنما أخبر أن يوسف لولا رؤيته برهان ربه لهم بها ، ولكنه رأى برهان ربه فلم يهم بها ، كما قيل : "ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا " .
قال أبو جعفر : ويفسد هذين القولين ، أن العرب لا تقدم جواب لولا قبلها ، لا تقول : لقد قمت لولا زيد ، ويه تريد : لولا زيد لقد قمت ، هذا مع خلافهما دميع أهل العلم بتأويل القرآن ، الذين عنهم يؤخذ تأويله .
وقال آخرون منهم : بل قد همت المرأة بيوسف ، وهم يوسف بالمرأة ، غير أن همهما كان تمييلاً منهما بين الفعل والترك ، لا عزماً ولا إرادة . قالوا : ولا حرج في حديث النفس ، ولا في ذكر القلب ، إذا لم يكن معهما عزم ولا فعل .
وأما البرهان الذي رآه يوسف ، فترك من أجله مواقعة الخطيئة ، فإن أهل العلم مختلفون فيه .
فقال بعضهم : نودي بالنهي عن مواقعة الخطيئة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ،حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن ابي مليكة ، عن ابن عباس : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : نودي يا يوسف ، أتزني فتكون كالطير وقع ريشه ، فذهب يطير فلا ريش له ؟
قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : لم يعط على النداء ، حتى رأى برهان ربه . قال : تمثال صورة وجه أبيه ـ قال سفيان : عاضاً على إصبعه ـ فقال : يا يوسف ، تزني فتكون كالطير ذهب ريشه ؟
حدثني زياد بن عبد الله الحساني قال ، حدثني محمد بن أبي عدي ، عن ابن جريج ، عن ابي أبي مليكة قال ، قال ابن عباس : نودي : يا ابن يعقوب ، لا تكن كالطائر له ريش ، فإذا زنى ذهب ريشه ، أو قعد لا ريش له . قال : فلم يعط على النداء ، فلم يزد على هذا . قال ابن جريج : وحدثني غير واحد أنه رأى أباه عاضاً على إصبعه .
حدثني أبو كريب قال ، حدثنا وكيع قال ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة قال ، قال ابن عباس : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : نودي فلم يسمع ، فقيل له : يا ابن يعقوب تريد أن تزني ، فتكون كالطير نتف فلا ريش له ؟
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن طلحة ، عن عمرو الحضرمي ، عن ابن أبي مليكة قال : بلغني أن يوسف لما جلس بين رجلي المرأة فهو يحل هميانه ، نودي : يا يوسف بن يعقوب ، لا تزن ، فإن الطير إذا زنى تناثر ريشه . فأعرض ، ثم نودي فأعرض ، فتمثل له يعقوب عاضاً على إصبعه ، فقام .
حدثني المثنى قال ، حثدنا قبيصة بن عقبة قال ، حدثنا سفيان ، عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس قال : نودي : يا ابن يعقوب ، لا تكن كالطير إذا زنى ذهب ريشه ، وبقي لا ريش له ! فلم يطع على النداء ، ففزع .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال ، أخبرني عبد الله بن أبي مليكة قال ، قال ابن عباس : نودي : يا ابن يعقوب ، لا تكونن كالطائر له ريش ، فإذا زنى ذهب ريشه ـ قال : أو قعد لا ريش له ـ فلم يعط على النداء شيئاً ، حتى رأى برهان ربه ، ففرق ففر .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا ابن عيينة ، عن عثمان بن أبي سليمان ، عن ابي مليكة قال ، قال ابن عباس : نودي : يا ابن يعقوب ، أتزنى ، فتكون كالطير وقع ريشه ، فذهب يطير فلا ريش له ؟
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني نافع بن يزيد ، عن همام بن يحيى ،عن قتادة قال : نودي يوسف فقيل : أنت مكتوب في الأنبياء ، تعمل عمل السفهاء ؟
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن ابن جريج ، عن ابن ابي مليكة قال : نودي : يوسف بن يعقوب ، تزني ، فتكون كالطير نتف فلا ريش له ؟
وقال آخرون : البرهان ، الذي رأى يوسف فكف عن مواقعة الخطيئة ، من أجله ، صورة يعقوب عليهما السلام يتوعده .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي قال ، أخبرنا إسرائيل ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى صورة ـ أو : تمثال ـ وجه يعقوب ، عاضاً على إصبعه ،فخرجت شهوته من أنامله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي ، عن إسرائيل ، عن ابي حصين ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : مثل له يعقوب ، فضرب في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن بشر ، عن مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى تمثال وجه أبيه ، قائلاً بكفه هكذا ـ وبسط كفه ـ فخرجت شهوته من أنامله .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن ابي حصين ، عن سعيد بن جبير : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : مثل له يعقوب عاضاً على أصابعه ، فضرب صدره ، فخرجت شهوته من أنامله .
حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال ، حدثنا عبد الله بن وهب قال ، أخبرني ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة ، عن ابن عباس في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى صورة يعقوب واضعاً أنملته على فيه ، يتوعده ، ففر .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا يحيى بن عباد قال ، حدثنا جرير بن حازم قال ، سمعت عبد الله بن أبي مليكة ، يحدث عن ابن عباس في قوله : "ولقد همت به وهم بها" ، قال : حين رأى يعقوب في سقف البيت . قال : فنزعت شهوته التي كان يجدها ، حتى خرج يسعى إلى باب البيت ، فتبعته المرأة .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ،عن قرة بن خالد السدوسي ، عن الحسن قال : زعموا ، والله أعلم ، أن سقف البيت انفرج ، فرأى يعقوب عاضاً على اصابعه .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى تمثال يعقوب عاضاً على إصبعه ، يقول : يوسف ! يوسف !
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن يونس ، عن الحسن ، نحوه .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو العنقزي قال ، أخبرنا سفيان الثوري ، عن ابي حصين ، عن سعيد بن جبير : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى تمثال وجه يعقوب ، فخرجت شهوته من أنامله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ،عن سفيان ، عن علي بن بذيمة ، عن سعيد ابن جبير قال : رأى صورة فيها وجه يعقوب ، عاضاً على أصابعه ، فدفع في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله . فكل ولد يعقوب ولد له اثنا عشر رجلاً ، إلا يوسف ، فإنه نقص بتلك الشهوة ، ولم يولد له غير أحد عشر .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب : أن حميد بن عبد الرحمن أخبره : أن البرهان الذي رأى يوسف ، يعقوب .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عيسى بن المنذر قال ، حدثنا أيوب بن سويد قال ، حدثنا يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرحمن ، مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : مثل له يعقوب .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ،عن عمرو ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال: يعقوب .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، اخبرنا عبد الرزاق ، قال ، أخبرنا الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : مثل له يعقوب .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : جلس منها مجلس الرجل من امرأته ، حتى رأى صورة يعقوب في الجدر .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : مثل له يعقوب .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن القاسم بن أبي بزة قال ، نودي : يا ابن يعقوب ، لا تكونن كالطير له ريش ،فإذا زنى قعد ليس له ريش . فلم يعرض للنداء وقعد ، فرفع رأسه ، فرأى وجه يعقوب عاضاً على إصبعه ، فقام مرعوباً ، استحياءً من الله ، فذلك قول الله :"لولا أن رأى برهان ربه" ، وجه يعقوب .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة قال : مثل له يعقوب عاضاً على إصبعه .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، عن نضر بن عربي ، عن عكرمة ، مثله .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس ، عن أبي حصين ، عن سعيد ابن جبير قال : مثل له يعقوب ، فدفع في صدره ، فخرجت شهوته من أنامله .
قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن علي بن بذيمة قال : كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر ابناً ، إلا يوسف ، ولد له أحد عشر ، من أجل ما خرج من شهوته .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال أبو شريح : سمعت عبد الله بن أبي جعفر يقول : بلغ من شهوة يوسف أن خرجت من بنانه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن محمد الخراساني قال : سألت محمد بن سيرين عن قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : مثل له يعقوب عاضاً على أصابعه ، يقول : يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله ، اسمك في الأنبياء ، وتعمل عمل السفهاء ؟
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن يونس ، عن الحسن في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى يعقوب عاضاً على إصبعه ، يقول : يوسف !
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر قال ، قال قتادة : رأى صورة يعقوب ، فقال : يا يوسف ، تعمل عمل الفجار ، وأنت مكتوب في الأنبياء ؟ فاستحيى منه .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "لولا أن رأى برهان ربه" ، رأى آية من آيات ربه ، حجزه الله بها عن معصيته .ذكر لنا أنه مثل له يعقوب حتى كلمه ، فعصمه الله ، ونزع كل شهوة كانت في مفاصله .
قال ، حدثنا سعيد ،عن قتادة ، عن الحسن : أنه مثل له يعقوب وهو عاض على إصبع من أصابعه .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم قال ، أخبرنا إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح قال : رأى صورة يعقوب في سقف البيت ، عاضاً على إصبعه يقول : يا يوسف ! ، يعني قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" .
حدثني المثنى قال ،حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن منصور ، ويونس ، عن الحسن في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى صورة يعقوب في سقف البيت ، عاضاً على إصبعه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح ، مثله ، وقال : عاضاً على إصبعه يقول : يوسف ! يوسف !
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية قال : نطير يوسف إلى صورة يعقوب عاضاً على إصبعه يقول : يا يوسف ! فذاك حيث كف ، وقام فاندفع .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحماني قال ، حدثنا شريك ، عن سالم ، وأبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى صورة فيها وجه يعقوب عاضاً على أصابعه ، فدفع في صدره ، فخرجت شهوته من بين أنامله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا مسعر ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : رأى تمثال وجه أبيه ، فخرجت الشهوة من أنامله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ،حدثنا يحيى ـ يعني ابن عباد ـ قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن إسماعيل بن سالم ، عن أبي صالح : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : تمثال صورة يعقوب في سقف البيت .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا جعفر بن سليمان ،عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : رأى يعقوب عاضاً على يده .
قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : يعقوب ، ضرب بيده على صدره ،فخرجت شهوته من أنامله .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "لولا أن رأى برهان ربه" ، آية من ربه ،ويزعمون أنه مثل له يعقوب ، فاستحيى منه .
وقال آخرون : بل البرهان الذي رأى يوسف ، ما أوعد الله عز وجل على الزنا أهله .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع قال ، عن أبي مودود قال ، سمعت محمد بن كعب القرظي قال : رفع رأسه إلى سقف البيت ، فإذا كتاب في حائط البيت : " لا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن أبي مودود ، عن محمد بن كعب قال : رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين هم ، فرأى كتاباً في حائط البيت : "لا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " .
قال ، حدثنا زيد بن الحباب ، عن أبي معشر ، عن محمد بن كعب ، "لولا أن رأى برهان ربه" ، قال : لولا ما رأى في القرآن من تعظيم الزنا .
حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني نافع بن زيد ، عن أبي صخر قال : سمعت القرظي يقول في البرهان الذي رأى يوسف : ثلاث آيات من كتاب الله : " إن عليكم لحافظين " الآية ، وقوله : " وما تكون في شأن " ، وقوله : " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت " ، قال نافع : سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي ، وزاد آية رابعة : " ولا تقربوا الزنى " .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، أخبرنا أبو معشر ، عن محمد ابن كعب القرظي ! "لولا أن رأى برهان ربه" ، فقال : ما حرم الله عليه من الزنا .
وقال آخرون : بل رأى تمثال الملك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه" ، يقول : آيات ربه ، أري تمثال الملك .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : كان بعض أهل العلم ، فيما بلغني ، يقول : البرهان الذي رأى يوسف فصرف عنه السوء والفحشاء ، يعقوب عاضاً على إصبعه ،فلما رآه انكشف هارباً ، ويقول بعضهم : إنما هو خيال إطفير سيده ، حين دنا من الباب . وذلك أنه لما هرب منها واتبعته ، ألفياه لدى الباب .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله جل ثناؤه أخبر عن هم يوسف وامرأة العزيز كل واحد منهما بصاحبه ، لولا أن رأى يوسف برهان ربه ، وذلك آية من الله زجرته عن ركوب ما هم به يوسف من الفاحشة ، وجائز أن تكون تلك الآية صورة يعقوب ، وجائز أن تكون صورة الملك ، وجائز أن يكون الوعيد في الآيات التي ذكرها الله في القرآن على الزنا ، ولا حجة للعذر قاطعة بأي ذلك كان من أي . والصواب أن يقال في ذلك ما قاله الله تبارك وتعالى ، والإيمان به ، وترك ما عدا ذلك إلى عالمه .
وقوله : "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" ، يقول تعالى ذكره : كما أرينا يوسف برهاننا على الزجر عما هم به من الفاحشة ، كذلك نسبب له في كل ما عرض له من هم يهم به فيما إلا يرضاه ، ما يزجره ويدفعه عنه ، كي نصرف عنه ركوب ما حرمنا عليه ، وإتيان الزنا ،لنطهره من دنس ذلك .
وقوله : "إنه من عبادنا المخلصين" ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة المدينة والكوفة : "إنه من عبادنا المخلصين" ، بفتح اللام من "المخلصين" ، بتأويل : إن يوسف من عبادنا الذين أخلصناهم لأنفسنا ، واخترناهم لنبوتنا ورسالتنا .
وقرأ بعض قرأة البصرة : إنه من عبادنا المخلصين ، بكسر اللام ، بمعنى : إن يوسف من عبادنا الذين أخلصوا توحيدنا وعبادتنا ، فلم يشركوا بنا شيئاً ، ولم يعبدوا شيئاً غيرنا .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القرأة ، وهما متفقتا المعنى . وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره ، فهو مخلص لله التوحيد والعبادة ،ومن أخلص توحيد الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئاً ، فهو ممن أخلصه الله ، فبأيتهما قرأ القارىء فهو للصواب مصيب .
" لولا أن رأى برهان ربه " ولكن لما رأى البرهان ما هم، وهذا لوجوب العصمة للأنبياء، قال الله تعالى: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين " فإذاً في الكلام تقديم وتأخير، أي لولا أن رأى برهان ربه هم بها. قال أبو حاتم: كنت أقرأ غريب القرآن على أبي عبيدة فلما أتيت على قوله: " ولقد همت به وهم بها " الآية، قال أبو عبيدة: هذا على التقديم والتأخير، أي همت زليخاء بالمعصية وكانت مصرة، وهم يوسف ولم يواقع ما هم به، فبين الهمتين فرق، ذكر هذين القولين الهروي في كتابه. قال جميل:
هممت بهم من بثينة لو بدا شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
آخر:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني تركت على عثمان تبكي حلائله
فهذا كله حديث نفس من غير عزم. وقيل: هم بها تمنى زوجيتها. وقيل: هم بها أي بضربها ودفعها عن نفسه، والبرهان كفه عن الضرب، إذ لو ضربها لأوهم أنه قصدها بالحرام فامتنعت فضربها. وقيل: إن هم يوسف كان معصية، وأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته، وإلى هذا القول ذهب معظم المفسرين وعامتهم، فيما ذكر القشيري أبو نصر ، و ابن الأنباري و النحاس و الماوردي وغيرهم. قال ابن عباس: حل الهميان وجلس منها مجلس الخاتن، وعنه: استلقت على قفاها وقعد بين رجليها ينزع ثيابه. وقال سعيد بن جبير: أطلق تكة سراويله. وقال مجاهد: حل السراويل حتى بلغ الأليتين، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته. قال ابن عباس: ولما قال: " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " ( يوسف: 52) قال له جبريل: ولا حين هممت بها يا يوسف؟! فقال عند ذلك: " وما أبرئ نفسي " ( يوسف: 53). قالوا: والانكفاف في مثل هذه الحالة دال على الإخلاص، وأعظم للثواب.
قلت: وهذا كان سبب ثناء الله تعالى على ذي الكفل حسب ما يأتي بيانه في ( ص~) إن شاء الله تعالى. وجواب ( لولا) على هذا محذوف، أي لولا أن رأى برهان ربه لأمضى ما هم به، ومثله " كلا لو تعلمون علم اليقين " ( التكاثر: 5) وجوابه لم تتنافسوا، قال ابن عطية: روي هذا القول عن ابن عباس وجماعة من السلف، وقالوا: الحكمة في ذلك أن يكون مثلاً للمذنبين ليروا أن توبتهم ترجع إلى عفو الله تعالى كما رجعت ممن هو خير منهم، ولم يوبقه القرب من الذنب، وهذا كله على أن هم يوسف بلغ فيما روت هذه الفرقة إلى أن جلس بين رجلي زليخاء وأخذ في حل ثيابه وتكته ونحو ذلك، وهي قد استلقت له، حكاه الطبري . وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: وابن عباس ومن دونه لا يختلفون في أنه هم بها، وهم أعلم بالله وبتأويل كتابه، وأشد تعظيماً للأنبياء من أن يتكلموا فيهم بغير علم. وقال الحسن: إن الله عز وجل لم يذكر معاصي الأنبياء ليعيرهم بها، ولكنه ذكرها لكيلا تيأسوا من التوية. قال الغزنوي : مع أن لزلة الأنبياء حكماً: زيادة الوجل، وشدة الحياء بالخجل، والتخلي عن عجب العمل، والتلذذ بنعمة العفو بعد الأمل، وكونهم أئمة رجاء أهل الزلل. قال القشيري أبو نصر : وقال قوم جرى من يوسف هم، وكان ذلك الهم حركة طبع من غير تصميم للعقد على الفعل، وما كان من هذا القبيل لا يؤخذ به العبد، وقد يخطر بقلب المرء وهو صائم شرب الماء البارد، وتناول الطعام اللذيذ، فإذا لم يأكل ولم يشرب، ولم يصمم عزمه على الأكل والشرب لا يؤاخذ بما هجس في النفس، والبرهان صرفه عن هذا الهم حتى لم يصر عزماً مصمماً.
قلت: هذا قول حسن، وممن قال به الحسن: قال ابن عطية: الذي أقول به في هذه الآية إن كون يوسف نبياً في وقت هذه النازلة لم يصح، ولا تظاهرت به رواية، وإذا كان كذلك فهو مؤمن قد أوتي حكماً وعلماً، ويجوز عليه الهم الذي هو إرادة الشيء دون مواقعته وأن يستصحب الخاطر الرديء على ما في ذلك من الخطيئة، وإن فرضناه نبياً في ذلك الوقت فلا يجوز عليه عندي إلا الهم الذي هو خاطر، ولا يصح عليه شيء مما ذكر من حل تكته ونحوه، لأن العصمة مع النبوة. وما روي من أنه قيل له: ( تكون في ديوان الأنبياء وتفعل فعل السفهاء) فإنما معناه العدة بالنبوة فيما بعد.
قلت: ما ذكره من هذا التفصيل صحيح، لكن قوله تعالى: " وأوحينا إليه " يدل على أنه كان نبياً على ما ذكرناه، وهو قول جماعة من العلماء، وإذا كان نبيا فلم يبق إلا أن يكون الهم الذي هم به ما يخطر في النفس ولا يثبت في الصدر، وهو الذي رفع الله فيه المؤاخذة عن الخلق، إذ لا قدرة للمكلف على دفعه، ويكون قوله: " وما أبرئ نفسي " - إن كان من قول يوسف - أي من هذا الهم، أو يكون ذلك منه على طريق التواضع والاعتراف، لمخالفة النفس لما زكي به قبل وبريء، وقد أخبر الله تعالى عن حال يوسف من حين بلوغه فقال: ( ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً) على ما تقدم بيانه، وخبر الله تعالى صدق، ووصفه صحيح، وكلامه حق، فقد عمل يوسف بما علمه الله من تحريم الزنى ومقدماته، وخيانة السيد والجار والأجنبي في أهله، فما تعرض لامرأة العزيز، ولا أجاب إلى المراودة، بل أدبر عنها وفر منها، حكمة خص بها، وعملاً بمقتضى ما علمه الله. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قالت الملائكة رب ذاك عبدك يريد أن يعمل سيئة وهو أبصر به فقال: ارقبوه فإن عملها فاكتبوها له بمثلها وإن تركها فاكتبوها له حسنة إنما تركها من جراي ". وقال عليه السلام مخبراً عن ربه: " إذا هم عبدي بسيئة فلم يعملها كتبت حسنة " فإن كان ما يهم به العبد من السيئة يكتب له بتركها حسنة فلا ذنب، وفي الصحيح: " إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم به " وقد تقدم. قال ابن العربي : كان بمدينة السلام إمام من أئمة الصوفية، - وأي إمام - يعرف بابن عطاء! تكلم يوماً على يوسف وإخباره حتى ذكر تبرئته مما نسب إليه من مكروه، فقام رجل من آخر مجلسه وهو مشحون بالخليقة من كل طائفة فقال: يا شيخ! يا سيدنا! فإذاً يوسف هم وما تم؟ قال: نعم! لأن العناية من ثم. فانظر إلى حلاوة العالم والمتعلم، وانظر إلى فطنة العامي في سؤاله، وجواب العالم في اختصاره واستيفائه، ولذلك قال علماء الصوفية: إن فائدة قوله: ( ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً) إنما أعطاه ذلك إبان غلبة الشهوة لتكون له سبباً للعصمة.
قلت: وإذا تقررت عصمته وبراءته بثناء الله تعالى عليه فلا يصح ما قال مصعب بن عثمان: إن سليمان بن يسار كان من أحسن الناس وجهاً، فاشتاقته امرأة فسامته نفسها فامتنع عليها وذكرها، فقالت: إن لم تفعل لأشهرنك، فخرج وتركها، فرأى في منامه يوسف الصديق عليه السلام جالساً فقال: أنت يوسف؟ فقال: أنا يوسف الذي هممت، وأنت سليمان الذي لم تهم؟! فإن هذا يقتضي أن تكون درجة الولاية أرفع من درجة النبوة وهو محال، ولو قدرنا يوسف غير نبي فدرجته الولاية، فيكون محفوظاً كهو، ولو غلقت على سليمان الأبواب، وروجع في المقال والخطاب، والكلام والجواب مع طول الصحبة لخيف عليه الفتنة، وعظيم المحنة، والله أعلم.
قوله تعالى: " لولا أن رأى برهان ربه " ( أن) في موضع رفع أي لولا رؤية برهان ربه والجواب محذوف لعلم السامع، أي لكان ما كان. وهذا البرهان غير مذكور في القرآن، فروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن زليخاء قامت إلى صنم مكلل بالدر والياقوت في زاوية البيت فسترته بثوب، فقال: ما تصنعين؟ قالت: استحي من إلهي هذا أن يراني في هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله، وهذا أحسن ما قيل فيه، لأن فيه إقامة الدليل. وقيل: رأى مكتوباً في سقف البيت " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " ( الإسراء: 32). وقال ابن عباس: بدت كف مكتوب عليها " وإن عليكم لحافظين " ( الانفطار: 10) وقال قوم: تذكر عهد الله وميثاقه. وقيل: نودي يا يوسف! أنت مكتوب في ( ديوان) الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟! وقيل: رأى صورة يعقوب على الجدران عاضاً على أنملته يتوعده فسكن، وخرجت شهوته من أنامله، قاله قتادة ومجاهد والحسن و الضحاك وأبو صالح وسعيد بن جبير. وروى الأعمش عن مجاهد قال: حل سراويله فتمثل له يعقوب، وقال له: يا يوسف! فولى هارباً. وروى سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير قال: مثل له يعقوب فضرب صدره فخرجت شهوته من أنامله، قال مجاهد: فولد لكل واحد من أولاد يعقوب اثنا عشر ذكراً إلا يوسف لم يولد له إلا غلامان، ونقص بتلك الشهوة ولده، وقيل غير هذا. وبالجملة: فذلك البرهان آية من آيات الله أراها الله يوسف حتى قوي إيمانه، وامتنع عن المعصية.
قوله تعالى: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " الكاف من ( كذلك) يجوز أن تكون رفعاً، بأن يكون خبر ابتداء محذوف، التقدير: البراهين كذلك، ويكون نعتاً لمصدر محذوف، أي أريناه البراهين رؤية كذلك. والسوء الشهوة، والفحشاء المباشرة. وقيل: السوء الثناء القبيح، والفحشاء الزنى. وقيل: السوء خيانة صاحبه، والفحشاء ركوب الفاحشة. وقيل: السوء عقوبة الملك العزيز. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ( المخلصين) بكسر اللام، وتأويلها الذين اخلصوا طاعة الله. وقرأ الباقون بفتح اللام، وتأويلها: الذي أخلصهم الله لرسالته، وقد كان يوسف صلى الله عليه وسلم بهاتين الصفتين، لأنه كان مخلصاً في طاعة الله تعالى، مستخلصاً لرسالة الله تعالى.
اختلفت أقوال الناس وعباراتهم في هذا المقام, وقد روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وطائفة من السلف في ذلك ما رواه ابن جرير وغيره, والله أعلم. وقيل: المراد بهمه بها خطرات حديث النفس, حكاه البغوي عن بعض أهل التحقيق, ثم أورد البغوي ههنا حديث عبد الرزاق عن معمر, عن همام, عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها له حسنة, فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها, وإن هم بسيئة فلم يعملها فاكتبوها حسنة, فإنما تركها من جرائي, فإن عملها فاكتبوها بمثلها", وهذا الحديث مخرج في الصحيحين وله ألفاظ كثيرة هذا منها. وقيل: هم بضربها. وقيل: تمناها زوجة. وقيل: هم بها لولا أن رأى برهان ربه أي فلم يهم بها, وفي هذا القول نظر من حيث العربية, حكاه ابن جرير وغيره. وأما البرهان الذي رآه ففيه أقوال أيضاً, فعن ابن عباس وسعيد ومجاهد وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين والحسن وقتادة وأبي صالح والضحاك ومحمد بن إسحاق وغيرهم: رأى صورة أبيه يعقوب عليه السلام عاضاً على أصبعه بفمه. وقيل عنه في رواية: فضرب في صدر يوسف. وقال العوفي عن ابن عباس: رأى خيال الملك يعني سيده, وكذا قال محمد بن إسحاق فيما حكاه عن بعضهم: إنما هو خيال قطفير سيده حين دنا من الباب.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا وكيع عن أبي مودود, سمعت من محمد بن كعب القرظي. قال رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت, فإذا كتاب في حائط البيت " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ", وكذا رواه أبو معشر المدني عن محمد بن كعب. وقال عبد الله بن وهب: أخبرني نافع بن يزيد, عن أبي صخر, قال: سمعت القرظي يقول: في البرهان الذي رآه يوسف ثلاث آيات من كتاب الله "إن عليكم لحافظين" الاية, وقوله: "وما تكون في شأن" الاية, وقوله: "أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت" قال نافع: سمعت أبا هلال يقول مثل قول القرظي, وزاد آية رابعة " ولا تقربوا الزنى ". وقال الأوزاعي رأى آية من كتاب الله في الجدار تنهاه عن ذلك. قال ابن جرير: والصواب أن يقال: إنه رأى آية من آيات الله تزجره عما كان هم به, وجائز أن يكون صورة يعقوب, وجائز أن يكون صورة الملك, وجائز أن يكون ما رآه مكتوباً من الزجر عن ذلك, ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك, فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى. وقوله: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء" أي كما أريناه برهاناً صرفه عما كان فيه, كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره: "إنه من عبادنا المخلصين" أي من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار, صلوات الله وسلامه عليه.
قوله: 24- "ولقد همت به وهم بها" يقال هم بالأمر: إذا قصده وعزم عليه. والمعنى: أنه هم بمخالطتها كما همت بمخالطته ومال كل واحد منهما إلى الآخر بمقتضى الطبيعة البشرية والجبلة الخلقية، ولم يكن من يوسف عليه السلام القصد إلى ذلك اختياراً كما يفيده ما تقدم من استعاذته بالله، وإن ذلك نوع من الظلم. ولما كان الأنبياء معصومين عن الهم بالمعصية والقصد إليها شطح أهل العلم في تفسير هذه الآية بما فيه نوع تكلف، فمن ذلك ما قاله أبو حاتم قال: كنت أقرأ على أبي عبيدة غريب القرآن، فلما أتيت على "ولقد همت به وهم بها" قال: هذا على التقديم والتأخير: كأنه قال: ولقد همت به ولولا أن رأى برهان ربه لهم بها. وقال أحمد بن يحيى ثعلب: أي همت زليخا بالمعصية وكانت مصرة، وهم يوسف ولم يوقع ما هم به، فبين الهمين فرق، ومن هذا قول الشاعر:
هممت بهم من ثنية لؤلؤ شفيت غليلات الهوى من فؤاديا
فهذا إنما هو حديث نفس من غير عزم، وقيل هم بها: أي هم بضربها، وقيل هم بها بمعنى تمنى أن يتزوجها، وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدمنا من حمل اللفظ على معناه اللغوي، ويدل على هذا ما سيأتي من قوله "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب"، وقوله "وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء" ومجرد الهم لا ينافي العصمة، فإنها قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية، وذلك المطلوب، وجواب لو في "لولا أن رأى برهان ربه" محذوف: أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما هم به.
واختلف في هذا البرهان الذي رآه ما هو؟ فقيل إن زليخا قامت عند أن همت به وهم بها إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف: أنا أولى أن أستحي من الله تعالى. وقيل إنه رأى في سقف البيت مكتوباً " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة " الآية، وقيل رأى كفاً مكتوباً عليها "وإن عليكم لحافظين" وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه على عباده، وقيل نودي: يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟ وقيل رأى صورة يعقوب على الجدار عاضاً على أنملته يتوعده، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره. والحاصل أنه رأى شيئاً حال بينه وبين ما هم به قوله: " كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء " الكاف نعت مصدر محذوف، والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله: "لولا أن رأى برهان ربه" أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك: أي مثل تلك الإراءة أريناه، أم مثل ذلك التثبيت ثبتناه "لنصرف عنه السوء" أي كل ما يسوؤه، والفحشاء كل أمر مفرط القبح، وقيل السوء: الخيانة للعزيز في أهله، والفحشاء: الزنا، وقيل السوء: الشهوة، والفحشاء: المباشرة، وقيل السوء: الثناء القبيح. والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه ما يدل عليه السياق دخولاً أولياً، وجملة "إنه من عبادنا المخلصين" تعليل لما قبله. قرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو المخلصين بكسر اللام. وقرأ الآخرون بفتحها. والمعنى على القراءة الأولى أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله، وعلى الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة.
24-"ولقد همت به وهم بها"، والهم هو: المقاربة من الفعل من غير دخول فيه. فهمها: عزمها على المعصية والزنا.
وأما همه: فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: حل الهميان وجلس منها مجلس الخائن.
وعن مجاهد قال: حل سراويله وجعل يعالج ثيابه، وهذا قول أكثر المتقدمين مثل سعيد بن جبير والحسن.
وقال الضحاك: جرى الشيطان فيما بينهما فضرب بإحدى يديه إلى جيد يوسف وباليد/ الأخرى إلى جيد المرأة حتى جمع بينهما.
قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وقد أنكر قوم هذا القول، والقول ما قال متقدمو هذه الأمة، وهم كانوا أعلم بالله أن يقولوا في الأنبياء عليهم السلام من غير علم.
وقال السدي وابن إسحاق: لما أرادت امرأة العزيز مراودة يوسف عليه السلام عن نفسه جعلت تذكر له محاسن نفسه وتشوقه إلى نفسها، فقالت: يا يوسف ما أحسن شعرك!.
قال: هو أول ما ينتثر من جسدي.
قالت: ما أحسن عينيك!
قال: هي أول ما تسيل على وجهي في قبري.
قالت: ما أحسن وجهك!
قال: هو للتراب يأكله
وقيل: إنها قالت: إن فراش الحرير مبسوط، فقم فاقض حاجتي.
قال: إذا يذهب نصيبي من الجنة.
فلم تزل تطمعه وتدعوه إلي اللذة، وهو شاب يجد من شبق الشباب ما يجده الرجل، وهي امرأة حسناء جميلة، حتى لان لها مما يرى من كلفها، وهم بها، ثم إن الله تعالى تدارك عبده ونبيه بالبرهان الذي ذكره.
وزعم بعض المتأخرين: أن هذا لا يليق بحال الأنبياء عليهم السلام، وقال: تم الكلام عند قوله: "ولقد همت به"، ثم ابتدأ الخبر عن يوسف عليه السلام فقال: "وهم بها لولا أن رأى برهان ربه"، على التقديم والتأخير، أي: لولا أن رأى برهان ربه لهم بها، ولكنه رأى البرهان فلم يهم.
وأنكره النحاة، وقالوا: إن العرب لا تؤخر "لولا" عن الفعل، فلا تقول: لقد قمت لولا زيد، وهو يريد لولا زيد لقمت.
وقيل: همت بيوسف أن يغترشها، وهم بها يوسف أي: تمنى أن تكون له زوجة.
وهذا التأويل وأمثاله غير مرضية لمخالفتها أقاويل القدماء من العلماء الذين يؤخذ عنهم الدين والعلم.
وقال بعضهم: إن القدر الذى فعله يوسف عليه السلام كان من الصغائر، والصغائر تجوز على الأنبياء عليهم السلام.
روي أن يوسف عليه السلام لما دخل على الملك حين خرج من السجن وأقرت المرأة، قال يوسف: "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب" قال له جبريل: هممت بها يا يوسف؟ فقال يوسف عند ذلك: "وما أبرئ نفسي" الآية.
وقال الحسن البصري: إن الله تعالى لم يذكر ذنوب الأنبياء عليهم السلام في القرآن ليعيرهم، ولكن ذكرها ليبين موضع النعمة عليهم، ولئلا ييأس أحد من رحمته.
وقيل: إنه ابتلاهم بالذنوب لينفرد بالطهارة والعزة، ويلقاه جميع الخلق يوم القيامة على انكسار المعصية.
وقيل: ليجعلهم أئمة لأهل الذنوب في رجاء وترك الإياس من المغفرة والعفو.
وقال بعض أهل الحقائق: الهم همان: هم ثابت، وهو إذا كان معه عزم وعقد ورضى، مثل هم امرأة العزيز، والعبد مأخوذ به، وهم عارض وهو الخطرة، وحديث النفس من غير اختيار ولا عزم، مثل هم يوسف عليه السلام، فالعبد غير مأخوذ به ما لم يتكلم أو يعمل.
أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي، أنبأنا أبو طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان، حدثنا أحمد بن يوسف السلمي، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قال الله عز وجل: إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بعشر أمثالها، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له، ما لم يعملها، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها".
قوله عز وجل: "لولا أن رأى برهان ربه"، اختلفوا في ذلك البرهان: قال قتادة وأكثر المفسرين: إنه رأى صورة يعقوب، وهو يقول له: يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب في الأنبياء!.
وقال الحسن وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: مثل له يعقوب عليه السلام فضرب بيده في صدره فخرجت شهوته من أنامله.
وقال السدي: نودي يا يوسف تواقعها! إنما مثلك ما لم تواقعها مثل الطير في جوف السماء لا يطاق، ومثلك إن تواقعها مثله إذا مات ووقع على الأرض لا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ومثلك ما لم تواقعها مثل الثور الصعب الذي لا يطاق، ومثلك إن واقعتها مثل الثور يموت فيدخل النمل في أصل قرنيه لا يستطيع أن يدفعه عن نفسه.
وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: "وهم بها" قال: حل سراويله وقعد منها مقعد الرجل من امرأته، فإذا بكف قد بدت بينهما بلا معصم ولا عضد مكتوب عليها " وإن عليكم لحافظين * كراما كاتبين * يعلمون ما تفعلون " (الانفطار-11) فقام هاربا وقامت، فما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد فظهرت تلك الكف مكتوبا عليها: " ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا " (الإسراء-32) فقام هاربا وقامت، فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد فظهر، ورأى تلك الكف مكتوبا عليها "واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله" (البقرة-281)
فقام هاربا وقامت، فلما ذهب عنهما الرعب عادت وعاد، فقال الله عز وجل لجبريل عليه السلام: أدرك عبدي قبل أن يصيب الخطيئة، فانحط جبريل عليه السلام عاضا على أصبعه، يقول: يا يوسف تعمل عمل السفهاء وأنت مكتوب عند الله في الأنبياء.
وروي أنه مسحه بحناحه فخرجت شهوته من أنامله.
وقال محمد بن كعب القرظي: رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت حين هم بها فرأى كتابا في حائط البيت: " لا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا ".
وروى عطية عن ابن عباس: في البرهان أنه رأى مثال الملك.
وقال جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما: البرهان النبوة التي أودعها الله في صدره حالت بينه وبين ما يسخط الله عز وجل.
وعن علي بن الحسين قال: كان في البيت صنم فقامت المرأة وسترته بثوب، فقال لها يوسف: لم فعلت هذا؟.
فقالت: استحييت منه أن يراني على المعصية.
فقال يوسف: أتستحين مما لا يسمع ولا يبصر ولا يفقه؟ فأنا أحق أن أستحي من ربي، وهرب.
قوله عز وجل: "لولا أن رأى برهان ربه" جواب لولا محذوف، تقديره: لولا أن رأى برهان ربه لواقع المعصية.
"كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء"، فالسوء: الإثم. وقيل: السوء القبيح. والفحشاء: الزنا.
"إنه من عبادنا المخلصين"، قرأ أهل المدينة والكوفة: "المخلصين" بفتح اللام حيث كان إذا لم يكن بعده ذكر الدين، زاد الكوفيون "مخلصاً" في سورة مريم ففتحوا.
ومعنى/ "المخلصين" المختارين للنبوة، دليله: "إنا أخلصناهم بخالصة" (ص~ -146).
وقرأ الآخرون بكسر اللام، أي: المخلصين لله الطاعة والعبادة.
24."ولقد همت به وهم بها"وقصدت مخالطته وقصد مخالطتها، والهم بالشيء قصده والعزم عليه ومنه الهمام وهو الذي إذا هم بالشيء أمضاه ، والمراد بهمه عليه الصلاة والسلام ميل الطبع ومنازعة الشهوة لا القصد الاختياري ، وذلك مما لا يدخل تحت التكليف بل الحقيق بالمدح والأجر الجزيل من الله من يكف نفسه عن الفعل عند قيام هذا الهم ، أو مشارفة الهم كقولك قتلته لو لم أخف الله "لولا أن رأى برهان ربه" في قبح الزنا وسوء مغبته لخالطها لشبق الغلمة وكثرة المغالبة ، ولا يجوز أن يجعل "وهم بها"جواب "لولا"فإنها في حكم أدوات الشرط فلا يتقدم عليها جوابها، بل الجواب محذوف بدل عليه . وقيل رأى جبريل عليه الصلاة والسلام . وقيل تمثل له يعقوب عاضاً على أنامله . وقيل قطفير .وقيل نودي يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعلم عمل السفهاء . "كذلك " أي مثل ذلك التثبيت ثبتناه ، أو الأمر مثل ذلك "لنصرف عنه السوء"خيانة السيد."والفحشاء"الزنا."إنه من عبادنا المخلصين"الذي أخلصهم الله لطاعته . وقرأابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالكسر في كل القرآن إذ كان في أوله الألف وللام أي الذين أخلصوا دينهم لله.
24. She verily desired him, and he would have desired her if it had not been that he saw the argument of his lord. Thus it was, that We might ward off from him evil and lewdness. Lo! he was of Our chosen slaves.
24 - And (with passion) did she desire him, and he would have desired her, but that he saw the evidence of his Lord: thus (did we order) that we might turn away from him (all) evil and shameful deeds: for he was one of our servants, sincere and purified.