27 - (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين) أي على طريقتهم (وكان الشيطان لربه كفورا) شديد الكفر لنعمه فكذلك أخوه المبذر
وأما قوله " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " فإنه يعني : إن المفرقين أموالهم في معاصي الله المنفقيها في غير طاعته أولياء الشياطين ، وكذلك تقول العرب لكل ملازم سنة قوم وتابع أثرهم : هو أخوهم " وكان الشيطان لربه كفورا" يقول : وكان الشيطان لنعمة ربه التي أنعمها عليه جحودا لا يشكره عليها، ولكنه يكفرها بترك طاعة الله ،وركوبه معصيته ، فكذلك إخوانه من بني آدم المبذرون أموالهم في معاصي الله ، لا يشكرون الله على نعمه عليهم ، ولكنهم يخالفون أمره ويعصونه ، ويستنون فيما أنعم الله عليهم به من الأموال التي خولهموها وجل عز سنته من ترك الشكر عليها، وتلقيها بالكفران . كالذي :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " إن المبذرين " : إن المنفقين في معاصي الله " كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا" .
لقوله تعالى : " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " وقوله إخوان يعني أنهم في حكمهم ، إذ المبذر ساع في إفساد كالشياطين ، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم ، أو أنهم يقرنون بهم إذا في النار ، ثلاثة أقوال . والإخوان هنا جمع أخ من غير النسب ، ومنه قوله تعالى : إنما المؤمنون أخوة . وقوله تعالى : وكان الشيطان لربه كفورا أي احذروا متابعته والتشبه به في الفساد . والشيطان اسم الجنس . وقرأ الضحاك إخوان الشيطان على الانفراد ، وكذلك ثبت في مصحف أنس بن مالك رضي الله عنه .
الثالثة : من أنفق ماله في الشهوات زائدا على قدر الحاجات وعرضه بذلك فهو مبذر . ومن أنفق ربح ماله في شهواته وحفظ الأصل أو الرتبة فليس بمبذر . ومن أنفق درهما في حرام فهو مبذر ، ويحجر عليه في نفقته الدرهم في الحرام ، ولا يحجر عليه إن بذله في الشهوات إلا إذا خيف عليه النفاذ .
لما ذكر تعالى بر الوالدين, عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام, وفي الحديث "أمك وأباك ثم أدناك أدناك" وفي رواية "ثم الأقرب فالأقرب", وفي الحديث "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله, فليصل رحمه" وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن يعقوب , حدثنا أبو يحيى التميمي , حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: لما نزلت " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك, ثم قال: لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التميمي وحميد بن حماد بن أبي الخوار , وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده, لأن الاية مكية, وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة, فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ فهو إذاً حديث منكر, والأشبه أنه من وضع الرافضة, والله أعلم, وقد تقدم الكلام على المساكين وأبناء السبيل في سورة براءة بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله "ولا تبذر تبذيراً" لما أمر بالإنفاق, نهى عن الإسراف فيه, بل يكون وسطاً كما قال في الاية الأخرى "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا" الاية, ثم قال منفراً عن التبذير والسرف "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" أي أشباههم في ذلك. قال ابن مسعود : التبذير الإنفاق في غير حق, وكذا قال ابن عباس , وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً, ولو أنفق مداً في غير حق كان مبذراً. وقال قتادة : التبذير النفقة في معصية الله تعالى, وفي غير الحق والفساد.
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال , عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: " أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير, وذو أهل وولد وحاضرة, فأخبرني كيف أنفق, وكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك إن كان, فإنها طهرة تطهرك, وتصل أقرباءك, وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال: يا رسول الله أقلل لي ؟ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها, وإثمها على من بدلها".
وقوله: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته, ولهذا قال "وكان الشيطان لربه كفوراً" أي جحوداً, لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته, بل أقبل على معصيته ومخالفته. وقوله: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك" الاية, أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء, أعرضت عنهم لفقد النفقة "فقل لهم قولاً ميسوراً" أي عدهم وعداً بسهولة ولين, إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله, هكذا فسر قوله: "فقل لهم قولاً ميسوراً" بالوعد, مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد.
وهو حرام لقوله: 27- "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" فإن هذه الجملة تعليل للنهي عن التبذير، والمراد بالأخوة المماثلة التامة، وتجنب مماثلة الشيطان ولو في خصلة واحدة من خصاله واجب، فكيف فيما هو أعم من ذلك كما يدل عليه إطلاق المماثلة، والإسراف في الإنفاق من عمل الشيطان، فإذا فعله أحد من بني آدم فقد أطاع الشيطان واقتدى به "وكان الشيطان لربه كفوراً" أي كثير الكفران عظيم التمرد عن الحق، لأنه مع كفره لا يعمل إلا شراً، ولا يأمر إلا بعمل الشر، ولا يوسوس إلا بما لا خير فيه. وفي هذه الآية تسجيل على المبذرين بمماثلة الشياطين، ثم التسجيل على جنس الشيطان بأنه كفور، فاقتضى ذلك أن المبذر مماثل للشيطان، وكل مماثل للشيطان له حكم الشيطان، وكل شيطان كفور، فالمبذر كفور.
27 - " إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين " ، أي : أولياءهم ، والعرب تقول لكل ملازم سنة قوم هو أخوهم . " وكان الشيطان لربه كفوراً " ، جحوداً لنعمة .
27."إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين "أمثالهم في الشرارة فإن التضييع و الإتلاف شر ، أو أصدقاءهم وأتباعهم لأنهم يطيعونهم في الإسراف والصرف في المعاصي. روي:أنهم كانوا ينحرون الإبل ويتياسرون عليها ويبذرون أموالهم في السمعة، فنهاهم الله عن ذلك وأمرهم بالإنفاق في القربات . "وكان الشيطان لربه كفوراً"مبالغاً في الكفر به فينبغي أن لا يطاع.
27. Lo! the squanderers were ever brothers of the devils, and the devil was ever an ingrate to his Lord.
27 - verily spendthrifts are brothers of the evil ones; and the evil one is to his Lord (himself) ungrateful.