27 - (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت) هي كلمة التوحيد (في الحياة الدنيا وفي الآخرة) أي القبر لما يسألهم الملكان عن ربهم ودينهم ونبيهم فيجيبون بالصواب كما في حديث الشيخين (ويضل الله الظالمين) الكفار فلا يهتدون للجواب بالصواب بل يقولون لا ندري كما في الحديث (ويفعل الله ما يشاء)
قال أبو جعفر : يعني تعالى ذكره بقوله : "يثبت الله الذين آمنوا" ، يحقق الله أعمالهم وإيمانهم ، "بالقول الثابت" ، يقول : بالقول الحق ، وهو فيما قيل :شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
وأما قوله : "في الحياة الدنيا" ، فإن أهل التأويل اختلفوا فيه .
فقال بعضهم : عني بذلك أن الله يثبتهم في قبورهم قبل قيام الساعة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب سلم بن جنادة قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب في قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" ، قال : التثبيت في الحياة الدنيا ، إذا أتاه الملكان في القبر فقالا له : من ربك ؟ فقال :ربي الله . فقال له : ما دينك ؟ قال : ديني الإسلام . فقالا له : من نبيك ؟ قال : نبيي محمد صلى الله عليه وسلم . فذلك التثبيت في الحياة الدنيا .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا جابر بن نوح ، عن الأعمش ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب ، بنحو منه في المعنى .
حدثني عبد الله بن إسحاق الناقد الواسطي قال ، حدثنا وهب بن جرير قال ، حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء قال : ذكر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن والكافر ، فقال : إن المؤمن إذا سئل في قبره قال : ربي الله ، فذلك قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا هشام بن عبد الملك قال ، حدثنا شعبة قال ، أخبرني علقمة بن مرثد قال ، سمعت سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن المسلم إذا سئل في القبر فيشهد ان لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله . قال: فذلك قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" . "
حدثني الحسين بن سلمة بن أبي كبشة ، ومحمد بن معمر البحراني ـ واللفظ لحديث ابن أبي كبشة ـ قالا ، حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو قال ،حدثنا عباد بن راشد ، عن داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، "عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فقال : يا أيها الناس ،إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه أصحابه ، جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال : ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمناً قال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله . فيقول له : صدقت . فيفتح له باب إلى النار فيقال : هذا منزلك لو كفرت بربك ، فأما إذ آمنت به فإن الله ابدلك به هذا .ثم يفتح له باب إلى الجنة ، فيريد أن ينهض له ، فيقال له : اسكن . ثم يفسح له في قبره . وأما الكافر أو المنافق فيقال له : ما تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : ما أدري ! فيقال له : لا دريت ولا تدريت ولا اهتديت ! ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له : هذا منزلك لو آمن بربك ، فأما إذ كفرت ، فإن الله أبدلك هذا . ثم يفتح له باب إلى النار ، ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعةً يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين . قال بعض أصحابه : يا رسول الله ، ما منا أحد يقوم على رأسه ملك بيده مطراق إلا هيل عندلك ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء" . "
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابو بكر بن عياش ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، وذكر قبض روح المؤمن : فتعاد روحه في جسده ، ويأتيه ملكان فيجلسانه ـ يعني في قبره ـ فيقولان : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . فيقولان : ما دينك ؟ فيقول : ديني الإسلام . فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله . فيقولان له : ما يدريك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي" . قال : فذلك قول الله عز وجل : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
حدثني أبو السائب قال ، حدثنا أبو معاوية قال ، حدثنا الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا ، حدثنا جرير ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير قال ، حدثنا الأعمش قال ، حدثنا المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن حميد قال ،حدثنا الحكم بن بشير قال ، حدثنا عمرو بن قيس ، عن يونس بن خباب ، عن المنهال ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ـ حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا سعيد بن منصور قال ، حدثنا مهدي بن ميمون ـ جميعاً ، عن يونس بن خباب ،عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال ، "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر قبض روح المؤمن ! قال : فيأتيه آت في قبره فيقول : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونببي محمد صلى الله عليه وسلم . فينتهره فيقول : من ربك ؟ وما دينك ؟ فهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عز وجل : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم . فيقال له : صدقت" ـ واللفظ لحديث ابن عبد الأعلى ـ .
حدثنا محمد بن خلف العسقلاني قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، "عن أبي هريرة قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، قال : ذاك إذ قيل في القبر : من ربك ؟ وما دينك ؟ فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، جاء بالبينات من عند الله فآمنت به وصدقت . فيقال له : صدقت ! على هذا عشت ، وعليه مت ، وعليه تبعث ".
حدثنا مجاهد بن موسى و الحسن بن محمد قالا ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه مدبرين . فإذا كان مؤمناً ، كانت الصلاة عند رأسه ، والزكاة عن يمينه ، وكان الصيام عن يساره ، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه ، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة : ما قبلي مدخل . فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة : ما قبلي مدخل . فيؤتى عن يساره فيقول الصيام : ما قبلي مدخل . فيؤتى من عند رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس : ما قبلي مدخل . فيقال له : اجلس فيجلس ، قد تمثلت له الشمس قد دنت للغروب ، فيقال له : أخبرنا عما نسالك . فيقول : دعوني حتى أصلي . فيقال : إنك ستفعل ، فأخبرنا عما نسألك عنه ! فيقول : وعم تسألون ؟ فيقال : أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ، ماذا تقول فيه ، وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول : أمحمد ؟ فيقال له : نعم . فيقول أشهد أنه رسول الله ، وأنه جاء بالبينات من عند الله ، فصدقناه . فيقال له : على ذلك حييت ، وعلى ذلك مت ، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله . ثم يفسخ له في قبره سبعون ذراعاً وينور له فيه . ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقال له : انظر إلى ما أعد لك فيها ، فيزداد غبطة وسروراً ، ثم يفتح له باب إلى الناب فيقال له : انظر ما صرف الله عنك لو عصيته ! فيزداد غبطة وسروراً . ثم يجعل نسمه في النسم الطيب ، وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة ، ويعاد جسده إلى ما بدىء من التراب ، وذلك قول الله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا أبو قطن قال ، حدثنا المسعودي ، عن عبد الله بن مخارق ، عن أبيه ، عن عبد الله قال : إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فيثبته الله فيقول : ربي الله ، وديني الإسلام ، ونبيي محمد . قال : فقرأ عبد الله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا أبو خالد القرشي ، عن سفيان ، عن أبيه ـ وحدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن أبيه ، عن خيثمة ، عن البراء في قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" ، قال : عذاب القبر .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا عفان قال ، حدثنا شعبة ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، قال شعبة شيئاً لم أحفظه ، قال : في القبر .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" ، إلى قوله : "ويضل الله الظالمين" ، قال : إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة ، فسلموا عليه وبشروه بالجنة ، فإذا مات مشوا في جنازته ثم صلوا عليه مع الناس ، فإذا دفن أجلس في قبره فيقال له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله . ويقال له : من رسولك ؟ فيقول : محمد . فيقال له : ما شهادتك .؟ فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله . فيوسع له في قبره مد بصره .
حدثنا الحسن قال ، حدثنا حجاج قال ، قال ابن جريج ، سمعت ابن طاوس يخبر ، عن أبيه قال : لا أعلمه إلا قال : هي في فتنة القبر ، في قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبيه أنه كان يقول في هذه الآية : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، هي في صاحب القبر .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم عن العوام ، عن المسيب بن رافع : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، قال : نزلت في صاحب القبر .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا عباد بن العوام ، عن العلاء بن المسيب ، عن أبيه المسيب بن رافع ، نحوه .
حدثني المثنى قال ، أخبرنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال ، أخبرنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع في قول الله عز وجل : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، قال : بلغنا أن هذه الأمة تسأل في قبورها ، فيثبت الله المؤمن في قبره حين يسأل .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو ربيعة فهد قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء بن عازب قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر قبض روح المؤمن ، قال : فترجع روحه في جسده ، ويبعث الله إليه ملكين شديدي الانتهار ، فيجلسانه وينتهرانه يقولان : من ربك ؟ قال : فيقول : الله . وما دينك ؟ قال : الإسلام . قال : فيقولان له : ما هذا الرجل ، أو النبي ، الذي بعث فيكم ؟ فيقول : محمد رسول الله . قال : فيقولان له : وما يدريك ؟ قال ، فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت !" فذلك قول الله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، قال : نزلت في الميت الذي يسأل في قبره عن النبي صلى الله عليه وسلم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قول الله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة" ، قال : بلغنا أن هذه الأمة تسأل في قبورها ، فيثبت الله المؤمن حيث يسأل .
حدثنا أحمد قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" ، قال : هذا في القبر مخاطبته ، وفي الآخرة مثل ذلك .
وقال آخرون : معنى ذلك : يثبت الله الذين آمنوا بالإيمان في الحياة الدنيا ، وهو القول الثابت ، "وفي الآخرة" ، المسألة في القبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن ابن طاوس ، عن أبيه : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" ، قال : لا إله إلا الله ، "وفي الآخرة" ، المسألة في القبر .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" ، أما "الحياة الدنيا" ، فيثبتهم بالخير والعمل الصالح ، وقوله : "وفي الآخرة" ، أي في القبر .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، وهو أن معناه : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" ، وذلك تثبيته إياهم في الحياة الدنيا بالإيمان بالله وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، "وفي الآخرة" ، بمثل الذي ثبتهم به في الحياة الدنيا ، وذلك في قبورهم حين يسألون عن الذي هم عليه من التوحيد والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم .
وأما قوله : "ويضل الله الظالمين" ، فإنه يعني ، أن الله لا يوفق المنافق والكافر في الحياة الدنيا وفي الآخرة عند المساءلة في القبر ، لما هدي له المؤمن من الإيمان بالله ورسوله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : أما الكافر ، فتنزل الملائكة إذا حضره الموت ، فيبسطون أيديهم ، والبسط ، هو الضرب ، يضربون وجوههم وأدبارهم عند الموت . فإذا أدخل قبره فقيل له : من ربك ؟ فلم يرجع إليهم شيئاً ، وأنساه الله ذكر ذلك . وإذا قيل له : من الرسول الذي بعث إليك ؟ لم يهتد له ، ولم يرجع إليه شيئاً ، يقول الله : "ويضل الله الظالمين" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا فهد بن عوف أبو ربيعة قال ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن زاذان ، عن البراء قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الكافر حين تقبض روحه ، قال : فتعاد روحه في جسده . قال: فيأتيه ملكان شديدا الانهتار ،فيجلسانه فينتهرانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : لا أدري ؟ قال فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : لا أدري ، قال : فيقال له : ما هذا النبي الذي بعث فيكم ؟ قال فيقول : سمعت الناس يقولون ذلك ، لا أدري . قال : فيقولان : لا دريت . قال : وذلك قول الله : "ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء"" .
وقوله : "ويفعل الله ما يشاء" ، يعني تعالى ذكره بذلك : وبيد الله الهداية والإضلال ، فلا تنكروا أيها الناس ، قدرته ، ولا اهتداء من كان منكم ضالا ، ولا ضلال من كان منكم مهتدياً ، فإن بيده تصريف خلقه وتقليب قلوبهم ، يفعل فيهم ما يشاء .
قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " قال ابن عباس: هو لا إله إلا الله.
وروى النسائي عن البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " نزلت في عذاب القبر، يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله وديني دين محمد، فذلك قوله: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".
قلت: وقد جاء هكذا موقوفاً في بعض طرق مسلم عن البراء أنه قوله، والصحيح فيه الرفع كما في صحيح مسلم وكتاب النسائي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم، عن البراء عن النبي صلى الله، وذكر البخاري ، حدثنا جعفر بن عمر، قال حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأم محمداً رسول الله فذلك قوله ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ". وقد بينا هذا الباب في كتاب التذكرة وبينا هناك من يفتن في قبره ويسأل، فمن أراد الوقوف عليه تأمله هناك. وقال سهل بن عمار: رأيت يزيد بن هرون في المنام بعد موته، فقلت له: ما فعل الله بك؟ فقال: أتاني في قبري ملكان فظان غليظان، فقالا: ما دينك ومن ربك ومن نبيك؟ فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت: ألمثلي يقال هذا وقد علمت الناس جوابكما ثمانين سنة؟! فذهبا وقالا: أكتبت عن حريز بن عثمان؟ قلت نعم! فقالا: إنه كان يبغض عليا فأبغضه الله. وقيل: معنى، ( يثبت الله) يديمهم الله على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصرا
وقيل: يثبتهم في الدارين جزاء لهم على القول الثابت. وقال القفال وجماعة: " في الحياة الدنيا " أي في القبر، لأن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا، ( وفي الآخرة) أي عند الحساب، وحكاه الماوردي عن البراء قال: المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر، وبالآخرة المساءلة في القيامة: " ويضل الله الظالمين " أي عن حجتهم في قبورهم كما ضلوا في الدنيا بكفرهم فلا يلقنهم كلمة الحق، فإذا سئلوا في قبورهم قالوا: لا ندري، فيقول: لا دريت ولا تليت، وعند ذلك يضرب بالمقامع على ما ثبت في الأخبار، وقد ذكرنا ذلك في كتاب التذكرة . وقيل: يمهلهم حتى يزدادوا ضلالاً في الدنيا. " ويفعل الله ما يشاء " من عذاب قوم وإضلال قوم. وقيل: إن سبب نزول هذه الآية ما "روي عن النبي صلى الله عليه وسلم لما وصف مساءلة منكر ونكير وما يكون من جواب الميت قال عمر: يا رسول الله أيكون معي عقلي؟ قال: نعم) قال: كفيت إذاً، فأنزل الله عز وجل هذه الآية".
قال البخاري: حدثنا أبو الوليد, حدثنا شعبة, أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم إذا سئل في القبر شهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, فذلك قوله: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة "" ورواه مسلم أيضاً وبقية الجماعة كلهم من حديث شعبة به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو, عن زاذان عن البراء بن عازب قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار, فانتهينا إلى القبر ولما يلحد, فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم, وجلسنا حوله كأن على رؤوسنا الطير, وفي يده عود ينكت به الأرض, فرفع رأسه فقال: "استعيذوا بالله من عذاب القبر" مرتين أو ثلاثاً, ثم قال: "إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الاخرة, نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه, كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ـ قال ـ: فتخرج تسيل, كما تسيل القطرة من في السقاء, فيأخذها, فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط, ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض, فيصعدون بها فلا يمرون بها, يعني على ملأ من الملائكة, إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا فيستفتحون له, فيفتح له فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها, حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة, فيقول الله: اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض, فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم, ومنها أخرجهم تارة أخرى قال: فتعاد روحه في جسده, فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله, فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: ديني الإسلام, فيقولان له: ما هذا الرجل الذين بعث فيكم ؟ فيقول: هو رسول الله, فيقولان له: وما علمك ؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت, فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة, وألبسوه من الجنة, وافتحوا له باباً إلى الجنة ـ قال ـ: فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه, حسن الثياب, طيب الريح, فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول له: من أنت فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير ؟ فيقول: أنا عملك الصالح, فيقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة, حتى أرجع إلى أهلي ومالي ـ قال ـ: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الاخرة, نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه معهم المسوح, فجلسوا منه مد البصر, ثم يجيء ملك الموت فيجلس عند رأسه, فيقول: أيتها النفس الخبيثة, اخرجي إلى سخط من الله وغضب ـ قال ـ: فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول, فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح, فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض, فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا, فيستفتح له فلا يفتح له ـ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط" فيقول الله: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحاً ـ ثم قرأ " ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه ويقولان له: من ربك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان له: ما دينك ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول: هاه هاه لا أدري, فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار, فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه, ويأتيه رجل قبيح الوجه, قبيح الثياب, منتن الريح, فيقول: أبشر بالذي يسوؤك, هذا يومك الذي كنت توعد, فيقول: ومن أنت, فوجهك الوجه يجيء بالشر ؟ فيقول: أنا عملك الخبيث, فيقول: رب لا تقم الساعة" ورواه أبو داود من حديث الأعمش والنسائي وابن ماجه من حديث المنهال بن عمرو به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن يونس بن حبيب عن المنهال بن عمرو, عن زاذان عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة, فذكر نحوه, وفيه "فإذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء, وفتحت أبواب السماء ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله عز وجل أن يعرج بروحه من قبلهم", وفي آخره "ثم يقيض له أعمى أصم أبكم, وفي يده مرزبة لو ضرب بها جبل لكان تراباً, فيضربه ضربة فيصير تراباً, ثم يعيده الله عز وجل كما كان, فيضربه ضربة أخرى فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين" قال البراء: ثم يفتح له باب إلى النار ويمهد له من فرش النار, وقال سفيان الثوري عن أبيه, عن خيثمة عن البراء في قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال عذاب القبر.
وقال المسعودي عن عبد الله بن مخارق عن أبيه عن عبد الله قال: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره فيقال له: ما ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ فيثبته الله فيقول: ربي الله, وديني الإسلام, ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم, وقرأ عبد الله " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " وقال الإمام عبد بن حميد رحمه الله في مسنده حدثنا يونس بن محمد, حدثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة, حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد إذا وضع في قبره, وتولى عنه أصحابه, وإنه ليسمع قرع نعالهم, فيأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال: فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله, قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة", قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فيراهما جميعاً", قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعاً, ويملأ عليه خضراً إلى يوم القيامة, رواه مسلم عن عبد بن حميد, وأخرجه النسائي من حديث يونس بن محمد المؤدب به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج, أخبرني أبو الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر, فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن هذه الأمة تبتلى في قبورها, فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه, جاءه ملك شديد الانتهار, فيقول له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبده, فيقول له الملك: انظر إلى مقعدك الذي كان لك في النار قد أنجاك الله منه وأبدلك بمقعدك الذي ترى من النار مقعدك الذي ترى من الجنة, فيراهما كليهما, فيقول المؤمن: دعوني أبشر أهلي فيقال له: اسكن, وأما المنافق فيقعد إذا تولى عنه أهله فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: لا أدري, أقول كما يقول الناس, فيقال له: لا دريت هذا مقعدك الذي كان لك في الجنة قد أبدلت مكانه مقعدك من النار" قال جابر: فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يبعث كل عبد في القبر على ما مات, المؤمن على إيمانه, والمنافق على نفاقه" إسناده صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر, حدثنا عباد بن راشد عن داود بن أبي هند, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدري, قال: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها, فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه أصحابه, جاءه ملك في يده مطراق من حديد فأقعده, فقال: ما تقول في هذا الرجل ؟ فإن كان مؤمناً قال: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, فيقول له: صدقت ثم يفتح له باباً إلى النار, فيقول: كان هذا منزلك لو كفرت بربك, فأما إذ آمنت فهذا منزلك, فيفتح له باباً إلى الجنة, فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره, وإن كان كافراً أو منافقاً فيقول له: ما تقول في هذا الرجل ؟ فيول: لا أدري, سمعت الناس يقولون شيئاً, فيقول: لا دريت ولا تليت ولا اهتديت, ثم يفتح له باباً إلى الجنة, فيقول له: هذا منزلك لو آمنت بربك, فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا, فيفتح له باباً إلى النار ثم يقمعه قمعة بالمطراق, فيصيح صيحة يسمعها خلق الله عز وجل كلهم غير الثقلين, فقال بعض القوم: يا رسول الله, ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل عند ذلك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" وهذا أيضاً إسناد لا بأس به, فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقروناً, ولكن ضعفه بعضهم.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد عن ابن أبي ذئب, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن سعيد بن يسار, عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت تحضره الملائكة, فإذا كان الرجل الصالح قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب, اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال فلا يزال يقال لها ذلك, حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: من هذا ؟ فيقال: فلان, فيقولون: مرحباً بالروح الطيبة كانت في الجسد الطيب, ادخلي حميدة, وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان. قال: فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل. وإذا كان الرجل السوء قالوا: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق, وآخر من شكله أزواج, فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج, ثم يعرج بها إلى السماء, فيستفتح لها فيقال: من هذا ؟ فيقال: فلان, فيقال: لا مرحباً بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث, ارجعي ذميمة فإنه لا تفتح لك أبواب السماء, فيرسل من السماء ثم يصير إلى القبر, فيجلس الرجل الصالح, فيقال له مثل ما قيل في الحديث الأول, ويجلس الرجل السوء فيقال له مثل ما قيل له في الحديث الأول. ورواه النسائي وابن ماجه من طريق ابن أبي ذئب بنحوه.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا خرجت روح العبد المؤمن تلقاها ملكان يصعدان بها. قال حماد: فذكر من طيب ريحها وذكر المسك ـ قال ـ: ويقول أهل السماء: روح طيبة جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه, فينطلق به إلى ربه عز وجل, فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل. وإن الكافر إذا خرجت روحه ـ قال حماد ـ وذكر من نتنها, وذكر مقتاً, ويقول أهل السماء: روح خبيثة جاءت من قبل الأرض, فيقال: انطلقوا به إلى آخر الأجل ـ قال أبو هريرة: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريطة كانت عليه على أنفه هكذا.
وقال ابن حبان في صحيحه: حدثنا عمر بن محمد الهمداني, حدثنا زيد بن أخرم, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي عن قتادة, عن قسام بن زهير, عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن المؤمن إذا قبض, أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء, فيقولون: اخرجي إلى روح الله, فتخرج كأطيب ريح مسك حتى إنه ليناوله بعضهم بعضاً يشمونه حتى يأتوا به باب السماء, فيقولون: ما هذه الريح الطيبة التي جاءت من قبل الأرض, ولا يأتون سماء إلا قالوا مثل ذلك حتى يأتوا به أرواح المؤمنين, فلهم أشد فرحاً به من أهل الغائب بغائبهم, فيقولون: ما فعل فلان ؟ فيقولون: دعوه حتى يستريح فإنه كان في غم, فيقول: قد مات أما أتاكم ؟ فيقولون: ذهب به إلى أمه الهاوية, وأما الكافر فيأتيه ملائكة العذاب بمسح فيقولون: اخرجي إلى غضب الله, فتخرج كأنتن ريح جيفة, فيذهب به إلى باب الأرض".
وقد روي أيضاً من طريق همام بن يحيي عن أبي الجوزاء, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه, قال "فيسأل: ما فعل فلان, ما فعل فلان, ما فعلت فلانة ؟ قال: وأما الكافر فإذا قبضت نفسه, وذهب بها إلى باب الأرض, تقول خزنة الأرض: ما وجدنا ريحاً أنتن من هذه, فيبلغ بها الأرض السفلى". قال قتادة وحدثني رجل عن سعيد بن المسيب, عن عبد الله بن عمرو قال: أرواح المؤمنين تجتمع بالجابية, وأرواح الكفار تجتمع ببرهوت سبخة بحضرموت, ثم يضيق عليه قبره. وقال الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله: حدثنا يحيى بن خلف, حدثنا بشر بن المفضل عن عبد الرحمن بن إسحاق, عن سعيد بن أبي سعيد المقبري, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قبر الميت ـ أو قال: أحدكم ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان, يقال لأحدهما منكر والاخر نكير, فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول: ما كان يقول هو عبد الله ورسوله, أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا, ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين, وينور له فيه, ثم يقال له: نم, فيقول: أرجع الى أهلي فأخبرهم, فيقولان: نم نومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك, وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون: فقلت مثلهم لا أدري, فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا, فيقال للأرض: التئمي عليه فتلتئم عليه حتى تختلف أضلاعه, فلا يزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك" ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب .
وقال حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " ـ قال ـ : ذلك إذا قيل له في القبر من ربك, وما دينك, ومن نبيك ؟ فيقول: ربي الله, وديني الإسلام, ونبيي محمد جاءنا بالبينات من عند الله, فآمنت به وصدقت, فيقال له: صدقت, على هذا عشت, وعليه مت, وعليه تبعث".وقال ابن جرير: حدثنا مجاهد بن موسى والحسن بن محمد, قالا: حدثنا يزيد, أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده, إن الميت ليسمع خفق نعالكم حين تولون عنه مدبرين, فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه والزكاة عن يمينه والصوم عن يساره وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه, فيؤتى من قبل رأسه, فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل, فيؤتى عن يمينه فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل, فيؤتى عن يساره فيقول الصيام: ما قبلي مدخل, فيؤتى عند رجليه فيقول: فعل الخيرات ما قبلي مدخل, فيقال له: اجلس, فيجلس قد مثلت له الشمس قد دنت للغروب, فيقال له: أخبرنا عما نسألك, فيقول: دعني حتى أصلي, فيقال له: إنك ستفعل فأخبرنا عما نسألك, فيقول: وعم تسألوني ؟ فيقال: أرأيت هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول به, وماذا تشهد به عليه ؟ فيقول: أمحمد ؟ فيقال له: نعم, فيقول: أشهد أنه رسول الله, وأنه جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه, فيقال له: على ذلك حييت وعلى ذلك مت, وعليه تبعث إن شاء الله ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً وينور له فيه, ويفتح له باب إلى الجنة فيقال له: انظر إلى ما أعد الله لك فيها, فيزداد غبطة وسروراً, ثم تجعل نسمته في النسم الطيب, وهي طير خضر تعلق بشجر الجنة, ويعاد الجسد إلى ما بدىء من التراب", وذلك قول الله: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ", رواه ابن حبان من طريق المعتمر بن سليمان عن محمد بن عمر, وذكر جواب الكافر وعذابه.
وقال البزار: حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي, حدثنا الوليد بن القاسم, حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم, عن أبي هريرة أحسبه رفعه, قال: "إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين, فيود لو خرجت, يعني نفسه, والله يحب لقاءه وإن المؤمن يصعد بروحه الى السماء, فتأتيه أرواح المؤمنين فتستخبره عن معارفهم من أهل الأرض, فإذا قال: تركت فلاناً في الأرض, أعجبهم ذلك, وإذا قال: إن فلاناً قد مات, قالوا: ما جيء به إلينا, وإن المؤمن يجلس في قبره فيسأل, من ربك ؟ فيقول: ربي الله, ويسأل: من نبيك ؟ فيقول: محمد نبيي, فيقال: ماذا دينك ؟ قال: ديني الإسلام, فيفتح له باب في قبره فيقول ـ أو يقال ـ انظر إلى مجلسك, ثم يرى القبر فكأنما كانت رقدة, وإذا كان عدو الله نزل به الموت وعاين ما عاين, فإنه لا يحب أن تخرج روحه أبداً, والله يبغض لقاءه, فإذا جلس في قبره أو أجلس, فيقال له: من ربك ؟ فيقول: لا أدري, فيقال: لا دريت, فيفتح له باب إلى جهنم ثم يضرب ضربة تسمعها كل دابة إلا الثقلين, ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش". قلت لأبي هريرة: ما المنهوش ؟ قال: الذي تنهشه الدواب والحيات, ثم يضيق عليه قبره, ثم قال: لا نعلم من رواه إلا الوليد بن القاسم.
وقال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا حجين بن المثنى, حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن المنكدر قال: كانت أسماء, يعني بنت الصديق رضي الله عنها, تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال: "إذا دخل الإنسان قبره, فإن كان مؤمناً أحف به عمله الصلاة والصيام, قال: فيأتيه الملك من نحو الصلاة فترده ومن نحو الصيام فيرده, قال: فيناديه اجلس فيجلس, فيقول له: ماذا تقول في هذا الرجل, يعني النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال: من ؟ قال: محمد, قال: أشهد أنه رسول الله, قال: وما يدريك, أدركته ؟ قال: اشهد أنه رسول الله, قال: يقول على ذلك عشت, وعليه مت, وعليه تبعث وإن كان فاجراً أو كافراً جاءه الملك ليس بينه وبينه شيء يرده فأجلسه, فيقول له: ماذا تقول في هذا الرجل ؟ قال: أي رجل ؟ قال: محمد ؟ قال: يقول: والله ما أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته, قال له الملك: على ذلك عشت, وعليه مت, وعليه تبعث, قال ويسلط عليه دابة في قبره معها سوط, ثمرته جمرة مثل غرب البعير, تضربه ما شاء الله, صماء لا تسمع صوته فترحمه".
وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الاية قال: إن المؤمن إذا حضره الموت شهدته الملائكة, فسلموا عليه وبشروه بالجنة, فإذا مات مشوا مع جنازته ثم صلوا عليه مع الناس, فإذا دفن أجلس في قبره, فيقال له: من ربك ؟ فيقول: ربي الله, فيقال له: من رسولك ؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم, فيقال له: ما شهادتك ؟ فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمداً رسول الله, فيوسع له في قبره مد بصره, وأما الكافر فتنزل عليه الملائكة فيبسطون أيديهم, والبسط هو الضرب, "يضربون وجوههم وأدبارهم" عند الموت, فإذا أدخل قبره أقعد, فقيل له: من ربك ؟ فلم يرجع إليهم شيئاً, وأنساه الله ذكر ذلك, وإذا قيل: من الرسول الذي بعث إليك ؟ لم يهتد له ولم يرجع إليهم شيئاً " كذلك يضل الله الكافرين ".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي حدثنا شريح بن مسلمة, حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق, عن عامر بن سعد البجلي عن أبي قتادة الأنصاري في قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " الاية, قال: إن المؤمن إذا مات أجلس في قبره, فيقال له: من ربك ؟ فيقول: الله, فيقال له: من نبيك ؟ فيقول: محمد بن عبد الله, فيقال له ذلك مرات, ثم يفتح له باب إلى النار, فيقال له: انظر إلى منزلك من النار لو زغت, ثم يفتح له باب إلى الجنة, فيقال له: انظر إلى منزلك من الجنة إذا ثبت, وإذا مات الكافر أجلس في قبره فيقال له: من ربك ؟ من نبيك ؟ فيقول: لا أدري كنت أسمع الناس يقولون, فيقال له: لا دريت, ثم يفتح له باب إلى الجنة, فيقال له: انظر إلى منزلك إذا ثبت, ثم يفتح له باب إلى النار, فيقال له: انظر إلى منزلك إذ زغت, فذلك قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ".
وقال عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس, عن أبيه "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا" قال: لا إله إلا الله, " وفي الآخرة " المسألة في القبر, وقال قتادة أما الحياة الدنيا فيثبتهم بالخير والعمل الصالح, " وفي الآخرة " في القبر وكذا روي عن غير واحد من السلف. وقال أبو عبد الله الحكيم الترمذي في كتابه نوادر الأصول: حدثنا أبي, حدثنا عبد الله بن نافع عن ابن أبي فديك عن عبدالرحمن بن عبد الله عن سعيد بن المسيب, عن عبد الرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة, فقال: "إني رأيت البارحة عجباً, رأيت رجلاً من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه, فجاءه بره بوالديه, فرد عنه, ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر, فجاءه وضوؤه فاستنقذه من ذلك, ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين, فجاءه ذكر الله فخلصه من بينهم, ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب, فجاءته صلاته فاستنقذته من أيديهم, ورأيت رجلاً من أمتي يلهث عطشاً كلما ورد حوضاً منع منه, فجاءه صيامه فسقاه وأرواه, ورأيت رجلاً من أمتي والنبيون قعود حلقاً حلقاً, كلما دنا لحلقة طردوه, فجاءه اغتساله من الجنابة فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي, ورأيت رجلاً من أمتي بين يديه ظلمة, ومن خلفه ظلمة, وعن يمينه ظلمة, وعن شماله ظلمة, ومن فوقه ظلمة, ومن تحته ظلمة, وهو متحير فيها, فجاءته حجته وعمرته فاستخرجاه من الظلمة وأدخلاه النور, ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين فلا يكلمونه, فجاءته صلة الرحم فقالت: يا معشر المؤمنين, كلموه فكلموه, ورأيت رجلاً من أمتي يتقي وهج النار وشررها بيده عن وجهه, فجاءته صدقته فصارت له ستراً على وجهه وظلاً على رأسه, ورأيت رجلاً من أمتي قد أخذته الزبانية من كل مكان, فجاءه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر فاستنقذاه من أيديهم وأدخلاه مع ملائكة الرحمة, ورأيت رجلاً من أمتي جاثياً على ركبتيه بينه وبين الله حجاب, فجاءه حسن خلقه, فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل, ورأيت رجلاً من أمتي قد هوت صحيفته من قبل شماله, فجاءه خوفه من الله, فأخذ صحيفته فجعلها في يمينه, ورأيت رجلاً من أمتي قد خف ميزانه, فجاءته أفراطه فثقلوا ميزانه, ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على شفير جهنم, فجاءه وجله من الله فاستنقذه من ذلك ومضى, ورأيت رجلاً من أمتي هوى في النار فجاءته دموعه التي بكى من خشية الله في الدنيا, فاستخرجته من النار, ورأيت رجلاً من أمتي قائماً على الصراط يزحف أحياناً ويحبو أحياناً, فجاءته صلاته علي, فأخذت بيده, فأقامته ومضى على الصراط, ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى باب الجنة, فغلقت الأبواب دونه, فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة", قال القرطبي بعد إيراده هذا الحديث من هذا الوجه: هذا حديث عظيم ذكر فيه أعمالاً خاصة تنجي من أهوال خاصة, أورده هكذا في كتابة التذكرة.
وقد روى الحافظ أبو يعلى الموصلي في هذا حديثاً غريباً مطولاً فقال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن إبراهيم النكري, حدثنا محمد بن بكر البرساني أبو عثمان, حدثنا أبو عاصم الحبطي, وكان من أخيار أهل البصرة, وكان من أصحاب حزم, وسلام بن أبي مطيع, حدثنا بكر بن خنيس عن ضرار بن عمرو, عن يزيد الرقاشي, عن أنس بن مالك عن تميم الداري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل لملك الموت: انطلق إلى وليي فأتني به, فإني قد ضربته بالسراء والضراء, فوجدته حيث أحب, ائتني به فلأريحنه, فينطلق إليه ملك الموت ومعه خمسمائة من الملائكة معهم أكفان وحنوط من الجنة, ومعهم ضبائر الريحان أصل الريحانة واحد, وفي رأسها عشرون لوناً لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه, ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر, فيجلس ملك الموت عند رأسه وتحف به الملائكة, ويضع كل ملك منهم يده على عضو من أعضائه, ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر تحت ذقنه, ويفتح له باب إلى الجنة, فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة تارة بأزواجها, وتارة بكسوتها, ومرة بثمارها كما يعلل الصبي أهله إذا بكى, قال: إن أزواجه ليبتهشن عند ذلك ابتهاشاً, قال: وتبرز الروح, قال البرساني: يريد أن تخرج من العجل إلى ما تحب, قال: ويقول ملك الموت, اخرجي يا أيتها الروح الطيبة إلى سدر مخضود, وطلح منضود, وظل ممدود, وماء مسكوب, قال: ولملك الموت أشد به لطفاً من الوالدة بولدها, يعرف أن تلك الروح حبيب لربه, فهو يتلمس بلطفه تحبباً لديه, رضاء للرب عنه, فتسل روحه كما تسل الشعرة من العجين, قال: وقال الله عز وجل: "الذين تتوفاهم الملائكة طيبين", وقال: " فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم " قال: روح من جهة الموت, وريحان يتلقى به, وجنة نعيم تقابله, قال: فإذا قبض ملك الموت روحه, قالت الروح للجسد: جزاك الله عني خيراً, فقد كنت سريعاً بي إلى طاعة الله, بطيئاً بي عن معصية الله, فقد نجيت وأنجيت, قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك, قال: وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله فيها, وكل باب من السماء يصعد منه عمله وينزل منه رزقه أربعين ليلة, قال: فإذا قبض ملك الموت روحه, أقامت الخمسمائة من الملائكة عند جسده, فلا يقلبه بنو آدم لشق إلا قلبته الملائكة قبلهم, وغسلته وكفنته بأكفان قبل أكفان بني آدم, وحنوط قبل حنوط بني آدم, ويقوم من باب بيته إلى قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار, فيصيح عند ذلك إبليس صيحة تتصدع منها عظام جسده, قال: ويقول لجنوده: الويل لكم كيف خلص هذا العبد منكم ؟ فيقولون: إن هذا كان عبداً معصوماً, قال: فإذا صعد ملك الموت بروحه يستقبله جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة, كل يأتيه ببشارة من ربه سوى بشارة صاحبه, قال: فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش, خر الروح ساجداً, قال: يقول الله عز وجل لملك الموت: انطلق بروح عبدي فضعه في سدر مخضود, وطلح منضود وظل ممدود, وماء مسكوب, قال: فإذا وضع في قبره جاءته الصلاة فكانت عن يمينه, وجاءه الصيام فكان عن يساره, وجاءه القرآن فكان عند رأسه, وجاءه مشيه الى الصلاة فكان عند رجليه, وجاءه الصبر فكان ناحية القبر, قال: فيبعث الله عز وجل عنقاً من العذاب, قالوا: فيأتيه عن يمينه, قال: فتقول الصلاة وراءك: والله ما زال دائباً عمره كله وإنما استراح الان حين وضع في قبره قال: فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك, قال: ثم يأتيه من عند رأسه فيقول القرآن والذكر مثل ذلك قال: ثم يأتيه من عند رجليه فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك, فلا يأتيه العذاب من ناحية يلتمس هل يجد إليه مساغاً إلا وجد ولي الله قد أخذ جنته, قال: فينقمع العذاب عند ذلك فيخرج, قال: ويقول الصبر لسائر الأعمال أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي, إلا أني نظرت ما عندكم فإن عجزتم كنت أنا صاحبه, فأما إذا أجزأتم عنه فأنا له ذخر عند الصراط والميزان, قال: ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف, وأصواتهما كالرعد القاصف, وأنيابهما كالصياصي, وأنفاسهما كاللهب, يطآن في أشعارهما بين منكب كل واحد مسيرة كذا وكذا, وقد نزعت منهما الرأفة والرحمة, يقال لهما منكر ونكير, في يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها, قال: فيقولان له: اجلس, قال: فيجلس فيستوي جالساً, قال: وتقع أكفانه في حقويه, قال: فيقولان له: من ربك, ومادينك, ومن نبيك ؟ قال قالوا: يا رسول الله ومن يطيق الكلام عند ذلك وأنت تصف من الملكين ما تصف ؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء " قال فيقول: ربي الله وحده لا شريك له, وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة, ونبيي محمد خاتم النبيين, قال: فيقولان له: صدقت, قال: فيدفعان القبر فيوسعان من بين يديه أربعين ذراعاً, وعن يمينه أربعين ذراعاً, وعن شماله أربعين ذراعاً, ومن عند رأسه أربعين ذراعاً, ومن عند رجليه أربعين ذراعاً, قال: فيوسعان له مائتي ذراع, قال البرساني: فأحسبه وأربعين ذراعاً تحاط به, قال: ثم يقولان له: انظر فوقك, فإذا باب مفتوح إلى الجنة, قال فيقولان له: ولي الله هذا منزلك إذ أطعت الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده, إنه يصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً" ثم يقال له: انظر تحتك, قال: فينظر تحته فإذا باب مفتوح إلى النار ـ قال ـ فيقولان: ولي الله نجوت آخر ما عليك ـ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً" قال: قالت عائشة: يفتح له سبعة وسبعون باباً إلى الجنة, يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله عز وجل.
وبالإسناد المتقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ويقول الله تعالى لملك الموت: انطلق إلى عدوي فأتني به, فإني قد بسطت له رزقي, ويسرت له نعمتي, فأبى إلا معصيتي فأتني به, لأنتقم منه, قال: فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورة رآها أحد من الناس قط, له ثنتا عشر عيناً, ومعه سفود من النار, كثير الشوك ومعه خمسمائة من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم, ومعهم سياط من نار لينهالين السياط, وهي نار تأجج, قال: فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربة يغيب كل أصل شوكة من ذلك السفود في أصل كل شعرة وعرق وظفر, قال: ثم يلويه لياً شديداً, قال: فينزع روحه من أظفار قدميه, قال: فيلقيها في عقبيه. قال: فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة فيرفه ملك الموت عنه, قال: وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط, قال: فيشده ملك الموت شدة فينزع روحه من عقبيه فيلقيها في ركبتيه, ثم يسكر عدو الله عند ذلك سكرة فيرفه ملك الموت عنه, قال: فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط, قال: فيشده ملك الموت شدة فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه, فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة فيرفه ملك الموت عنه, قال: فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط, قال كذلك: إلى صدره ثم كذلك إلى حلقه, قال: ثم تبسط الملائكة ذلك النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه, قال: ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح اللعينة إلى سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم ـ قال: فإذا قبض ملك الموت روحه, قال الروح للجسد: جزاك الله عني شراً فقد كنت سريعاً بي إلى معصية الله, بطيئاً بي عن طاعة الله, فقد هلكت وأهلكت ـ قال ـ ويقول الجسد للروح مثل ذلك, وتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها, وتنطلق جنود إبليس إليه فيبشرونه بأنهم قد أوردوا عبداً من ولد آدم النار, قال: فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه حتى تدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى, قال: ويبعث الله إليه أفاعي دهماً كأعناق الإبل, يأخذن بأرنبته وإبهامي قدميه فيقرضنه حتى يلتقين في وسطه, قال: ويبعث الله ملكين أبصارهما كالبرق الخاطف, وأصواتهما كالرعد القاصف وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب يطآن في أشعارهما بين منكبي كل واحد منهما مسيرة كذا وكذا, قد نزعت منهما الرأفة والرحمة , يقال لهما منكر ونكير, في يد كل واحد منهما مطرقة لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها, قال فيقولان له اجلس فيستوي جالساً وتقع أكفانه في حقويه, قال فيقولان له: من ربك, وما دينك, ومن نبيك ؟ فيقول: لا أدري, فيقولان له: لا دريت ولا تليت, فيضربانه ضربة يتطاير شررها في قبره ثم يعودان, قال: فيقولان: انظر فوقك فينظر, فإذا باب مفتوح من الجنة, فيقولان: عدو الله هذا منزلك لو أطعت الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا ترتد أبداً". ـ قال ـ ويقولان له: انظر تحتك فينظر تحته فإذا باب مفتوح إلى النار ـ فيقولان له: عدو الله هذا منزلك إذ عصيت الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرة لا ترتد أبداً" قال: وقالت عائشة: ويفتح له سبعة وسبعون باباً إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها. هذا حديث غريب جداً, وسياق عجيب, ويزيد الرقاشي راويه عن أنس له غرائب ومنكرات, وهو ضعيف الرواية عند الأئمة, والله أعلم, ولهذا قال أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي, حدثنا هشام هو ابن يوسف عن عبد الله بن بحير عن هانى مولى عثمان, عن عثمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الان يسأل" تفرد به أبو داود, وقد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه عند قوله تعالى: "ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم" الاية, حديثاً مطولاً جداً من طرق غريبة عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً, وفيه غرائب أيضاً.
27- "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" أي بالحجة الواضحة، وهي الكلمة الطيبة المتقدم ذكرها. وقد ثبت في الصحيح أنها كلمة الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وذلك إذا قعد المؤمن في قبره قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذلك قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت"، وقيل معنى تثبيت الله لهم هو أن يدوموا على القول الثابت، ومنه قول عبد الله بن رواحة:
يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
ومعنى "في الحياة الدنيا" أنهم يستمرون على القول الثابت في الحياة الدنيا، قال جماعة: المراد بالحياة الدنيا في هذه الآية القبر لأن الموتى في الدنيا حتى يبعثوا، ومعنى "وفي الآخرة" وقت الحساب. وقيل المراد بالحياة الدنيا: وقت المساءلة في القبر، وفي الآخرة: وقت المساءلة يوم القيامة: والمراد أنهم إذا سئلوا عن معتقدهم ودينهم أوضحوا ذلك بالقول الثابت من دون تلعثم ولا تردد ولا جهل، كما يقول من لم يوفق: لا أدري، فيقال له لا دريت ولا تليت "ويضل الله الظالمين" أي يضلهم عن حجتهم التي هي القول الثابت فلا يقدرون على التكلم بها في قبورهم ولا عند الحساب، كما أضلهم عن اتباع الحق في الدنيا. قيل والمراد بالظالمين هنا الكفرة، وقيل كل من ظلم نفسه ولو بمجرد الإعراض عن البينات الواضحة فإنه لا يثبت في مواقف الفتن ولا يهتدي إلى الحق، ثم ذكر سبحانه أنه يفعل ما يشاء من التثبيت والخذلان لا راد لحكمه، ولا يسأل عما يفعل. قال الفراء: أي لا تنكر له قدرة ولا يسأل عما يفعل، والإظهار في محل الإضمار في الموضعين لتربية المهابة كما قيل والله أعلم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله: "ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة" قال: شهادة أن لا إله إلا الله "كشجرة طيبة" وهو المؤمن "أصلها ثابت" يقول: لا إله إلا الله ثابت في قلب المؤمن "وفرعها في السماء" يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء "ومثل كلمة خبيثة" وهي الشرك "كشجرة خبيثة" يعني الكافر "اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار" يقول: الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان، ولا يقبل الله مع الشرك عملاً. وقد روي نحو هذا عن جماعة من التابعين ومن بعدهم. وأخرج الترمذي والنسائي والبزار وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس قال: "أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقال: " مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة " حتى بلغ "تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" قال: هي النخلة "ومثل كلمة خبيثة" حتى بلغ "ما لها من قرار" قال: هي الحنظلة". وروي موقوفاً على أنس، قال الترمذي: الموقوف أصح. وأخرج أحمد وابن مردويه. قال السيوطي بسند جيد عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "كشجرة طيبة"، قال هي التي لا ينقص ورقها قال: هي النخلة. وأخرج البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً لأصحابه: "إن شجرة من الشجر لا يطرح ورقها مثل المؤمن، قال: فوقع الناس في شجرة البوادي، ووقع في قلبي أنها النخلة، فاستحييت حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة"، وفي لفظ للبخاري قال: "أخبروني عن شجرة كالرجل المسلم لا يتحات ورقها ولا تؤتي أكلها كل حين، فذكر نحوه". وفي لفظ لابن جرير وابن مردويه من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "هل تدرون ما الشجرة الطيبة؟، ثم قال: هي النخلة" وروي نحو هذا عن جماعة من الصحابة والتابعين. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" قال: كل ساعة بالليل والنهار والشتاء والصيف، وذلك مثل المؤمن يطيع ربه بالليل والنهار والشتاء والصيف. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في الآية قال: يكون أخضر ثم يكون أصفر. وأخرج عنه أيضاً في قوله: "كل حين" قال: جذاذ النخل. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "تؤتي أكلها كل حين" قال: تطعم في كل ستة أشهر. وأخرج أبو عبيد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عنه أيضاً قال: الحين هنا سنة. وأخرج البيهقي عنه أيضاً قال: الحين قد يكون غدوة وعشية. وقد روي عن جماعة من السلف في هذا أقوال كثيرة. وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، فذلك قوله سبحانه: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة". وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي عن البراء بن عازب في قوله: "يثبت الله الذين آمنوا" الآية قال: التثبيت في الحياة الدنيا إذا جاء الملكان إلى الرجل في القبر فقالا من ربك؟ فقال ربي الله، قال: وما دينك؟ قال ديني الإسلام، قال: ومن نبيك؟ قال نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك التثبيت في الحياة الدنيا. وأخرج البيهقي عن ابن عباس نحوه. وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن أبي سعيد في الآية قال: في الآخرة القبر. وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت: "قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا" الآية قال: هذا في القبر". وأخرج البيهقي من حديثها نحوه. وأخرج البزار عنها أيضاً قالت "قلت يا رسول الله تبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف بي وأنا امرأة ضعيفة؟ قال: "يثبت الله الذين آمنوا" الآية"، وقد وردت أحاديث كثيرة في سؤال الملائكة للميت في قبره، وفي جوابه عليهم وفي عذاب القبر وفتنته، وليس هذا موضع بسطها، وهي معروفة.
قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت"، كلمة التوحيد، وهي قول: لا إله إلا الله "في الحياة الدنيا"، يعني قبل الموت، "وفي الآخرة"، يعني في القبر. هذا قول أكثر أهل التفسير.
وقيل: "في الحياة الدنيا": عند السؤال في القبر، "وفي الآخرة": عند البعث.
والأول أصح.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو الوليد، حدثنا شعبة، أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد ابن عبيدة، عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فذلك قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة"".
وأخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر، أنبأنا عبد الغافر بن محمد، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أنبأنا مسلم بن الحجاج، حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" قال: نزلت في عذاب القبر يقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد، فذلك قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت" الآية.
وأخبرنا عبد الواحد المليحي، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا عياش بن الوليد، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس ابن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن العبد إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فيقعدانه، فيقولان : ما كنت تقول في هذا الرجل، لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراها جميعا قال قتادة: وذكر لنا أنه يفسح له في قبره، ثم رجع إلى حديث أنس قال:
وأما المنافق والكافر، فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة، فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين".
أخبرنا أبو الفرج المظفر بن إسماعيل التميمي، حدثنا أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي، أنبأنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ، حدثنا عبد الله بن سعيد، حدثنا أسد بن موسى، حدثنا عنبسة ابن سعيد بن كثير، حدثني جدي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الميت يسمع حس النعال إذا ولى عنه الناس مدبرين، ثم يجلس ويوضع كفنه في عنقه ثم يسأل".
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قبر الميت أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر، وللآخر النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله، فيقولان له: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله تعالى، وإن كان منافقا أو كافرا قال: سمعت الناس يقولون قولا فقلت مثله، لا أدري، فيقولان : قد كنا نعلم أنك تقول ذلك فيقال للأرض التئمي عليه فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك".
وروي عن البراء بن عازب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن وقال: "فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه في قبره فيقولان له من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فينتهرانه ويقولان له الثانية: من ربك وما دينك ومن نبيك وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فيثبته الله عز وجل، فيقول ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي، قال: فذلك قوله تعالى: "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة"".
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، أنبأنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي، أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن سيار القرشي، حدثنا إبراهيم بن موسى القراء أبو إسحاق حدثنا هشام ابن يوسف حدثنا عبد الله بن يحيى عن هانئ مولى عثمان قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا الله له التثبيت، فإنه الآن يسأل".
وقال عمر بن العاص في سياق الموت وهو يبكي: فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا ثم أقيموا حول قبري قدر ما ينحر جزور ويقسم لحمها حتى أستأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي.
قوله تعالى: "ويضل الله الظالمين" أي: لا يهدي المشركين إلى الجواب بالصواب في القبر "ويفعل الله ما يشاء"، من التوفيق والخذلان والتثبيت وترك التثبيت.
27." يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت "الذي ثبت الحجة عندهم وتمكن في قلوبهم"في الحياة الدنيا"فلا يزالون إذا فتنوا في دينهم كزكريا ويحيى عليهما السلام وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الأخدود."وفي الآخرة"فلا يتلعثمون إذا سئلوا عن معتقدهم في الموقف، ولا تدهشهم أهوال يوم القيامة."وروي أنه صلى الله عليه وسلم ذكر قبض روح المؤمن فقال: ثم تعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه في قبره ويقولان له : من ربك؟وما دينك؟ ومن نبيك؟فيقول :ربي الله وديني الإسلام ،ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي" فذلك قوله:"يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت"."ويضل الله الظالمين"الذين ظلموا أنفسهم بالاقتصار على التقليد فلا يهتدون إلى الحق ولا يثبتون في مواقف الفتن."ويفعل الله ما يشاء"من تثبيت بعض وإضلال آخرين من غير اعتراض عليه.
27. Allah confirmeth those who believe by a firm saying in the life of the world and in the Hereafter, and Allah sendeth wrongdoers astray. And Allah doeth what He will.
27 - God will establish in strength those who believe, with the word that stands firm, in this world and in the hereafter; but God will leave, to stray, those who do wrong: God doeth what he willeth.