(مثل) صفة نفقات (الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله) أي طاعته (كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) فكذلك نفقاتهم تضاعفت لسبعمائة ضعف (والله يضاعف) أكثر من ذلك (لمن يشاء والله واسع) فضله (عليم) بمن يستحق المضاعفة
قال أبو جعفر: وهذه الآية مردودة إلى قوله: "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون" [البقرة: 245]. والآيات التي بعدها إلى قوله: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله"، من قصص بني إسرائيل وخبرهم مع طالوت وجالوت، وما بعد ذلك من نبإ الذي حاج إبراهيم مع إبراهيم، وأمر الذي مر على القرية الخاوية على عروشها، وقصة إبراهيم ومسألته ربه ما سأل، مما قد ذكرناه قبل، اعتراض من الله تعالى ذكره بما اعترض به من قصصهم بين ذلك، احتجاجاً منه ببعضه على المشركين الذين كانوا يكذبون بالبعث وقيام الساعة، وحضا منه ببعضه للمؤمنين على الجهاد في سبيله الذي أمرهم به في قوله: "وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم" [البقرة: 244]، يعرفهم فيه أنه ناصرهم وإن قل عددهم وكثر عدد عدوهم، ويعدهم النصرة عليهم، ويعلمهم سنته فيمن كان على منهاجهم من ابتغاء رضوان الله أنه مؤيدهم، وفيمن كان على سبيل أعدائهم من الكفار بأنه خاذلهم ومفرق جمعهم وموهن كيدهم، وقطعاً منه ببعضه عذر اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أطلع نبيه عليه من خفي أمورهم ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التي لم يعلمها سواهم، ليعلموا أن ما آتاهم به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، وأنه ليس بتخرص ولا اختلاق، وإعذاراً منه به إلى أهل النفاق منهم، ليحذروا بشكهم في أمر محمد صلى الله عليه وسلم أن يحل بهم من بأسه وسطوته مثل الذي أحلهما بأسلافهم الذين كانوا في القرية التي أهلكها فتركها خاوية على عروشها.
ثم عاد تعالى ذكره إلى الخبر عن الذي يقرض الله قرضاً حسناً، وما عنده له من الثواب على قرضه، فقال: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله"، يعني بذلك: مثل الذين ينفقون أموالهم على أنفسهم في جهاد أعداء الله بأنفسهم وأموالهم، "كمثل حبة" من حبات الحنطة أو الشعير أو غير ذلك من نبات الأرض التي تسنبل ريعها بذرها زارع، فأنبتت، يعني: فأخرجت، "سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة"، يقول: فكذلك المنفق ماله على نفسه في سبيل الله، له أجره سبعمائة ضعف على الواحد من نفقته، كما:-
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة"، فهذا لمن أنفق في سبيل الله، فله أجره سبعمئة.
حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"، قال: هذا الذي ينفق على نفسه في سبيل الله ويخرج.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" الآية، فكان من بايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ورابط مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ولم يلق وجهاً إلا بإذنه، كانت الحسنة له بسبعمئة ضعف، ومن بايع على الإسلام كانت الحسنة له عشر أمثالها.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: وهل رأيت سنبلةً فيها مئة حبة أو بلغتك، فضرب بها مثل المنفق في سبيل الله ماله؟.
قيل: إن يكن ذلك موجوداً فهو ذاك، وإلا فجائز أن يكون معناه: كمثل سنبلة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة، إن جعل الله ذلك فيها. ويحتمل أن يكون معناه: في كل سنبلة مئة حبة، يعني أنها إذا هي بذرت أنبتت مئة حبة، فيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من المئة الحبة، مضافاً إليها، لأنه كان عنها. وقد تأول ذلك على هذا الوجه بعض أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة"، قال: كل سنبلة أنبتت مئة حبة، فهذا لمن أنفق في سبيل الله: "والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم".
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "والله يضاعف لمن يشاء".
فقال بعضهم: والله يضاعف لمن يشاء من عباده أجر حسناته، يعد الذي أعطى غير منفق في سبيله، دون ما وعد المنفق في سبيله من تضعيف الواحدة سبعمئة. فأما المنفق في سبيله فلا ينقصه عما وعده من تضعيف السبعمائة بالواحدة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قال: هذا يضاعف لمن أنفق في سبيل الله -يعني السبعمئة- "والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"، يعني لغيرالمنفق في سبيله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: والله يضاعف لمن يشاء من المنفقين في سبيله على السبعمئة إلى ألفي ألف ضعف. وهذا قول ذكر عن ابن عباس من وجه لم أجد إسناده، فتركت ذكره.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى بتأويل قوله: "والله يضاعف لمن يشاء"، والله يضاعف على السبعمئة إلى ما يشاء من التضعيف، لمن يشاء من المنفقين في سبيله. لأنه لم يجر ذكر الثواب والتضعيف لغير المنفق في سبيل الله، فيجوز لنا توجيه ما وعد تعالى ذكره في هذه الآية من التضعيف، الى أنه عدة منه على العمل في غير سبيله، أوعلى غير النفقة في سبيل الله.
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: "والله واسع"،أن يزيد من يشاء من خلقه المنفقين في سبيله على أضعاف السبعمائة التي وعده أن يزيده، "عليم" من يستحق منهم الزيادة، كما:-
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم"، قال: "واسع" أن يزيد من سعته، "عليم"، عالم بمن يزيده.
وقال آخرون: معنى ذلك: "والله واسع"، لتلك الأضعاف، "عليم" بما ينفق الذين ينفقون أموالهم في طاعة الله.
فيه خمس مسائل :
الأولى : لما قص الله سبحانه ما فيه من البراهين ، حث على الجهاد ، وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا يأتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم . روى البستي في صحيح مسنده عن ابن عمر قال :
"لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رب زد أمتي ، فنزلت "من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رب زد أمتي" . فنزلت "يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" . وهذه الآية لفظها بيان مثال لشرف النفقة في سبيل الله ولحسنها ، وضمنها التحريض على ذلك . وفي الكلام حذف مضاف تقديره مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة . وطريق آخر : مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل زارع رزع في الأرض حبة فأنبتت الجبة سبع سنابل ، يعني أخرجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، فشبه المتصدق بالزارع وشبه الصدقة بالبذر فيعطيه الله بكل صدقة له سبعمائة حسنة ، ثم قال تعالى : "والله يضاعف لمن يشاء" يعني على سبعمائة ، فيكون مثل المتصدق مثل الزارع ، إن كان حاذقاً في عمله ، ويكون البذر جيداً وتكون الأرض عامرة يكون الزرع أكثر ، فكذلك المتصدق إذا كان صالحاً والمال طيباً ويضعه موضعه فيصير الثواب أكثر ، خلافاً لمن قال : ليس في الآية تضعيف على سبعمائة ، على ما نبينه إن شاء الله .
الثانية : روي أن هذه الاية نزلت في شان عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما :
"وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حث الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك جاءه عبد الرحمن بأربعة آلاف فقال : يا رسول الله ، كانت لي ثمانية آلاف فأمسكت لنفسي ولعيالي أربعة آلاف ، وأربعة آلاف أقرضتها لربي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت" . وقال عثمان : يا رسول الله علي جهاز من لا جهاز له ، فنزلت هذه الآية فيهما . وقيل نزلت في نفقة التطوع . وقيل : نزلت قبل آية الزكاة ثم نسخت بآية الزكاة ، ولا حاجة إلى دعوى النسخ ، لأن الإنفاق في سبيل الله مندوب إليه في كل وقت . وسبل الله كثيرة ، وأعظمها الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا .
الثالثة : قوله تعالى : "كمثل حبة" الحبة اسم جنس لكل ما يزدرعه ابن آدم ويقتاته ،وأشهر ذلك البر فكثيراً ما يراد بالحب ، ومنه قول المتلمس :
آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس
وحبة القلب : سويداؤه ، ويقال ثمرته وهو ذاك . والحبة ( بكسر الحاء ) : بذور البقول مما ليس بقوت ، وفي حديث الشفاعة :
"فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل" والجمع حبب . والحبة ( بضم الحاء ) الحي ، يقال : نعم وحبة وكرامة . والحب المحبة ، وكذلك الحب ( بالكسر ) . والحب أيضاً الحبيب ، مثل خدن وخدين . وسنبلة فنعلة من أسبل الزرع إذا صار فيه السنبل ، أي استرسل بالسنبل كما يسترسل الستر بالإسبال . وقيل : معناه صار فيه حب مستور كما يستر الشيء بإسبال الستر عليه . والجمع سنابل . ثم قيل : المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد .
قلت :هذا ليس بشيء فإن سنبل الدخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر ، على ما شاهدناه . قال ابن عطية : وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة ، فأما في سائر الحبوب فأكثر ولكن المثال وقع بهذا القدر . وقال الطبري في هذه الآية . إن قوله : "في كل سنبلة مائة حبة" معناه إن وجد ذلك ، وإلا فعلى أن يفرضه ، ثم نقل عن الضحاك أنه قال : "في كل سنبلة مائة حبة" معناه كل سنبلة أنبتت مائة حبة . قال ابن عطية : فجعل الطبري قول الضحاك نحو ما قال ، وذلك غير لازم من قول الضحاك . وقال أبو عمرو الداني : وقرأ بعضهم مائة بالنصب على تقدير أنبتت مائة حبة .
قلت : وقال يعقوب الحضرمي : وقرأ بعضهم في كل سنبلة مائة حبة على : أنبتت مائة حبة ، وكذلك قرأ بعضهم "وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم" على : "وأعتدنا لهم عذاب السعير" وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم . وقرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي أنبتت سبع سنابل بإدغام التاء في السين ، لأنهما مهموستان ، ألا ترى أنهما يتعاقبان . وأنشد أبو عمرو :
يا لعن الله بني السعلاة عمرو بن ميمون لئام النات
أراد الناس فحول السين تاء . الباقون بالإظهار على الأصل لأنهما كلمتان .
الرابعة : ورد القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشر أمثالها ، واقتضت هذه الآية أن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف . واختلف العلماء في معنى قوله "والله يضاعف لمن يشاء" فقالت طائفة : هي مبينة مؤكدة لما تقدم من ذكر السبعمائة ، وليس ثم تضعيف فوق السبعمائة . وقالت طائفة من العلماء : بل هو إعلام بأن الله تعالى يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف .
قلت : وهذا القول أصح لحديث ابن عمر المذكور أول الآية . وروي ابن ماجة حدثنا هارون بن عبد الله الحمال حدثنا ابن ابي فديك عن الخليل بن عبد الله عن الحسن بن علي بن ابي طالب وأبي الدرداء وعبد الله بن عمر و أبي أماما الباهلي وعبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله وعمران بن حصين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم ـ ثم تلا هذه الآية ـ والله يضاعف لمن يشاء الله" . وقد روي عن ابن عباس أن التضعيف ينتهي لمن شاء الله إلى ألفي ألف . قال ابن عطية : وليس هذا بثابت الإسناد عنه .
الخامسة : في هذه الآية دليل على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس والمكاسب التي يشتغل بها العمال ، ولذلك ضرب الله به المثل فقال : "مثل الذين ينفقون أموالهم" الآية . وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" . وروى هشام بن عروة عن ابيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"التمسوا الرزق في خبايا الأرض" يعني الزرع ، أخرجه الترمذي .
وقال صلى الله عليه وسلم في النخل : "هي الراسخات في الوحل المطعمات في المحل" .
وهذا خرج مخرج المدح . والزراعة من فروض الكفاية فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها وما كان في معناها من غرس الأشجار . ولقي عبد الله بن عبد الملك بن شهاب الزهري فقال : دلني على مال أعالجه ، فأنشأ ابن شهاب يقول :
أقول لعبد الله يوم لقيته وقد شد أحلاس المطي مشرقا
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها لعلك يوماً أن تجاب فترزقا
فيؤتيك مالاً واسعاً ذا مثابة إذا ما مياه الأرض غارت تدفقا
وحكي عن المعتضد أنه قال : رأيت علي بن ابي طالب رضي الله عنه في المنام يناولني مسحاة وقال : خذها فإنها مفاتيح خزائن الأرض .
هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته, وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف, فقال "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله". قال سعيد بن جبير: يعني في طاعة الله. وقال مكحول: يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك. وقال شبيب بن بشر, عن عكرمة, عن ابن عباس: الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف, ولهذا قال تعالى: "كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة" وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة, فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل لأصحابها, كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة, وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف. قال الإمام أحمد: حدثنا زياد بن الربيع أبو خداش, حدثنا واصل مولى ابن عيينة, عن بشار بن أبي سيف الجرمي, عن عياض بن غطيف, قال: دخلنا على أبي عبيدة نعوده من شكوى أصابته بجنبه, وامرأته تحيفة قاعدة عند رأسه, قلنا: كيف بات أبو عبيدة ؟ قالت: والله لقد بات بأجر. قال أبو عبيدة: ما بت بأجر, وكان مقبلاً بوجهه على الحائط, فأقبل على القوم بوجهه وقال: ألا تسألوني عما قلت ؟ قالوا: ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه, قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من أنفق نفقة فاضلة في سبيل الله فسبعمائة, ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضاً أو أماط أذى, فالحسنة بعشر أمثالها, والصوم جنة ما لم يخرقها, ومن ابتلاه الله عز وجل ببلاء في جسده فهو له حطة" وقد روى النسائي في الصوم بعضه من حديث واصل به, ومن وجه آخر موقوفاً.
(حديث آخر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن سليمان, سمعت أبا عمرو الشيباني عن ابن مسعود أن رجلاً تصدق بناقة مخطومة في سبيل الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لتأتين يوم القيامة بسعمائة ناقة مخطومة" ورواه مسلم والنسائي من حديث سليمان بن مهران عن الأعمش به, ولفظ مسلم: جاء رجل بناقة مخطومة فقال: يا رسول الله, هذه في سبيل الله, فقال: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة".
(حديث آخر) ـ قال أحمد: حدثنا عمرو بن مجمع أبو المنذر الكندي, أخبرنا إبراهيم الهجري, عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله جعل حسنة ابن آدم إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم والصوم لي, وأنا أجزي به, وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره, وفرحة يوم القيامة, ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".
(حديث آخر) ـ قال أحمد: أخبرنا وكيع, أخبرنا الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما شاء الله, يقول الله إلا الصوم فإنه لي, وأنا أجزي به, يدع طعامه وشرابه من أجلي, وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره, وفرحة عند لقاء ربه, ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك, الصوم جنة, الصوم جنة" وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي سعيد الأشج كلاهما عن وكيع به.
(حديث آخر) ـ قال أحمد: حدثنا حسين بن علي, عن زائدة, عن الركيم, عن يسير بن عميلة, عن خريم بن فاتك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أنفق نفقة في سبيل الله, تضاعف بسبعمائة ضعف".
(حديث آخر) ـ قال أبو داود: أنبأنا محمد بن عمرو بن السرح, حدثنا ابن وهب, عن يحيى بن أيوب وسعيد بن أيوب, عن زبان بن فائد, عن سهل بن معاذ, عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف".
(حديث آخر) ـ قال ابن أبي حاتم: أنبأنا أبي, حدثنا هارون بن عبد الله بن مروان, حدثنا ابن أبي فديك, عن الخليل بن عبد الله, عن الحسن عن عمران بن حصين, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال "من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته, فله بكل درهم سبعمائة درهم يوم القيامة, ومن غزا في سبيل الله وأنفق في جهة ذلك, فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم, ثم تلا هذه الاية "والله يضاعف لمن يشاء" " . وهذا حديث غريب, وقد تقدم حديث أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة في تضعيف الحسنة إلى ألفي ألف حسنة, عند قوله "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة" الاية.
(حديث آخر) ـ قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن العسكري البزاز, أخبرنا الحسن بن علي بن شبيب, أخبرنا محمود بن خالد الدمشقي, أخبرنا أبي عن عيسى بن المسيب, عن نافع, عن ابن عمر: لما نزلت هذه الاية "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" قال النبي صلى الله عليه وسلم "رب زد أمتي" قال: فأنزل الله "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" قال "رب زد أمتي" قال: فأنزل الله "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب", وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه عن حاجب بن أركين, عن أبي عمر حفص بن عمر بن عبد العزيز المقري, عن أبي إسماعيل المؤدب, عن عيسى بن المسيب, عن نافع, عن ابن عمر, فذكره. وقوله ههنا"والله يضاعف لمن يشاء" أي بحسب إخلاصه في عمله "والله واسع عليم" أي فضله واسع كثير أكثر من خلقه, عليم بمن يستحق ومن لا يستحق, سبحانه وبحمده.
قوله: 261- " كمثل حبة" لا يصح جعل هذا خبراً عن قوله: "مثل الذين ينفقون" لاختلافهما فلا بد من تقدير محذوف أما في الأول: أي مثل نفقة الذين ينفقون، أو في الثاني: أي كمثل زارع حبة، والمراد بالسبع السنابل هي التي تخرج في ساق واحد يتشعب منه سبع شعب في كل شعبة سنبلة، والحبة اسم لكل ما يزدرعه ابن آدم، ومنه قول المتلمس:
آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس
قيل: المراد بالسنابل هنا سنابل الدخن، فهو الذين يكون في السنبلة منه هذا العدد. وقال القرطبي: إن سنبل الدخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر على ما شاهدنا. قال ابن عطية: وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة، وأما في سائر الحبوب فأكثر، ولكن المثال وقع بهذا القدر. وقال الطبري: إن قوله: "في كل سنبلة مائة حبة" معناه إن وجد ذلك وإلا فعلى أن تفرضه. قوله: "والله يضاعف لمن يشاء" يحتمل أن يكون المراد يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء أو يضاعف هذا العدد، فيزيد عليه أضعافه لمن يشاء وهذا هو الراجح لما سيأتي. وقد ورد القرآن بأن الحسنة بعشر أمثالها، واقتضت هذه الآية بأن نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف فيبنى العام على الخاص، وهذا بناءً على أن سبيل الله هو الجهاد فقط، وأما إذا كان المراد به وجوه الخير فيخص هذا التضعيف إلى سبعمائة بثواب النفقات وتكون العشرة الأمثال فيما عدا ذلك.
261. قوله تعالى: " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله " فيه إضمار تقديره مثل صدقات الذين ينفقون أموالهم " كمثل " زارع " حبة " وأراد بسبيل الله الجهاد، وقيل جميع أبواب الخير " أنبتت " أخرجت " سبع سنابل " جمع سنبلة " في كل سنبلة مائة حبة " فإن قيل فما رأينا سنبلة فيها مائة حبة فكيف ضرب المثل به؟ قيل: ذلك متصور، غير مستحيل، وما لا يكون مستحيلاً جاز ضرب المثل به وإن لم يوجد، معناه: " في كل سنبلة مائة حبة " أي جعل الله فيها، وقيل موجود في الدخن، وقيل معناه أنها إن بذرت أنبتت مائة حبة، فما حدث من البذر الذي كان فيها كان مضافاً إليها وكذلك تأوله الضحاك فقال: كل سنبلة أنبتت مائة حبة " والله يضاعف لمن يشاء " قيل معناه يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء، وقيل: معناه يضاعف على هذا ويزيد لمن يشاء ما بين سبع إلى سبعين إلى سبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف مما لا يعلمه إلا الله تعالى " والله واسع " غني يعطي عن سعة " عليم " بنية من ينفق ماله.
261-" مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة " أي مثل نفقتهم كمثل حبة ، أو مثلهن كمثل باذر حبة على حذف المضاف . " أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة " أسند الإنبات إلى الحبة لما كانت من الأسباب ، كما يسند إلى الأرض والماء , والمنبت على الحقيقة هو الله تعالى والمعنى : أنه يخرج منها ساق يتشعب لكل منه سبع شعب ، لكل منها سنبلة فيها مائة حبة . وهو تمثيل لا يقتضي وقوعه وقد يكون في الذرة والدخن في البر في الأراضي المغلة . " والله يضاعف " تلك المضاعفة . " لمن يشاء " بفضله وعلى حسب حال المنفق من إخلاصه وتعبه ، ومن أجل تفاوتت الأعمال في مقادير الثواب ز " والله واسع " لا يضيق عليه ما يتفضل به من الزيادة . " عليم " بنية المنفق وقدر إنفاقه .
261. The likeness of those who spend their wealth in Allah's way is as the likeness of a grain which groweth seven ears, in every ear a hundred grains. Allah giveth increase manifold to whom He will. Allah is All Embracing, All Knowing.
261 - The parable of those who spend their substance in the way of God is that of a grain of corn: it groweth seven ears, and each ear hath a hundred grains. God giveth manifold increase to whom he pleaseth: and God careth for all and he knoweth all things.