(الشيطان يعدكم الفقر) يخوفكم به إن تصدقتم فتمسكوا (ويأمركم بالفحشاء) البخل ومنع الزكاة (والله يعدكم) على الإنفاق (مغفرة منه) لذنوبكم (وفضلا) رزقا خلفا منه (والله واسع) فضله (عليم) بالمنفق
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: "الشيطان يعدكم"، أيها الناس -بالصدقة وأدائكم الزكاة الواجبة عليكم في أموالكم- أن تفتقروا، "ويأمركم بالفحشاء"، يعني: ويأمركم بمعاصي الله عز وجل وترك طاعته، "والله يعدكم مغفرة منه"، يعني: إن الله عز وجل يعدكم، أيها المؤمنون، أن يستر عليكم فحشاءكم، بصفحه لكم عن عقوبتكم عليها، فيغفر لكم ذنوبكم بالصدقة التي تتصدقون، "وفضلا" يعني: ويعدكم أن يخلف عليكم من صدقتكم، فيتفضل عليكم من عطاياه، ويسبغ عليكم في أرزاقكم، كما:-
حدثنا محمد بن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: اثنان من الله، واثنان من الشيطان: "الشيطان يعدكم الفقر"، يقول: لا تنفق مالك وأمسكه عليك، فإنك تحتاج إليه "ويأمركم بالفحشاء" "والله يعدكم مغفرة منه"، على هذه المعاصي، "وفضلا" في الرزق.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قولة: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا" يقول: مغفرة لفحشائكم، وفضلاً لفقركم.
حدثنا هناد قال، حدثنا أبو الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للشيطان لمةً من ابن آدم، وللملك لمةً. فأما لمة الشيطان، فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وأما لمة الملك، فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك، فليعلم أنه من الله وليحمد الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان، ثم قرأ: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء"".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا الحكم بن بشير بن سلمان قال، حدثنا عمرو، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله قال: إن للإنسان من الملك لمة، ومن الشيطان لمة. فاللمة من الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، واللمة من الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق. وتلا عبد الله: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا"، قال عمرو: وسمعنا في هذا الحديث أنه كان يقال: إذا أحس أحدكم من لمة الملك شيئاً فليحمد الله وليسأله من فضله، وإذا أحس من لمة الشيطان شيئاً فليستغفر الله وليتعوذ من الشيطان.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي الأحوص -أو: عن مرة- قال: قال عبد الله: ألا إن للملك لمة وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، ذلكم بأن الله يقول: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم"، فإذا وجدتم من هذه شيئاً فاحمدوا الله عليه، وإذا وجدتم من هذه شيئاً فتعوذوا بالله من الشيطان.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود في قوله: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء"، قال: إن للملك لمة، وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجدها فليحمد الله، ولمة الشيطان إيعاد بالشر وتكذيب بالحق، فمن وجدها فليستعذ بالله.
حدثني المثنى بن إبراهيم قال، حدثنا حجاج بن المنهال، قال، حدثنا حماد بن سلمة قال، أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني: أن ابن مسعود قال: إن للملك لمة وللشيطان لمة. فلمة الملك إيعاده بالخير وتصديق بالحق، ولمة الشيطان إيعاده بالشر وتكذيب بالحق. فمن أحس من لمة الملك شيئاً فليحمد الله عليه، ومن أحس من لمة الشيطان شيئاً فليتعوذ بالله منه. ثم تلا هذه الآية: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم".
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن فطر، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن عبد الله بنحوه.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عطاء، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود قال: إن للشيطان لمة وللملك لمة. فأما لمة الشيطان فتكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق. فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله وليحمد الله عليه، ومن وجد الأخرى فليستعذ من الشيطان. ثم قرأ: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا".
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: "والله واسع" الفضل الذي يعدكم أن يعطيكموه من فضله وسعة خزائنه، "عليم" بنفقاتكم وصدقاتكم التي تنفقون وتصدقون بها، يحصيها لكم حتى يجازيكم بها عند مقدمكم عليه في آخرتكم.
قوله تعالى : "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم" .
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "الشيطان" تقدم في معنى الشيطان واشتقاقه فلا معنى لإعادته . و يعدكم يخوفكم الفقر أي بالفقر لئلا تنفقوا . فهذه الآية متصلة بما قبل ، وأن الشيطان له مدخل في التثبيط للإنسان عن الإنفاق في سبيل الله ، وهو مع ذلك يأمر بالفحشاء وهي المعاصي والإنفاق فيها . وقيل : أي بأن لا تتصدقوا فتعصوا وتتقاطعوا . وقرىء الفقر بضم الفاء وهي لغة . قال الجوهري : والفقر لغة في الفقر ، مثل الضعف والضعف .
الثانية : قوله تعالى : "والله يعدكم مغفرة منه وفضلا" الوعد في كلام العرب إذا أطلق فهو في الخير ، وإذا قيد بالموعود ما هو فقد يقدر بالخير وبالشر كالبشارة . فهذه الآية مما يقيد فيها الوعد بالمعنيين جميعاً . قال ابن عباس : في هذه الآية اثنتان من الله تعالى واثنتان من الشيطان . وروى الترمذي عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان : فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ـ ثم قرأ ـ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء" . قال : هذا حديث حسن صحيح . ويجوز في غير القرآن ويأمركم الفحشاء بحذف الباء ، وأنشد سيبويه :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب
والمغفرة هي الستر على عباده في الدينا والآخرة . والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة والنعيم في الآخرة ، وبكل قد وعد الله تعالى .
الثالثة : ذكر النقاش أن بعض الناس تأنس بهذه الآية في أن الفقر أفضل من الغنى لأن الشيطان إنما يبعد العبد من الخير ، وهو بتخويفه الفقر يبعد منه . قال ابن عطية : وليس في الآية حجة قاطعة بل المعارضة بها قوية . وروي أن في التوارة عبدي أنفق من رزقي ابسط عليك فضلي فإن يدي مبسوطة على كل يد مبسوطة . وفي القرآن مصداقه وهو قوله : "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين" . ذكره ابن عباس :"والله واسع عليم" تقدم معناه . والمراد هنا أنه سبحانه وتعالى يعطي من سعة ويعلم حيث يضع ذلك ، ويعلم الغيب والشهادة . وهما اسمان من أسمائه ذكرناهما في جملة الأسماء في الكتاب الأسنى والحمد لله .
يأمر تعالى: عباده المؤمنين بالإنفاق والمراد به الصدقة ههنا, قاله ابن عباس: من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها, قال مجاهد: يعني التجارة بتيسيره إياها لهم, وقال علي والسدي "من طيبات ما كسبتم" يعني الذهب والفضة, ومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض, قال ابن عباس: أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه, ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه, فإن الله طيب لا يقبل إلا طيباً, ولهذا قال: "ولا تيمموا الخبيث" أي تقصدوا الخبيث "منه تنفقون ولستم بآخذيه" أي لو أعطيتموه ما أخذتموه, إلا أن تتغاضوا فيه, فالله أغنى عنه منكم, فلا تجعلوا لله ما تكرهون, وقيل معناه "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" أي لا تعدلوا عن المال الحلال وتقصدوا إلى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه, ويذكر ههنا الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا إسحاق, عن الصباح بن محمد عن مرة الهمداني, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب, ولا يعطي الدين إلا لمن أحب, فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه, والذي نفسي بيده لا يسلم عبد, حتى يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا وما بوائقه يا نبي الله قال غشه وظلمه, ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان إلى النار, إن الله لا يمحو السيء بالسيء, ولكن يمحو السيء بالحسن, إن الخبيث لا يمحو الخبيث" والصحيح القول الأول, قال ابن جرير رحمه الله: حدثنا الحسين بن عمر العبقري, حدثني أبي عن أسباط عن السدي, عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضي الله عنه, في قول الله "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" الاية, قال: نزلت في الأنصار, كانت الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها البسر فعلقوه على حبل, بين الأسطوانتين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فيأكل فقراء المهاجرين منه, فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر, يظن أن ذلك جائز, فأنزل الله فيمن فعل ذلك "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون", ثم رواه ابن جرير وابن ماجه وابن مردويه, والحاكم في مستدركه من طريق السدي, عن عدي بن ثابت عن البراء بنحوه, وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم, ولم يخرجاه وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا عبيد الله, عن إسرائيل عن السدي عن أبي مالك عن البراء رضي الله عنه, "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" قال: نزلت فينا, كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته, فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد, وكان أهل الصفة ليس لهم طعام فكان أحدهم إذا جاء فضربه بعصاه فسقط منه البسر والتمر, فيأكل, وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص, فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه, فنزلت "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" قال: لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذه إلا على إغماض وحياء, فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده, وكذا رواه الترمذي عن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي, عن عبيد الله هو ابن موسى العبسي, عن إسرائيل عن السدي, وهو إسماعيل بن عبد الرحمن, عن أبي مالك الغفاري واسمه غزوان, عن البراء فذكر نحوه, ثم قال وهذا حديث حسن غريب, وقال ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو الوليد, حدثنا سليمان بن كثير, عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, نهى عن لونين من التمر الجعرور والحبيق, وكان الناس يتيممون شرار ثمارهم, ثم يخرجونها في الصدقة, فنزلت "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" ورواه أبو داود من حديث سفيان بن حسين عن الزهري, ثم قال: أسنده أبو الوليد عن سليمان بن كثير عن الزهري, ولفظه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق, أن يؤخذ في الصدقة, وقد روى النسائي هذا الحديث من طريق عبد الجليل بن حميد اليحصبي, عن الزهري, عن أبي أمامة, ولم يقل عن أبيه, فذكر نحوه, وكذا رواه ابن وهب, عن عبد الجليل, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة, حدثنا جرير عن عطاء بن السائب, عن عبد الله بن مغفل, في هذه الاية "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال: كسب المسلم لا يكون خبيثاً, ولكن لا يصدق بالحشف والدرهم الزيف وما لا خير فيه, وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد, حدثنا حماد بن سلمة, عن حماد هو ابن سليمان, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة, قالت: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب, فلم يأكله ولم ينه عنه, قلت: يا رسول الله, نطعمه المساكين ؟ قال "لا تطعموهم مما لا تأكلون". ثم رواه عن عفان عن حماد بن سلمة به، فقلت: يا رسول الله, ألا أطعمه المساكين ؟ قال "لا تطعموهم مما لا تأكلون". وقال الثوري, عن السدي, عن أبي مالك, عن البراء "ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" يقول: لو كان لرجل على رجل فأعطاه ذلك, لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه, رواه ابن جرير, وقال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس "ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه" يقول: لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم, لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه, قال فذلك قوله: "إلا أن تغمضوا فيه" فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم, وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفسه؟ رواه ابن أبي حاتم, وابن جرير, وزاد: وهو قوله: "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" ثم روي عن طريق العوفي وغيره, عن ابن عباس, نحو ذلك, وكذا ذكره غير واحد.
وقوله: "واعلموا أن الله غني حميد" أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها, فهو غني عنها, وما ذاك إلا أن يساوي الغني الفقير, كقوله "لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم" وهو غني عن جميع خلقه وجيمع خلقه فقراء إليه, وهو واسع الفضل, لا ينفد ما لديه, فمن تصدق بصدقة من كسب طيب, فليعلم أن الله غني واسع العطاء, كريم جواد, ويجزيه بها, ويضاعفها له أضعافاً كثيرة, من يقرض غير عديم ولا ظلوم, وهو الحميد أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره, لا إله إلا هو, ولا رب سواه.
وقوله: "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا هناد بن السري, حدثنا أبو الأحوص, عن عطاء بن السائب, عن مرة الهمداني, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة, فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق, وأما لمة الملك فإيعاد بالخير والتصديق بالحق, فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان" ثم قرأ "الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً" الاية, وهكذا رواه الترمذي والنسائي في كتابي التفسير من سننهما جميعاً, عن هناد بن السري. وأخرجه ابن حبان في صحيحه, عن أبي يعلى الموصلي, عن هناد به, وقال الترمذي: حسن غريب, وهو حديث أبي الأحوص, يعني سلام بن سليم, لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديثه, كذا قال: وقد رواه أبو بكر بن مردويه في تفسيره, عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عبد الله بن مسعود مرفوعاً نحوه، ولكن رواه مسعر عن عطاء بن السائب, عن أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة, عن ابن مسعود, فجعله من قوله, والله أعلم, ومعنى قول تعالى: "الشيطان يعدكم الفقر" أي يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله. "ويأمركم بالفحشاء" أي مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق, يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاق, قال تعالى: "والله يعدكم مغفرة منه" أي في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء. "وفضلاً" أي في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر "والله واسع عليم"
وقوله: "يؤتي الحكمة من يشاء" قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس: يعني المعرفة بالقرآن, ناسخه ومنسوخه, ومحكمه ومتشابهه, ومقدمه ومؤخره, وحلاله وحرامه, وأمثاله, وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً "الحكمة القرآن" يعني تفسيره, قال ابن عباس: فإنه قد قرأه البر والفاجر, رواه ابن مردويه, وقال ابن أبي نجيح, عن مجاهد: يعني بالحكمة الإصابة في القول, وقال ليث بن أبي سليم, عن مجاهد "يؤتي الحكمة من يشاء": ليست بالنبوة, ولكنه العلم والفقه والقرآن, وقال أبو العالية: الحكمة خشية الله, فإن خشية الله رأس كل حكمة, وقد روى ابن مردويه من طريق بقية عن عثمان ابن زفر الجهني, عن أبي عمار الأسدي, عن ابن مسعود مرفوعاً "رأس الحكمة مخافة الله" وقال أبو العالية في رواية عنه: الحكمة الكتاب والفهم, وقال إبراهيم النخعي, الحكمة الفهم, وقال أبو مالك: الحكمة السنة, وقال ابن وهب, عن مالك, قال زيد بن أسلم: الحكمة العقل, قال مالك: وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين الله, وأمر يدخله الله في القلوب من رحمته وفضله, ومما يبين ذلك أنك تجد الرجل عاقلاً في أمر الدنيا إذا نظر فيها, وتجد آخر ضعيفاً في أمر دنياه, عالماً بأمر دينه بصيراً به, يؤتيه الله إياه ويحرمه هذا, فالحكمة الفقه في دين الله, وقال السدي: الحكمة النبوة, والصحيح أن الحكمة كما قال الجمهور: لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها, وأعلاها النبوة, والرسالة أخص, ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع, كما جاء في الأحاديث "من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه" رواه وكيع بن الجراح في تفسيره, عن إسماعيل بن رافع, عن رجل لم يسمه, عن عبد الله بن عمر, وقوله: وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع ويزيد, قالا: حدثنا إسماعيل يعني ابن أبي خالد عن قيس وهو ابن أبي حازم, عن ابن مسعود, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, يقول "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق, ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها" وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن إسماعيل أبي خالد به.
وقوله: " وما يذكر إلا أولو الألباب " أي وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل, يعي به الخطاب ومعنى الكلام.
قوله: 268- " الشيطان يعدكم الفقر " قد تقدم معنى الشيطان واشتقاقه. ويعدكم معناه يخوفكم الفقر: أي بالفقر لئلا تنفقوا، فهذه الآية متصلة بما قبلها. وقرئ الفقر بضم الفاء وهي لغة. قال الجوهري: والفقر لغة في الفقر، مثل الضعف والضعف. والفحشاء الخصلة الفحشاء، وهي المعاصي والإنفاق فيها والبخل عن الإنفاق في الطاعات. قال في الكشاف: والفاحش عند العرب البخيل انتهى. ومنه قول طرفة بن العبد:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي عقيلة مال الفاحش المتشدد
ولكن العرب وإن أطلقته على البخيل فذلك لا ينافي إطلاقهم له على غيره من المعاصي، وقد وقع كثيراً في كلامهم. وقوله: "والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً" الوعد في كلام العرب: إذا أطلق فهو في الخير، وإذا قيد فقد يقيد تارة بالخير وتارة بالشر. ومنه قوله تعالى: "النار وعدها الله الذين كفروا" ومنه أيضاً ما في هذه الآية من تقييد وعد الشيطان بالفقر، وتقييد وعد الله سبحانه بالمغفرة، والفضل. والمغفرة: الستر على عباده في الدنيا والآخرة لذنوبهم وكفارتها، والفضل أن يخلف عليهم أفضل مما أنفقوا فيوسع لهم في أرزاقهم وينعم عليهم في الآخرة بما هو أفضل وأكثر وأجل وأجمل.
268- " الشيطان يعدكم الفقر " أي يخوفكم بالفقر ، يقال وعدته خيراً ووعدته شراً ، قال الله تعالى في الخير " وعدكم الله مغانم كثيرة " ( 20- الفتح ) وقال في الشر " النار وعدها الله الذين كفروا " ( 72- الحج ) فإذا لم يذكر الخير والشر قلت في الخير : وعدته وفي الشر : أوعدته ، والفقر سوء الحال وقلة ذات اليد ، وأصله من كسر الفقار ، ومعنى الآية : أن الشيطان يخوفكم بالفقر ويقول للرجل أمسك عليك مالك فإنك إذا تصدقت به افتقرت " ويأمركم بالفحشاء " أي بالبخل ومنع الزكاة ، وقال الكلبي : كل الفحشاء في القرآن فهو الزنا إلا هذا " والله يعدكم مغفرة منه " أي لذنوبكم " فضلاً " أي رزقاً وخلفاً " والله واسع " غني " عليم " .
أخبرنا حسان بن سعيد المنيعي ، أخبرنا أبو طاهر الزيادي أخبرنا محمد بن الحسين القطان أخبرنا أحمد بن يوسف السلمي أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال : حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى يقول : ابن آدم أنفق أنفق عليك " وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار ، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فأنه لم ينقص ما في يمينه (قال) وعرشه على الماء وبيده الأخرى القسط يرفع ويخفض " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عبيد الله بن سعيد أخبرنا عبد الله بن نمير أخبرنا هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها : " أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك " .
268-" الشيطان يعدكم الفقر " في الإنفاق ، والوعد في الأصل شائع في الخير والشر . وقرئ " الفقر " بالضم والسكون وبضمتين وفتحتين . " ويأمركم بالفحشاء " ويغريكم على البخل ، والعرب تسمي البخيل فاحشاً . وقيل المعاصي " والله يعدكم مغفرةً منه " أي يعدكم في الإنفاق مغفرة لذنوبكم . " وفضلاً " خلفاً أفضل مما أنفقتم في الدنيا ، أو في الآخرة . " والله واسع " أي واسع الفضل لمن أنفق . " عليم " بإنفاقه .
268. The devil promiseth you destitution and enjoineth on you lewdness. But Allah promiseth you forgiveness from Himself with bounty. Allah is All Embracing, All Knowing.
268 - The evil one threatens you with poverty and bids you to conduct unseemly. God promiseth you his forgiveness and bounties. and God careth for all and he knoweth all things.