(ذلك) التولي والإعراض (بأنهم قالوا) أي بسبب قولهم (لن تمسنا النار إلا أياما معدودات) أربعين يوما مدة عبادة آبائهم العجل ثم تزول عنهم (وغرهم في دينهم) متعلق بقوله (ما كانوا يفترون) من قولهم ذلك
يعني جل ثناؤه بقوله: "بأنهم قالوا"، بأن هؤلاء الذين دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم بالحق فيما نازعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما أبوا الإجابة إلى حكم التوراة وما فيها من الحق، من أجل قولهم: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودات"، وهي أربعون يوماً، وهن الأيام التي عبدوا فيها العجل، ثم يخرجنا منها ربنا، اغتراراً منهم، "بما كانوا يفترون"، يعني: بما كانوا يختلقون من الأكاذيب والأباطيل، في ادعائهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الله قد وعد أباهم يعقوب أن لا يدخل أحداً من ولده النار إلا تحلة القسم. فأكذبهم الله على ذلك كله من أقوالهم، وأخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أنهم هم أهل النار هم فيها خالدون، دون المؤمنين بالله ورسله وما جاؤوا به من عنده.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات"، قالوا: لن تمسنا النار إلا تحلة القسم التي نصبنا فيها العجل، ثم ينقطع القسم والعذاب عنا، قال الله عز وجل: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون"، أي قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤ5.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: "ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات"، الآية، قال: قالوا: لن نعذب في النار إلا أربعين يوماً، قال: يعني اليهود -قال: وقال قتادة مثله -وقال: هي الأيام التي نصبوا فيها العجل. يقول الله عز وجل: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون"، حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه .
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال: قال ابن جريج، قال مجاهد قوله: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون"، قال: غرهم قولهم: "لن تمسنا النار إلا أياما معدودات".
إشارة إلى التولي والإعراض ، واغترار منهم في قولهم : " نحن أبناء الله وأحباؤه " . إلى غير ذلك من أقوالهم . وقد مضى الكلام في معنى قولهم : " لن تمسنا النار " في البقرة .
يقول تعالى منكراً على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم, وهما التوراة والإنجيل, وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم, تولوا وهم معرضون عنهما, وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد, ثم قال تعالى: "ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات" أي إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام عن كل ألف سنة في الدنيا يوماً وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة. ثم قال تعالى: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" أي ثبتهم على دينهم الباطل, ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياماً معدودات, وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم واختلقوه ولم ينزل الله به سلطاناً, قال الله تعالى متهدداً لهم ومتوعداً "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" أي كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله, وكذبوا رسله, وقتلوا أنبياءه, والعلماء من قومهم, الامرين بالمعروف, والناهين عن المنكر,والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ومحاسبهم عليه ومجازيهم به, ولهذا قال تعالى: "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" أي لا شك في وقوعه وكونه, "ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".
24- و"ذلك" إشارة إلى ما مر من التولي والإعراض بسبب "أنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات " وهي مقدار عبادتهم العجل . وقد تقدم تفسير ذلك "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" من الأكاذيب التي من جملتها هذا القول.
24-" ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون * ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم " والغرور هو الإطماع فيما لايحصل منه شئ "ما كانوا يفترون" والافتراء اختلاق الكذب.
24"وذلك" إشارة إلى التولي و الإعراض. "بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات" بسبب تسهيلهم أمر العقاب على أنفسهم لهذا الإعتقاد الزائغ والطمع الفارغ. "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" من أن النار لن تمسهم إلا أياماً قلائل، أو أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالى وعد يعقوب عليه السلام أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم.
24. That is because they say: The Fire will not touch us save for a certain number of days. That which they used to invent hath deceived them regarding their religion.
24 - This because they say: the fire shall not touch us but for a few numbered days: for their forgeries deceive them as to their own religion.