(الله لا إله) أي لا معبود بحق في الوجود (إلا هو الحي) الدائم بالبقاء (القيوم) المبالغ في القيام بتدبير خلقه (لا تأخذه سِنةٌ) نعاس (ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض) ملكا وخلقا وعبيدا (من ذا الذي) أي لا أحد (يشفع عنده إلا بإذنه) له فيها (يعلم ما بين أيديهم) أي الخلق (وما خلفهم) أي من أمر الدنيا والآخرة (ولا يحيطون بشيء من علمه) أي لا يعلمون شيئا من معلوماته (إلا بما شاء) أن يعلمهم به منها بإخبار الرسل (وسع كرسيه السماواتِ والأرضَ) قيل أحاط علمه بهما وقيل الكرسي نفسه مشتمل عليهما لعظمته ، لحديث: "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس". (ولا يؤوده) يثقله (حفظهما) أي السماوات والأرض (وهو العلي) فوق خلقه بالقهر (العظيم) الكبير
قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مض على تأويل قوله: "الله".
وأما تأويل قوله: "لا إله إلا هو"، فإن معناه: النهي عن أن يعبد شيء غير الله الحي القيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالى ذكره في هذه الآية. يقول: "الله" الذي له عبادة الخلق، "الحي القيوم"، لا إله سواه، لا معبود سواه. يعني: ولا تعبدوا شيئاً سوى الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، والذي صفته ما وصف في هذه الآية.
وهذه الآية إبانة من الله تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله عما جاءت به المختلفين البينات، من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالى ذكره أنه فضل بعضهم على بعض، واختلفوا فيه، فاقتتلوا فيه، كفرا به من بعض، وإيماناً به من بعض.
فالحمد لله الذي هدانا للتصديق به ، ووفقنا للإقرار به. وأما قوله: "الحي"، فإنه يعني: الذي له الحياة الدائمة، والبقاء الذي لا أول له بحد، ولا آخر له بأمد،إذ كان كل ما سواه فإنه لان كان حيا فلحياته أول محدود، وأخر ممدود ينقطع بانقطاع أمدها، وبنقضي بانقضاء غايتها.
وبما قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثت عن عمار بن الحسن قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "الحي"، حي لا يموت.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
قال أبو جعفر: وقد اختلف أهل البحث في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: إنما سمى الله نفسه حياً، لصرفه الأمور مصارفها، وتقديره الأشياء مقاديرها، فهو حي بالتدبير لا بحياة.
وقال آخرون: بل هو حي بحياة هي له صفة.
وقال آخرون: بل ذلك اسم من الأسماء تسمى به، فقلنا تسليماً لأمره.
وأما قوله: "القيوم"، فإنه الفيعول من القيام وأصله القيووم، سبق عين الفعل، وهي واو، ياء ساكنة فاندغمتا فصارتا ياء مشددة. وكذلك تفعل العرب في كل واو كانت للفعل عيناً، سبقتها ياء ساكنة. ومعنى قوله: "القيوم"، القائم برزق ما خلق وحفظه، كما قال أمية:
لم تخلق السماء والنجوم والشمس معها قمر يعوم
قدره المهيمن القيوم والجسر والجنة والجحيم
إلا لأمر شأنه عظيم
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "القيوم"، قال: القائم على كل شيء.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "القيوم"، قيم كل شيء، يكلؤه ويرزقه ويحفظه.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "القيوم"، وهو القائم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "الحي القيوم"، قال: القائم الدائم.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "لا تأخذه سنة"، لا يأخذه نعاس فينعس، ولا نوم فيستثقل نوماً.
والوسن خثورة النوم، ومنه قول عدي بن الرقاع:
وسنان أقصده النعاس، فرنقت في عينه سنة، وليس بنائم
ومن الدليل على ما قلنا: من أنها خثورة النوم في عين الإنسان، قول الأعشى ميمون بن قيس:
تعاطي الضجيع إذا أقبلت بعيد النعاس وقبل الوسن
وقال آخر:
باكرتها الأغراب في سنة النو م فتجري خلال شوك السيال
يعني: عند هبوبها من النوم، ووسن النوم في عينها. يقال منه: وسن فلان فهو يوسن وسناً وسنةً، وهو وسنان، إذا كان كذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله تعالى: "لا تأخذه سنة"، قال: السنة النعاس، والنوم هو النوم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "لا تأخذه سنة"، السنة النعاس.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة والحسن في قوله: "لا تأخذه سنة"، قالا: نعسة.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، قال: السنة الوسنة، وهو دون النوم، والنوم الاستثقال.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، السنة النعاس، والنوم الاستثقال.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال: أخبرنا يزيد قال، أخبرنا جويبر، عن الضحاك، مثله سواء.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، أما "سنة"، فهو ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، قال: السنة، الوسنان: بين النائم واليقظان.
حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا منجاب بن الحارث قال، حدثنا علي بن مسهر، عن إسماعيل، عن يحيى بن رافع: "لا تأخذه سنة"، قال: النعاس. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، قال: الوسنان، الذي يقوم من النوم لا يعقل، حتى ربما أخذ السيف على أهله.
قال أبو جعفر: وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، لا تحله الآفات ولا تناله العاهات. وذلك أن السنة والنوم، معنيان يغمران فهم ذي الفهم، ويزيلان من أصاباه عن الحال التي كان عليها قبل أن يصيباه.
فتأويل الكلام، إذ كان الأمر على ما وصفنا: "الله لا إله إلا هو الحي" الذي لا يموت، "القيوم" على كل ما هو دونه بالرزق والكلاءة والتدبير والتصريف من حال إلى حال، "لا تأخذه سنة ولا نوم"، لا يغيره ما يغير غيره، ولا يزيله عما لم يزل عليه تنقل الأحوال وتصريف الليالي والأيام، بل هو الدائم على حال، والقيوم على جميع الأنام. لو نام كان مغلوباً مقهوراً، لأن النوم غالب النائم قاهره. ولو وسن لكانت السماوات والأرض وما فيهما دكا، لأن قيام جميع ذلك بتدبيره وقدرته. والنوم شاغل المدبر عن التدبير، والنعاس مانع المقدر عن التقدير بوسنه، كما:-
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال، أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله: "لا تأخذه سنة ولا نوم"، أن موسى سأل الملائكة: هل ينام الله؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثاً، فلا يتركوه ينام. ففعلوا، ثم أعطوه قارورتين فأمسكوه، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يديه، في كل يد واحدة. قال: فجعل ينعس وينتبه، وينعس وينتبه، حتى نعس نعسة فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما. قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله، يقول: فكذلك السماوات والأرض في يديه.
حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال، حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، "عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى صلى الله عليه وسلم على المنبر قال: وقع في نفس موسى: هل ينام الله تعالى ذكره؟ فأرسل الله إليه ملكاً فأرقه ثلاثاً، ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة، وأمره أن يحتفظ بهما. قال: فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيحبس إحداهما عن الأخرى. ثم نام نومة فاصطفف يداه وانكسرت القارورتان. قال: ضرب الله له مثلاً أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: "له ما في السماوات وما في الأرض"، أنه مالك جميع ذلك بغير شريك ولا نديد، وخالق جميعه دون كل آلهة ومعبود. وإنما يعني بذلك: أنه لا تنبغي العبادة لشيء سواه، لأن المملوك إنما هو طوع يد مالكه، وليس له خدمة غيره إلا بأمره. يقول: فجميع ما في السماوات والأرض ملكي وخلقي، فلا ينبغي أن يعبد أحد من خلقي غيري وأنا مالكه، لأنه لا ينبغي للعبد أن يعبد غير مالكه، ولا يطيع سوى مولاه.
وأما قوله: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"، يعني بذلك: من ذا الذي يشفع لمماليكه إن أراد عقوبتهم، إلا أن يخليه ويأذن له بالشفاعة لهم. وإنما قال ذلك تعالى ذكره، لأن المشركين قالوا: ما نعبد أوثاننا هذه إلا ليقربونا إلى الله زلفى! فقال الله تعالى ذكره لهم: لي ما في السماوات وما في الأرض مع السماوات والأرض ملكاً، فلا تنبغي العبادة لغيري، فلا تعبدوا الأوثان التي تزعمون أنها تقربكم مني زلفى، فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغني عنكم شيئا، ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتخليتي إياه والشفاعة لمن يشفع له، من رسلي وأوليائي وأهل طاعتي.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: أنه المحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن، علما لا يخفى عليه شيء منه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن الحكم: "يعلم ما بين أيديهم"، الدنيا، "وما خلفهم"، الآخرة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبوحذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "يعلم ما بين أيديهم"، ما مضى من الدنيا، "وما خلفهم"، من الآخرة.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج قوله: "يعلم ما بين أيديهم"، ما مضى أمامهم من الدنيا، "وما خلفهم"، ما يكون بعدهم من الدنيا والآخرة.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يعلم ما بين أيديهم"، قال: [وأما] "ما بين أيديهم"، فالدنيا، [وأما]، "وما خلفهم"، فالآخرة.
وأما قوله: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء"، فإنه يعني تعالى ذكره: أنه العالم الذي لا يخفى عليه شيء، محيط بذلك كله، محص له دون سائر من دونه، وأنه لا يعلم أحد سواه شيئا إلا بما شاء هو أن يعلمه، فأراد فعلمه. وإنما يعني بذلك: أن العبادة لا تنبني لمن كان بالأشياء جاهلا، فكيف يعبد من لا يعقل شيئا البتة من وثن وصنم؟! يقول: فأخلصوا العبادة لمن هو محيط بالأشياء كلها، يعلمها، لا يخفى عليه صغيرها وكبيرها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا يحيطون بشيء من علمه"، يقول: لا يعلمون بشيء من علمه، "إلا بما شاء"، هو أن يعلمهم.
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى الكرسي الذي أخبر الله تعالى ذكره في هذه الآية أنه وسع السماوات والأرض.
فقال بعضهم: هو علم الله تعالى ذكره.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب وسلم بن جنادة قالا، حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "وسع كرسيه"، قال: كرسيه علمه.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا مطرف عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله، وزاد فيه: ألا ترى إلى قوله: "ولا يؤوده حفظهما".
وقال آخرون: الكرسي موضع القدمين.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي بن مسلم الطوسي قال، حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال، حدثني أبي قال، حدثني محمد بن جحادة، عن سلمة بن كهيل، عن عمارة بن عمير، عن أبي موسى قال: الكرسي موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل.
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وسع كرسيه السماوات والأرض"، فإن السماوات والأرض في جوف الكرسي، والكرسي بين يدي العرش، وهو موضع قدميه.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر عن الضحاك قوله: "وسع كرسيه السماوات والأرض"، قال: كرسيه الذي يوضع تحت العرش، الذي يجعل الملوك عليه أقدامهم.
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد الزبيري، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين قال: الكرسي موضع القدمين.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، "عن الربيع: "وسع كرسيه السماوات والأرض"، قال: لما نزلت: "وسع كرسيه السماوات والأرض" قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هذا الكرسي وسع السماوات والأرض، فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالى: "وما قدروا الله حق قدره" إلى قوله: "سبحانه وتعالى عما يشركون"" [الزمر: 67].
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "وسع كرسيه السماوات والأرض"، قال ابن زيد: فحدثني أبي قال: "قال رسول صلى الله عليه وسلم: ما السماوات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس" قال، و"قال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض".
وقال آخرون: الكرسي، هو العرش نفسه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير عن جويبر، عن الضحاك قال: كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش.
قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية ما جاء به الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،وهو ما:-
حدثني به عبد الله بن أبي زياد القطواني قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة قال: "أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال: إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع -ثم قال بأصابعه فجمعها- وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد، إذا ركب، من ثقله".
حدثني عبد الله بن أبي زياد قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة، عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة قال: جاءت امرأة، فذكر نحوه.
وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن، فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال: هو علمه. وذلك لدلالة قوله تعالى ذكره: "ولا يؤوده حفظهما" على أن ذلك كذلك. فأخبر أنه لا يؤوده حفظ ما علم وأحاط به مما في السماوات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا في دعائهم: "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما" [غافر: 7]، فأخبر تعالى ذكره: أن علمه ومع كل شيء، فكذلك قوله: "وسع كرسيه السماوات والأرض".
قال أبو جعفر: وأصل الكرسي العلم. ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسة، ومنه قول الراجز في صفة قانص:
حتى إذا ما احتازها تكرسا
يعني علم، ومنه يقال للعلماء الكراسي، لأنهم المعتمد عليهم، كما يقال: أوتاد الأرض، يعني بذلك أنهم العلماء الذين تصلح بهم الأرض، ومنه قول الشاعر:
يحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب
يعني بذلك: علماء بحوادث الأمور ونوازلها، والعرب تسمي أصل كل شيء، الكرس، يقال منه: فلان كريم الكرس، أي كريم الأصل، قال العجاج:
قد علم القدوس مولى القدس أن أبا العباس أولى نفس
بمعدن الملك الكريم الكرس
يعني بذلك: الكريم الأصل، ويروى:
في معدن العز الكريم الكرس
القول في تأويل قوله تعالى: "ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم".
قال أبو جعفر: "ولا يؤوده حفظهما"، ولا يشق عليه ولا يثقله.
يقال منه: قد آدني هذا الأمر فهو يؤودني أوداً وإياداً، ويقال: ما آدك فهو لي آئد، يعني بذلك: ما أثقلك فهو لي مثقل.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "ولا يؤوده حفظهما"، يقول: لا يثقل عليه.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "ولا يؤوده حفظهما"، قال: لا يثقل عليه حفظهما.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "ولا يؤوده حفظهما"، لا يثقل عليه، لا يجهده حفظهما.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن وقتادة في قوله: "ولا يؤوده حفظهما"، قال: لا يثقل عليه شيء.
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "ولا يؤوده حفظهما"، قال: لا يثقل عليه حفظهما.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن أبي زائدة، وحدثنا يحيى بن أبي طالب قال، أخبرنا يزيد، قالا جميعاً، أخبرنا جويبر، عن الضحاك: "ولا يؤوده حفظهما"، قال: لا يثقل عليه.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن عبيد، عن الضحاك، مثله. حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعته -يعني خلاداً- يقول: سمعت أبا عبد الرحمن المديني يقول في هذه الآية: "ولا يؤوده حفظهما"، قالا: لا يكبر عليه.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "ولا يؤوده حفظهما" قال: لا يكرثه.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "ولا يؤوده حفظهما"، قال: لا يثقل عليه.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "ولا يؤوده حفظهما"، يقول: لا يثقل عليه حفظهما.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "ولا يؤوده حفظهما"، قال: لا يعز عليه حفظهما.
قال أبو جعفر: والهاء، والميم والألف في قوله: "حفظهما"، من ذكر "السماوات والأرض". فتأويل الكلام: وسع كرسيه السماوات والأرض، ولا يثقل عليه حفظ السماوات والأرض.
وأما تأويل قوله: "وهو العلي"، فإنه يعني: والله العلي.
والعلي الفعيل من قولك: علا يعلو علواً، إذا ارتفع، فهو عال وعلي، والعلي ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته.
وكذلك قوله: "العظيم"، ذو العظمة الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه، كما:-
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: "العظيم"، الذي قد كمل في عظمته.
قال أبو جعفر: واختلف أهل البحث في معنى قوله: "وهو العلي".
فقال بعضهم: يعني بذلك: وهو العلي عن النظير والأشباه، وأنكروا أن يكون معنى ذلك: وهو العلي المكان. وقالوا: غير جائز أن يخلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلو المكان، لأن ذلك وصفه بأنه في مكان دون مكان.
وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلي على خلقه، بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. لأنه تعالى ذكره فوق جميع خلقه، وخلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه على العرش، فهو عال بذلك عليهم.
وكذلك اختلفوا في معنى قوله: "العظيم".
فقال بعضهم: معنى "العظيم" في هذا الموضع: المعظم، صرف المفعل إلى فعيل، كما قيل للخمر المعتقة، خمر عتيق، كما قال الشاعر:
وكأن الخمر العتيق من الإسـ فنط ممزوجةً بماء زلال
وإنما هي معتقة. قالوا: فقوله: "العظيم"، معناه: المعظم الذي يعظمه خلقه ويهابونه ويتقونه. قالوا: إنما يحتمل قول القائل: هو عظيم، أحد معنيين: أحدهما ما وصفنا من أنه معظم، والآخر أنه عظيم في المساحة والوزن. قالوا: وفي بطول القول بأن يكون معنى ذلك أنه عظيم في المساحة والوزن، صحة القول بما قلنا.
وقال آخرون: بل تأويل قوله: "العظيم"، هو أن له عظمة هي له صفة. وقالوا: لا نصف عظمته بكيفية، ولكنا نضيف ذلك إليه من جهة الإثبات، وننفي عنه أن يكون ذلك على معنى مشابهة العظم المعروف من العباد. لأن ذلك تشبيه له بخلقه، وليس كذلك. وأنكر هؤلاء ما قاله أهل المقالة التي قدمنا ذكرها، وقالوا: لو كان معنى ذلك أنه معظم، لوجب أن يكون قد كان غير عظيم قبل أن يخلق الخلق، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الخلق، لأنه لا معظم له في هذه الأحوال.
وقال آخرون: بل قوله إنه "العظيم"، وصف منه نفسه بالعظم. وقالوا: كل ما دونه من خلقه فبمعنى الصغر، لصغرهم عن عظمته.
قوله تعالى : " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " هذه آية الكرسي سيدة آي القرآن وأعظم آية ، كما تقدم بيانه في الفاتحة ، ونزلت ليلاً ودعا النبي صلى الله عليه وسلم زيداً فكتبها ، روي عن محمد بن الحنفية أنه قال : لما نزلت آية الكرسي خر كل صنم في الدنيا ، وكذلك خر كل ملك في الدنيا وسقطت التجان عن رؤوسهم ، وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس فأخبروه بذلك فأمرهم أن يبحثوا عن ذلك ، فجاءوا إلى المدينة فبلغهم أن آية الكرسي قد نزلت ، وروى الأئمة " عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : يا أبا المنذر أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم ؟ قال قلت : الله لا إله إلا هو الحي القيوم فضرب في صدري وقال : ليهنك العلم يا أبا المنذر "، زاد الترمذي الحكيم أبو عبد الله : " فوالذي نفسي بيده إن لهذه الآية للساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش " ، قال أبو عبد الله : فهذه آية أنزلها الله جل ذكره ، وجعل ثوابها لقارئها عاجلاً وآجلاً ، فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الآفات ، وروي لنا عن نوف البكالي أنه قال : آية الكرسي تدعى في التوراة ولية الله ، يريد يدعى قارئها في ملكوت السموات والأرض عزيزاً ، قال : فكان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوال بيته الأربع ، معناه كأنه يلتمس بذلك أن تكون له حارساً من جوانبه الأربعة ، وأن تنفي عنه الشيطان من زوايا بيته ، وروي عن عمر أنه صارع جنياً فصرعه عمر رضي الله عنه ، فقال له الجني : خل عني حتى أعلمك ما تمتنعون به منا ، فخلى عنه وسأله فقال : إنكم تمتنعون منا بآية الكرسي .
قلت : هذا صحيح ، وفي الخبر : من قرأ الكرسي دبر كل صلاة كان الذي يتولى قبض روحه ذو الجلال والإكرام ، وكان كمن قاتل مع أنبياء الله حتى يستشهد ، و" عن علي رضي الله عنه قال : سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول هو على أعواد المنبر : من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله "، وفي البخاري " عن أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، وذكر قصة وفيها : فقلت يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : ما هي ؟ قلت قال لي : إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح ، وكانوا أحرص شيء على الخير ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قال : لا قال : ذاك الشيطان " ، وفي مسند الدارمي أبي محمد قال الشعبي قال عبد الله بن مسعود : لقي رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي ، فقال له الإنسي : إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريعتيك ذريعتا كلب فكذلك أنت معشر الجن ، أم أنت من بينهم كذلك ؟ قال : لا والله ! إني منهم لضليع ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك ، قال نعم ، فصرعه ، قال : تقرأ آية الكرسي : " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ؟ قال : نعن ، قال : فإنك لا تقرأها في بيت إلا خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار ثم لا يدخله حتى يصبح ، أخرجه أبو نعيم عن أبي عاصم الثقفي عن الشعبي ، وذكره أبو عبيد في غريب حديث عمر حدثناه أبو معاوية عن أبي عاصم الثقفي عن الشعبي عن عبد الله قال : فقيل لعبد الله : أهو عمر ؟ فقال : ما عسى أن يكون إلا عمر ! ، قال أبو محمد الدرامي : الضئيل : الدقيق ، والشخيت : المهزول ، والضليع : جيد الأضلاع ، والخبج : الريح ، وقال أبو عبيدة ، الخبج : الضراط ، وهو الحبج أيضاً بالحاء ، وفي الترمذي عن أبي هريرة قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قرأ حم - المؤمن - إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حافظ بهما حتى يمسي ، ومن قرأهما حين يمسي بهما حتى يصبح " ، قال : حديث غريب وقال أبو عبد الله الترمذي الحكيم : وروى أن المؤمنين ندبوا إلى المحافظة على قراءتها دبر كل صلاة ، " عن أنس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوحى الله إلى موسى عليه السلام من داوم على قراءة آية الكرسي دبر كل صلاة أعطيته فوق ما أعطي الشاكرين وأجر النبيين وأعمال الصديقين وبسطت عليه يميني بالرحمة ولم يمنعه أن أدخله الجنة إلا أن يأتيه ملك الموت ، قال موسى عليه السلام ، يا رب من سمع بهذا لا يداوم عليه ؟ قال : إني لا أعطيه من عبادي إلا لنبي أو صديق أو رجل أحبه أو رجل أريد قتله في سبيلي " ، و" عن أبي بن كعب قال قال الله تعالى : يا موسى من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة أعطيته ثواب الأنبياء " ، قال أبو عبد الله : معناه عندي أعطيته ثواب عمل الأنبياء ، فأما ثوب النبوة فليس لأحد إلا للأنبياء ، وهذه الآية تضمنت التوحيد والصفات العلا ، وهي خمسون كلمة ، وفي كل كلمة خمسون بركة ، وهي تعدل ثلث القرآن ، ورد بذلك الحديث ، ذكره ابن عطية ، و(( الله )) مبتدأ ، و(( لا إله )) مبتدأ ثان وخبره محذوف تقديره معبود أو موجود ، و" إلا هو " بدل من موضع لا إله ، وقيل : " الله لا إله إلا هو " ابتداء وخبر ، وهو مرفوع محمول على المعنى ، أي ما إله إلا هو ، ويجوز في غير القرآن لا إله إلا إياه ، نصب على الاستثناء ، قال أبو ذر في حديثه الطويل : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي آية أنزل الله عليك من القرآن أعظم ؟ فقال : " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " ، وقال ابن عباس : أشرف آية في القرآن آية الكرسي ، قال بعض العلماء : لأنه يكرر فيها اسم الله تعالى بين مضمر وظاهر ثمان عشرة مرة .
" الحي القيوم " نعت لله عز وجل ، وإن شئت كان بدلاً من (( هو )) وإن شئت كان خبراً بعد خبر ، وإن شئت على إضمار مبتدأ ، ويجوز في غير القرآن النصب على المدح ، و(( الحي )) اسم من أسمائه الحسنى يسمى به ، ويقال : إنه اسم الله تعالى الأعظم ، ويقال : إن عيسى ابن مريم عليه السلام كان إذا أراد يحيى الموتى يدعو بهذا الدعاء : يا حي يا قيوم ، ويقال : إن آصف بن برخيا لما أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان دعا بقوله يا حي يا قيوم ، ويقال : إن بني إسرائيل سألوا موسى عن اسم الله الأعظم فقال لهم : أياهيا شراهيا ، يعني يا حي يا قيوم ، ويقال : هو دعاء أهل البحر إذا خافوا الغرق يدعون به ، قال الطبري عن قوم : إنه يقال حي قيوم كما وصف نفسه ، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه ، وقيل : سمى نفسه حياً لصرفه الأمور مصاريفها وتقديره الأشياء مقاديرها ، وقال قتادة : الحي الذي لا يموت ، وقال السدي : المراد بالحي الباقي ، قال لبيد :
فإما تريني اليوم أصبحت سالماً فلست بأحيا من كلاب وجعفر
وقد قيل : إن هذا الإسم هو اسم الله الأعظم " القيوم " من قام ، أي القائم بتدبير ما خلق ، عن قتادة ، وقال الحسن : معناه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها ، من حيث هو عالم بها لا يخفى عليه شيء منها وقال ابن عباس ، معناه الذي لا يحول ولا يزول ، قال أمية بن أبي الصلت :
لم تخلق السماء والنجوم والشمس معها قمر يقوم
قدره مهيمن قيوم والحشر والجنة والنعيم
إلا لأمر شأنه عظيم
قال البيهقي : ورأيت في عيون التفسير لـ إسماعيل الضرير في تفسير القيوم قال : ويقال هو الذي لا ينام ، وكأنه أخذه من قوله عز وجل عقيبه في آية الكرسي : " لا تأخذه سنة ولا نوم " وقال الكلبي : القيوم الذي لا بدء له ، ذكره أبو بكر الأنباري ، وأصل قيوم قيووم اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء ، ولا يكون قيوم فعولاً ، لأنه من الواو فكان يكون قووماً ، قرأ ابن مسعود و علقمة و الأعمش و النخعي (( الحي القيام )) بالألف ، وروي ذلك عن عمر ، ولا خلاف بين أهل اللغة في أن القيوم أعرف عند العرب وأصح بناء وأثبت علة ، والقيام منقول عن القوام إلى القيام ، صرف عن الفعال إلى الفيعال ، كما قيل للصراغ الصياغ ، قال الشاعر :
إن ذا العرش للذي يرزق النا س وحي عليهم قيوم
ثم نفى عز وجل أن تأخذه سنة ولا نوم ، والسنة : النعاس في قول الجميع ، والنعاس ما كان من العين فإذا صار في القلب صار نوماً ، قال عدي بن الرقاع يصف امرأة بفتور النظر :
وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
وفرق المفضل بينهما فقال : السنة من الرأس ، والنعاس في العين ، والنوم في القلب ، وقال ابن زيد : الوسنان الذي يقوم من النوم وهو لا يعقل ، حتى ربما جرد السيف على أهله ، قال ابن عطية : وهذا الذي قاله ابن زيد فيه نظر ، وليس ذلك بمفهوم من كلام العرب ، وقال السدي : السنة : ريح النوم الذي يأخذ في الوجه فينعس الإنسان .
قلت : وبالجملة فهو فتور يعتري الإنسان ولا يفقد معه عقله ، والمراد بهذه الآية أن الله تعالى لا يدركه خلل ولا يلحقه ملل بحال من الأحوال ، والأصل في سنة وسنة حذفت الواو كما حذفت من يسن ، والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن في حق البشر والواو للعطف ، و(( لا )) توكيد .
قلت : والناس يذكرون في هذا الباب " عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى على المنبر قال : وقع في نفس موسى هل ينام الله جل ثناؤه فأرسل الله إليه ملكاً فأرقه ثلاثاً ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما قال فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فينحي إحداهما عن الأخرى حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان - قال - ضرب الله له مثلاً أن لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض " ، ولا يصح هذا الحديث ، ضعفه غير واحد منهم البيهقي .
قوله تعالى : " له ما في السموات وما في الأرض " أي بالملك فهو مالك الجميع وربه ، وجاءت العبارة بـ(( ما )) وإن كان في الجملة من يعقل من حيث المراد الجملة والموجود ، قال الطبري : نزلت هذه الآية لما قال الكفار : ما نعبد أوثاناً إلا ليقربونا إلى الله زلفى .
قوله تعالى : " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " (( من )) رفع بالإبتداء و (( ذا )) خبره ، و (( الذي )) نعت لـ(( ذا )) وإن شئت بدل ، ولا يجوز أن تكون (( ذا )) زائدة كما زيدت مع (( ما )) لأن (( ما )) مبهمة فزيدت (( ذا )) معه لشبهها بها ، وتقرر في هذه الآية أن الله يأذن لمن يشاء في الشفاعة ، وهم الأنبياء والعلماء والمجاهدون والملائكة وغيرهم ممن أكرمهم وشرفهم الله ، ثم لا يشفعون إلا لمن ارتضى ، كما قال : " ولا يشفعون إلا لمن ارتضى " [ الأنبياء : 28 ] ، قال ابن عطية : والذي يظهر أن العلماء والصالحين يشفعون فيمن لم يصل إلى النار وهو بين المنزلتين ، أو وصل ولكن له أعمال صالحة ، وفي البخاري في (( باب بقية من أبواب الرؤية )) : إن المؤمنين يقولون : ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ، وهذه شفاعة فيمن يقرب أمره ، وكما يشفع الطفل المحبنطئ على باب الجنة ، وهذا إنما هو في قراباتهم ومعارفهم ، وإن الأنبياء يشفعون فيمن حصل في النار من عصاة أممهم بذنوب دون قربى ولا معرفة إلا بنفس الإيمان ، ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين في المستغرقين في الخطايا والذنوب الذين لم تعمل فيهم شفاعة الأنبياء ، وأما شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في تعجيل الحساب فخاصة له .
قلت : قد بين مسلم في صحيحه كيفية الشفاعة بياناً شافياً ، وكأنه رحمه الله لم يقرأه وأن الشافعين يدخلون النار ويخرجون منها أناساً استوجبوا العذاب ، فعلى هذا لا يبعد أن يكون للمؤمنين شفاعتان : شفاعة فيمن لم يصل إلى النار ، وشفاعة فيمن وصل إليها ودخلها ، أجارنا الله منها ، فذكر من " حديث أبي سعيد الخدري : ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون اللهم سلم سلم قيل : يا رسول الله وما الجسر ؟ قال : دحض مزلة فيها خطاطيف وكلاليب وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخذوش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار ، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون ، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم ، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ، فيقول عز وجل ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقاً كثيراً ، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به ، ثم يقول ارجوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا به ، ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه ، فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً " ، وكان أبو سعيد يقول : إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم " إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما " [ النساء : 40 ] ، (( فيقول الله تعالى : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً ، وذكر الحديث وذكر من حدث أنس " عن النبي صلى الله عليه وسلم فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله قال ليس ذلك لك أو قال ليس ذلك إليك وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لأخرجن من قال لا إله إلا الله " ، وذكر من حديث أبي هريرة عنه عليه الصلاة والسلام : " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئاً ممن أراد الله تعالى أن يرحمه ممن يقول لا إله إلا الله فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إلا أثر السجود حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود "، الحديث بطوله .
قلت : فدلت هذه الأحاديث على أن شفاعة المؤمنين وغيرهم إنما هي لمن دخل النار وحصل فيها ، أجارنا الله منها ! وقول ابن عطية : (( ممن لم يصل أو وصل )) يحتمل أن يكون أخذه من أحاديث أخر ، والله أعلم ، وقد خرج ابن ماجة في سننه عن أنس بن مالك قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يصف الناس يوم القيامة صفوفاً " ، وقال ابن نمير أهل الجنة ، فيمر الرجل من أهل النار على الرجل فيقول يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك فسقيتك شربة ؟ قال فيشع له ، ويمر الرجل على الرجل فيقول أما تذكر يوم ناولتك طهوراً ؟ فيشفع له ، قال ابن نمير ويقول فلان أما يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك ؟ فيشفع له .
وأما شفاعات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فاختلف فيها ، فقيل ثلاث ، وقيل اثنتان ، وقيل : خمس ، يأتي بيانها في (( سبحان )) إن شاء الله تعالى ، وقد أتينا عليها في كتاب التذكرة والحمد لله .
قوله تعالى : " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " الضميران عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه قوله : " له ما في السموات وما في الأرض " وقال مجاهد : (( ما بين أيديهم )) الدنيا (( وما خلفهم )) الآخرة ، قال ابن عطية : وكل هذا صحيح في نفسه لا بأس به لأن ما بين اليد هو كل ما تقدم الإنسان ، وما خلفه هو كل ما يأتي بعده ، وبنحو قول مجاهد قال السدي وغيره .
قوله تعالى : " ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء " العلم هنا بمعنى المعلوم ، أي ولا يحيطون بشيء من معلوماته ، وهذا كقول الخصر لموسى عليه السلام حين نقر العصفور في البحر : ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر ، فهذا وما شاكله راجع إلى المعلومات ، لأن علم الله سبحانه وتعالى الذي هو صفة ذاته لا يتبعض ، ومعنى الآية معلوم لأحد إلا ما شاء الله أن يعلمه .
قوله تعالى : " وسع كرسيه السموات والأرض " ذكر ابن عساكر في تاريخه عن علي رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة سنة وطول الكرسي حيث لا يعلمه إلا الله " ، وروى حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة ، وهو عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال : بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وبين السابعة وبين الكرسي خمسائمة عام ، وبين الكرسي وبين العرش مسيرة خمسمائة عام ، والعرش فوق الماء والله فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه ،يقال كرسي وكرسي والجمع الكراسي ، وقال ابن عباس : كرسيه علمه ، ورجحه الطبري ، قال : ومنه الكراسة التي تصم العلم ، ومنه قيل للعلماء : الكراسي ، لأنهم المعتمد عليهم ، كما يقال : أوتاد الأرض .
قال الشاعر :
يخف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأحداث حين تنوب
أي علماء بحوادث الأمور ، وقيل : كرسيه قدرته التي يمسك بها السموات والأرض ، كما تقول : اجعل لهذا الحائط كرسياً ، أي ما يعمده ، وهذا قريب من قول ابن عباس في قوله (( وسع كرسيه )) قال البيهقي : وروينا عن ابن مسعود و سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله (( وسع كرسيه )) قال : علمه ، وسائر الروايات عن ابن عباس وغيره تدل على أن المراد في به الكرسي المشهور مع العرش ، وروى إسرائيل عن السدي عن أبي مالك في قوله : (( وسع كرسيه السموات والأرض )) قال : إن الصخرة التي عليها الأرض السابعة ومنتهى الخلق على أرجائها ، عليها أربعة من الملائكة لكل واحد منهم أربعة وجوه : وجه إنسان ووجه أسد ووجه ثور ووجه نسر ، فهم قيام عليها قد أحاطوا بالأرضين والسموات ، ورؤوسهم تحت الكراسي والكرسي تحت العرش والله واضع كرسيه فوق العرش ، قال البيهقي : في هذا إشارة إلى كرسيين : أحدهما تحت العرش ، والآخر موضوع على العرش ، وفي رواية أسباط عن السدي عن أبي مالك ، وعن أبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (( وسع كرسيه السموات والأرض )) فإن السموات والأرض في جوف الكرسي والكرسي بن يدي العرش ، وأرباب الإلحاد يحملونها على عظم الملك وجلالة السلطان ، وينكرون وجود العرش والكرسي وليس بشيء ، وأهل الحق يجيزونهما ، إذ في قدرة الله متسع فيجب الإيمان بذلك ، قال أبو موسى الأشعري : الكرسي موضع القدمين وله أطيط الرحل ، قال البيهقي : قد روينا أيضاً في هذا عن ابن عباس وذكرنا أن معناه فيما يرى أنه موضوع من العرش موضع القدمين من السرير ، وليس فيه إثبات المكان لله تعالى ، و" عن ابن بريدة عن أبيه قال : لما قدم جعفر من الحبشة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أعجب شيء رأيته قال : رأيت امرأة على رأسها مكتل طعام فمر فارس فأذراه فقعدت تجمع طعامعها ، ثم التفتت إليه فقالت له : ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقاً لقولها : (( لا قدست أمة _ أو كيف تقدس أمة - لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها " ، قال ابن عطية : في قوله أبي موسى (( الكرسي موضع القدمين )) يريد هو من عرش الرحمن كموضع القدمين من أسرة الملوك ، فهو مخلوق عظيم بين يدي العرش نسبته إليه كنسبة الكرسي إلى سرير الملك ، وقال الحسن بن أبي الحسن : الكرسي هو العرش نفسه ، وهذا ليس بمرضي ، والذي تقتضيه الأحاديث أن الكرسي مخلوق بين يدي العرش والعرش أعظم منه ، وروى أبو إدريس الخولاني " عن أبي ذر قال : قلت يا رسول الله ، أي ما أنزل الله عليك أعظم ؟ قال : آية الكرسي ثم قلا يا أبا ذر ما السموات السبع مع الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة " ، أخرجه الآجري و أبو حاتم البستي في صحيح مسنده و البيهقي وذكر أنه الصحيح ، وقال مجاهد : ما السموات والأرض في الكرسي إلا بمنزلة حلقة ملقاة في أرض فلاة ، وهذه الآية منبئة عن عظم مخلوقات الله تعالى ، ويستفاد من ذلك عظم الله عز وجل إذ لا يؤده حفظ هذا الأمر العظيم .
و" يؤده " معناه يثقله ، يقال : آدني الشيء بمعنى أثقلني ، وتحملت منه المشقة ، وبهذا فسر اللفظة ابن عباس و الحسن و قتادة وغيرهم ، قال الزجاج : فجائز أن تكون الهاء لله عز وجل ، وجائز أن تكون للكرسي ، وإذا كانت للكرسي ، فهو من أمر الله تعالى .
و " العلي " يراد به علو القدر والمنزلة لا علو المكان ، لأن الله منزه عن التحيز ، وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا : هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أمكان خلقه ، قال ابن عطية ، وهذا قول جهلة مجسمين ، وكان الوجه ألا يحكى ، وعن عبد الرحمن بن قوط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به سمع تسبيحاً في السموات العلى : سبحانه الله العلي الأعلى سبحانه وتعالى ، والعلي والعالي : القاهر الغالب للأشياء ، تقول العرب : علا فلان فلاناً أي غلبه وقهره ، قال الشاعر :
فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
ومنه قوله تعالى : " إن فرعون علا في الأرض " [ القصص : 4 ] ، و" العظيم " صفة بمعنى عظيم القدر والخطر والشرف ، لا على معنى عظم الأجرام ، وحكى الطبري عن قوم أن العظيم معناه المعظم ، كما يقال : العتيق بمعنى المعتق ، وأنشد بيت الأعشى :
فكان الخمر العتيق من الإسـ ـفنط ممزوجة بماء زلال
وحكي عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا : لو كان بمعنى معظم لوجب ألا يكون عظيماً قبل أن يخلق الخلق وبعد فنائهم ، إذ لا معظم له حينئذ .
هذه آية الكرسي, ولها شأن عظيم, وقد صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل آية في كتاب الله. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا سفيان, عن سعيد الجريري, عن أبي السليل, عن عبد الله بن رباح, عن أبي هو ابن كعب, أن النبي صلى الله عليه وسلم, سأله "أي آية في كتاب الله أعظم ؟ قال الله ورسوله أعلم, فرددها مراراً, ثم قال: آية الكرسي, قال "ليهنك العلم أبا المنذر, والذي نفسي بيده, إن لها لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش" وقد رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى, عن الجريري به, وليس عنده زيادة: والذي نفسي بيده الخ.
(حديث آخر) عن أبي أيضاً في فضل آية الكرسي, قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي, حدثنا مبشر عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن عبدة بن أبي لبابة, عن عبد الله بن أبي بن كعب, أن أباه أخبره أنه كان له جرن فيه تمر , قال: فكان أبي يتعاهده, فوجده ينقص, قال: فحرسه ذات ليلة, فإذا هو بدابة شبيه الغلام المحتلم, قال: فسلمت عليه, فرد السلام, قال: فقلت: ما أنت ؟ جني أم أنسي ؟ قال: جني. قال: ناولني يدك, قال فناولني يده, فإذا يد كلب وشعر كلب, فقلت: هكذا خلق الجن . قال: لقد علمت الجن ما فيهم أشد مني. قلت: فما حملك على ما صنعت ؟ قال: بلغني أنك رجل تحب الصدقة, فأحببنا أن نصيب من طعامك. قال: فقال له أبي: فما الذي يجيرنا منكم ؟ قال: هذه الاية, آية الكرسي, ثم غدا إلى النبي فأخبره, فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق الخبيث" وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث أبي داود الطيالسي, عن حرب بن شداد, عن يحيى بن أبي كثير, عن الحضرمي بن لاحق, عن محمد بن عمرو بن أبي بن كعب, عن جده به, وقال الحاكم: صحيح الإسناد, ولم يخرجاه.
(طريق آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا عثمان بن غياث, قال: سمعت أبا السليل, قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يحدث الناس حتى يكثروا عليه, فيصعد على سطح بيت, فيحدث الناس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله: "أي آية في القرآن أعظم ؟" فقال رجل "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قال: فوضع يده بين كتفي, فوجدت بردها بين ثديي, أو قال: فوضع يده بين ثديي فوجدت بردها بين كتفي, وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر .
(حديث آخر) عن الأسقع البقري. قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو زيد القرطيسي, حدثنا يعقوب بن أبي عباد المكي, حدثنا مسلم بن خالد, عن ابن جريج, أخبرني عمر بن عطاء أن مولى ابن الأسقع رجل صدق, أخبره عن الأسقع البكري, أنه سمعه يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين, فسأله إنسان: أي آية في القرآن أعظم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم " الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم " حتى انقضت الاية.
(حديث آخر) ـ عن أنس ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن الحارث, حدثني سلمة بن وردان, أن أنس بن مالك, حدثه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل رجلاً من صحابته, فقال أي فلان هل تزوجت ؟ قال: لا , وليس عندي ما أتزوج به, قال أو ليس معك قل هو الله أحد ؟ قال: بلى, قال ربع القرآن. قال أليس معك قل يا أيها الكافرون ؟ قال: بلى. قال: ربع القرآن. أليس معك إذا زلزلت ؟ قال: بلى. قال ربع القرآن قال أليس معك إذا جاء نصر الله ؟ قال: بلى. قال ربع القرآن. قال أليس معك آية الكرسي الله لا إله إلا هو الحي القيوم قال بلى. قال ربع القرآن".
(حديث آخر) عن أبي ذر جندب بن جنادة. قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع بن الجراح, حدثنا المسعودي, أنبأني أبو عمر الدمشقي, عن عبيد الخشخاش, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد فجلست, فقال "يا أبا ذر , هل صليت ؟ قلت: لا . قال قم فصل. قال: فقمت فصليت, ثم جلست, فقال يا أبا ذر تعوذ بالله من شر شياطين الإنس والجن. قال: قلت: يا رسول الله, أو للإنس شياطين ؟ قال: نعم, قال قلت: يا رسول الله الصلاة ؟ قال خير موضوع, من شاء أقل, ومن شاء أكثر قال: قلت: يا رسول الله فالصوم ؟ قال فرض مجزي وعند الله مزيد قلت: يا رسول الله فالصدقة ؟ قال أضعاف مضاعفة. قلت: يا رسول الله, فأيها أفضل ؟ قال: جهد من مقل, أوسر إلى فقير قلت: يا رسول الله, أي الأنبياء كان أول ؟ قال: آدم قلت: يا رسول الله, ونبي كان ؟ قال: نعم نبي مكلم قلت: يا رسول الله, كم المرسلون ؟ قال: ثلاثمائة وبضعة عشر جماً غفيراً, وقال مرة وخمسة عشر قلت: يا رسول الله, أي ما أنزل عليك أعظم ؟ قال: آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم" " ورواه النسائي.
(حديث آخر) عن أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه وأرضاه. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان عن ابن أبي ليلى, عن أخيه عبد الرحمن بن أبي ليلى, "عن أبي أيوب, أنه كان في سهوة له, وكانت الغول تجيء فتأخذ, فشكاها إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال فإذا رأيتها فقل باسم الله, أجيبي رسول الله. قال: فجاءت, فقال لها, فأخذها, فقالت: إني لا أعود , فأرسلها، فجاء فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك ؟ قال: أخذتها, فقالت: إني لا أعود, فأرسلتها, فقال: إنها عائدة, فأخذتها مرتين أو ثلاثاً كل ذلك تقول: لا أعود, فيقول إنها عائدة, فأخذتها, فقالت: أرسلني, وأعلمك شيئاً تقوله فلا يقربك شيء, آية الكرسي, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم. فأخبره, فقال "صدقت وهي كذوب". ورواه الترمذي في فضائل القرآن عن بندار عن أبي أحمد الزبيري به, وقال حسن غريب. والغول في لغة العرب: الجان إذا تبدى في الليل.
وقد ذكر البخاري هذه القصة عن أبي هريرة, فقال في كتاب فضائل القرآن, وفي كتاب الوكالة, وفي صفة إبليس من صحيحه, قال عثمان بن الهيثم أبو عمرو: حدثنا عوف عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة, قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان, فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام, أخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة, قال: فخليت عنه فأصبحت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ قال: قلت يا رسول الله, شكا حاجة شديدة وعيالاً, فرحمته وخليت سبيله, قال أما إنه قد كذبك وسيعود فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود فرصدته, فجاء يحثو الطعام, فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فأنا محتاج وعلي عيال, لا أعود. فرحمته وخليت سبيله, فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم, يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت: يا رسول الله, شكا حاجة وعيالاً, فرحمته وخليت سبيله. قال أما أنه قد كذبك وسيعود, فرصدته الثالثة, فجاء يحثو من الطعام, فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا آخر ثلاث مرات أنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود, فقال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها, قلت: وما هي ؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم" حتى تختم الاية, فإنك لن يزال عليك من الله حافظ , ولا يقربك شيطان حتى تصبح. فخليت سبيله, فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل أسيرك البارحة ؟ قلت: يا رسول الله, زعم أنه يعلمني كلمات ينفعي الله بها, فخليت سبيله. قال وما هي ؟ قال لي: إذا أويت إلى فراشك, فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الاية " الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وقال لي: لا يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح, وكانوا أحرص شيء على الخير , فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما صدقك وهو كذوب, تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة ؟ قلت: لا . قال ذاك شيطان". كذا رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم, وقد رواه النسائي في اليوم والليلة عن إبراهيم بن يعقوب, عن عثمان بن الهيثم, فذكره وقد روي من وجه آخر عن أبي هريرة بسياق آخر قريب من هذا, فقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسيره: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرويه الصفار, حدثنا أحمد بن زهير بن حرب, أنبأنا مسلم بن إبراهيم, أنبأنا إسماعيل بن مسلم العبدي, أنبأنا أبو المتوكل الناجي, أن أبا هريرة كان معه مفتاح بيت الصدقة, وكان فيه تمر , فذهب يوماً ففتح الباب, فوجد التمر قد أخذ منه ملء كف, ودخل يوماً آخر فإذا قد أخذ منه ملء كف, ثم دخل يوماً آخر ثالثاً, فإذا قد أخذ منه مثل ذلك, فشكا ذلك أبو هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تحب أن تأخذ صاحبك هذا؟ قال: نعم. قال فإذا فتحت الباب فقل سبحان من سخرك محمد. فذهب ففتح الباب فقال سبحان من سخرك محمد فإذا هو قائم بين يديه, قال: يا عدو الله, أنت صاحب هذا. قال: نعم, دعني فإني لا أعود, ما كنت آخذاً إلا لأهل بيت من الجن فقراء, فخلى عنه, ثم عاد الثانية, ثم الثالثة, فقلت: أليس قد عاهدتني ألا تعود ؟ لا أدعك اليوم حتى أذهب بك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, قال لا تفعل, فإنك إن تدعني علمتك كلمات إذا أنت قلتها, لم يقربك أحد من الجن صغير ولا كبير, ذكر ولا أنثى, قال له: لتفعلن ؟ قال: نعم. قال: ما هن ؟ قال " الله لا إله إلا هو الحي القيوم" قرأ آية الكرسي حتى ختمها, فتركه فذهب فلم يعد, فذكر ذلك أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أن ذلك كذلك" وقد رواه النسائي عن أحمد بن محمد بن عبيد الله, عن شعيب بن حرب, عن إسماعيل بن مسلم, عن أبي المتوكل, عن أبي هريرة به, وقد تقدم لأبي بن كعب كائنة مثل هذه أيضاً, فهذه ثلاث وقائع.
(قصة أخرى) قال أبو عبيد في كتاب الغريب: حدثنا أبو معاوية, عن أبي عاصم الثقفي, عن الشعبي, عن عبد الله بن مسعود قال: خرج رجل من الإنس, فلقيه رجل من الجن فقال: هل لك أن تصارعني ؟ فإن صرعتني علمتك آية إذا قرأتها حين تدخل بيتك لم يدخله شيطان, فصارعه فصرعه, فقال: إني أراك ضئيلاً شخيتاً, كأن ذراعيك ذراعا كلب, أفهكذا أنتم أيها الجن كلكم, أم أنت من بينهم ؟ فقال: إني بينهم لضليع, فعاودني فصارعه فصرعه الأنسي فقال: تقرأ آية الكرسي فإنه لا يقرؤها أحد إذا دخل بيته إلا خرج الشيطان وله خبخ كخبخ الحمار , فقيل لابن مسعود: أهو عمر ؟ فقال من عسى أن يكون إلا عمر , قال أبو عبيد: الضئيل النحيف الجسم, والخيخ بالخاء المعجمة, ويقال بالحاء المهملة الضراط .
(حديث آخر) عن أبي هريرة. قال الحاكم أبو عبد الله في مستدركه: حدثنا علي بن حمشان, حدثنا سفيان حدثنا بشر بن موسى, حدثنا الحميدي, حدثنا حكيم بن جبير الأسدي, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن, لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه: آية الكرسي", وكذا رواه من طريق آخر عن زائدة, عن حكيم بن جبير, ثم قال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه, كذا قال, وقد رواه الترمذي من حديث زائدة, ولفظه "لكل شيء سنام, وسنام القرآن سورة البقرة, وفيها آية هي سيدة آي القرآن: آية الكرسي" ثم قال: غريب, لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير, وقد تكلم فيه شعبة وضعفه. (قلت) وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين, وغير واحد من الأئمة, وتركه ابن مهدي وكذبه السعدي.
(حديث آخر) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن نافع, أخبرنا عيسى بن محمد المروزي, أخبرنا عمر بن محمد البخاري, أخبرنا عيسى بن غنجار , عن عبد الله بن كيسان, حدثنا يحيى, أخبرنا بن عقيل, عن يحيى بن يعمر عن ابن عمر , عن عمر بن الخطاب: أنه خرج ذات يوم إلى الناس وهم سماطات فقال: أيكم يخبرني بأعظم آية في القرآن. فقال ابن مسعود على الخبير سقطت, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أعظم آية في القرآن "الله لا إله إلا هو الحي القيوم".
(حديث آخر) في اشتماله على اسم الله الأعظم قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر, أنبأنا عبد الله بن زياد, حدثنا شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد بن السكن, قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الايتين "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" و " الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم " "إن فيهما اسم الله الأعظم" وكذا رواه أبو داود, عن مسدد والترمذي, عن علي بن خشرم وابن ماجه, عن أبي بكر بن أبي شيبة, ثلاثتهم عن عيسى بن يونس, عن عبيد الله بن أبي زياد به, وقال الترمذي: حسن صحيح.
(حديث آخر) في معنى هذا, عن أمامة رضي الله عنه, قال ابن مردويه: أخبرنا عبد الله بن نمير , أخبرنا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل, أخبرنا هشام بن عمار, أنبأنا الوليد بن مسلم, أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زيد, أنه سمع القاسم بن عبد الرحمن يحدث عن أبي أمامة يرفعه, قال "اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في ثلاث: سورة البقرة, وآل عمران وطه" وقال هشام وهو ابن عمار خطيب دمشق أما البقرة و "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" وفي آل عمران " الم * الله لا إله إلا هو الحي القيوم " وفي طه "وعنت الوجوه للحي القيوم".
(حديث آخر) عن أبي أمامة في فضل قراءتها بعد الصلاة المكتوبة, قال أبو بكر بن مردويه: حدثنا محمد بن محرز بن مساور الأدمي, أخبرنا جعفر بن محمد بن الحسن, أخبرنا الحسين بن بشر بطرسوس, أخبرنا محمد بن حمير, أخبرنا محمد بن زياد, عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ دبر كل صلاة مكتوبة آية الكرسي, لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة, عن الحسين بن بشر به, وأخرجه ابن حبان في صحيحه, من حديث محمد بن حمير وهو الحمصي, من رجال البخاري أيضاً, فهو إسناد على شرط البخاري, وقد زعم أبو الفرج بن الجوزي, أنه حديث موضوع, والله أعلم. وقد روى ابن مردويه من حديث علي والمغيرة بن شعبة وجابر بن عبد الله, نحو هذا الحديث, ولكن في إسناد كل منهما ضعف. وقال ابن مردويه أيضاً: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقري, أخبرنا يحيى بن درستويه المروزي, أخبرنا زياد بن إبراهيم, أخبرنا أبو حمزة السكري, عن المثنى, عن قتادة, عن الحسن, عن أبي موسى الأشعري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أوحى الله إلى موسى بن عمران عليه السلام أن اقرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة, فإنه من يقرؤها في دبر كل صلاة مكتوبة, أجعل له قلب الشاكرين, ولسان الذاكرين, وثواب النبيين, وأعمال الصديقين, ولا يواظب على ذلك إلا نبي أو صديق أو عبد امتحنت قلبه للإيمان, أو أريد قتله في سبيل الله" وهذا حديث منكر جداً.
(حديث آخر) في أنها تحفظ من قرأها في أول النهار وأول الليل. قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا يحيى بن المغيرة أبو سلمة المخزومي المديني, أخبرنا ابن أبي فديك. عن عبد الرحمن المليكي, عن زرارة بن مصعب, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ: "حم" المؤمن إلى "إليه المصير" وآية الكرسي, حين يصبح, حفظ بهما حتى يمسي, ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح" ثم قال: هذا حديث غريب, وقد تكلم بعض أهل العلم في عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي مليكة المليكي, من قبل حفظه.
وقد ورد في فضلها أحاديث أخر, تركناها اختصاراً لعدم صحتها وضعف أسانيدها كحديث علي في قراءتها عند الحجامة, إنها تقوم مقام حجامتين. وحديث أبي هريرة في كتابتها في اليد اليسرى بالزعفران سبع مرات, وتلحس للحفظ وعدم النسيان, أوردهما ابن مردويه, وغير ذلك.
وهذه الاية مشتملة على عشر جمل مستقلة
فقوله "الله لا إله إلا هو" إخبار بأنه المتفرد بالإلهية لجميع الخلائق "الحي القيوم" أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً, القيم لغيره. وكان عمر يقرأ القيام, فجميع الموجودات مفتقرة إليه, وهو غني عنها, لا قوام لها بدون أمره, كقوله "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره" وقوله "لا تأخذه سنة ولا نوم" أي لايعتريه نقص ولا غفلة ولا ذهول عن خلقه, بل هو قائم على كل نفس بما كسبت, شهيد على كل شيء, لا يغيب عنه شيء, ولا يخفى عليه خافية, ومن تمام القيومية أنه لا يعتريه سنة ولا نوم, فقوله "لا تأخذه" أي لا تغلبه سنة وهي الوسن والنعاس, ولهذا قال: ولا نوم لأنه أقوى من السنة. وفي الصحيح عن أبي موسى, قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات, فقال "إن الله لا ينام, ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل, وعمل الليل قبل عمل النهار , حجابه النور أو النار, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر, أخبرني الحكم بن أبان, عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله "لا تأخذه سنة ولا نوم" أن موسى عليه السلام سأل الملائكة: هل ينام الله عز وجل ؟ فأوحى الله تعالى إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثاً, فلا يتركوه ينام, ففعلوا, ثم أعطوه قارورتين فأمسكهما, ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما, قال: فجعل ينعس وهما في يده, وفي كل يد واحدة, قال: فجعل ينعس وينبه, وينعس وينبه, حتى نعس نعسة, فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما, قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله عز وجل, يقول فكذلك السموات والأرض في يده, وهكذا رواه ابن جرير, عن الحسن بن يحيى, عن عبد الرزاق فذكره, وهو من أخبار بني إسرائيل, وهو مما يعلم أن موسى عليه السلام لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل, وأنه منزه عنه, وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل. حدثنا هشام بن يوسف, عن أمية بن شبل, عن الحكم بن أبان, عن عكرمة, عن أبي عكرمة عن أبي هريرة, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي عن موسى عليه السلام على المنبر, قال "وقع في نفس موسى: هل ينام الله ؟ فأرسل إليه ملكاً فأرقه ثلاثاً, ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة, وأمره أن يحتفظ بهما قال: فجعل ينام, وكادت يداه تلتقيان, فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى, حتى نام نومة, فاصطفقت يداه, فانكسرت القارورتان, ـ قال ـ ضرب الله عز وجل مثلاً, أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض" وهذا حديث غريب جداً, والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع, والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية, حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي, حدثني أبي عن أبيه, حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى, هل ينام ربك ؟ قال: اتقوا الله, فناداه ربه عز وجل يا موسى, سألوك هل ينام ربك, فخذ زجاجتين في يديك, فقم الليلة, ففعل موسى, فلما ذهب من الليل ثلث نعس, فوقع لركبتيه, ثم انتعش فضبطهما, حتى إذا كان آخر الليل نعس, فسقطت الزجاجتان فانكسرتا, فقال: يا موسى, لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكت كما هلكت الزجاجتان في يديك. فأنزل الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الكرسي.
وقوله "له ما في السموات وما في الأرض" إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه, وتحت قهره وسلطانه, كقوله " إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ".
وقوله "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" كقوله "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" وكقوله "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه عز وجل, أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع لأحد عنده إلا بإذنه له في الشفاعة, كما في حديث الشفاعة: "آتي تحت العرش فأخر ساجداً, فيدعني ما شاء الله أن يدعني. ثم يقال: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع ـ قال ـ فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة".
وقوله: "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات, ماضيها وحاضرها ومستقبلها, كقوله إخباراً عن الملائكة " وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا ".
وقوله: "ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء" أي لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله عز وجل وأطلعه عليه. ويحتمل أن يكون المراد لا يطلعون على شيء من علم ذاته وصفاته, إلا بما أطلعهم الله عليه, كقوله: "ولا يحيطون به علماً".
وقوله: "وسع كرسيه السموات والأرض", قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا ابن إدريس عن مطرف بن طريف, عن جعفر بن أبي المغيرة, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, في قوله: "وسع كرسيه السموات والأرض" قال: علمه, وكذا رواه ابن جرير من حديث عبد الله بن إدريس وهشيم, كلاهما عن مطرف بن طريف به, قال ابن أبي حاتم: وروي عن سعيد بن جبير مثله, ثم قال ابن جرير: وقال آخرون الكرسي موضع القدمين, ثم رواه عن أبي موسى والسدي والضحاك ومسلم البطين. وقال شجاع بن مخلد في تفسيره: أخبرنا أبو عاصم, عن سفيان, عن عمار الذهبي, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله عز وجل "وسع كرسيه السموات والأرض" ؟ قال "كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل" كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس, فذكره وهو غلط , وقد رواه وكيع في تفسيره, حدثنا سفيان عن عمار الذهبي, عن مسلم البطين, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, قال: الكرسي موضع القدمين, والعرش لا يقدر أحد قدره. وقد رواه الحاكم في مستدركه عن أبي العباس محمد بن أحمد المحبوبي, عن محمد بن معاذ, عن أبي عاصم, عن سفيان, وهو الثوري بإسناده عن ابن عباس موقوفاً مثله, وقال: صحيح على شرط الشيخين, ولم يخرجاه. وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الغزاري الكوفي, وهو متروك عن السدي, عن أبيه, عن أبي هريرة, مرفوعاً ولا يصح أيضاً. وقال السدي, عن أبي مالك: الكرسي تحت العرش: وقال السدي: السموات والأرض في جوف الكرسي, والكرسي بين يدي العرش. وقال الضحاك عن ابن عباس: لو أن السموات السبع والأرضين السبع, بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض, ما كن في سعة الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة, ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وقال ابن جرير: حدثني يونس, أخبرني ابن وهب قال: قال ابن زيد: حدثني أبي قال: قال رسول الله "ما السموات السبع في الكرسي إلا كدراهم سبعة ألقيت في ترس" قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاة من الأرض".
وقال أبو بكر بن مردويه: أخبرنا سليمان بن أحمد, أخبرنا عبد الله بن وهيب المقري, أخبرنا محمد بن أبي السري العسقلاني, أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي, عن القاسم بن محمد الثقفي, عن أبي إدريس الخولاني, عن أبي ذر الغفاري, أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكرسي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي, إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة, وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة", وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده. حدثنا زهير, حدثنا ابن أبي بكر, حدثنا إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عبد الله بن خليفة, عن عمر رضي الله عنه, قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة, قال: فعظم الرب تبارك وتعالى, وقال: "إن كرسيه وسع السموات والأرض وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من ثقله" وقد رواه الحافظ البزار في مسنده المشهور وعبد بن حميد وابن جرير في تفسيريهما, والطبراني وابن أبي عاصم في كتابي السنة لهما, والحافظ الضياء في كتابه المختار من حديث أبي إسحاق السبيعي, عن عبد الله بن خليفة, وليس بذاك المشهور, وفي سماعه من عمر نظر. ثم منهم من يرويه عنه عن عمر موقوفاً, ومنهم من يرويه عنه مرسلاً, ومنهم من يزيد في متنه زيادة غريبة, ومنهم من يحذفها. وأغرب من هذا حديث جبير بن مطعم في صفة العرش كما رواه أبو داود في كتابه السنة من سننه, والله أعلم. وقد روى ابن مردويه وغيره أحاديث عن بريدة وجابر وغيرهما في وضع الكرسي يوم القيامة لفصل القضاء, والظاهر أن ذلك غير المذكور في هذه الاية, وقد زعم بعض المتكلمين على علم الهيئة من الإسلاميين, إن الكرسي عندهم هو الفلك الثامن, وهو فلك الثوابت الذي فوقه الفلك التاسع, وهو الفلك الأثير ويقال له الأطلس, وقد رد ذلك عليهم آخرون وروى ابن جرير من طريق جويبر عن الحسن البصري أنه كان يقول: الكرسي هو العرش, والصحيح أن الكرسي غير العرش, والعرش أكبر منه, كما دلت على ذلك الاثار والأخبار, وقد اعتمد ابن جرير على حديث عبد الله بن خليفة عن عمر في ذلك, وعندي في صحته نظر, والله أعلم.
وقوله: " ولا يؤوده حفظهما " أي لا يثقله ولا يكرثه حفظ السموات والأرض, ومن فيهما, ومن بينهما, بل ذلك سهل عليه, يسير لديه, وهو القائم على كل نفس بما كسبت, الرقيب على جميع الأشياء, فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء, والأشياء كلها حقيرة بين يديه, الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون, وهو القاهر لكل شيء, الحسيب على كل شيء, الرقيب العلي العظيم, لا إله غيره, ولا رب سواه, فقوله: "وهو العلي العظيم" كقوله: " الكبير المتعال " وهذه الايات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح, أمروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.
قوله: 255- "لا إله إلا هو" أي لا معبود بحق إلا هو، وهذه الجملة خبر المبتدأ. والحي: الباقي، وقيل: الذي لا يزول ولا يحول، وقيل: المصرف للأمور والمقدر للأشياء. قال الطبري عن قوم إنه يقال حي كما وصف نفسه، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه، وهو خبر ثان ومبتدأ محذوف. والقيوم القائم على كل نفس بما كسبت، وقيل: القائم بذاته المقيم لغيره، وقيل: القائم بتدبير الخلق وحفظه، وقيل: هو الذي لا ينام، وقيل: الذي لا بديل له. وأصل قيوم قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء. وقرأ ابن مسعود وعلقمة والنخعي والأعمش الحي القيام بالألف، وروي ذلك عن عمر، ولا خلاف بين أهل اللغة أن القيوم أعرف عند العرب وأصح بناء، وأثبت علة. والسنة: النعاس في قول الجمهور، والنعاس: ما يتقدم النوم من الفتور وانطباق العينين، فإذا صار في القلب صار نوماً. وفرق المفصل بين السنة والنعاس والنوم فقال: السنة من الرأس، والنعاس في العين، والنوم في القلب انتهى. والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم أن السنة لا يفقد معها العقل، بخلاف النوم فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل، بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر، والمراد أنه لا يعتريه سبحانه شيء منهما، وقدم السنة على النوم، لكونها تتقدمه في الوجود. قال الرازي في تفسيره: إن السنة ما تتقدم النوم، فإذا كانت عبارة عن مقدمة النوم، فإذا قيل: لا تأخذه سنة دل على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى، فكان ذكر النوم تكراراً، قلنا: تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلاً عن أن يأخذه نوم، والله أعلم بمراده انتهى. وأقول: إن هذه الأولولية التي ذكرها غير مسلمة، فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس. وإذا ورد على القلب والعين دفعة واحدة فإنه قال له نوم، ولا يقال له سنة، فلا يستلزم نفي السنة نفي النوم. وقد ورد عن العرب نفيهما جميعاً، ومنه قول زهير:
ولا سنة طوال الدهر تأخذه ولا ينام وما في أمره فند
فلم يكتف بنفي السنة، وأيضاً فإن الإنسان يقدر على أن يدفع عن نفسه السنة، ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه النوم، فقد يأخذه النوم ولا تأخذه السنة، فلو وقع الاقتصار في النظم القرآني على نفي السنة لم يفد ذلك نفي النوم، وهكذا لو وقع الاقتصار على نفي النوم لم يفد نفي السنة، فكم من ذي سنة غير نائم، وكرر حرف النفي للتنصيص على شمول النفي لكل واحد منهما. قوله: "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه" في هذا الاستفهام من الإنكار على من يزعم أن أحداً من عباده يقدر على أن ينفع أحداً منهم بشفاعة أو غيرها والتقريع والتوبيخ له ما لا مزيد عليه، وفيه من الدفع في صدور عباد القبور والصد في وجوههم والفت في أعضادهم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه، والذي يستفاد منه فوق ما يستفاد من قوله تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" وقوله تعالى: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى" وقوله تعالى: "لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن" بدرجات كثيرة. وقد بينت الأحاديث الصحيحة الثابتة في دواوين الإسلام صفة الشفاعة، ولمن هي، ومن يقوم بها. قوله: "يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" الضميران لما في السموات والأرض بتغليب العقلاء على غيرهم، وما بين أيديهم وما خلفهم عبارة عن المتقدم عليهم والمتأخر عنهم، أو عن الدنيا والآخرة وما فيهما. قوله: "ولا يحيطون بشيء من علمه" قد تقدم معنى الإحاطة، والعلم هنا بمعنى المعلوم: أي لا يحيطون بشيء من معلوماته. قوله: "وسع كرسيه" الكرسي الظاهر أنه الجسم الذي وردت الآثار بصفته كما سيأتي بيان ذلك. وقد نفى ودوده جماعة من المعتزلة، وأخطئوا في ذلك خطأ بيناً، وغلطوا غلطاً فاحشاً. وقال بعض السلف: إن الكرسي هنا عبارة عن العلم. قالوا: ومنه قيل للعلماء الكراسي، ومنه الكراسة التي يجمع فيها العلم، ومنه قول الشاعر:
تحف بهم بيض الوجوه وعصبة كراسي بالأخبار حين تنوب
ورجح هذا القول ابن جرير الطبري، وقيل كرسيه: قدرته التي يمسك بها السموات والأرض، كما يقال: اجعل لهذا الحائط كرسياً: أي ما يعمده، وقيل: إن الكرسي هو العرش، وقيل: هو تصوير لعظمته ولا حقيقة له، وقيل: هو عبارة عن الملك. والحق القول الأول، ولا وجه للعدول عن المعنى الحقيقي إلا مجرد خيالات تسببت عن جهالات وضلالات، والمراد بكونه وسع السموات والأرض أنها صارت فيه وأنه وسعها ولم يضق عنها لكونه بسيطاً واسعاً. وقوله: "ولا يؤوده حفظهما" معناه لا يثقله ثقالة أدنى الشيء، بمعنى أثقلني وتحملت منه مشقة. وقال الزجاج: يجوز أن يكون الضمير في قوله: "يؤوده" لله سبحانه، ويجوز أن يكون للكرسي لأنه من أمر الله " العلي " يراد به علو القدرة والمنزلة. وحكى الطبري عن قوم أنهم قالوا: هو العلي عن خلقه بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه. قال ابن عطية: وهذه أقوال جهلة مجسمين، وكان الواجب أن لا تحكى انتهى. والخلاف في إثبات الجهة معروفة، ولكن الناشئ على مذهب يرى غيره خارجاً عن الشرع ولا ينظر في أدلته ولا يلتفت إليها، والكتاب والسنة هما المعيار الذي يعرف به الحق من الباطل، ويتبين به الصحيح من الفاسد "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض" ولا شك أن هذا اللفظ يطلق على الظاهر الغالب كما في قوله: "إن فرعون علا في الأرض" وقال الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهم تركناهم صرعى لنسر وكاسر
والعظيم بمعنى عظم شأنه وخطره. قال في الكشاف: إن الجملة الأولى بيان لقيامه بتدبير الخلق وكونه مهيمناً عليه غير ساه عنه. والثانية بيان لكونه مالكاً لما يدبره. والجملة الثالثة بيان لكبرياء شأنه. والجملة الرابعة بيان لإحاطته بأحوال الخلق وعلمه بالمرتضى منهم المستوجب للشفاعة وغير المرتضى. والجملة الخامسة بيان لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات كلها، أو لجلاله وعظم قدره.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم في قوله: "الحي" أي حي لا يموت " القيوم " القائم الذي لا بديل له. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي عن مجاهد في قوله: "القيوم" قال: القائم على كل شيء. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: القيوم الذي لا زوال له. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "لا تأخذه سنة ولا نوم" قال: السنة النعاس، والنوم هو النوم. وأخرجوا إلا البيهقي عن السدي قال: السنة ريح النوم الذي تأخذه في الوجه فينعس الإنسان. وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: "يعلم ما بين أيديهم" قال: ما مضى من الدنيا "وما خلفهم" من الآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس "ما بين أيديهم" ما قدموا من أعمالهم "وما خلفهم" ما أضاعوا من أعمالهم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: "وسع كرسيه" قال: علمه، ألا ترى إلى قوله: "ولا يؤوده حفظهما". وأخرج الدارقطني في الصفات والخطيب في تاريخه عنه قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله "وسع كرسيه" قال: كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل". وأخرجه الحاكم وصححه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ والبيهقي عن أبي موسى الأشعري مثله موقوفاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لو أن السموات السبع والأرضين السبع بسطن ثم وصلن بعضهن إلى بعض ما كن في سعته: يعني الكرسي إلا بمنزلة الحلقة في المفازة. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن أبي ذر الغفاري: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكرسي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما السموات السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة". وأخرج عبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن جرير وأبو الشيخ والطبراني والضياء المقدسي في المختارة عن عمر قال: "أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب سبحانه وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من ثقله" وفي إسناده عبد الله بن خليفة وليس بالمشهور. وفي سماعه من عمر نظر، ومنهم من يرويه عن عمر موقوفاً. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة مرفوعاً: أنه موضع القدمين. وفي إسناده الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك. وقد ورد عن جماعة من السلف من الصحابة وغيرهم في وصف الكرسي آثار لا حاجة في بسطها. وقد روى أبو داود في كتاب السنة من سننه من حديث جبير بن مطعم حديثاً في صفته، وكذلك أورد ابن مردويه عن بريدة وجابر وغيرهما. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ولا يؤوده حفظهما" قال: لا يثقل عليه. وأخرج ابن أبي حاتم عنه "ولا يؤوده" قال: ولا يكثره. وأخرج ابن جرير عنه قال: العظيم الذي قد كمل في عظمته.
واعلم أنه قد ورد في فضل هذه الآية أحاديث. فأخرج أحمد ومسلم واللفظ له عن أبي بن كعب "أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أي آية من كتاب الله أعظم؟ قال: آية الكرسي، قال: ليهنك العلم أبا المنذر". وأخرج النسائي وأبو يعلى وابن حبان وأبو الشيخ في العظمة والطبراني والحاكم وصححه عن أبي بن كعب: أنه كان له جرن فيه تمر، فكان يتعاهده، فوجده ينقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بداية شبه الغلام المحتلم، قال: فسلمت فرد السلام، فقلت: ما أنت، جني أم إنسي؟ قال: جني، قلت: ناولني يدك، فناولني فإذا يده يد كلب وشعره شعر كلب، فقلت: هكذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني، قلت: ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك رجل تحب الصدقة فأحببنا أن نصيب من طعامك، فقال له أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية آية الكرسي التي في سورة البقرة "من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي- فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: صدق الخبيث". وأخرج البخاري في تاريخه والطبراني وأبو نعيم في المعرفة بسند رجاله ثقات عن ابن الأسقع البكري "أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءهم في صفة المهاجرين، فسأله إنسان أي آية في القرآن آعظم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم" حتى انقضت الآية". وأخرج أحمد من حديث أبي ذر مرفوعاً نحوه. وأخرج الخطيب البغدادي في تاريخه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً. وأخرج الدارمي عن أنفع بن عبد الله الكلاعي نحوه. وأخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آت فجعل يحثو وذكر قصة، وفي آخرها أنه قال له: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح- فأخبر أبو هريرة بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب يا أبا هريرة؟ قال: لا، قال: ذلك شيطان كذا". وأخرج نحو ذلك أحمد عن أبي أيوب. وأخرج الطبراني والحاكم وأبو نعيم والبيهقي عن معاذ بن جبل مرفوعاً نحوه. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أعظم آية في كتاب الله- الله لا إله إلا هو الحي القيوم". وأخرج نحوه أحمد والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن أبي ذر مرفوعاً. وأخرج نحوه أيضاً أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة مرفوعاً. وأخرج سعيد بن منصور والحاكم والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سورة البقرة فيها آية سيدة آي القرآن لا تقرأ في بيت فيه شيطان إلا خرج منه، آية الكرسي". قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وأخرج الحاكم من حديث زائدة مرفوعاً "لكل شيء سنام، وسنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن، آية الكرسي"، وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير. وقد تكلم فيه شعبة وضعفه، وكذا ضعفه أحمد ويحيى بن معين وغير واحد، وتركه ابن مهدي، وكذبه السعدي. وأخرج أبو داود والترمذي وصححه من حديث أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هاتين الآيتين: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم"، و" الم * الله لا إله إلا هو " إن فيهما اسم الله الأعظم. وقد وردت أحاديث في فضلها غير هذه، وورد أيضاً في فضل قراءتها دبر الصلوات وفي غير ذلك، وورد أيضاً في فضلها مع مشاركة غيرها لها أحاديث، وورد عن السلف في ذلك شيء كثير.
255. قوله عز وجل: " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني أنا حميد بن زنجويه أنا ابن شيبة أنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي السليل عن عبد الله بن رباح الأنصاري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا المنذر أي آية من كتاب الله أعظم قلت " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " قال فضرب في صدري ثم قال: ليهنك العلم ثم قال: والذي نفس محمد بيده إن لهذه الآية لساناً وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش" .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنا محمد بن يوسف عن محمد بن إسماعيل قال عثمان بن الهيثم أبو عمرو : أخبرنا عوف عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إني محتاج وعلي عيال ولي شديدة قال: فخليت سبيله فأصبحت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يارسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله قال: (( أما إنه قد كذبك وسيعود )) فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعني فإني محتاج وعلي عيال ولا أعود، فرحمته فخليت سبيله فأصبحت فقال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك قلت: يارسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً فرحمته وخليت سبيله قال: أما إنه كذبك وسيعود فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلث مرات إنك تزعم لا تعود ثم تعود قال: دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخليت سبيله، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة قلت يارسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله قال ما هي؟ قلت: قال لي إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية " الله لا إله إلا هو الحي القيوم " وقال: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، وكانوا أحرص الناس على الخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة قلت: لا قال ذاك الشيطان ".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أبو منصور السمعاني أخبرنا أبو جعفر الرياني أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا أبو معاوية عن عبد الرحمن بن أبي بكر هو المليكي عن زرارة بن مصعب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ حين يصبح آية الكرسي وآيتين من أول " حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم " (2-غافر) حفظ في يومه ذلك حتى يمسي ومن قرأهما حين يمسي حفظ في ليلته تلك حتى يصبح ".
قوله تعالى: " الله " رفع بالإبتداء وخبره في " لا إله إلا هو الحي " الباقي الدائم على الأبد وهو من له الحياة، ةالحياة صفة الله تعالى " القيوم " قرأ عمر وابن مسعود (( القيام )) وقرأ علقمة (( القيم )) وكلها لغات بمعنى واحد، قال مجاهد " القيوم " القائم على كل شيء وقال الكلبي : القائم على كل نفس بما كسبت وقيل هو القائم بالأمور. وقال أبو عبيدة: الذي لا يزول " لا تأخذه سنة ولا نوم " السنة: النعاس وهو النوم الخفيف، والوسنان بين النائم واليقظان يقال منه وسن يسن وسناً وسنة والنوم هو الثقيل المزيل للقوة والعقل، قال المفضل الضبي : السنة في الرأس والنوم في القلب، فالسنة أول النوم وهو النعاس، وقيل السنة في الرأس والنعاس في العين والنوم في القلب فهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء، نفى الله تعالى عن نفسه النوم لأنه آفة وهو منزه عن الآفات ولأنه تغير ولا يجوز عليه التغير.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أخبرنا أبو اسحاق أحمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرنا عبد الله بن حامد أخبرنا محمد بن جعفر أخبرنا علي بن حرب أخبرنا أبو معاوية أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال:" إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، ولكنه يخفض القسط، ويرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ". ورواه المسعودي عن عمرو بن مرة وقال: حجابه النار.
" له ما في السموات وما في الأرض " ملكاً وخلقاً " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " بأمره " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " قال مجاهد و عطاء و السدي : " ما بين أيديهم " من أمر الدنيا " وما خلفهم " من أمر الآخرة، وقال الكلبي : " ما بين أيديهم " يعني الآخرة لأنهم يقدمون عليها " وما خلفهم " الدنيا لأنهم يخلفونها وراء ظهورهم، وقال ابن جريج : ما بين أيديهم ما مضى أمامهم وما خلفهم ما يكون بعدهم، وقال مقاتل : ما بين أيديهم، ما كان قبل خلق الملائكة وما خلفهم أي ما كان بعد خلقهم، وقيل: ما بين أيديهم أي ما قدموه من خير أو وشر وما خلفهم ما هم فاعلوه " ولا يحيطون بشيء من علمه " أي من علم الله " إلا بما شاء " أي يطلعهم عليه يعني لا يحيطون بشيء من علم الغيب إلا بما شاء مما أخبر به الرسل كما قال الله تعالى: " فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول " (36-الجن) قوله تعالى: " وسع كرسيه السموات والأرض " أي ملأ وأحاط به، واختلفوا في الكرسي فقال الحسن : هو العرش نفسه وقال أبو هريرة رضي الله عنه: الكرسي موضوع أمام العرش ومعنى قوله: " وسع كرسيه السموات والأرض " أي سعته مثل سعة السموات والأرض، وفي الأخبار أن السموات والأرض في جنب الكرسي كحلقة في فلاة، والكرسي في جنب العرش كحلقة في فلاة. ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن السموات السبع والأرضين السبع في الكرسي كدراهم سبعة ألأقيت في ترس.
وقال علي و مقاتل : كل قائمة من الكرسي طولها مثل السموات السبع والأرضين السبع، وهو بين يدي العرش، ويحمل الكرسي أربعة أملاك، لكل ملك أربعة وجوه، وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة السفلى مسيرة خمسمائة عام، ملك على صورة سيد البشر آدم عليه السلام، وهو يسأل للآدميين الرزق والمطر من السنة إلى السنة، وملك على صورة سيد الأنعام وهو الثور وهو يسأل للإنعام الرزق من السنة إلى السنة وعلى وجهه غضاضة منذ عبد العجل، وملك على صورة سيد السباع وهو الأسد يسأل للسباع الرزق من السنة إلى السنة، [ وملك على صورة سيد الطير وهو النسر يسأل الرزق للطير من السنة إلى السنة ] وفي بعض الأخبار أن ما بين حملة العرش وحملة الكرسي سبعين حجاباً من ظلمة وسبعين حجاباً من نور غلظ كل حجاب مسيرة خمسمائة عام لولا ذلك لاحترق حملة الكرسي من نور حملة العرش.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد بالكرسي علمه وهو قول مجاهد ، ومنه قيل لصحيفة العلم كراسه، وقيل: كرسيه ملكه وسلطانه، والعرب تسمى الملك القديم كرسياً، " ولا يؤوده " أي لا يثقله ولا يشق عليه يقال: آدني الشي أي أثقلني " حفظهما " أي حفظ السموات والأرض " وهو العلي " الرفيع فوق خلقه والمتعالى عن الأشياء والأنداد، وقيل العلي بالملك والسلطنة " العظيم " الكبير الذي لا شيء أعظم منه.
255-" الله لا إله إلا هو " مبتدأ وخبر والمعنى أنه المستحق للعبادة لا غيره . وللنجاة خلاف في أنه هل يضمر للأخير مثل في الوجود أو يصح أن يوجد . " الحي " الذي يصح أن يعلم ويقدر وكل ما يصح له فهو واجب لا يزول لامتناعه عن القوة والإمكان . " القيوم " الدائم القيام بتدبير الخلق وحفظه فيعول من قام بالأمر إذا حفظه ، وقرئ القيام و القيم . " لا تأخذه سنة ولا نوم " السنة فتور يتقدم النوم قال ابن الرقاع :
وسنان أقصده النعاس فرنقت في عينه سنة وليس بنائم
والنوم حال تعرض للحيوان من استرخاء أعصاب الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة ، بحيث تقف الحواس الظاهرة عن الإحساس رأساً ، وتقديم السنة عليه وقياس المبالغة عكسه على ترتيب الوجود ، والجملة نفي للتشبيه وتأكيد لكونه حياً قيوماً ، فإن من أخذه نعاس أو نوم كان موؤف الحياة قاصراً في الحفظ والتدبير ، ولذلك ترك العاطف فيه وفي الجمل التي بعده " له ما في السماوات وما في الأرض " تقرير لقيوميته واحتجاج به على تفرده في الألوهية ، والمراد بما فيهما داخلاً في حقيقتهما أو خارجاً عنهما متمكناً فيهما فهو أبلغ من قوله : " له ملك السماوات والأرض وما فيهن " ، " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " بيان لكبرياء شأنه سبحانه وتعالى ، وأنه لا أحد يساويه أو يدانيه يستقل بأن يدفع ما يريده شفاعة واستكانة فضلاً عن أن يعاوقه عناداً أو مناصبة أي مخاصمة . " يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم " ما قبلهم وما بعدهم ، أو بالعكس لأنك مستقبل المستقبل ومستدبر الماضي ، أو أمور الدنيا ، وأمور الآخرة أو عكسه ، أو ما يحسونه وما يعقلونه ، أو ما يدركونه وما لا يدركونه ، والضمير لما في السموات والأرض ، لأن فيهما العقلاء ، أو لما دل عليه من ذا من الملائكة والأنبياء عليهم الصلاة والسلام . " ولا يحيطون بشيء من علمه " من معلوماته . " إلا بما شاء " أن يعلموه ، وعطفه على ما قبله لأن مجموعهما دل على تفرده بالعلم الذاتي التام الدال على وحدانيته سبحانه وتعالى . " وسع كرسيه السموات والأرض " تصوير لعظمته وتمثيل مجرد كقوله تعالى : " وما قدروا الله حق قدره " " والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة و السموات مطويات بيمينه " ولا كرسي في الحقيقة ، و لا قاعد .وقيل كرسيه مجاز عن علمه أو ملكه ، مأخوذ من كرسي العالم والملك . وقيل جسم بين يدي العرش ولذلك سمي كرسياً محيط بالسموات السبع ، لقوله عليه الصلاة والسلام " ما السموات السبع والأرضون السبع من الكرسي ، إلا كحلقة في فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " ولعله الفلك المشهور بفلك البروج ، وهو في الأصل اسم لما يقعد عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وكأنه منسوب إلى الكرسي وهو الملبد. "ولا يؤوده" أي ولا يثقله ، مأخوذ من الأود وهو الاعوجاج . " حفظهما " أي حفظه السموات والأرض ، فحذف الفاعل وأضاف المصدر إلى المفعول . " وهو العلي " المتعالي عن الأنداد والأشباه ." العظيم " المستحقر بالإضافة إلية كل ما سواه .
وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الإلهية ، فإنها دالة على أنه تعالى موجود واحد في الألوهية ، متصف بالحياة ، واجب لذاته موجد لغيره ، إذ القيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره ، منزه عن التحيز والحلول ، مبرأ عن التغير والفتور ، لا يناسب الأشباح ولا يعتريه ما يعتري الأرواح ، مالك الملك والملكوت ، ومبدع الأصول والفروع ، ذو البطش الشديد ، الذي لا يشفع عنده إلا من أذن له عالم الأشياء كلها ، جليها وحفيها ، كليها وجزئيها ، واسع الملك والقدرة ، كل ما يصح أن يملك ويقدر عليه ، لا يؤذه شاق ، ولا يشغله شأن ، متعال عما يدركه ، وهو عظيم لا يحيط به فهم ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام " إن أعظم آية في القرآن آية الكرسي ، من قرأها بعث الله ملكاً يكتب من حسناته ، ويمحو من سيئاته إلى الغد من تلك الساعة " . وقال " من قرأ آيه الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت ، ولا يواظب عليها إلا صديق أو عابد ، ومن قرأها إذا أخذ مضجعه آمنه الله على نفسه وجاره وجار جاره والأبيات حوله " .
255. Allah! There is no God save Him, the Alive, the Eternal. Neither slumber nor sleep overtaketh Him. Unto Him belongeth whatsoever is in the heavens and whatsoever is in the earth. Who is he that intercedeth with Him save by His leave? He knoweth that which is in front of them and that which is behind them, while they encompass nothing of His knowledge save what He will. His throne includeth the heavens and the earth, and He is never weary of preserving them. He is the Sublime, the Tremendous.
255 - God! there is no God but he, the living, the self subsisting, eternal. no slumber can seize him nor heavens and on earth. who is there can intercede in his presence except as he permitteth? he knoweth what (appeareth to his creatures as) before or after or behind them. nor shall they compass aught of his knowledge except as he willeth. his throne doth extend over the heavens and the earth, and he feeleth no fatigue in guarding and preserving them for he is the most high, the supreme (in glory).