(الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منَّا) على المنفق عليه بقولهم مثلا: قد أحسنت إليه وجبرت حاله (ولا أذى) له بذكر ذلك إلى من لا يحب وقوفه عليه ونحوه (لهم أجرهم) ثواب إنفاقهم (عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في الآخرة
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بذلك: المعطي ماله المجاهدين في سبيل الله معونة لهم على جهاد أعداء الله. يقول تعالى ذكره: الذي يعين المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حمولاتهم وغيرذلك من مؤنهم، ثم لم يتبع نفقته التي أنفقها عليهم، منا عليهم بإنفاق ذلك عليهم، ولا أذى لهم. فامتنانه به عليهم، بأن يظهر لهم أنه قد اصطنع إليهم -بفعله وعطائه الذي أعطاهموه تقوية لهم على جهاد عدوهم- معروفاً، ويبدي ذلك إما بلسان أو فعل. وأما الأذى فهو شكايته إياهم بسبب ما أعطاهم وقواهم من النفقة في سبيل الله، أنهم لم يقوموا بالواجب عليهم في الجهاد، وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذي به من أنفق عليه.
وإنما شرط ذلك في المنفق في سبيل الله، وأوجب الأجر لمن كان غير مان ولا مؤذ من أنفق عليه في سبيل الله، لأن النفقة التي هي في سبيل الله: ما ابتغي به وجه الله وطلب به ما عنده. فإذا كان معنى النففة في سبيل الله هو ما وصفنا، فلا وجه لمن المنفق على من أنفق عليه، لأنه لا يد له قبله ولا صنيعة يستحق بها عليه -إن لم يكافئه عليها- المن والأذى، إذ كانت نفقته ما أنفق عليه احتساباً وابتغاء ثواب الله وطلب مرضاته، وعلى الله مثوبته، دون من أنفق ذلك عليه.
وبنحو المعنى الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم"، علم الله أن أناساً يمنون بعطيتهم، فكره ذلك وقدم فيه فقال: "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم".
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: قال للآخرين، يعني: قال الله للآخرين، وهم الذين لا يخرجون في جهاد عدوهم: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى"، قال: فشرط عليهم. قال: والخارج لم يشرط عليه قليلاً ولا كثيراً- يعني بالخارج، الخارج في الجهاد الذي ذكر الله في قوله: "مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة" الآية، قال ابن زيد: وكان أبي يقول: إن آذاك من يعطي من هذا شيئا أو يقوي في سبيل الله، فظننت أنه يثقل عليه سلامك، فكف سلامك عنه. قال ابن زيد: فنهي عن خير الإسلام. قال: وقالت امرأة لأبي: ياأبا أسامة، تدلني على رجل يخرج في سبيل الله حقاً، فإنهم لا يخرجون إلا ليأكلوا الفواكه!! عندي جعبه وأسهم فيها. فقال لها: لا بارك الله لك في جعبتك ولا في أسهمك، فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم! قال: وكان رجل يقول لهم: اخرجوا وكلوا الفواكه!.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: "لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى"، قال: أن لا ينفق الرجل ماله، خير من أن ينفقه ثم يتبعه مناً وأذى.
وأما قوله: "لهم أجرهم عند ربهم"، فإنه يعني: للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله على ما بين. والهاء والميم في لهم عائدة على الذين.
ومعنى قوله: "لهم أجرهم عند ربهم"، لهم ثوابهم وجزاؤهم على نفقتهم التي أنفقوها في سبيل الله، ثم لم يتبعوها مناً ولا أذى.
وقوله: "ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، يقول: وهم، مع ما لهم من الجزاء والثواب على نفقتهم التي أنفقوها على ما شرطنا، "ولا خوف عليهم" عند مقدمهم على الله وفراقهم الدنيا، ولا في أهوال القيامة، وأن ينالهم من مكارهها أو يصيبهم فيها من عقاب الله، "ولا هم يحزنون" على ما خلفوا وراءهم في الدنيا.
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" قيل : أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه . قال عبد الرحمن بن سمرة :
"جاء عثمان بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسل فرأيته يدخل يده فيها ويقلبها ويقول : ما ضر ابن عفان ما عمل بعد اليوم اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان" . وقال ابو سعيد الخدري :
"رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً يديه يدعو لعثمان يقول : يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه" فما زال يدعو حتى طلع الفجر فنزلت : "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى" الآية .
الثانية : لما تقدم في الآية اليت قبل ذكر الإنفاق في سبيل الله على العموم بين في هذه الآية أن ذلك الحكم والثواب إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه مناً ولا أذى ، لأن المن والأذى مبطلان لثواب الصدقة كما أخبر تعالى في الآية بعد هذا ، وإنما على المرء أن يريد وجه الله تعالى وثوابه بإنفاقه على المنفق عليه ، ولا يرجو منه شيئاً ولا ينظر من أحواله في حال سوى أن يراعي استحقاقه ، قال الله تعالى : "لا نريد منكم جزاء ولا شكورا" ومتى أنفق ليريد من المنفق عليه جزاء بوجه من الوجوه فهذا لم يرد وجه الله ، فهذا إذا أخلف ظنه فيه من بإنفاقه وآذى . وكذلك من أنفق مضطراً دافع غرم إما لمانة للمنفق عليه أو لقرينة أخرى من اعتناء معتن فهذا لم يرد وجه الله . وإنما يقبل ما كان عطاؤه لله وأكثر قصده ابتغاء ما عند الله ، كالذي حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أعرابياً فأتاه فقال :
يا عمر الخير جزيت الجنة أكس بنياتي وأمهنه
وكن لنا من الزمان جنه أقسم بالله لتفعلنه
قال عمر : إن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال :
إذاً أبا حفص لأذهبنه
قال : إذا ذهبت يكون ماذا ؟ قال :
تكون عن حالي لتسألنه يوم تكون الأعطيات هنه
وموقف المسؤول بينهنه إما إلى نار وإما جنه
فبكى عمر حتى اخضلت لحيته ، ثم قال : يا غلام ، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لشعره ، والله لا أملك غيره . قال الماوردي : وإذا كان العطاء على هذا الوجه خالياً من طلب جزاء وشكر وعريا عن امتنان ونشر كان ذلك أشرف للباذل وأهنأ للقابل . فأما المعطي إذا التمس بعطائه الجزاء ، وطلب به الشكر والثناء ، كان صاحب سمعة ورياء ، وفي هذين من الذم ما ينافي السخاء . وإن طلب الجزاء كان تاجراً مربحاً لا يستحق حمداً ولا مدحاً . وقد قال ابن عباس في قوله تعالى : "ولا تمنن تستكثر" أي لا تعطي عطية تلتمس بها أفضل منها . وذهب ابن زيد إلى أن هذه الآية إنما هي في الذين لا يخرجون في الجهاد بل ينفقون وهم قعود ، وأن الآية التي قبلها هي في الذين يخرجون بأنفسهم ، قال : ولذلك شرط على هؤلاء ولم يشترط على الأولين . قال ابن عطية : وفي هذا القول نظر ، لأن التحكم فيه باد .
الثالثة : قوله تعالى : "منا ولا أذى" المن :ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها ، مثل أن يقول : قد أحسنت إليك ونعشتك وشبهه . وقال بعضهم :المن : التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه . والمن من الكبائر ، ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره ، وأنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، وروى النسائي عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة العاق لوالديه والمرأة المترجلة تتشبه بالرجال والديوث ، وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى" . وفي بعض طرق مسلم :
"المنان هو الذي لا يعطي شيئاً إلا منة" . والأذى : السب والتشكي ، وهو أعم من المن ، لأن المن جزء من الأذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه . وقال ابن زيد : لئن ظننت أن سلامك يثقل على من أنفقت عليه تريد وجه الله فلا تسلم عليه . وقالت له امرأة يا ابا اسامة دلني على رجل يخرج في سبيل الله حقاً فإنهم إنما يخرجون يأكلون الفواكه فإن عندي أسهماً وجعبة . فقال : لا بارك الله في أسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم . قال علماؤنا رحمة الله عليهم : فمن أنفق في سبيل الله ولم يتبعه مناً ولا أذى كقوله :ما أشد إلحاحك ، وخلصنا الله منك ، وأمثال هذا فقد تضمن الله له بالأجر ، والأجر الجنة ، ونفى عنه الخوف بعد موته لما يستقبل ، والحزن على ما سلف من دنياه ، لأنه يغتبط بآخرته فقال :"لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون" . وكفى بهذا فضلاً وشرفاً للنفقة في سبيل الله تعالى . وفيها دلالة لمن فضل الغني على الفقير حسب ما يأتي بيان إن شاء الله تعالى .
يمدح تبارك وتعالى الذين ينفقون في سبيله, ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات مناً على من أعطوه, فلا يمنون به على أحد, ولا يمنون به لا بقول ولا بفعل.
وقوله "ولا أذى" أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروهاً يحبطون به ما سلف من الإحسان, ثم وعدهم الله تعالى الجزاء الجزيل على ذلك, فقال "لهم أجرهم عند ربهم" أي ثوابهم على الله لا على أحد سواه. "ولا خوف عليهم" أي فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة. "ولا هم يحزنون" أي على ما خلفوه من الأولاد, ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها لا يأسفون عليها, لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك.
ثم قال تعالى: "قول معروف" أي من كلمة طيبة ودعاء لمسلم "ومغفرة" أي عفو وغفر عن ظلم قولي أو فعلي "خير من صدقة يتبعها أذى". قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن فضيل قال: قرأت على معقل بن عبد الله, عن عمرو بن دينار, قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من صدقة أحب إلى الله من قول معروف, ألم تسمع قوله "قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني" عن خلقه, "حليم" أي يحلم ويغفر ويصفح ويتجاوز عنهم, وقد وردت الأحاديث بالنهي عن المن في الصدقة, ففي صحيح مسلم من حديث شعبة عن الأعمش, عن سليمان بن مسهر, عن خرشة بن الحر, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم: المنان بما أعطى, والمسبل إزاره, والمنفق سلعته بالحلف الكاذب" وقال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى, أخبرنا عثمان بن محمد الدوري, أخبرنا هشيم بن خارجة, أخبرنا سليمان بن عقبة, عن يونس بن ميسرة, عن أبي إدريس, عن أبي الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة عاق, ولا منان, ولا مدمن خمر, ولا مكذب بقدر", وروى أحمد وابن ماجه من حديث يونس بن ميسرة نحوه ثم روى ابن مردويه وابن حبان والحاكم في مستدركه, والنسائي من حديث عبد الله بن يسار الأعرج, عن سالم بن عبد الله بن عمر, عن أبيه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه, ومدمن خمر, والمنان بما أعطى" وقد روى النسائي, عن مالك بن سعد, عن عمه روح بن عبادة, عن عتاب بن بشير, عن خصيف الجزري, عن مجاهد عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يدخل الجنة مدمن خمر, ولا عاق لوالديه, ولا منان" , وقد رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن المنهال, عن محمد بن عبد الله بن عصار الموصلي, عن عتاب, عن خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس, ورواه النسائي من حديث عبد الكريم بن مالك الجزري, عن مجاهد قوله, وقد روي عن مجاهد, عن أبي سعيد, وعن مجاهد عن أبي هريرة نحوه, ولهذا قال الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى, فما يفي ثواب الصدقة بخطيئة المن والأذى, ثم قال تعالى: "كالذي ينفق ماله رئاء الناس" أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس, فأظهر لهم أنه يريد وجه الله, وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس, أو يقال إنه كريم, ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية, مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه, ولهذا قال " ولا يؤمن بالله واليوم الآخر ", ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه, قال الضحاك: والذي يتبع نفقته مناً أو أذى, فقال "فمثله كمثل صفوان" وهو جمع صفوانة, فمنهم من يقول: الصفوان يستعمل مفرداً أيضاً وهو الصفا وهو الصخر الأملس, "عليه تراب فأصابه وابل" وهو المطر الشديد "فتركه صلداً" أي فترك الوابل ذلك الصفوان صلداً أي أملس يابساً, أي لا شيء عليه من ذلك التراب, بل قد ذهب كله, أي وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب, ولهذا قال "لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين"
قوله: 262- " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله" هذه الجملة متضمنة لبيان كيفية الإنفاق الذي تقدم، أي هو إنفاق الذي ينفقون ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى: والمن هو ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها، وقيل المن: التحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المعطى فيؤذيه، والمن من الكبائر كما ثبت في صحيح مسلم وغيره أنه أحد الثلاثة الذين لا ينظر الله إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم. والأذى: السب والتطاول والتشيكي. قال في الكشاف: ومعنى ثم إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى، وإن تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله: "ثم استقاموا" انتهى. وقد المن على الأذى لكثرة وقوعه ووسط كلمة "لا" للدلالة على سمول النفي. وقوله: "عند ربهم" فيه تأكيد وتشريف. وقوله: "ولا خوف عليهم" ظاهرة نفي الخوف عنهم في الدارين لما تفيده النكرة الواقعة في سياق النفي من الشمول، وكذلك "ولا هم يحزنون" يفيد دوام انتفاء الحزن عنهم.
262. قوله تعالى: " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله " قال الكلبي : نزلت هذه الآية في عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما، "جاء عبد الرحمن بأربعة آلاف درهم صدقة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كانت عندي ثمانية آلاف فأمسكت منها لنفسي وعيالي أربعة آلاف درهم، وأربعة آلاف أقرضتها ربي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله فيما أمسكت لك وفيما أعطيت "، وأما عثمان فجهز جيش المسلمين في غزوة تبوك بألف بعير بأقتابها وأحلاسها فنزلت فيهما هذه الآية.
وقال عبد الرحمن بن سمرة : جاء عثمان رضي الله عنه بألف دينار في جيش العسرة فصبها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيها يده ويقلبها ويقول " ما ضر ابن عفان بعد اليوم " فأنزل الله تعالى " الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله " في طاعة الله " ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً " وهو أن يمن عليه بعطائه فيقول أعطيتك كذا، ويعد نعمه عليه فيكدرها " ولا أذى " هو أن يعيره فيقول إلى كم تسأل وكم تؤذيني؟ وقيل من الأذى هو أن يذكر إنفاقه عليه عند من لا يحب وقوفه عليه.
وقال سفيان : " مناً ولا أذى " هو أن يقول قد أعطيتك وأعطيت فما شكرت، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : كان أبي يقول: إذا أعطيت رجلاً شيئاً ورأيت أن سلامك يثقل عليه فكف سلامك عنه، فحظر الله على عباده المن بالصنيعة، واختص به صفة لنفسه، لأن من العباد تعيير. وتكدير ومن الله إفضال وتذكير " لهم أجرهم " أي ثوابهم " عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون "
262-" الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذىً " نزلت في عثمان رضي الله تعالى عنه فإنه جهز جيش العسرة بألف بعير بأقتابها وأحلاسها . وعبد الرحمن بن عوف فإنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بأربعة آلاف درهم صدقة . والمن أن يعتد بإحسانه على من أحسن إليه . والأذى أن يتطاول عليه بسبب ما أنعم إليه ، وثم للتفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى . " لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون " لعله لم يدخل الفاء فيه وقد تضمن ما أسند إليه معنى الشرط إيهاماً بأنهم أهل لذلك وإن لم يفعلوا فكيف بهم إذا فعلوا .
262. Those who spend their wealth for the cause of Allah and afterward make not reproach and injury to follow that which they have spent; their reward is with their Lord, and there shall no fear come upon them, neither shall they grieve.
262 - Those who spend their substance in the cause of God, and follow not up their gifts with reminders of their generosity or with injury, for them their reward is with their Lord: on them shall be no fear, nor shall they grieve.