26 - (الملك يومئذ الحق للرحمن) لا يشركه فيه أحد (وكان) اليوم (يوما على الكافرين عسيرا) بخلاف المؤمنين
القول في تأويل قوله تعالى : " الملك يومئذ الحق للرحمن وكان يوما على الكافرين عسيرا " .
قوله تعالى : " الملك يومئذ الحق للرحمن " " الملك " مبتدأ و " الحق " صفة له و" للرحمن " الخبر ، لأن الملك الذي يزول وينقطع ليس بملك ، فبطلت يومئذ أملاك المالكين وانقطعت دعاويهم ، وزال كل مالك وملكه ، وبقي الملك الحق لله وحده " وكان يوما على الكافرين عسيرا " أي لما ينالهم من الأهوال ويلحقهم من الخزي والهوان ، وهو على المؤمنين أخف من صلاة مكتوبة ، على ما تقدم في الحديث . وهذه الآية دالة عليه ، لأنه إذا كان على الكافرين عسيراً فهو على المؤمن ين يسير . يقال : عسر يعسر ، وعسر يعسر .
يخبر تعالى عن هول يوم القيامة وما يكون فيه من الأمور العظيمة, فمنها انشقاق السماء وتفطرها, وانفراجها بالغمام وهو ظلل النور العظيم الذي يبهر الأبصار, ونزول ملائكة السموات يومئذ فيحيطون بالخلائق في مقام المحشر, ثم يجيء الرب تبارك وتعالى لفصل القضاء. قال مجاهد : وهذا كما قال تعالى: "هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة" الاية.
قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث , حدثنا مؤمل , حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران , عن ابن عباس أنه قرأ هذه الاية "ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً" قال ابن عباس رضي الله: عنهما يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد: الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق, فتنشق السماء الدنيا, فينزل أهلها وهم أكثر من الجن والإنس ومن جميع الخلق, فيحيطون بالجن والإنس وجميع الخلق, ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن جميع الخلق, فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق, ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والسماء الدنيا ومن جميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق, ثم كذلك كل سماء على ذلك التضعيف, حتى تنشق السماء السابعة فينزل أهلها وهم أكثر ممن نزل قبلهم من أهل السموات ومن الجن والإنس ومن جميع الخلق, فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم من أهل السموات وبالجن والإنس وجميع الخلق كلهم, وينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السموات السبع ومن الجن والإنس, وجميع الخلق لهم قرون كأكعب القنا, وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله عز وجل, ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام, وما بين كعبه إلى ركبته مسيرة خمسمائة عام, وما بن ركبته إلى حجزته مسيرة خمسمائة عام, وما بين حجزته إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام, وما بين ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام. وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام وجهنم مجنبته, وهكذا رواه ابن حاتم بهذا السياق.
وقال ابن جرير : حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثني الحجاج عن مبارك بن فضالة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول: إن هذه السماء إذا انشقت ينزل منها من الملائكة أكثر من الإنس والجن, وهو يوم التلاق يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض, فيقول أهل الأرض: جاء ربنا ؟ فيقولون: لم يجىء وهو آت, ثم تنشق السماء الثانية, ثم سماء سماء على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة, فينزل منها من الملائكة أكثر من جميع من نزل من السموات ومن الجن والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكروبيون, ثم يأتي ربنا في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملك وركبته مسيرة سبعين سنة, وبين فخذه ومنكبه مسيرة سبعين سنة. قال: وكل ملك منهم لم يتأمل وجه صاحبه, وكل ملك منهم واضع رأسه بين ثدييه, يقول: سبحان الملك القدوس, وعلى رؤوسهم شيء مبسوط كأنه القباء, والعرش فوق ذلك, ثم وقف, فمداره على علي بن زيد بن جدعان , وفيه ضعف وفي سياقاته غالباً, وفيها نكارة شديدة, وقد ورد في حديث الصور المشهور قريب من هذا, والله أعلم, وقد قال الله تعالى: "فيومئذ وقعت الواقعة * وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" قال شهر بن حوشب : حملة العرش ثمانية, أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك. وأربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ورواه ابن جرير عنه. وقال أبو بكر بن عبد الله : إذا نظر أهل الأرض إلى العرش يهبط عليهم من فوقهم, شخصت إليه أبصارهم, ورجفت كلاهم في أجوافهم, وطارت قلوبهم من مقرها من صدورهم إلى حناجرهم. قال ابن جرير: حدثنا القاسم , حدثنا الحسين , حدثنا المعتمر بن سليمان عن عبد الجليل عن أبي حازم عن عبد الله بن عمرو قال: يهبط الله عز وجل حين يهبط, وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب, منها النور والظلمة فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتاً تنخلع له القلوب, وهذا موقوف على عبد الله بن عمرو من كلامه, ولعله من الزاملتين, والله أعلم.
وقوله تعالى: "الملك يومئذ الحق للرحمن" الاية, كما قال تعالى: "لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار". وفي الصحيح أن الله تعالى يطوي السموات بيمينه, ويأخذ الأرضين بيده الأخرى, ثم يقول: أنا الملك أنا الديان, أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون, أين المتكبرون ؟ وقوله "وكان يوماً على الكافرين عسيراً" أي شديداً صعباً, لأنه يوم عدل وقضاء فصل, كما قال تعالى: "فذلك يومئذ يوم عسير * على الكافرين غير يسير" فهذا حال الكافرين في هذا اليوم, وأما المؤمنون فكما قال تعالى: "لا يحزنهم الفزع الأكبر" الاية.
وروى الإمام أحمد : حدثنا حسين بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال: قيل يا رسول الله "يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" ما أطول هذا اليوم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده, إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا" وقوله تعالى: "ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً", يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول صلى الله عليه وسلم, وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه, وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول, فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم, وعض على يديه حسرة وأسفاً, وسواء كان سبب نزولها في عقبة بن أبي معيط أو غيره من الأشقياء, فإنها عامة في كل ظالم, كما قال تعالى: "يوم تقلب وجوههم في النار" الايتين, فكل ظالم يندم يوم القيامة غاية الندم, ويعض على يديه قائلاً "يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً" يعني من صرفه عن الهدى وعدل به إلى طريق الضلال من دعاة الضلالة, وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبي بن خلف أو غيرهما, "لقد أضلني عن الذكر" وهو القرآن "بعد إذ جاءني" أي بعد بلوغه إلي, قال الله تعالى: "وكان الشيطان للإنسان خذولا" أي يخذله عن الحق ويصرفه عنه, ويستعمله في الباطل ويدعوه إليه.
26- "الملك يومئذ الحق للرحمن" الملك مبتدأ، والحق صفة له وللرحمن الخبر كذا قال الزجاج: أي الملك الثابت الذي لا يزول للرحمن يومئذ، لأن الملك الذي يزول وينقطع ليس بملك في الحقيقة، وفائدة التقييد بالظرف أن ثبوت الملك المذكور له سبحانه خاصة في هذا اليوم، وأما فيما عداه من أيام الدنيا فلغيره ملك في الصورة وإن لم يكن حقيقياً. وقيل إن خبر المبتدأ هو الظرف، والحق نعت للملك. والمعنى: الملك الثابت للرحمن خاص في هذا اليوم "وكان يوماً على الكافرين عسيراً" أي وكان هذا اليوم مع كون الملك فيه لله وحده شديداً على الكفار لما يصابون به فيه، وينالهم من العقاب بعد تحقيق الحساب، وأما على المؤمنين فهو يسير غير عسير، لما ينالهم فيه من الكرامة والبشرى العظيمة.
26- "الملك يومئذ الحق للرحمن"، أي: الملك الذي هو الملك الحق حقاً ملك الرحمن يوم القيامة. قال ابن عباس: يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضى غيره. "وكان يوماً على الكافرين عسيراً"، شديداً، فهذا الخطاب يدل على أنه لا يكون على المؤمنين عسيراً، وجاء في الحديث: "أنه يهون يوم القيامة على المؤمنين حتى يكون عليهم أخف من صلاة مكتوبة صلوها في الدنيا".
26ـ " الملك يومئذ الحق للرحمن " الثابت له لأن كل ملك يبطل يومئذ ولا يبقى إلا ملكه فهم الخبر و " للرحمن " صلته ، أو تبيين و " يومئذ " معمول " الملك " لا " الحق " لأنه متأخر أو صفته والخبر " يومئذ " أو" للرحمن " . " وكان يوماً على الكافرين عسيراً " شديداً .
26. The Sovereignty on that day will be the True (Sovereignty) belonging to the Beneficent One, and it will be a hard day for disbelievers.
26 - That Day, the dominion as of right and truth, shall be (wholly) for (God) Most Merciful: it will be a Day of dire difficulty for the Misbelievers.