26 - (ولقد مكناهم فيما) في الذي (إن) نافية أو زائدة (مكناكم) يا أهل مكة (فيه) من القوة والمال (وجعلنا لهم سمعا) بمعنى أسمعا (وأبصارا وأفئدة) قلوبا (فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء) أي شيئا من الاغناء ومن زائدة (إذ) معمولة لأغنى وأشربت من معنى التعليل (كانوا يجحدون بآيات الله) حججه البينة (وحاق) نزل (بهم ما كانوا به يستهزئون) أي العذاب
يقول تعالى ذكره : لكفار قريش : ولقد مكنا أيها القوم عاداً الذين أهلكناهم بكفرهم فيما لم نمكنكم فيه من الدنيا ، وأعطيناهم منها الذي لم نعطكم منهم من كثرة الأموال وبسطة الأجسام ،وشدة الأبدان .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثني أبو صالح ، قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " يقول لم نمكنكم .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ، قوله " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " أنبأكم أنه أعطى القوم ما لم يعطكم .
وقوله " وجعلنا لهم سمعاً" يسمعون به مواعظ ربهم ، وأبصاراً يبصرون بها حجج الله ، وأفئدة يعقلون بها ما يشرهم وينفعهم " فما أغنى عنهم سمعهم و لا أبصارهم و لا أفئدتهم من شيء " يقول : فلم ينفعهم ما أعطاهم من السمع و البصر ولافؤاد إذ لم يستعملوها فيما أعطوها له ، ولم يعملوها فيما ينجيهم من عقاب الله ، ولكنهم استعملوها فيما يقر بهم من سخطه " إذ كانوا يجحدون بآيات الله " يقول : إذ كانوا يكذبون بحجج الله وهم رسله ، وينكرون نبوتهم " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " يقول وعاد عليهم ما استهزءوا به ن ونزل بهم ما سخطوا به فاستعجلوا به من العذاب ، وهذا وعيد من الله جل ثناؤه لقريش ، يقول لهم : فاحذروا أن يحل بكم من العذاب على كفركم بالله و تكذيبكم رسله ، ما حل بعاد وبادروا بالتوبة قبل النقمة .
قوله تعالى : " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " قيل : إن ( إن ) زائدة ، تقديره ولقد مكناكم فيما مكناكم فيه ، وهذا قول القتبي :
وأنشد الأخفش :
يرجي المرء ما إن لا يراه وتعرض دون أدناه الخطوب
وقال آخر :
فما إن طبنا جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
وقيل : إن ( ما ) بمعنى الذي ، و ( إن ) بمعنى ما ، والتقدير ولقد مكناهم ي الذي ما مكناكم فيه ، قاله المبرد : وقيل : شرطية وجوابها مضمر محذوف ، والتقدير ولقد مكناهم في ما إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر وعنادكم أشد ، وتم الكلام ، ثم ابتدأ ، فقال : " وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة " يعني قلوباً يفقهون بها ، " فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء " من عذاب الله ، " إذ كانوا يجحدون " يكفرون " بآيات الله وحاق بهم " أحاط بهم ، " ما كانوا به يستهزئون " .
يقول تعالى: ولقد مكنا الأمم السالفة في الدنيا من الأموال والأولاد, وأعطيناهم منها مالم نعطكم مثله ولا قريباً منه, "وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" أي وأحاط بهم العذاب, والنكال الذي كانوا يكذبون به ويستبعدون وقوعه, أي فاحذروا أيها المخاطبون أن تكونوا مثلهم فيصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب في الدنيا والاخرة.
وقوله تعالى: "ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى" يعني أهل مكة, وقد أهلك الله الأمم المكذبة بالرسل مما حولها كعاد, وكانوا بالأحقاف بحضرموت عند اليمن, وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام, وكذلك سبأ وهم أهل اليمن, ومدين وكانت في طريقهم وممرهم إلى غزة, وكذلك بحيرة قوم لوط كانوا يمرون بها أيضاً, وقوله عز وجل: " وصرفنا الآيات " أي بيناها وأوضحناها "لعلهم يرجعون * فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قرباناً آلهة" أي فهل نصروهم عند احتياجهم إليهم. "بل ضلوا عنهم" أي بل ذهبوا عنهم أحوج ما كانوا إليهم "وذلك إفكهم" أي: كذبهم "وما كانوا يفترون" أي وافتراؤهم في اتخاذهم إياهم آلهة وقد خابوا وخسروا في عبادتهم لها واعتمادهم عليها, والله أعلم.
25- "ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه" قال المبرد: ما في قوله فيما بمنزلة الذي وإن بمنزلة ما: يعني النافية، وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناكم فيه من المال وطول العمر وقوة الأبدان، وقيل إن زائدة وتقديره: ولقد مكناهم فيما مكناكم فيه، وبه [قال] القتيبي، ومثله قول الشاعر:
فما إن طبق جبن ولكن منايانا ودولة آخرينا
والأول أولى لأنه أبلغ في التوبيخ لكفار قريش وأمثالهم "وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدة" أي إنهم أعرضوا عن قبول الحجة والتذكر مع ما أعطاها الله من الحواس التي بها تدرك الأدلة، ولهذا قال: "فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء" أي فما نفعهم ما أعطاهم الله من ذلك حيث لم يتوصلوا به إلى التوحيد وصحة الوعد والوعيد، وقد قدمنا من الكلام على وجه إفراد السمع وجمع البصر ما يغني عن الإعادة، ومن في "من شيء" زائدة، والتقدير: فما أغنى عنهم شيء من الإغناء ولا نفعهم بوجه من وجوه النفع " إذ كانوا يجحدون بآيات الله " الظرف متعلق بأغنى، وفيها معنى التعليل: أي لأنهم كانوا يجحدون "وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون" أي أحاط بهم العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء حيث قالوا " فأتنا بما تعدنا ".
26. " ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه "، يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال.
قال المبرد : ((ما)) في قوله ((فيما)) بمنزلة الذي، و ((إن)) بمنزلة ما، وتقديره: ولقد مكناهم في الذي ما مكناهم فيه.
" وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ".
26-" ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه " " إن " نافية وفي أحسن من ما ههنا لأنها توجب التكرير لفظاً ولذلك قلبت ألفها هاء في مهما ، او شرطية محذوفة الجواب والتقدير ، ولقد مكناهم في الذي أوفي شيء إن مكناكم فيه كان بغيكم أكثر ، أو صلة كما في قوله :
يرجي المرء ما إن لا يراه ويعرض دون أدناه الخطوب
والأول أظهر وأوفق لقوله : " هم أحسن أثاثاً " " كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً " . " وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً " ليعرفوا تلك النعم يستدلوا بها على مانحها تعالى ويواظبوا على شكرها . " فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء " من الإغناء وهو القليل . " إذ كانوا يجحدون بآيات الله " صلة " فما أغنى " وهو ظرف جرى مجرى التعليل من حيث إن الحكم مرتب على ما أضيف إليه وكذلك حيث " وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " من العذاب .
26. And verily We bad empowered them with that where with We have not empowered you, and had assigned them ears and eyes and hearts; but their ears and eyes and hearts availed them naught since they denied the revelations of Allah; and what they used to mock befell them.
26 - And We had firmly established them in a (prosperity and) power which We have not given to you (ye Quraish!) And We had endowed them with (faculties of) hearing, seeing, heart and intellect: but of no profit to them were their (faculties of) hearing, sight, and heart and intellect, when they went on rejecting the Signs of God; and they were (completely) encircled by that which they used to mock at!