25 - (وهزي إليك بجذع النخلة) كانت يابسة والباء زائدة (تساقط) أصله بتاءين قلبت الثانية سينا وادغمت في السين وفي قراءة تركها (عليك رطبا) تمييز (جنيا) صفته
وقوله "وهزي إليك بجذع النخلة" ذكر أن الجذع كان جذعاً يابساً، وأمرها أن تهزه ، وذلك في أيام الشتاء ، وهزه إياه كان تحريكه.
كما حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد، في قوله "وهزي إليك بجذع النخلة" قال : حركيها.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس "وهزي إليك بجذع النخلة" قال : كان جذعاً يابساً، فقال لها : هزيه "تساقط عليك رطبا جنيا".
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح، قال : ثنا عبد المؤمن، قال : سمعت أبا نهيك يقول : كانت نخلة يابسة.
حدثني محمد بن سهل بن عسكر، قال : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، قال : ثني عبد الصمد بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يقول في قوله "وهزي إليك بجذع النخلة" فكان الرطب يتساقط عليها وذلك في الشتاء.
حدثنا موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط ، عن السدي "وهزي إليك بجذع النخلة" وكان جذعا منها مقطوعا فهزته ، فإذا هو نخلة، وأجري لها في المحراب نهر، فتساقطت النخلة رطباً جنياً فقال لها "كلي واشربي وقري عينا".
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وهزي إليك بالنخلة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن، قال : ثنا سفيان، قال : قال مجاهد "وهزي إليك بجذع النخلة" قال : النخلة.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا أبو أحمد، قال : ثنا سفيان، عن عيسى بن ميمون، عن مجاهد، في قوله "وهزي إليك بجذع النخلة" قال : العجوة .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم، قال : أخبرنا حصين ، عن عمرو بن ميمون ، أنه تلا هذه الآية "وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا" قال : فقال عمرو: ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب ، وأدخلت الباء في قوله "وهزي إليك بجذع النخلة" كما يقال : زوجتك فلانة، وزوجتك بفلانة، وكما قال "تنبت بالدهن" بمعنى : تنبت الدهن . وإنما تفعل العرب ذلك ، لأن الأفعال تكني عنها بالباء، فيقال إذا كنيت عن ضربت عمراً : فعلت به ، وكذلك كل فعل ، فلذلك تدخل الباء في الأفعال وتخرج ، فيكون دخولها وخروجها بمعنى ، فمعنى الكلام : وهزي إليك جذع النخلة ، وقد كان لو أن المفسرين كانوا فسروه كذلك : وهزي إليك رطباً بجذع النخلة، بمعنى : على جذع النخلة وجهاً صحيحاً، ولكن لست أحفظ عن أحد أنه فسره كذلك . ومن الشاهد على دخول الباء في موضع دخولها وخروجها منه سواء قول الشاعر:
بواد يمان ينبت السدر صدره وأسفله بالمرخ والشبهان
واختلف القراء في قراءة قوله تساقط فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والبصرة والكوفة تساقط بالتاء من تساقط وتشديد السين ، بمعنى : تتساقط عليك النخلة رطباً جنياً، ثم تدغم إحدى التاءين في الأخرى فتشدد، وكان الذين قرءوا ذلك كذلك وجهوا معنى الكلام إلى : وهزي إليك بجذع النخلة تساقط النخلة عليك رطباً. وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة تساقط بالتاء وتخفيف السين ، ووجه معنى الكلام ، إلى مثل ما وجه إليه مشددوها، غير أنهم خالفوهم في القراءة. وروي عن البراء بن عازب أنه قرأ ذلك يساقط بالياء.
حدثني بذلك أحمد بن يوسف، قال : ثنا القاسم، قال : ثنا يزيد، عن جرير بن حازم، عن أبي إسحاق قال : سمعت البراء بن عازب يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلى: وهزي إليك بجذع النخلة يتساقط الجذع عليك رطباً جنياً.
وروي عن أبي نهيك أنه كان يقرؤه تسقط بضم التاء وإسقاط الألف.
حدثنا بذلك ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح، قال : ثنا عبد المؤمن، قال : سمعت أبا نهيك يقرؤه كذلك ، وكأنه وجه معنى الكلام إلى : تسقط النخلة عليك رطباً جنياً.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إن هذه القراءات الثلاث ، أعني تساقط بالتاء وتشديد السين ، وبالتاء وتخفيف السين ، وبالياء وتشديد السين ، قراءات متقاربات المعاني ، قد قرأ بكل واحدة منهن قراء أهل معرفة بالقران ، فبأي ذلك قرأ القارئ فمصيب الصواب فيه ، وذلك أن الجذع إذا تساقط رطباً، وهو ثابت غير مقطوع ، فقد تساقطت النخلة رطباً، وإذا تساقطت النخلة رطباً، فقد تساقطت النخلة بأجمعها، جذعها وغير جذعها، وذلك أن النخلة ما دامت قائمة على أصلها، فإنما هي جذع وجريد وسعف ، فإذا قطعت صارت جذعاً، فالجذع الذي أمرت مريم بهزه لم يذكر أحد نعلمه أنه كان جذعاً مقطوعاً غير السدي، وقد زعم أنه عاد بهزها إياه نخلة، فقد صار معناه ومعنى من قال : كان المتساقط عليها رطباً نخلة واحداً، فتبين بذلك صحة ما قلنا. وقوله "جنيا" يعني مجنياً، وإنما كان أصله مفعولاً فصرف إلى فعيل ، والمجني المأخوذ طرياً، وكل ما أخذ من ثمرة، أو نقل من موضه بطراوته فقد اجتني ، ولذلك قيل : فلان يجتني الكمأة، ومنه قول ابن أخت جذيمة :
هذا جناي وخياره فيه إذ كل جان يده إلى فيه
قوله تعالى: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي وقري عينا " فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " تساقط " أمرها بهز الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع. والباء في قوله: " بجذع " زائدة مؤكدة كما يقال: خذ بالزمام، وأعط بيدك، قال الله تعالى: " فليمدد بسبب إلى السماء " [الحج: 15] أي فليمدد سبباً. وقيل: المعنى، وهزي إليك رطباً على جذع النخلة. " تساقط " أي تتساقط فأدغم التاء في السين. وقرأ حمزة " تساقط " مخففاً فحذف التي أدغمها غيره. وقرأ عاصم في رواية حفص " تساقط " بضم التاء مخففاً وكسر القاف. وقرىء تتساقط بإظهار التاءين و يساقط بالياء وإدغام التاء وتسقط و يسقط و تسقط و يسقط بالتاء للنخلة وبالياء للجذع، فهذه تسع قراءات ذكرها الزمخشري رحمة الله تعالى عليه. " رطبا " نصب بالهز، أي إذا هززت الجذع هززت بهزه " رطبا جنيا ". وعلى الجملة فـ" رطبا " يختلف نصبه بحسب معاني القراءات، فمرة يستند الفعل إلى الجذع، ومرة إلى الهز، ومرة إلى النخلة. و" جنيا " معناه قد طابت وصلحت للاجتناء، وهي من جنيت الثمرة. ويروى عن ابن مسعود - ولا يصح - أنه قرأ تساقط عليك رطبا جنيا برنيا . وقال مجاهد : " رطبا جنيا " قال: كانت عجوة. وقال عباس بن الفضل: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قوله: " رطبا جنيا " فقال: لم يذو. قال وتفسيره: لم يجف ولم ييبس ولم يبعد عن يدي مجتنيه، وهذا هو الصحيح. قال الفراء الجني والمجني واحد، يذهب إلى أنهما بمنزلة القتيل والمقتول والجريح والمجروح. وقال غير الفراء : الجني المقطوع من نخلة واحدة، والمأخوذ من مكان نشأته، وأنشدوا:
وطيب ثمار في رياض أريضة وأغصان أشجار جناها على قرب
يريد بالجنى ما يجنى منها أي يقطع ويؤخذ. قال ابن عباس: كان جذعاً نخراً فلما هزت نظرت إلى أعلى الجذع فإذا السعف قد طلع، ثم نظرت إلى الطلع قد خرج من بين السعف، ثم اخضر فصار بلحاً ثم احمر فصار زهواً، ثم رطباً، كل ذلك في طرفة عين، فجعل الرطب يقع بين يديها لا ينشدخ منه شيء.
الثانية: استدل بعض الناس من هذه الآية على أن الرزق وإن كان محتوماً، فإن الله تعالى قد وكل ابن آدم إلى سعي ما فيه، لأنه أمر مريم بهز النخلة لترى آية، وكانت الآية تكون بألا تهز.
الثالثة: الأمر بتكليف الكسب في الرزق سنة الله تعالى في عباده، وأن ذلك لا يقدح في التوكل، خلافاً لما تقوله جهال المتزهدة، وقد تقدم هذا المعنى والخلاف فيه. وقد كانت قبل ذلك يأتيها رزقها من غير تكسب كما قال: " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا " [آل عمران: 37] الآية. فلما ولدت أمرت بهز الجذع. قال علماؤنا: لما كان قلبها فارغاً فرغ الله جارحتها عن النصب، فلما ولدت عيسى وتعلق قلبها بحبه، واشتغل سرها بحديثه وأمره وكلها إلى كسبها، وردها إلى العادة بالتعلق بالأسباب في عباده. وحكى الطبري عن ابن زيد أن عيسى عليه السلام قال لها: لا تحزني، فقالت له: وكيف لا أحزن وأنت معي؟! لا ذات زوج ولا مملوكة! أي شيء عذري عند الناس؟! " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " فقال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام.
الرابعة: قال الربيع بن خيثم: ما للنفساء عندي خير من الرطب لهذه الآية، ولو علم الله شيئاً هو أفضل من الرطب للنفساء لأطعمه مريم، ولذلك قالوا: التمر عادة للنفساء من ذلك الوقت، وكذلك التحنيك. وقيل: إذا عسر ولادها لم يكن لها خير من الرطب، ولا للمريض خير من العسل، ذكره الزمخشري . قال ابن وهب قال مالك قال الله تعالى: " رطبا جنيا " الجني من التمر ما طاب من غير نقش ولا إفساد. والنقش أن ينقش من أسفل البسرة حتى ترطب، فهذا مكروه، يعني مالك أن هذا تعجيل للشيء قبل وقته، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، وإن فعله فاعل ما كان ذلك مجوزاً لبيعه، ولا حكماً بطيبه. وقد مضى هذا القول في الأنعام. والحمد لله. عن طلحة بن سليمان " جنيا " بكسر الجيم للإتباع، أي جعلنا لك في السري والرطب فائدتين: إحداهما الأكل والشرب، الثانية سلوة الصدر، لكونهما معجزتين،
قرأ بعضهم: "من تحتها" بمعنى الذي تحتها, وقرأ الاخرون: "من تحتها" على أنه حرف جر, واختلف المفسرون في المراد بذلك من هو ؟ فقال العوفي وغيره عن ابن عباس "فناداها من تحتها" جبريل, ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها, وكذا قال سعيد بن جبير والضحاك وعمرو بن ميمون والسدي وقتادة : إنه الملك جبرائيل عليه الصلاة والسلام, أي ناداها من أسفل الوادي. وقال مجاهد : "فناداها من تحتها" قال: عيسى بن مريم, وكذا قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال الحسن : هو ابنها, وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير أنه ابنها, قال: أو لم تسمع الله يقول: "فأشارت إليه" واختاره ابن زيد وابن جرير في تفسيره.
وقوله: " أن لا تحزني " أي ناداها قائلاً لا تحزني "قد جعل ربك تحتك سريا" قال سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب "قد جعل ربك تحتك سريا" قال: الجدول, وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : السري النهر, وبه قال عمرو بن ميمون نهر تشرب منه. وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية. وقال سعيد بن جبير : السري النهر الصغير بالنبطية. وقال الضحاك : هو النهر الصغير بالسريانية. وقال إبراهيم النخعي : هو النهر الصغير. وقال قتادة : هو الجدول بلغة أهل الحجاز, وقال وهب بن منبه : السري هو ربيع الماء. وقال السدي : هو النهر, واختار هذا القول ابن جرير .
وقد ورد في ذلك حديث مرفوع, فقال الطبراني : حدثنا أبو شعيب الحراني , حدثنا يحيى بن عبد الله البابلي , حدثنا أيوب بن نهيك , سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول, سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن السري الذي قال الله لمريم "قد جعل ربك تحتك سريا" نهر أخرجه الله لتشرب منه" وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه. وأيوب بن نهيك هذا هو الحبلى, قال فيه أبو حاتم الرازي : ضعيف. وقال أبو زرعة : منكر الحديث. وقال أبو الفتح الأزدي : متروك الحديث. وقال آخرون المراد بالسري عيسى عليه السلام, وبه قال الحسن والربيع بن أنس ومحمد بن عباد بن جعفر , وهو إحدى الروايتين عن قتادة , وقول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم والقول الأول أظهر. ولهذا قال بعده: "وهزي إليك بجذع النخلة" أي وخذي إليك بجذع النخلة. قيل: كانت يابسة, قاله ابن عباس . وقيل: مثمرة. قال مجاهد : كانت عجوة. وقال الثوري عن أبي داود نفيع الأعمى: كانت صرفانة, والظاهر أنها كانت شجرة, ولكن لم تكن في إبان ثمرها, قاله وهب بن منبه , ولهذا امتن عليها بذلك بأن جعل عندها طعاماً وشراباً فقال: " تساقط عليك رطبا جنيا * فكلي واشربي وقري عينا " أي طيبي نفساً, ولهذا قال عمرو بن ميمون : ما من شيء خير للنفساء من التمر والرطب, ثم تلا هذه الاية الكريمة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا شيبان , حدثنا مسرور بن سعيد التميمي , حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن عروة بن رويم , عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أكرموا عمتكم النخلة, فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم عليه السلام, وليس من الشجر شيء يلقح غيرها" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطعموا نساءكم الولد الرطب, فإن لم يكن رطب فتمر, وليس من الشجر شجرة أكرم على الله من شجرة نزلت تحتها مريم بنت عمران" هذا حديث منكر جداً ورواه أبو يعلى عن شيبان به. وقرأ بعضهم "تساقط" بتشديد السين, وآخرون بتخفيفها. وقرأ أبو نهيك " تساقط عليك رطبا جنيا " وروى أبو إسحاق عن البراء أنه قرأها " تساقط " أي الجذع, والكل متقارب.
وقوله: "فإما ترين من البشر أحداً" أي مهما رأيت من أحد "فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً" المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك, لا أن المراد به القول اللفظي لئلا ينافي "فلن أكلم اليوم إنسياً" قال أنس بن مالك في قوله: "إني نذرت للرحمن صوماً" قال: صمتاً, وكذا قال ابن عباس والضحاك , وفي رواية عن أنس : صوماً وصمتاً, وكذا قال قتادة وغيرهما, والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام, نص على ذلك السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد . وقال أبو إسحاق عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود , فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الاخر, فقال: ما شأنك ؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم, فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم, فإن تلك امرأة علمت أن أحداً لا يصدقها أنها حملت من غير زوج, يعني بذلك مريم عليها السلام, ليكون عذراً لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير رحمها الله. وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم: "لا تحزني" قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي, لا ذات زوج ولا مملوكة ؟ أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً, قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام "فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً" قال هذا كله من كلام عيسى لأمه, وكذا قال وهب .
25- "وهزي إليك بجذع النخلة" الهز التحريك: يقال هزه فاهتز، والباء في بجذع النخلة مزيدة للتوكيد: وقال الفراء: العرب تقول هزه وهز به، والجذع هو أسفل الشجرة. قال قطرب: كل خشبة في أصل شجرة فهي جذع، ومعنى إليك: إلى جهتك، وأصل تساقط تتساقط فأدغم التاء في السين. وقرأ حمزة والأعمش تساقط مخففاً. وقرأ عاصم في رواية حفص والحسن بضم التاء مع التخفيف وكسر القاف وقرئ تتساقط بإظهار الناءين. وقرئ بالتحتية مع تشديد السين. وقرئ تسقط، ويسقط. وقرأ الباقون بإدغام التاء في السين، فمن قرأ بالفوقية جعل الضمير للنخلة، ومن قرأ بالتحتية جعل الضمير للجذع، وانتصاب "رطباً" على بعض هذه القراءات للتمييز، وعلى البعض الآخر على المفعولية لتساقط. قال المبرد والأخفش: يجوز انتصاب رطباً بهزي: أي هزي إليك رطباً "جنياً" بجذع النخلة: أي على جذعها، وضعفه الزمخشري، والجني المأخوذ طرياً، وقيل هو ما طلب وصلح للاجتناء، وهو فعيل بمعنى مفعول. قال الفراء: الجني والمجني واحد، وقيل هو فعيل بمعنى فاعل: أي رطباً طرياً طيباً.
25 - " وهزي إليك " ، يعني قيل لمريم :حركي " بجذع النخلة " ، تقول العرب :هزه وهز به ، كما يقول : حز رأسه وحز برأسه ، وأمدد الحبل وأمدد به ، " تساقط عليك " ، القراءة المعروفة بفتح التاء والقاف وتشديد السين ،أي : تتساقط ، فأدغمت إحدى التاءين في السين أي : تسقط عليك النخلة رطباً ، وخفف حمزة السين وحذف التاء التي أدغمها غيره .
وقرأ حفص بضم التاء وكسر القاف خفيف على وزن تفاعل . وتساقط بمعنى أسقط ، والتأنيث لأجل النخلة .
وقرأ يعقوب : ( يساقط )بالياء مشددة ردة إلى الجذع .
" رطباً جنياً " ، مجنياً . وقيل : الجني هو الذي بلغ الغاية ، وجاء أوان اجتنائه . قال الربيع بن خثيم : ما للنفساء عندي خير من الرطب ،ولا للمريض خير من العسل .
25ـ "وهزي إليك بجذع النخلة" وأميليه إليك، والباء مزيدة للتأكيد أو افعلي الهز والإمالة به، أو "هزي" الثمرة بهزه والهز تحريك بجذب ودفع. "تساقط عليك" تتساقط فأدغمت التاء الثانية في السين وحذفها حمزة، وقرأ يعقوب بالياء وحفص ((تساقط)) من ساقطت بمعنى أسقطت، وقرئ ((تتساقط)) و ((تسقط)) و ((يسقط)) فالتاء للنخلة والياء للجذع. "رطباً جنيا" تمييز أو مفعول. روي أنها كانت نخلة يابسة لا رأس لها ولا ثمر وكان الوقت شتاء، فهزتها فجعل الله تعالى لها رأساً وخوصاً ورطباً. وتسليتها بذلك لما فيه من المعجزات الدالة على براءة ساحتها فإن مثلها لا يتصور لمن يرتكب الفواحش، والمنبهة لمن رآها على أن من قدر أن يثمر النخلة اليابسة في الشتاء قدر أن يحبلها من غير فحل، وأنه ليس ببدع من شأنها مع ما فيه من الشراب والطعام ولذلك رتب عليه الأمرين فقال:
25. And shake the trunk of the palm tree toward thee, thou wilt cause ripe dates to fall upon thee.
25 - And shake towards thyself The trunk of the palm tree: It will let fall fresh ripe dates upon thee.