(فكيف) حالهم (إذا جمعناهم ليوم) أي في يوم (لا ريب) لا شك (فيه) هو يوم القيامة (ووفيت كل نفس) من أهل الكتاب وغيرهم جزاء (ما كسبت) عملت من خير وشر (وهم) أي الناس (لا يظلمون) بنقص حسنة أو زيادة سيئة
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "فكيف إذا جمعناهم"، فأي حال يكون حال هؤلاء القوم الذين قالوا هذا القول، وفعلوا ما فعلوا من إعراضهم عن كتاب الله، واغترارهم بربهم، وافترائهم الكذب؟ وذلك من الله عز وجل وعيد لهم شديد، وتهديد غليظ.
وإنما يعني بقوله: "فكيف إذا جمعناهم" الآية: فما أعظم ما يلقون من عقوبة الله وتنكيله بهم، إذا جمعهم ليوم يوفى كل عامل جزاء عمله على قدر استحقاقه، غير مظلوم فيه، لأنه لا يعاقب فيه إلا على ما اجترم، ولا يؤاخذ إلا بما عمل، يجزي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لا يخاف أحد من خلقه منه يومئذ ظلماً ولا هضماً.
فإن قال قائل: وكيف قيل: "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه"، ولم يقل: في يوم لا ريب فيه؟
قيل: لمخالفة معنى اللام في هذا الموضع معنى في. وذلك أنه لو كان مكان اللام في، لكان معنى الكلام: فكيف إذا جمعناهم في يوم القيامة، ماذا يكون لهم من العذاب والعقاب؟ وليس ذلك المعنى في دخول اللام، ولكن معناه مع اللام: فكيف إذا جمعناهم لما يحدث في يوم لا ريب فيه، ولما يكون في ذلك اليوم من فصل الله القضاء بين خلقه، ماذا لهم حينئذ من العقاب وأليم العذاب؟ فمع اللام في "ليوم لا ريب فيه" نية فعل، وخبر مطلوب قد ترك ذكره، أجزأت دلالة دخول اللام في اليوم عليه، منه. وليس ذلك مع في فلذلك اختيرت اللام فأدخلت في اليوم، دون في.
وأما تأويل قوله: "لا ريب فيه"، فإنه: لا شك في مجيئه. وقد دللنا على أنه كذلك بالأدلة الكافية، مع ذكر من قال ذلك في تأويله فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
وعنى بقوله: "ووفيت"، ووفى الله، "كل نفس ما كسبت"، يعني: ما عملت من خير وشر، "وهم لا يظلمون"، يعني أنه لا يبخس المحسن جزاء إحسانه، ولا يعاقب مسيئاً بغير جرمه.
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته على جهة التوقيف والتعجب ، اي فكيف يكون حالهم أو كيف يصنعون إذا حشروا يوم القيامة واضمحلت عنهم تلك الزخارف التي ادعوها في الدنيا ، وجوزوا بما اكتسبوه من كفرهم واجترائهم وقبيح أعمالهم . واللام في قوله ليوم بمعنى في ، قاله الكسائي . وقال البصريون المعنى لحساب يوم . الطبري : لما يحدث في يوم .
يقول تعالى منكراً على اليهود والنصارى المتمسكين فيما يزعمون بكتابيهم اللذين بأيديهم, وهما التوراة والإنجيل, وإذا دعوا إلى التحاكم إلى ما فيهما من طاعة الله فيما أمرهم به فيهما من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم, تولوا وهم معرضون عنهما, وهذا في غاية ما يكون من ذمهم والتنويه بذكرهم بالمخالفة والعناد, ثم قال تعالى: "ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات" أي إنما حملهم وجرأهم على مخالفة الحق افتراؤهم على الله فيما ادعوه لأنفسهم أنهم إنما يعذبون في النار سبعة أيام عن كل ألف سنة في الدنيا يوماً وقد تقدم تفسير ذلك في سورة البقرة. ثم قال تعالى: "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" أي ثبتهم على دينهم الباطل, ما خدعوا به أنفسهم من زعمهم أن النار لا تمسهم بذنوبهم إلا أياماً معدودات, وهم الذين افتروا هذا من تلقاء أنفسهم واختلقوه ولم ينزل الله به سلطاناً, قال الله تعالى متهدداً لهم ومتوعداً "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" أي كيف يكون حالهم وقد افتروا على الله, وكذبوا رسله, وقتلوا أنبياءه, والعلماء من قومهم, الامرين بالمعروف, والناهين عن المنكر,والله تعالى سائلهم عن ذلك كله ومحاسبهم عليه ومجازيهم به, ولهذا قال تعالى: "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" أي لا شك في وقوعه وكونه, "ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون".
قوله 25- "فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" هو رد عليهم وإبطال لما غرهم من الأكاذيب: أي فكيف يكون حالهم إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه وهو يوم الجزاء الذي لا يرتاب مرتاب في وقوعه، فإنهم يقعون لا محالة ويعجزون عن دفعه بالحيل والأكاذيب "ووفيت كل نفس ما كسبت" أي جزاء ما كسبت على حذف المضاف "وهم لا يظلمون" بزيادة ولا نقص. والمراد كل الناس مدلول عليهم بكل نفس. قال الكسائي: اللام في قوله "ليوم" بمعنى في وقال البصريون: المعنى لحساب يوم. وقال ابن جرير الطبري: المعنى لما يحدث في يوم.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي عبيدة بن الجراح "قلت: يا رسول الله أي الناس أشد عذاباً يوم القيامة؟ قال: رجل قتل نبياً أو رجلاً أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس " إلى قوله "وما لهم من ناصرين" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا عبيدة قتلت بنو إسرائيل ثلاثة وأربعين نبياً أول النهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل وسبعون رجلاً من عباد بني إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر، فقتلوا جميعاً من آخر النهار من ذلك اليوم، فهم الذين ذكر الله". وأخرج ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: بعث عيسى يحيى بن زكريا في اثني عشر رجلاً من الحواريين يعلمون الناس، فكان ينهى عن نكاح بنت الأخ، وكان ملك له بنت أخ تعجبه فأرادها وجعل يقضي لها كل يوم حاجة، فقالت لها أمها: إذا سألك عن حاجة فقولي: حاجتي أن تقتل يحيى بن زكريا، فقال: سلي غير هذا، فقالت: لا أسألك غير هذا فلما أبت أمر به فذبح في طست، فبدرت قطرة من دمه فلم تزل تغلي حتى بعث الله بختنصر، فدلت عجوز عليه، فألقى في نفسه أن لا يزال يقتل حتى يسكن هذا الدم، فقتل في يوم واحد من ضرب واحد وسن واحد سبعين ألفاً فسكن. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن معقل بن أبي مسكين في الآية قال: كان الوحي يأتي بني إسرائيل فيذكرون قومهم ولم يكن يأتيهم كتاب، فيقوم رجال ممن اتبعهم وصدقهم فيذكرون قومهم فيقتلون فهم الذين يأمرون بالقسط من الناس. وأخرج ابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: الذين يأمرون بالقسط من الناس: ولاة العدل. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس على جماعة من يهود، فدعاهم إلى الله فقال له النعمان بن عمرو الحارث بن زيد: على أي دين أتيت يا محمد؟ قال: على ملة إبراهيم ودينه، قال: فإن إبراهيم كان يهودياً قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: فهلما إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه، فأنزل الله "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله" الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله "نصيباً" قال: حظاً "من الكتاب" قال: التوراة. وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله "قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات" قال: يعنون الأيام التي خلق الله فيها آدم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله "وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون" حين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله "ووفيت كل نفس" يعني: توفى كل نفس بر أو فاجر "ما كسبت" ما عملت من خير أو شر "وهم لا يظلمون" يعني من أعمالهم.
25-قوله تعالى:"فكيف إذا جمعناهم" أي فكيف حالهم او كيف يصنعون إذا جمعناهم "ليوم لا ريب فيه" (وهو يوم القيامة) "ووفيت" (وفرت) " كل نفس ما كسبت " أي جزاء ماكسبت من خير او شر " وهم لا يظلمون " أي لاينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم.
25"فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه" إستعظام لما يحيق بهم في الآخرة وتكذيب لقولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات . روي: أن أول راية ترفع يوم القيامة من رايات الكفار راية اليهود فيفضحهم الله على رؤوس الأشهاد ثم يأمر بهم إلى النار. "ووفيت كل نفس ما كسبت" جزاء ما كسبت. وفيه دليل على أن العبادة لا تحبط وأن المؤمن لا يخلد في النار، لأن توفية إيمانه وعمله لاتكون في النار ولا قبل دخولها، فإذن هي بعد الخلاص منها "وهم لا يظلمون" الضمير لكل نفي على المعنى لأنه في معنى كل إنسان.
25. How (will it be with them) when We have brought them all together to a Day of which there is no doubt, when every soul will be paid in full what it hath earned, and they will not be wronged.
25 - But how (will they fare) when we gather them together against a day about which there is no doubt, and each soul will be paid out just what it has earned, without (favour or) injustice?