26 - (الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم) استئناف جملة ثناء مشتمل على عرش الرحمن في مقابلة عرش بلقيس وبينهما بون عظيم
القول في تأويل قوله تعالى : " الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " .
قوله تعالى : " الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " قرأ ابن محيصن ( العظيم ) . رفعا نعتاً لله . الباقون بالخفض نعتاً للعرش . وخص بالذكر لأنه أعظم المخلوقات وما عداه في ضمنه وقبضته .
يقول تعالى: "فمكث" الهدهد "غير بعيد" أي غاب زماناً يسيراً, ثم جاء فقال لسليمان: "أحطت بما لم تحط به" أي اطلعت على ما لم تطلع عليه أنت ولا جنودك " وجئتك من سبإ بنبإ يقين " أي بخبر صدق حق يقين, وسبأ هم حمير وهم ملوك اليمن, ثم قال: "إني وجدت امرأة تملكهم" قال الحسن البصري : وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبأ, وقال قتادة : كانت أمها جنية, وكان مؤخر قدميها مثل حافر الدابة من بيت مملكة, وقال زهير بن محمد : هي بلقيس بنت شراحيل بن مالك بن الريان, وأمها فارعة الجنية, وقال ابن جريج : بلقيس بنت ذي شرخ وأمها بلتعة.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا مسدد , حدثنا سفيان بن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عباس قال: كان مع صاحبة سليمان ألف قيل, تحت كل قيل مائة ألف مقاتل, وقال الأعمش : عن مجاهد كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيل تحت كل قيل مائة ألف مقاتل وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن قتادة في قوله تعالى: "إني وجدت امرأة تملكهم" كانت من بيت مملكة, وكان أولو مشورتها ثلثمائة واثني عشر رجلاً, كل رجل منهم على عشرة آلاف رجل, وكانت بأرض يقال لها مأرب على ثلاثة أميال من صنعاء, وهذا القول هو أقرب على أنه كثير على مملكة اليمن, والله أعلم.
وقوله: "وأوتيت من كل شيء" أي من متاع الدنيا مما يحتاج إليه الملك المتمكن "ولها عرش عظيم" يعني سرير تجلس عليه عظيم هائل مزخرف بالذهب وأنواع الجواهر واللالىء. قال زهير بن محمد : كان من ذهب وصفحاته مرمولة بالياقوت والزبرجد طوله ثمانون ذراعاً, وعرضه أربعون ذراعاً, وقال محمد بن إسحاق : كان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ, وكان إنما يخدمها النساء, ولها ستمائة امرأة تلي الخدمة, قال علماء التاريخ: وكان هذا السرير في قصر عظيم مشيد رفيع البناء محكم, وكان فيه ثلثمائة وستون طاقة من مشرقه ومثلها من مغربه, قد وضع بناؤه على أن تدخل الشمس كل يوم من طاقة ,وتغرب من مقابلتها فيسجدون لها صباحاً ومساء, ولهذا قال: "وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل" أي عن طريق الحق "فهم لا يهتدون".
وقوله: " أن لا يسجدوا لله " معناه " وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون * أن لا يسجدوا لله " أي لا يعرفون سبيل الحق التي هي إخلاص السجود لله وحده دون ما خلق من الكواكب وغيرها, كما قال تعالى: "ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون" وقرأ بعض القراء " أن لا يسجدوا لله " جعلها ألا الإستفتاحية, ويا للنداء, وحذف المنادى تقديره عنده ألا يا قوم اسجدوا لله.
وقوله: "الذي يخرج الخبء في السموات والأرض" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض, وكذا قال عكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وغير واحد, وقال سعيد بن المسيب : الخبء الماء, وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : خبء السموات والأرض ما جعل فيهما من الأرزاق, المطر من السماء والنبات من الأرض. وهذا مناسب من كلام الهدهد الذي جعل الله فيه من الخاصية ما ذكره ابن عباس وغيره من أنه يرى الماء يجري في تخوم الأرض وداخلها.
وقوله: "ويعلم ما تخفون وما تعلنون" أي يعلم ما يخفيه العباد وما يعلنونه من الأقوال والأفعال, وهذا كقوله تعالى: "سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار" وقوله: "الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم" أي هو المدعو وهو الله الذي لا إله إلا هو رب العرش العظيم, الذي ليس في المخلوقات أعظم منه. ولما كان الهدهد داعياً إلى الخير, وعبادة الله وحده والسجود له نهي عن قتله, كما رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصرد " , وإسناده صحيح.
قال: 26- "الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم" قرأ الجمهور العظيم بالجر نعتاً للعرش، وقرأ ابن محيصن بالرفع نعتاً للرب، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات كما ثبت ذلك في المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب: إن الله لم ينعم على عبد نعمة فحمد الله عليها إلا كان حمده أفضل من نعمته لو كنت لا تعرف ذلك إلا في كتاب الله المنزل. قال الله عز وجل: "ولقد آتينا داود وسليمان علماً وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين" وأي نعمة أفضل مما أعطي داود وسليمان.
أقول: ليس في الآية ما يدل على ما فهمه رحمه الله، والذي تدل عليه أنهما حمدا الله سبحانه على ما فضلهما به من النعم، فمن أين تدل على أن حمده أفضل من نعمته. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وورث سليمان داود" قال: ورثه نبوته وملكه وعلمه. وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد وابن أبي حاتم عن أبي الصديق الناجي قال: خرج سليمان بن داود يستسقي بالناس، فمر على نملة مستلقية على قفاها رافعة قوائمها إلى السماء وهي تقول: اللهم إنا خلق من خلقك ليس بنا غنى عن رزقك، فإما أن تسقينا وإما أن تهلكنا، فقال سليمان للناس: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم. وأخرج الحاكم في المستدرك عن جعفر بن محمد قال: أعطي سليمان ملك مشارق الأرض ومغاربها، فملك سليمان سبعمائة سنة وستة أشهر، ملك أهل الدنيا كلهم من الجن والإنس والدواب والطير والسباع، وأعطي كل شيء، ومنطق كل شيء، وفي زمانه صنعت الصنائع المعجبة، حتى إذا أراد الله أن يقبضه إليه أوحي إليه أن يستودع علم الله وحكمته أخاه، وولد داود كانوا أربعمائة وثمانين رجلاً أنبياء بلا رسالة. قال الذهبي: هذا باطل، وقد رويت قصص في عظم ملك سليمان لا تطيب النفس بذكر شيء منها، فالإمساك عن ذكرها أولى. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "فهم يوزعون" قال يدفعون. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "فهم يوزعون" قال: جعل لكل صنف وزعة ترد أولاها على أخراها لئلا تتقدمه في السير كما تصنع الملوك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "أوزعني" قال: ألهمني. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس أنه سئل كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير؟ قال: إن سليمان نزل منزلاً فلم يدر ما بعد الماء، وكان الهدهد يدل سليمان على الماء، فأراد أن يسأله عنه ففقده، قيل كيف ذاك والهدهد ينصب له الفخ يلقى عليه التراب ويضع له الصبي الحبالة فيغيبها فيصيده؟ فقال: إذا جاء القضاء ذهب البصر. وأخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "لأعذبنه عذاباً شديداً" قال: أنتف ريشه كله، وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين، وروى ابن أبي حاتم عن الحسن قال: كان اسم هدهد سليمان غبر.
وأقول: من أين جاء علم هذا للحسن رحمه الله، وهكذا ما رواه عنه ابن عساكر أن اسم النملة حرس، وأنها من قبيلة يقال لها بنو الشيطان، وأنها كانت عرجاء، وكانت بقدر الذئب، وهو رحمه الله أورع الناس عن نقل الكذب، ونحن نعلم أنه لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء، ونعلم أنه ليس للحسن إسناد متصل بسليمان أو بأحد من أصحابه، فهذا العلم مأخوذ من أهل الكتاب، وقد أمرنا أن لا نصدقهم ولا نكذبهم، فإن ترخص مترخص بالرواية عنهم لمثل ما روى حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فليس ذلك فيما يتعلق بتفسير كتاب الله سبحانه بلا شك، بل فيما عنهم من القصص الواقعة لهم. وقد كررنا التنبيه على مثل هذا عند عروض ذكر التفاسير الغريبة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أو ليأتيني بسلطان مبين" قال: خبر الحق الصدق المبين. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن عكرمة قال: قال ابن عباس كل سلطان في القرآن حجة وذكر هذه الآية، ثم قال: وأي سلطان كان للهدهد؟ يعني أن المراد بالسلطان الحجة لا السلطان الذي هو الملك. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله: "أحطت بما لم تحط به" قال: اطلعت على ما لم تطلع عليه. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً " وجئتك من سبإ " قال: سبأ بأرض اليمن، يقال لها مأرب بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث ليال " بنبإ يقين " قال: بخبر حق. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عنه أيضاً "إني وجدت امرأة تملكهم" قال: كان اسمها بلقيس بنت شراحيل، وكان صلباء شعراء. وروي عن الحسن وقتادة وزهير بن محمد أنها بلقيس بنت شراحيل، وعن ابن جريج بنت ذي شرح. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه وابن عساكر عن ابي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إحدى أبوي بلقيس كان جنياً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "ولها عرش عظيم" قال: سرير كريم من ذهب وقوائمه من جوهر ولؤلؤ حسن الصنعة غالي الثمن. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في قوله: "يخرج الخبء" قال: يعلم كل خبيئة في السماء والأرض.
26- "الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم"، أي: هو المستحق للعبادة والسجود لا غيره. وعرش ملكة سبأ وإن كان عظيماً فهو صغير حقير في جنب عرشه عز وجل، تم ها هنا كلام الهدهد.
26 -" الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " الذي هو أول الأجرام وأعظمها والمحيط بجملتها فبين العظيمين بون .
26. Allah; there is no God save Him, the Lord of the tremendous Throne.
26 - God! there is no god but He! Lord of the Throne Supreme!