24 - (واخفض لهما جناح الذل) ألن لهما جانبك الذليل (من الرحمة) أي لرقتك عليهما (وقل رب ارحمهما كما) رحماني حين (ربياني صغيرا)
يقول تعالى ذكره : وكن لهما ذليلا رحمة منك بهما تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" قال : لا تمتنع من شيء يحبانه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا الأشجعي ، قال : سمعت هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" قال : هوأن تلين لهما حتى لا تمتنع من شيء أحباه.
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، قال : ثنا الثوري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" قال : لا تمتنع من شيء أحباه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن عبد الله بن المختار ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله واخفض لهما جناح الذل من الرحمة قال : هوأن لا تمتنع من شيء يريدانه .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا المقرىء أبو عبد الرحمن ، عن حرملة بن عمران ، عن أبي الهداج ، قال : قلت لسعيد بن المسيب : ما قوله " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" قال : ألم تر إلى قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ . والذل بضم الذال والذلة مصدران من الذليل ، وذلك أن يتذلل ، وليس بذليل في الخلقة من قول القائل : قد ذللت لك أذل ذلة وذلأ، وذلك نظير القل والقلة، إذا أسقطت الهاء ضمت الذال من الذل ، والقاف من القل ، وإذا أثبتت الهاء كسرت الذال من الذلة، والقاف من القلة، لما قال الأعشى :
وما كنت قلآ قبل ذلك أزيبا
يريد : القلة . وأما الذل بكسر الذال وإسقاط الهاء فإنه مصدر من الذلول من قولهم : دابة ذلول : بينة الذل ، وذلك إذا كانت لينة غير صعبة . ومنه قول الله جل ثناؤه " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا" يجمع ذلك ذللا، كما قال جل ثناؤه " فاسلكي سبل ربك ذللا". وكان مجاهد يتأول ذلك أنه لا يتوعر عليها مكان سلكته .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق والشام " واخفض لهما جناح الذل " بضم الذال على أنه مصدر من الذليل. وقرأ ذلك سعيد بن جبير و عاصم الجحدري جناح الذل بكسر الذال .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا بهز بن أسد ، قال ثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير أنه قرأ " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" قال : كن لهما ذليلا، ولا تكن لهما ذلولا .
حدثنا نصربن علي ، قال : أخبرني عمر بن شقيق ، قال : سمعت عاصما الجحدري يقرأ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة قال : كن لهما ذليلا، ولا تكن لهما ذلولا .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عمربن شقيق ، عن عاصم ، مثله . قال أبو جعفر : وعلى هذا التأويل الذي تأوله عاصم كان ينبغي أن تكون قراءته بضم الذال لا بكسرها.
حدثنا نصر و ابن بشار ، وحدثت عن الفراء ، قال : ثني هشيم ، عن أبي بشر جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، أنه قرأ واخفض لهما جناح الذل قال الفراء : وأخبرني الحكم بن ظهير ، عن عاصم بن أبي النجود ، أنه قرأها الذل أيضا، فسألت أبا بكر فقال : الذل قرأها عاصم .
وأما قوله " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" فإنه يقول : ادع الله لوالديك بالرحمة ، وقل رب ارحمهما، وتعطف عليهما بمغفرتك ورحمتك ، كما تعطفا علي في صغري ، فرحماني وربياني صغيرا، حتى استقللت بنفسي ، واستغنيت عنهما .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قان : ثنا سعيد ، عن قتادة " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" هكذا علمتم ، وبهذا أمرتم ، خذوا تعليم الله وأدبه ، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو ماد يديه رافع صوته يقول : من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار بعد ذلك فابعده الله وأسحقه ولكن كانوا يرون أنه من بر والديه ، وكان فيه أدنى تقى، فإنه ذلك مبلغه جسيم الخير. وقال جماعة من أهل العلم : إن قول الله جل ثناؤه " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" منسوخ بقوله " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم "
ذكرمن قال ذلك :
حدثني علي بن داود ، قال : ثنا أ بو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" ثم أنزل الله عز وجل بعد هذا "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى" .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة ، قال في سورة بني إسرائيل "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما" . . . إلى قوله " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" فنسختها الاية التي في براءة "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى".
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جريج ، قال ابن عباس " وقل رب ارحمهما" قال : نسختها الآية التي في براءة " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين".
وقد تحتمل هذه الآية أن تكون وإن كان ظاهرها عاما في كل الاباء بغير معنى النسخ ، بان يكون تاويلها على الخصوص ، فيكون معنى الكلام : وقل رب ارحمهما إذا كانا مؤمنين ، كما ربياني صغيرا، فتكون مرادا بها الخصوص على ما قلنا غير منسوخ منها شيء . وعنى بقوله ربياني : نمياني.
الرابعة عشرة : قوله تعالى : واخفض لهما جناح الذل من الرحمة . هذه استعارة في الشفقة الرحمة بهما والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير والعبيد للسادة ، كما أشار عليه سعيد بن المسيب . وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحيه لولده . والذل هو اللين . وقراءة الجمهور بضم الذال ، من ذل يذل ذلا وذلة ومذلة فهو ذال وذليل . وقرأ سعيد بن جبير وابن عباس وعروة بين الزبير الذل بكسر الذال ، ورويت عن عاصم ، من قولهم : دابة ذلول ببينه الذل . والذل في الدواب المنقاد السهل دون الصعب . فينبغي بحكم هذه الآية ان يجعل الإنسان نفسه مع أبويه في خير ذلة ، في أقواله وسكناته ونظره ، ولا يحد إليهما بصره فإن تلك هي نظرة الغاضب .
الخامسة عشرة : الخطاب في هذه الآية للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به أمته ، إذ لم يكن له عليه السلام في ذلك الوقت ابوان . ولم يذكر الذل في قوله تعالى : واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين . وذكره هنا بحسب عظم الحق وتأكيده . ومن من في قوله من الرحمة لبيان الجنس ، أي إن هذا الخفض يكون من الرحمة المستكنة في النفس ، لا بأن يكون ذلك استعمالا . ويصح أن يكون الانتهاء الغاية ، ثم أمر تعالى عباده بالترحم على آبائهم والدعاء لهم ، وأن ترحمهما كما رحماك وترفق بهما كما رفقا بك ، إذ ولياك صغيرا جاهلا محتاجا فآثراك على أنفسهما ، واسهرا ليلهما ، وجاعا وأشبعاك . وتعريا وكسواك ، فلا تجزيهما إلا أن يبلغا من الكبر الحد الذي كنت فيه من الصغر ن فتلى منهما ما وليا منك ، ويكون لهما حينئذ فضل التقدم . قال صلى الله عليه وسلم :
لا يجزيء ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه . وسيأتي في سورة مريم الكلام على هذا الحديث .
السادسة عشرة : قوله تعالى : كما ربياني : خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية ، فيزيده ذلك إشفاقا لهما وحنانا عليهما ، وهذا كله في الأبوين المؤمنين . وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى ، كما تقدم . وذكر عن ابن عباس وقتادة أن هذا كله منسوخ بقوله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين . إلى قوله أصحاب الجحيم . كان والدا المسلم ذميين استعمل معهما ما أمره الله به هاهنا ، إلا الترحم لهما بعد موتهما على الكفر ، لأن هذا وحده نسخ بالآية المذكورة . وقيل : ليس هذا موضع نسخ ، فهو دعاء بالرحمة الدنيوية للأبوين المشركين ما داما حيين ، كما تقدم . أو يكون عموم هذه الآية خص بتلك ، لا رحمة الآخرة ، لا سيما وقد قيل إن قوله وقل رب ارحمهما . نزلت في سعد بن أبي وقاص ، فإنه أسلم ، فألقت أمه نفسها في الرمضاء متجردة ، فذكر ذلك لسعد فقال : لتمت ، فنزلت الآية . وقيل : الآية خاصة في الدعاء للأبوين المسلمين . والصواب أن ذلك عموم كما ذكرنا ، وقال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم :
من أمسى مرضيا لوالديه واصبح أمسى واصبح وله بابان مفتوحان من الجنة وإن واحدا فواحدا . ومن أمسى وأصبح مسخطا لوالديه أمسى واصبح وله بابان مفتوحان إلى النار وإن واحدا فواحدا . فقال رجل : يا رسول الله ، وإن ظلماه ؟ قال : وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه . وقد روينا بالإسناد المتصل عن جابر بين عبدالله رضي الله تعالى عنه قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن أبي أخذ مالي . فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل : فأتني بأبيك فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعنه أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم ك ما بال ابنك يشكوك اتريد أن تأخذ ماله ؟ فقال : سله يا رسول الله ، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي ! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إيه دعنا من هذا . أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك ؟ فقال الشيخ : والله يا رسول الله ، ما زال الله عز وجل يزيدنا بك يقينا ، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي . قال : وأنا أسمع قال قلت :
غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما اجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي غليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك انت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المصاقب يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن علي بمال دون مالك تبخل
قال : فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال : أنت ومالك لأبيك . قال الطبراني : اللحمي لا يروى يعني هذا الحديث عن ابن المنكدر بهذا التمام والشعر إلا بهذا الإسناد ، وتفرد به عبيد الله بن خلصة . والله أعلم .
يقول تعالى آمراً بعبادته وحده لا شريك له, فإن القضاء ههنا بمعنى الأمر, قال مجاهد "وقضى" يعني وصى, وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود والضحاك بن مزاحم " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه " ولهذا قرن بعبادته بر الوالدين, فقال: "وبالوالدين إحساناً" أي وأمر بالوالدين إحساناً, كقوله في الاية الأخرى "أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير". وقوله "إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف" أي لا تسمعهما قولاً سيئاً حتى ولا التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء "ولا تنهرهما" أي ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح, كما قال عطاء بن رباح في قوله "ولا تنهرهما" أي لا تنفض يدك عليهما, ولما نهاه عن القول القبيح والفعل القبيح, أمره بالقول والفعل الحسن, فقال: "وقل لهما قولاً كريماً" أي ليناً طيباً حسناً بتأدب وتوقير وتعظيم, " واخفض لهما جناح الذل من الرحمة " أي تواضع لهما بفعلك "وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" أي في كبرهما وعند وفاتهما, قال ابن عباس : ثم أنزل الله "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين" الاية.
وقد جاء في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها الحديث المروي من طرق عن أنس وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد المنبر قال: "آمين آمين آمين قيل يا رسول الله علام أمنت ؟ قال: أتاني جبريل فقال: يا محمد رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل عليك, قل: آمين, فقلت آمين, ثم قال رغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم خرج فلم يغفر له, قل: آمين, فقلت آمين, ثم قال: رغم أنف رجل أدرك والديه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة, قل: آمين, فقلت آمين".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا علي بن زيد أخبرنا زرارة بن أوفى عن مالك بن الحارث , عن رجل منهم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من ضم يتيماً من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يستغني عنه, وجبت له الجنة البتة, ومن أعتق امرأ مسلماً, كان فكاكه من النار يجزى بكل عضو منه عضواً منه" ثم قال: حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة , سمعت علي بن زيد فذكر معناه, إلا أنه قال عن رجل من قومه يقال له مالك أو ابن مالك , وزاد "ومن أدرك والديه أو أحدهما, فدخل النار فأبعده الله".
(حديث آخر) وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان عن حماد بن سلمة , حدثنا علي بن زيد عن زرارة بن أوفى عن مالك بن عمرو القشيري , سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أعتق رقبة مسلمة فهي فداؤه من النار, فإن كل عظم من عظامه محررة بعظم من عظامه, ومن أدرك أحد والديه ثم لم يغفر له فأبعده الله عز وجل, ومن ضم يتيماً من أبوين مسلمين إلى طعامه وشرابه حتى يغنيه الله وجبت له الجنة".
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا حجاج ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا شعبة عن قتادة , سمعت زرارة بن أوفى يحدث عن أبي بن مالك القشيري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك, فأبعده الله وأسحقه", ورواه أبو داود الطيالسي عن شعبة به, وفيه زيادات أخر.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد حدثنا عفان , حدثنا أبو عوانة , حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "رغم أنف, ثم رغم أنف ثم رغم أنف رجل أدرك أحد أبويه أو كلاهما عند الكبر ولم يدخل الجنة" صحيح من هذا الوجه, ولم يخرجوه, سوى مسلم من حديث أبي عوانة وجرير وسليمان بن بلال عن سهيل به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا ربعي بن إبراهيم , قال أحمد وهو أخو إسماعيل بن علية وكان يفضل على أخيه, عن عبد الرحمن بن إسحاق , عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي, ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان فانسلخ فلم يغفر له, ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر, فلم يدخلاه الجنة" قال ربعي : ولا أعلمه إلا قال "أو أحدهما". ورواه الترمذي عن أحمد بن إبراهيم الدورقي عن ربعي بن إبراهيم , ثم قال: غريب من هذا الوجه.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد , حدثنا عبد الرحمن بن الغسيل , حدثنا أسيد بن علي عن أبيه علي بن عبيد , عن أبي أسيل وهو مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ جاءه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله هل بقي علي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به ؟ قال: "نعم خصال أربع: الصلاة عليهما, والاستغفار لهما, وإنفاذ عهدهما, وإكرام صديقهما, وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما, فهو الذي بقي عليك من برهما بعد موتهما" ورواه أبو داود وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن سليمان وهو ابن الغسيل به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد : حدثنا روح , حدثنا ابن جريج , أخبرني محمد بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن عن معاوية بن جاهمة السلمي أن جاهمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال: "فهل لك من أم قال نعم قال: فالزمها فإن الجنة عند رجليها" ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول, ورواه النسائي وابن ماجه من حديث ابن جريج به.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن يحيى بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يوصيكم بآبائكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بأمهاتكم إن الله يوصيكم بالأقرب فالأقرب" وأخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عياش به.
(حديث آخر) قال أحمد : حدثنا يونس , حدثنا أبو عوانة عن أشعث بن سليم عن أبيه , عن رجل من بني يربوع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته وهو يكلم الناس يقول: "يد المعطي العليا, أمك وأباك, وأختك وأخاك, ثم أدناك أدناك".
(حديث آخر) قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن المستمر العروقي , حدثنا عمرو بن سفيان , حدثنا الحسن بن أبي جعفر عن ليث بن أبي سليم عن علقمة بن مرثد , عن سليمان بن بريدة عن أبيه " أن رجلاً كان في الطواف حاملاً أمه يطوف بها فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل أديت حقها ؟ قال لا ولا بزفرة واحدة" أو كما قال, ثم قال البزار : لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه. قلت: و الحسن بن أبي جعفر ضعيف, والله أعلم.
24- "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين: الأول أن الطائر إذا أراد ضم فراخه إليه للتربية خفض لها جناحه، فلهذا صار خفض الجناح كناية عن حسن التدبير، فكأنه قال للولد اكفل والديك بأن تضمهما إلى نفسك كما فعلا ذلك بك في حال صغرك. والثاني أن الطائر إذا أراد الطيران والارتفاع نشر جناحه، وإذا أراد النزول خفض جناحه، فصار خفض الجناح كناية عن التواضع وترك الارتفاع، وفي إضافة الجناح إلى الذل وجهان: الأول أنها كإضافة حاتم إلى الجود في قولك حاتم الجود، فالأصل فيه الجناح الذليل، والثاني سلوك سبيل الاستعارة كأنه تخيل للذل جناحاً ثم أثبت لذلك الجناح خفضاً. وقرأ الجمهور الذل بضم الذال من ذل يذل ذلاً وذلة ومذلة فهو ذليل. وقرأ سعيد بن جبير وعروة بن الزبير بكسر الذال، وروي ذلك عن ابن عباس وعاصم، من قولهم دابة ذلول بنية الذل: أي منقادة سهلة لا صعوبة فيها، ومن الرحمة فيه معنى التعليل: أي من أجل فرط الشفقة والعطف عليهما لكبرهما وافتقارهما اليوم لمن كان أفقر خلق الله إليهما بالأمس، ثم كأنه قال له سبحانه ولا تكتف برحمتك التي لا دوام لها "و" لكن "قل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً" والكاف في محل نصب على أنه صفة لمصدر محذوف: أي رحمة مثل تربيتهما لي أو مثل رحمتهما لي، وقيل ليس المراد رحمة مثل الرحمة بل الكاف لاقترانهما في الوجود فلتقع هذه كما وقعت تلك. والتربية التنمية، ويجوز أن يكون الكاف للتعليل: أي لأجل تربيتهما لي كقوله: "واذكروه كما هداكم" ولقد بالغ سبحانه في التوصية بالوالدين مبالغة تقشعر لها جلود أهل العقوق وتقف عندها شعورهم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: "من كان يريد العاجلة" قال: من كان يريد بعمله الدنيا "عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" ذاك به. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن الحسن في قوله: "كلا نمد" الآية قال: كل يرزق الله في الدنيا البر والفاجر. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: يرزق الله من أراد الدنيا ويرزق من أراد الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: "محظوراً" ممنوعاً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد مثله. وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع بها إلا وصفه الله في الآخرة درجة أكبر منها وأطول، ثم قرأ "وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً"" وهو من رواية زاذان عن سلمان، وثبت في الصحيحين "أن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما يرون الكوكب الغابر في أفق السماء". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله "مذموماً" يقول ملوماً. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: ووصى ربك، مكان وقضى. وقال: التزقت الواو والصاد وأنتم تقرأونها وقضى ربك. وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عنه مثله. وأخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه أيضاً مثله وزاد ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد. وأقول: إنما يلزم هذا لو كان القضاء بمعنى الفراغ من الأمر، وهو وإن كان أحد معاني مطلق القضاء، كما في قوله: "قضي الأمر الذي فيه تستفتيان"، وقوله: "فإذا قضيتم مناسككم" "فإذا قضيتم الصلاة" ولكنه ها هنا بمعنى الأمر، وهو أحد معاني القضاء والأمر لا يستلزم ذلك، فإنه سبحانه قد أمر عباده بجميع ما أوجبه، ومن جملة ذلك إفراده بالعبادة وتوحيده وذلك لا يستلزم أن لا يقع الشرك من المشركين، ومن معاني مطلق القضاء معان أخر غير هذين المعنيين كالقضاء بمعنى الخلق، ومنه " فقضاهن سبع سماوات ". وبمعنى الإرادة كقوله: "إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون". وبمعنى العهد كقوله: "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر". وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وقضى ربك" قال: أمر. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال عهد ربك. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "وبالوالدين إحساناً" يقول: براً. واخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "فلا تقل لهما أف" لما تميط عنهما من الأذى: الخلاء والبول كما كانا لا يقولانه فيما كانا يميطان عنك من الخلاء والبول. وأخرج الديلمي عن الحسين بن علي مرفوعاً "لو علم الله شيئاً من العقوق أدنى من أف لحرمه". وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله: "وقل لهما قولاً كريماً" قال: إذا دعواك فقل لبيكما وسعديكما. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: قولاً ليناً سهلاً. وأخرج البخاري في الأدب وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عروة في قوله: "واخفض لهما جناح الذل" قال: يلين لهما حتى لا يمتنع من شيء أحباه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "وقل رب ارحمهما" ثم أنزل الله بعد هذا "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى". وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر من طرق عنه نحوه، وقد ورد في بر الوالدين أحاديث كثيرة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، وهي معروفة في كتب الحديث.
24 - " واخفض لهما جناح الذل " ، أي ألن جانبك لهما واخضع . قال عروة بن الزبير لن لهما حتى لا تمتنع عن شيء أحباه " من الرحمة " ، من الشفقة ، " وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " ، أراد : إذا كانا مسلمين .قال ابن عباس : هذا منسوخ بقوله : " ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين " ( التوبة - 13 ) .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، حدثنا حميد بن زنجويه ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن يزيد عن عطاء بن السائب ، عن أبي عبد الرحمن - يعني السلمي - عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الوالد أوسط أبواب الجنة فحافظ إن شئت أو ضيع " .
أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي الزراد ، أخبرنا أبو بكر محمد بن إدريس الجرجاني ، أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسين الماليني ، أخبرنا حسن بن سفيان ، حدثنا يحيى بن حبيب بن عدي ، حدثنا خالد بن الحارث ، عن شعبة ، عن يعلي بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " رضا الله في رضا الوالد ، وسخط الله في سخط الوالد " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ، أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار ، حدثنا أبو جعفر محمد بن غالب بن تمام الضبي ، حدثنا عبد الله بن مسلمة ، حدثنا عبد العزيز بن مسلم عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يدخل الجنة منان ، ولا عاق ، ولا مدمن خمر " .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد بن باموية الأصفهاني ، أخبرنا أبو سعيد أحمد بن زياد البصري ، أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح ، حدثنا ربعي بن علية ، عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ،ورغم أنف رجل أتى عليه شهر رمضان فلم يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه الكبر فلم يدخلاه الجنة ".
24."واخفض لهما جناح الذل"تذلل لهما وتواضع فيهما، وجعل للذل جناحاً كما جعل لبيد في قوله:
وغداة ريح قد كشفت وقرةً إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
للشمال يداً أو للقرة زماماً، وأمرره بخفضه مبالغة أو أراد جماحه كقوله تعالى: "واخفض جناحك للمؤمنين".وإضافته إلى الذل للبيان والمبالغة كما أضيف حاتم إلى الجود ، والمعنى واخفض لهما جناحك الذليل. وقرئ الذل بالكسر وهو الانقياد والنعت منه ذلول . "من الرحمة"من فرط رحمتك عليهما لافتقارهما إلى من كان أفقر خلق الله تعالى إليهما بالأمس."وقل رب ارحمهما "وادع الله تعالى أن يرحمهما برحمته الباقية، ولا تكتف برحمتك الفانية وإن كانا كافرين لن من الرحمة أن يهديهما: "كما ربياني صغيراً"رحمة مثل رحمتهما علي وتربيتهما وإرشادهما لي في صغري وفاء بوعدك للراحمين. روي "أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أبوي بلغا من الكبر أن ألي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما.قال: لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك وتريد موتهما."
24. And lower unto them the wing of submission through mercy, and say: My Lord! Have mercy on them both as they did care for me when I was little.
24 - And, out of kindness, lower to them the wing of humility, and say: my Lord bestow on them thy mercy even as they cherished me in childhood.