(أيود) أيحب (أحدكم أن تكون له جنة) بستان (من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها) ثمر (من كل الثمرات و) قد (أصابه الكبر) فضعف من الكبر عن الكسب (وله ذرية ضعفاء) أولاد صغار لا يقدرون عليه (فأصابها إعصار) ريح شديدة (فيه نار فاحترقت) ففقدها أحوج ما كان إليها وبقي هو وأولاده عجزة متحيرين لا حيلة لهم وهذا تمثيل لنفقة المرائي والمان في ذهابها وعدم نفعها أحوج ما يكون إليها في الآخرة والاستفهام بمعنى النفي ، وعن ابن عباس هو الرجل عمل بالطاعات ثم بعث له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق أعماله (كذلك) كما بين ما ذكر (يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون) فتعتبرون
قال أبو جعفر: ومعنى ذلك: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا"، "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر"، الآية.
ومعنى قوله: "أيود أحدكم"، أيحب أحدكم، "أن تكون له جنة"، يعني: بستاناً، "من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار"، يعني: من تحت الجنة، "له فيها من كل الثمرات"، والهاء في قوله: له عائدة على أحد، والهاء والألف في فيها على الجنة، "وأصابه"، يعني: وأصاب أحدكم، "الكبر وله ذرية ضعفاء".
وإنما جعل جل ثناؤه البستان من النخيل والأعناب، الذي قال جل ثناؤه لعباده المؤمنين: أيود أحدكم أن تكون له، مثلا لنفقة المنافق التي ينفقها رئاء الناس، لا ابتغاء مرضاة الله، فالناس -بما يظهر لهم من صدقته لاعطائه لما يعطي وعمله الظاهر- يثنون عليه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته، في حسنه كحسن البستان، وهي الجنة التي ضربها الله عز وجل لعمله مثلاً، من نخيل وأعناب له فيها من كل الثمرات، لأن عمله ذلك الذي يعمله في الظاهر في الدنيا فيه من كل خير من عاجل الدنيا، يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذريته، ويكتسب به المحمدة وحسن الثناء عند الناس، ويأخذ به سهمه من المغنم، مع أشياء كثيرة يكثر إحصاؤها، فله في ذلك من كل خير في الدنيا، كما وصف جل ثناؤه الجنة التي وصف مثلاً لعمله، بأن فيها من كل الثمرات.
ثم قال جل ثناؤه: "وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء"، يعني أن صاحب الجنة أصابه الكبر، "وله ذرية ضعفاء"، صغار أطفال، "فأصابها"، يعني: فأصاب الجنة- "إعصار فيه نار فاحترقت"، يعني بذلك أن جنته تلك أحرقتها الريح التي فيها النار، في حال حاجته إليها وضرورته إلى ثمرتها بكبره، وضعفه عن عمارتها، وفي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقيام عليها. فبقي لا شيء له، أحوج ما كان إلى جنته وثمارها، بالآفة التي أصابتها من الإعصار الذي فيه النار.
يقول: فكذلك المنفق ماله رئاء الناس، أطفأ الله نوره، وأذهب بهاء عمله، وأحبط أجره، حتى لقيه وعاد إليه أحوج ما كان إلى عمله، حين لا مستعتب له، ولا إقالة من ذنوبه، ولا توبة، واضمحل عمله، كما احترقت الجنة التي وصف جل ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذريته، أحوج ما كان إليها، فبطلت منافعها عنه.
وهذا المثل الذي ضربه الله للمنفقين أموالهم رئاء الناس في هذه الآية، نظير المثل الآخر الذي ضربه لهم بقوله: "فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا".
قال أبو جعفر: وقد تنازع أهل التأويل في تأويل هذه الآية، إلا أن معاني قولهم في ذلك وإن اختلفت تصاريفهم فيها، عائدة إلى المعنى الذي قلنا في ذلك. وأحسنهم إبانة لمعناها، وأقربهم إلى الصواب قولاً فيها، السدي.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت"، هذا مثل آخر لنفقة الرياء. إنه ينفق ماله يرائي الناس به، فيذهب ماله منه وهو يرائي، فلا يأجره الله فيه. فإذا كان يوم القيامة واحتاج إلى نفقته، وجدها قد أحرقها الرياء فذهبت، كما أنفق هذا الرجل على جنته، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته، جاءت ريح فيها سموم فأحرقت جنته، فلم يجد منها شيئاً. فكذلك المنفق رياء.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله عز وجل: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب"، كمثل المفرط في طاعة الله حتى يموت. قال، يقول: أيود أحدكم أن يكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنات تجري من تحتها الأنهار، "له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت"، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئاً، وولده صغار لا يغنون عنها شيئا. وكذلك المفرط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبد الملك، عن عطاء قال: سأل عمر الناس عن هذه الآية، فما وجد أحداً يشفيه، حتى قال ابن عباس وهو خلفه: يا أمير المؤمنين، إني أجد في نفسي منها شيئاً. قال: فتلفت إليه فقال: تحول ههنا، لم تحقر نفسك؟ قال: هذا مثل ضربه الله عزوجل فقال: يود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الخير وأهل السعادة، حتى إذا كان أحوج ما يكون إلى أن يختمه بخير حين فني عمره واقترب أجله، ختم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فأفسده كله، فحرقه أحوج ما كان إليه.
حدثنا ابن وكيع، حدثنا أبي، عن محمد بن سليم، عن ابن أبي مليكة: أن عمر تلا هذه الآية: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب"، قال: هذا مثل ضرب للإنسان: يعمل عملاً صالحاً، حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه، عمل عمل السوء.
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن ابن جريج قال، سمعت أبا بكر بن أبي مليكة، يخبر عن عبيد بن عمير أنه سمعه يقول: سأل عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
فيم ترون أنزلت: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب"؟ فقالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم. فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قل يا ابن أخي، ولا تحقر نفسك! قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال لعمل. فقال عمر: رجل غني يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها. قال: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث نحو هذا، عن ابن عباس، سمعه منه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سمعت أبا بكر بن أبي مليكة يخبر أنه سمع عبيد بن عمير، قال ابن جريج: وسمعت عبيد الله بن أبي مليكة قال: سمعت ابن عباس، قالا جميعاً: أن عمر بن الخطاب سأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه، إلا أنه قال عمر: للرجل يعمل بالحسنات، ثم يبعث له الشيطان فيعمل بالمعاصي.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء عنها، ثم قال ابن جريج: وأخبرني عبد الله بن كثير، عن مجاهد، قالا: ضربت مثلاً للأعمال، قال ابن جريج: وقال ابن عباس: ضربت مثلاً للعمل، يبدأ فيعمل عملاً صالحاً فيكون مثلاً للجنة التي من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات- ثم يسيء في آخر عمره، فيتمادى على الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار الذي فيه نار التي أحرقت الجنة، مثلاً لإساءته التي مات وهو عليها. قال ابن عباس: الجنة عيشه وعيش ولده، فاحترقت فلم يستطع أن يدفع عن جنته من أجل كبره،
ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن جنتهم من أجل صغرهم، حتى احترقت. يقول: هذا مثله، يلقاني وهو أفقر ما كان إلي، فلا يجد له عندي شيئاً، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئاً، ولا يستطيع من كبره وصغر أولاده أن يعملوا جنة. كذلك لا توبة إذا انقطع العمل، حين مات. قال ابن جريج، عن مجاهد، سمعت ابن عباس قال: هو مثل المفرط في طاعة الله حتى يموت. قال ابن جريج، وقال مجاهد: أيود أحدكم أن تكون له دنيا لا يعمل فيها بطاعة الله، كمثل هذا الذي له جنة؟ فمثله بعد موته كمثل هذا حين احترقت جنته وهو كبير لا يغني عنها شيئاً، وأولاده صغار ولا يغنون عنه شيئاً. وكذلك المفرط بعد الموت، كل شيء عليه حسرة.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار" الآية، يقول: أصابها ريح فيها سموم شديد، "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"، فهذا مثل، فاعقلوا عن الله جل وعز أمثاله، فإنه قال: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون" [العنكبوت: 43]، هذا رجل كبرت سنه، ورق عظمه، وكثر عياله، ثم احترقت جنته على بقية ذلك، كأحوج ما يكون إليه، يقول: أيحب أحدكم أن يضل عنه عمله يوم القيامة كأحوج ما يكون إليه؟.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "أيود أحدكم أن تكون له جنة" إلى قوله: "فاحترقت" يقول: فذهبت جنته كأحوج ما كان إليها حين كبرت سنه وضعف عن الكسب، "وله ذرية ضعفاء"، لا ينفعونه. قال: وكان الحسن يقول: "فاحترقت" فذهبت أحوج ما كان إليها، فذلك قوله: أيود أحدكم أن يذهب عمله أحوج ما كان إليه؟.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ضرب الله مثلاً حسناً، وكل أمثاله حسن تبارك وتعالى. وقال قال: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل" إلى قوله: "فيها من كل الثمرات". يقول: صنعه في شبيبته، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه. وكذلك الكافر يوم القيامة، إذا رد إلى الله تعالى، ليس له خير فيستعتب، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجد خيراً قدم لنفسه يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته. وهو مثل ضربه الله عز وجل للمؤمن والكافر فيما أوتيا في الدنيا: كيف نجى المؤمن في الآخرة، وذخر له من الكرامة والنعيم، وخزن عنه المال في الدنيا، وبسط للكافر في الدنيا من المال ما هومنقطع، وخزن له من الشر ما ليس بمفارقه أبداً، ويخلد فيها مهاناً، من أجل أنه [فخر على صاحبه] ووثق بما عنده، ولم يستيقن أنه ملاق ربه.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "أيود أحدكم أن تكون له جنة"، الآية، قال: [هذا مثل ضربه الله]: أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب [له فيها من كل الثمرات]، والرجل [قد كبر سنه وضعف]، وله أولاد صغار [وابتلاهم الله] في جنتهم، فبعث الله عليها إعصاراً فيه نار فاحترقت، فلم يستطع الرجل أن يدفع عن جنته من الكبر، ولا ولده لصغرهم، فذهبت جنته أحوج ما كان إليها. يقول: أيحب أحدكم أن يعيش في الضلالة والمعاصي حتى يأتيه الموت، فيجيء يوم القيامة قد ضل عنه عمله أحوج ما كان إليه؟ فيقول: ابن آدم، أتيتني أحوج ما كنت قط إلى خير، فأين ما قدمت لنفسك؟.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد، وقرأ قول الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى"، ثم ضرب ذلك مثلاً فقال: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب"، حتى بلغ "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت". قال: جرت أنهارها وثمارها، وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت. أيود أحدكم هذا؟ كما يتجمل أحدكم إذ يخرج من صدقته ونفقته، حتى إذا كان له عندي جنة وجرت أنهارها وثمارها وكانت لولده وولد ولده، أصابها ريح إعصار فحرقها.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار"، رجل غرس بستاناً فيه من كل الثمرات، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته. فهذا مثل ضربه الله للكافر، يقول: يلقاني يوم القيامة وهو أحوج ما يكون إلى خير يصيبه، فلا يجد له عندي خيراً، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب الله شيئاً.
قال أبو جعفر: وإنما دللنا أن الذي هو أولى بتأويل ذلك ما ذكرناه، لأن الله جل ثناؤه تقدم إلى عباده المؤمنين بالنهي عن المن والأذى في صدقاتهم، ثم ضرب مثلاً لمن من وآذى من تصدق عليه بصدقة، فمثله بالمرائي من المنافقين المنفقين أموالهم رئاء الناس. وكانت قصة هذه الأية وما قبلها من المثل، نظيرة ما ضرب لهم من المثل قبلها، فكان إلحاقها بنظيرتها أولى من حمل تأويلها على أنه مثل ما لم يجرله ذكرقبلها ولا معها.
فإن قال لنا قائل: وكيف قيل: "وأصابه الكبر"، وهو فعل ماض، فعطف به على قوله: "أيود أحدكم"؟.
قيل: إن ذلك كذلك، لأن قوله: "أيود" يصح أن يوضع فيه لو مكان أن، فلما صلحت بـلو وأن، ومعناهما جميعاً الاستقبال، استجازت العرب أن يردوا فعل بتأويل لو، على يفعل مع أن، فلذلك قال: "فأصابها"، وهو في مذهبه بمنزلة لو، إذ ضارعت أن في معنى الجزاء، فوضعت في مواضعها، وأجيبت أن بجواب لو و لو بجواب أن، فكأنه قيل: أيود أحدكم لو كانت له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر؟.
فإن قال: وكيف قيل ههنا: "وله ذرية ضعفاء"، وقال في [النساء: 9]، "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا"؟.
قيل: لأن فعيلاً تجمع على فعلاء وفعال، فيقال: رجل ظريف، من قوم ظرفاء وظراف.
وأما الإعصار، فإنه الريح العاصف تهب من الأرض إلى السماء، كأنها عمود، تجمع أعاصير، ومنه قول يزيد بن مفرغ الحميري:
أناس أجارونا، فكان جوارهم أعاصير من فسو العراق المبذر
قال أبو جعفر: واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "إعصار فيه نار فاحترقت".
فقال بعضهم: معنى ذلك: ريح فيها سموم شديدة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عبد الله بن بزيع قال، حدثنا يوسف بن خالد السمتي قال، حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عباس في قوله: "إعصار فيه نار"، ريح فيها سموم شديدة.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن عطية قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي اسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس في: "إعصار فيه نار"، قال: السموم الحارة التي خلق منها الجان، التي تحرق.
حدثنا أحمد قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت"، قال: هي السموم الحارة التي لا تبقي أحداً.
حدثنا المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن التميمي، عن ابن عباس: "إعصار فيه نار فاحترقت"، التي تقتل.
حدثنا أحمد بن إسحاق قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عمن ذكره، عن ابن عباس قال: إن السموم التي خلق منها الجان، جزء من سبعين جزءاً من النار.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "إعصار فيه نار فاحترقت"، هي ريح فيها سموم شديد.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: "إعصار فيه نار"، قال: سموم شديد.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "إعصار فيه نار"، يقول:أصابها ريح فيها سموم شديدة.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة نحوه.
حدثني موسى قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "إعصار فيه نار فاحترقت"، أما الإعصار فالريح، وأما النار فالسموم.
حدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع: "إعصار فيه نار"، يقول: ريح فيها سموم شديد.
وقال آخرون: هي ريح فيها برد شديد.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر قال: كان الحسن يقول في قوله: "إعصار فيه نار فاحترقت"، فيها صر وبرد.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك: "إعصار فيه نار فاحترقت"، يعني بالإعصار، ريح فيها برد.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: كما بين لكم ربكم تبارك وتعالى أمر النفقة في سبيله، وكيف وجهها، وما لكم وما ليس لكم فعله فيها، كذلك يبين لكم الآيات سوى ذلك، فيعرفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضح لكم حججها،إنعاماً منه بذلك عليكم، "لعلكم تتفكرون"، يقول: لتتفكروا بعقولكم، فتتدبروا وتعتبروا بحجج الله فيها وتعلموا بما فيها من أحكامها، فتطيعوا الله به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري قال، قال مجاهد: "لعلكم تتفكرون"، قال: تطيعون.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، قال ، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"، يعني: في زوال الدنيا وفنائها، وإقبال الآخرة وبقائها.
له تعالى : "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب" الآية . حكى الطبري عن السدي أن هذه الآية مثل آخر لنفقة الرياء ، ورجح هو هذا القول .
قلت : وروي عن ابن عباس أيضاً قال : هذا مثل ضربة الله للمرائين بالأعمال يبطلها يوم القيامة أحوج ما كان إليها ، كمثل رجل كانت له جنة وله أطفال لا ينفعونه فكبر واصاب الجنة إعصار أي ريح عاصف فيه نار فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها . وحكي عن ابن زيد أنه قرأ قول الله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى" الآية ، قال : ثم ضرب في ذلك مثلاً فقال: "أيود أحدكم" الآية . قال ابن عطية : وهذا ابين من الذي رجح الطبري ، وليست هذه الآية بمثل آخر لنفقة الرياء ، هذا هو مقتضى سياق الكلام . وأما بالمعنى في غير هذا السياق فتشبه حال كل منافق أو كافر عمل عملاً وهو يحسب أنه يحسن صنعاً فلما جاء إلى وقت الحاجة لم يجد شيئاً .
قلت :قد روي عن ابن عباس أنها مثل لمن عمل لغير الله من منافق وكافر على ما يأتي ، إلا أن الذي ثبت في البخاري عنه خلاف هذا . خرج البخاري عن عبيد بن عمير قال :
قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : فيم ترون هذه الآية نزلت : "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب" ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ،فغضب عمر وقال : قولوا : نعلم أو لا نعلم ! فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين ، قال : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك ، قال ابن عباس : ضربت مثلاً لعمل : قال عمر : أي عمل ؟ قال ابن عباس : لعمل رجل غني يعمل بطاعة الله ثم بعث الله عز وجل له الشيطان فعمل في المعاصي حتى أحرق عمله . في رواية : فإذا فني عمره واقترب أجله ختم ذلك بعمل من أعمال الشقاء ، فرضي ذلك عمر . وروى ابن ابي مليكة أن عمر تلا هذه الآية . وقال : هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملاً صالحاً حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء . قال ابن عطية : فهذا نظر يحمل الآية على كل ما يدخل تحت ألفاظها ، وبنحو ذلك قال مجاهد و قتادة والربيع وغيرهم . وخص النخيل والأعناب الذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الشجر . وقرأ الحسن جنات بالجمع . "تجري من تحتها الأنهار" تقدم ذكره "له فيها من كل الثمرات" يريد ليس شيء من الثمار إلا وهو فيها نابت .
قوله تعالى : "وأصابه الكبر" عطف ماضياً على مستقبل وهو تكون وقيل : يود فقيل : التقدير وقد اصابه الكبر . وقيل إنه محمول على المعنى ، لأن المعنى أيود أحدكم أن لو كانت له جنة . وقيل : الواو واو الحال ، وكذا في قوله تعالى وله .
قوله تعالى : "فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت" قال الحسن : "إعصار فيه نار" ريح فيها برد شديد .. الزجاج : الإعصار في اللغة الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى السماء كالعمود ، وهي التي يقال لها : الزوبعة . قال الجوهري : الزوبعة رئيس من رؤساء الجن ، ومنه سمي الإعصار زوبعة . ويقال : أم زوبعة ، وهي ريح تثير الغبار وترتفع إلى السماء كأنها عمود . وقيل : الإعصار ريح تثير سحاباً ذا رعد وبرق . المهدوي : قيل لها إعصار لأنها تلفت كالثوب إذا عصر . ابن عطية : وهذا ضعيف .
قلت : بل هو صحيح : لأنه المشاهد المحسوس ، فإنه يصعد عموداً ملتفاً . وقيل : إنما قيل للريح إعصار ، لأنه يعصر السحاب ، والسحاب معصرات إما لأنها حوامل فهي كالمعصر من النساء . وإما لأنها تنعصر بالرياح . وحكى ابن سيده : أن المعصرات فسرها قوم بالرياح لا بالسحاب . ابن زيد : الإعصار ريح عاصف وسموم شديدة ، وكذلك قال السدي ، الإعصار الريح والنار السموم . ابن عباس : ريح فيها سموم شديدة . قال ابن عطية : ويكون ذلك في شدة الحر ويكون في شدة البرد ، وكل ذلك من فيح جهنم ونفسها ، كما تضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم :
"إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" و :
"إن النار اشتكت إلى ربها" الحديث . وروي عن ابن عباس وغيره : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للكافرين والمنافقين ، كهيئة رجل غرس بستاناً فأكثر فيه من الثمر فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء ـ يريد صبياناً بنات وغلماناً ـ فكانت معيشته ومعيشة ذريته من ذلك البستان ، فأرسل الله على بستانه ريحاً فيها نار فأحرقته ، ولم يكن عنده فوة فيغرسه ثانية ، ولم يكن عند بنيه خير فيعودون على أبيهم وكذلك الكافر والمنافق إذا ورد إلى الله تعالى يوم القيامة ليست له كرة يبعث فيرد ثانية ، كما ليست عند هذا قوة فيغرس بستانه ثانية ، ولم يكن عند من افتقر إليه عند كبر سنه وضعف ذريته غنى عنه .
قوله تعالى "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون" يريد كي ترجعوا إلى عظمتي وربوبيتي ولا تتخذوا من دوني أولياء ، وقال ابن عباس أيضاً : تتفكرون في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها .
قال البخاري عند تفسير هذه الاية: حدثنا إبراهيم بن موسى, حدثنا هشام هو ابن يوسف, عن ابن جريج سمعت عبد الله بن أبي مليكة, يحدث عن ابن عباس, وسمعت أخاه أبا بكر بن أبي مليكة يحدث عن عبيد بن عمير, قال: قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيمن ترون هذه الاية نزلت ؟ "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب" قالوا: الله أعلم. فغضب عمر, فقال: قولوا: نعلم أو لا نعلم, فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين, فقال عمر: يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك, فقال ابن عباس رضي الله عنهما: ضربت مثلاً بعمل, قال عمر: أي عمل ؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعمل بطاعة الله, ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي, حتى أغرق أعماله, ثم رواه البخاري عن الحسن بن محمد الزعفراني, عن حجاج بن محمد الأعور, عن ابن جريج, فذكره وهو من أفراد البخاري رحمه الله, وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الاية, وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولاً ثم بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات عياذاً بالله من ذلك, فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح, واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال, فلم يحصل منه شيء وخانه أحوج ما كان إليه, ولهذا قال تعالى: "وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار" وهو الريح الشديد "فيه نار فاحترقت" أي أحرق ثمارها وأباد أشجارها, فأي حال يكون حاله ؟ وقد روى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس, قال: ضرب الله مثلاً حسناً وكل أمثاله حسن, قال "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات" يقول صنعه في شيبته "وأصابه الكبر" وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره, فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه, فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله, ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه, وكذلك الكافر يكون يوم القيامة إذا رد إلى الله عز وجل, ليس له خير فيستعتب, كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه, ولا يجده قدم لنفسه خيراً يعود عليه, كما لم يغن عن هذا ولده, وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه, كما حرم هذا جنته عندما كان أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته. وهكذا روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه "اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري" ولهذا قال تعالى: " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها. كما قال تعالى: "وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون".
الود: الحب للشيء مع تمنيه، والهمزة الداخلة على الفعل لإنكار الوقوع، والجنة تطلق على الشجر الملتف وعلى الأرض التي فيها الشجر. والأول أولى هنا لقوله: 266- "تجري من تحتها الأنهار" بإرجاع الضمير إلى الشجر من دون حاجة إلى مضاف محذوف وأما على الوجه الثاني فلا بد من تقديره أي من تحت أشجارها وهكذا قوله: "فاحترقت" لا يحتاج إلى تقدير مضاف على الوجه الأول، وأما على الثاني فيحتاج إلى تقديره: أي فاحترقت أشجارها، وخص النخيل والأعناب بالذكر مع قوله: "له فيها من كل الثمرات" لكونهما أكرم الشجر، وهذه الجمل صفات للجنة، والواو في قوله: "وأصابه الكبر" قيل: عاطفة على قوله: "تكون" ماض على مستقبل، وقيل على قوله: "يود" وقيل إنه محمول على المعنى إذ تكون في معنى كانت وقيل إنها واو الحال أي وقد أصابه الكبر وهذا أرجح. وكبر السن هو مظنة شدة الحاجة لما يلحق صاحبه من العجز عن تعاطي الأسباب. وقوله: "وله ذرية ضعفاء" حال من الضمير في أصابه: أي والحال أن له ذرية ضعفاء، فإن من جمع بين كبر السن وضعف الذرية كان تحسره على تلك الجنة في غاية الشدة. والإعصار: الريح الشديدة التي تهب من الأرض إلى السماء كالعمود، وهي التي يقال لها الزوبعة، قاله الزجاج. قال الجوهري: الزوبعة رئيس من رؤساء الجن، ومنه سمي الإعصار زوبعة، ويقال أم زوبعة: وهي ريج يثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود، وقيل: هي ريح تثير سحاباً ذات رعد وبرق. وقوله: "فاحترقت" عطف على قوله: "فأصابها" وهذه الآية تمثيل من يعمل خيراً ويضم إليه ما يحبطه فيجده يوم القيامة عند شدة حاجته إليه لا يسمن ولا يغني من جوع بحال من له هذه الجنة الموصوفة وهو متصف بتلك الصفة.
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قال عمر يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيم ترون هذه الآية نزلت "أيود أحدكم أن تكون له جنة" قالوا: الله أعلم، قال: قولوا: نعلم أو لا نعلم، فقال ابن عباس في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر: يابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس: ضربت مثلاً لعمل، قال عمر: أي عمل؟ قال ابن عباس: لرجل غني يعمل لطاقة الله، ثم بعث الله له الشيطان فعمل في المعاصي حتى أغرق عمله. وأخرج ابن جرير عن عمر قال: هذا مثل ضرب لإنسان يعمل عملاً صالحاً حتى إذا كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمل عمل السوء. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه من طرق عن ابن عباس في قوله: "إعصار فيه نار" قال: ريح فيها سموم شديدة.
266. " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار " هذه الآية متصلة بقوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " [قوله أيود يعني: أيحب أحدكم أن تكون له جنة أي بستان من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار].
" له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء " أولاد صغار عجزة " فأصابها إعصار " وهو الريح العاصف التي ترتفع إلى السماء كأنها عمود وجمعه أعاصير " فيه نار فاحترقت " هذا مثل ضربه الله لعمل المنافق والمرائي يقول: عمله في حسنه كحسن الجنة ينتفع به كما ينتفع صاحب الجنة بالجنة، فإذا كبر أو ضعف وصار له أولاد ضعاف وأصاب جنته إعصار فيه نار فاحترقت فصار أحوج ما يكون إليها وضعف عن إصلاحها لكبره وضعف أولاده عن إصلاحها لصغرهم ولم يجد هو ما يعود به على أولاده ولا أولاده ما يعودون به عليه فبقوا جميعاً متحيرين عجزة لا حيلة بأيديهم، كذلك يبطل الله عمل هذا المنافق والمرائي حين لا مغيث لهما ولا توبة ولا إقالة.
قال عبيد بن عمير : قال عمر رضي الله عنه يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: فيمن ترون هذه الآية نزلت " أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب "؟ قالوا: الله أعلم، فغضب عمر رضي الله عنه فقال: قولوا نعلم أولا نعلم، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر رضي الله عنه: ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ضربت مثلاً لعمل، فقال عمر رضي الله عنه: أي عمل؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لعمل المرائي قال عمر رضي الله عنه لرجل غني يعمل بطاعة الله بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله )).
" كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون "
266-" أيود أحدكم " الهمزة فيه للإنكار ز " أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات " جعل الجنة منهما مع ما فيها من سائر الأشجار تغلباً لهما لشرفهما وكثرة منافعهما ، ثم ذكر أن فيها من كل الثمرات ليدل على احتوائها على سائر أنواع الأشجار ، ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع ز " وأصابه الكبر " أي كبر السن ، فإن الفاقة والعالة في الشيخوخة أصعب ، والواو للحال أو للعطف حملاً على المعنى ، فكأنه قيل : أيود أحدكم لو كانت له جنة وأصابه الكبر . " وله ذرية ضعفاء " صغار لا قدرة لهم على الكسب . " فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت " عطف على أصابه ، أو تكون باعتبار المعنى . والإعصار ريح عاصفة تنعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كعمود ، والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ويضم إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء في الحسرة الأسف ، فإذا كان يوم القيامة واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة بحال من هذا شأنه ، وأشبههم به من جال بسره في عالم الملكوت ، وترقى بفكره إلى جناب الجبروت ، ثم نكص على عقبيه إلى عالم الزور والتفت إلى ما سوى الحق وجعل سعيه هباء منثوراً . " كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون " أي تتفكرون فيها فتعتبرون بها .
266. Would any of you like to have a garden of palm trees and vines, with rivers flowing underneath it, with all kinds of fruit for him therein; and old age hath stricken him and be hath feeble off spring; and a fiery whirlwind striketh it and it is (all) consumed by fire. Thus Allah maketh plain His revelations unto you, in order that ye may give thought.
266 - Does any of you wish that he should have a garden with date palms and vines and streams flowing underneath, and all kinds of fruit, while he is stricken with old age, and his children are not strong (enough to look after themselves) that it should be caught in a whirlwind, with fire therein, and be burnt up? thus doth God make clear to you (his) signs; that ye may consider.