24 - (يوم) ناصبه الاستقرار الذي تعلق به لهم (تشهد) بالفوقانية والتحتانية (عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون) من قول وفعل وهو يوم القيامة
يقول تعالى ذكره : ولهم عذاب عظيم " يوم تشهد عليهم ألسنتهم " فاليوم الذي في قوله " يوم تشهد عليهم " من صلة قوله " ولهم عذاب عظيم " . وعني بقوله " يوم تشهد عليهم ألسنتهم " يوم القيامة ، وذلك حين يجحد أحدهم ما اكتسب في الدنيا من الذنوب ، عند تقرير الله إياه بها ، فيختم الله على أفواههم ، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون .
فإن قال قائل : وكيف تشهد عليهم ألسنتهم ، حين يختم الله على أفواههم ؟ قيل : عني بذلك أن ألسنة بعضهم تشهد على بعض ، لا أن ألسنتهم تنطق وقد ختم على الأفواه .
وقد حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرنا عمرو ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله ، فجحد وخاصم فيقال له هؤلاء جيرانك يشهدون عليك ، فيقول : كذبوا ، فيقول أهلك وعشيرتك ، فيقول كذبوا ، فيقول : أتحلفون ؟ فيحلفون ، ثم يصمتهم الله ، وتشهد ألسنتهم ، ثم يدخلهم النار " .
قراءة العامة بالتاء، واختاره أبو حاتم. وقرأ الأعمش ويحيى وحمزة و الكسائي وخلف " يشهد " بالياء، واختاره أبو عبيد، لأن الجار والمجرور قد حال بين الاسم والفعل، والمعنى: يوم تشهد ألسنة بعضهم على بعض بما كانوا يعملون من القذف والبهتان. وقيل: تشهد عليهم ألسنتهم ذلك اليوم بما تكلموا به. " وأيديهم وأرجلهم " أي وتتكلم الجوارح بما عملوا في الدنيا.
هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات ـ خرج مخرج الغالب ـ المؤمنات فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة, ولا سيما التي كانت سبب النزول, وهي عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما, وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الاية, فإنه كافر لأنه معاند للقرآن, وفي بقية أمهات المؤمنين قولان: أصحهما أنهن كهي, والله أعلم.
وقوله تعالى: " لعنوا في الدنيا والآخرة " الاية, كقوله "إن الذين يؤذون الله ورسوله" الاية. وقد ذهب بعضهم إلى أنها خاصة بعائشة رضي الله عنها, فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا عبد الله بن خراش عن العوام عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في الاية "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" قال: نزلت في عائشة خاصة, وكذا قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان , وقد ذكره ابن جرير عن عائشة فقال: حدثنا أحمد بن عبدة الضبي , حدثنا أبو عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه قال: قالت عائشة : رميت بما رميت به وأنا غافلة فبلغني بعد ذلك, قالت: " فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عندي إذ أوحي إليه, قالت: وكان إذا أوحي إليه أخذه كهيئة السبات, وإنه أوحي إليه وهو جالس عندي, ثم استوى جالساً يمسح وجهه, وقال يا عائشة أبشري قالت: فقلت بحمد الله لا بحمدك, فقرأ " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات " حتى قرأ " أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم " " هكذا أورده وليس فيه أن الحكم خاص بها, وإنما فيه أنها سبب النزول دون غيرها, وإن كان الحكم يعمها كغيرها, ولعله مراد ابن عباس ومن قال كقوله, والله أعلم. وقال الضحاك وأبو الجوزاء وسلمة بن نبيط : المراد بها أزواج النبي خاصة دون غيرهن من النساء.
وقال العوفي عن ابن عباس في الاية "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" الاية, يعني أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رماهن أهل النفاق, فأوجب الله لهم اللعنة والغضب وباءوا بسخط من الله فكان ذلك في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, ثم نزل بعد ذلك " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم " فأنزل الله الجلد والتوبة, فالتوبة تقبل والشهادة ترد. وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا هشيم , أخبرنا العوام بن حوشب عن شيخ من بني أسد عن ابن عباس قال: فسر سورة النور, فلما أتى على هذه الاية "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" الاية, قال: في شأن عائشة وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم, وهي مبهمة وليست لهم توبة, ثم قرأ " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " الاية, قال: فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لمن قذف أولئك توبة, قال: فهم بعض القوم أن يقوم إليه فيقبل رأسه من حسن ما فسر به سورة النور. فقوله وهي مبهمة أي عامة في تحريم قذف كل محصنة ولعنته في الدنيا والاخرة, وهكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هذا في عائشة ومن صنع مثل هذا أيضاً اليوم في المسلمات فله ما قال الله تعالى ولكن عائشة كانت أماً في ذلك.
وقد اختار ابن جرير عمومها وهو الصحيح, ويعضد العموم ما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن أخي وهب , حدثني عمي , حدثنا سليمان بن بلال عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اجتنبوا السبع الموبقات قيل: وما هن يا رسول الله ؟ قال : الشرك بالله, والسحر, وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتولي يوم الزحف, وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" أخرجاه في الصحيحين من حديث سليمان بن بلال به.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عمر بن أبي خالد الحذاء الطاني المحرمي , حدثني أبي وحدثنا أبو شعيب الحراني , حدثنا جدي أحمد بن أبي شعيب , حدثني موسى بن أعين عن ليث عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "قذف المحصنة يهدم عمل مائة سنة". وقوله تعالى: "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا أبو يحيى الرازي عن عمرو بن أبي قيس , عن مطرف عن المنهال عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس قال: إنهم يعني المشركين إذا رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة قالوا: تعالوا حتى نجحد فيجحدون, فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم و أرجلهم ولا يكتمون الله حديثاً.
وقال ابن أبي حاتم وابن جرير أيضاً: حدثنا يونس بن عبد الأعلى , حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فيجحد ويخاصم, فيقال هؤلاء جيرانك يشهدون عليك, فيقول كذبوا, فيقال أهلك وعشيرتك, فيقول كذبوا, فيقال احلفوا فيحلفون, ثم يصمتهم الله فتشهد عليهم أيديهم وألسنتهم, ثم يدخلهم النار " .
وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة الكوفي , حدثنا منجاب بن الحارث التميمي , حدثنا أبو عامر الأسدي , حدثنا سفيان بن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو الفقيمي عن الشعبي عن أنس بن مالك قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه, ثم قال: "أتدرون مم أضحك ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم, قال : من مجادلة العبد لربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول: بلى, فيقول: لا أجيز علي إلا شاهداً من نفسي, فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام عليك شهوداً, فيختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بعمله, ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل" وقد رواه مسلم والنسائي جميعاً عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبيه , عن عبد الله الأشجعي عن سفيان الثوري به , ثم قال النسائي : لا أعلم أحداً روى هذا الحديث عن سفيان الثوري غير الأشجعي , وهو حديث غريب, والله أعلم, هكذا قال, وقال قتادة : ابن آدم, والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك, فراقبهم واتق الله في سرك وعلانيتك, فإنه لا يخفى عليه خافية, الظلمة عنده ضوء, والسر عنده علانية, فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل ولا قوة إلا بالله.
وقوله تعالى: "يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق" قال ابن عباس "دينهم" أي حسابهم وكل ما في القرآن دينهم أي حسابهم, وكذا قال غير واحد, ثم إن قراءة الجمهور بنصب الحق على أنه صفة لدينهم, وقرأ مجاهد بالرفع على أنه نعت الجلالة, وقرأها بعض السلف في مصحف أبي بن كعب : يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق, وقوله "ويعلمون أن الله هو الحق المبين" أي وعده ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه.
24- "يوم تشهد عليهم ألسنتهم" هذه الجملة مقررة لما قبلها مبينة لوقت حلول ذلك العذاب بهم وتعيين اليوم لزيادة التهويل بما فيه من العذاب الذي لا يحيط به وصف. وقرأ الجمهور "يوم تشهد" بالفوقية، واختار هذه القراءة أبو حاتم، وقرأ الأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي وخلف بالتحتية، واختار هذه القراءة أبو عبيد لأن الجار والمجرور قد حال بين الاسم والفعل. والمعنى: تشهد ألسنة بعضهم على بعض في ذلك اليوم، وقيل تشهد عليهم ألسنتهم في ذلك اليوم بما تكلموا به "وأيديهم وأرجلهم" بما عملوا بها في الدنيا، وإن الله سبحانه ينطقها بالشهادة عليهم، والمشهود محذوف وهو ذنوبهم التي اقترفوها: أي تشهد هذه عليهم بذنوبهم التي اقترفوها ومعاصيهم التي عملوها.
24- "يوم تشهد"، قرأ حمزة والكسائي بالياء لتقدم الفعل، وقرأ الآخرون بالتاء، "عليهم ألسنتهم"، وهذا قبل أن يختم على أفواههم، "وأيديهم وأرجلهم"، يروى أنه تختم الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا. وقيل: معناه تشهد ألسنة بعضهم على بعض وأيديهم وأرجلهم، "بما كانوا يعملون".
24 -" يوم تشهد عليهم " ظرف لما في لهم من معنى الاستقرار لا للعذاب لأنه موصوف ، وقرأ حمزة و الكسائي بالياء للتقدم والفصل . " ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون " يعترفون بها بإنطاق الله تعالى إياها بغير اختيارهم ، أو بظهور آثاره عليها وفي ذلك مزيد تهويل للعذاب .
24. On the day when their tongues and their hands and their feet testify against them as to what they used to do,
24 - On the Day when their tongues, their hands, and their feet will bear witness against them as to their actions.