كيف تكفرون) يا أهل مكة (بالله و) قد (كنتم أمواتا) نطفا في الأصلاب (فأحياكم) في الأرحام والدنيا بنفخ الروح فيكم ، والاستفهام للتعجب من كفرهم مع قيام البرهان أو للتوبيخ (ثم يميتكم) عند انتهاء آجالكم (ثم يحييكم) بالبعث (ثم إليه ترجعون) تردون بعد البعث فيجازيكم بأعمالكم . وقال دليلا على البعث لما أنكروه:
اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك:
فقال بعضهم بما:
حدثني به موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم"، يقول: لم تكونوا شيئًا فخلقكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم يوم القيامة.
حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص، عن عبدالله، في قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" (غافر: 11)، قال: هي كالتي في البقرة: "كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم".
حدثني أبو حصين عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن يونس، قال: حدثنا عبثر، قال: حدثنا حصين، عن أبي مالك، في قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين"، قال: خلقتنا ولم نكن شيئًا، ثم أمتنا، ثم أحييتنا.
حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك، في قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين"، قال: كانوا أمواتًا فأحياهم الله، ثم أماتهم، ثم أحياهم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين بن داود، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، في قوله:"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم"، قال: لم تكونوا شيئًا حين خلقكم، ثم يميتكم الموتة الحق، ثم يحييكم. وقوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين"، مثلها.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثني عطاء الخراساني، عن ابن عباس، قال: هو قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين".
حدثت عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: حدثني أبو العالية، في قول الله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا"، يقول: حين لم يكونوا شيئًا، ثم أحياهم حين خلقهم، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة، ثم رجعوا إليه بعد الحياة.
حدثت عن المنجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، في قوله: "أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين"، قال: كنتم ترابًا قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم، فهذه إحياءة. ثم يميتكم فترجعون إلى القبور، فهذه ميتة أخرى. ثم يبعثكم يوم القيامة، فهذه إحياءة. فهما ميتتان وحياتان، فهو قوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون ".
وقال آخرون بما:
حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن السدي، عن أبي صالح: " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون"، قال: يحييكم في القبر، ثم يميتكم.
وقال آخرون بما:
حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، قوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا"، الآية، قال: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم، فأحياهم الله وخلقهم، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان. وقال بعضهم بما:
حدثني به يونس، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله تعالى: "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين". قال: خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق، وقرأ: "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم"، حتى بلغ: "أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون" (الأعراف: 172- 173). قال: فكسبهم العقل وأخذ عليهم الميثاق. قال: وانتزع ضلعًا من أضلاع آدم القصيرى فخلق منه حواء ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وذلك قول الله تعالى:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" (النساء: 1)، قال: وبث منهما بعد ذلك في الأرحام خلقًا كثيرًا، وقرأ: "يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق" (الزمر: 6)، قال: خلقًا بعد ذلك. قال: فلما أخذ عليهم الميثاق أماتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة، فذلك قول الله: "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا" (غافر: 11)، وقرأ قول الله: "وأخذنا منهم ميثاقا غليظا" (الأحزاب: 7). قال: يومئذ. قال: وقرأ قول الله: "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا" (المائدة: 7).
قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال التي حكيناها عمن رويناها عنه، وجه ومذهب من التأوبل.
فأما وجه تأويل من تأول قوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم"، أي لم تكونوا شيئا، فإنه ذهب إلى نحو قول العرب للشيء الدارس والأمر الخامل الذكر: هذا شيء ميت وهذا أمر ميت يراد بوصفه بالموت: خمول ذكره، ودروس أثره من الناس. وكذلك يقال في ضد ذلك وخلافه: هذا أمر حي، وذكر حي يراد بوصفه بذلك أنه نابه متعالم في الناس، كما قال أبو نخيلة السعدي:
فأحييت لي ذكري، وما كنت خاملاً ولكن بعض الذكر انبه من بعض
يريد بقوله: فأحييت لي ذكري ، أي: رفعته وشهرته في الناس حتى نبه فصار مذكورًا حيًا، بعد أن كان خاملاً ميتًا. فكذلك تأويل قول من قال في قوله: "وكنتم أمواتا" لم تكونوا شيئًا، أي كنتم خمولاً لا ذكر لكم، وذلك كان موتكم فأحياكم، فجعلكم بشرًا أحياء تذكرون وتعرفون، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم، كالذي كنتم قبل أن يحييكم، من دروس ذكركم، وتعفي آثاركم، وخمول أموركم، ثم يحييكم بإعادة أجسامكم إلى هيئاتها، ونفخ الروح فيها، وتصييركم بشرًا كالذي كنتم قبل الإماتة، تتعارفون في بعثكم وعند حشركم.
وأما وجه تأويل من تأول ذلك: أنه الإماتة التي هي خروج الروح من الجسد، فإنه ينبغي أن يكون ذهب بقوله "وكنتم أمواتا"، إلى أنه خطاب لأهل القبور بعد إحيائهم في قبورهم. وذلك معنى بعيد، لأن التوبيخ هنالك إنما هو توبيخ على ما سلف وفرط من إجرامهم، لا استعتاب واسترجاع. وقوله جل ذكره: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا"، توبيخ مستعتب عباده، وتأنيب مسترجع خلقه من المعاصي إلى الطاعة، ومن الضلالة إلى الإنابة، ولا إنابة في القبور بعد الممات، ولا توبة فيها بعد الوفاة.
وأما وجه تأويل قول قتادة ذلك: أنهم كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم. فإنه عنى بذلك أنهم كانوا نطفا لا أرواح فيها، فكانت بمعنى سائر الأشياء الموات التي لا أرواح فيها، وإحياؤه إياها تعالى ذكره، نفخه الأرواح فيها، وإماتته إياهم بعد ذلك، قبضه أرواحهم. وإحياؤه إياهم بعد ذلك، نفخ الأرواح في أجسامهم يوم ينفخ في الصور، ويبعث الخلق للموعود.
وأما ابن زيد، فقد أبان عن نفسه ما قصد بتأويله ذلك، وأن الإماتة الأولى عنده إعادة الله جل ثناؤه عباده في أصلاب آبائهم، بعدما أخذهم من صلب آدم، وأن الإحياء الآخر هو نفخ الأرواح فيهم في بطون أمهاتهم، وأن الإماتة الثانية هي قبض أرواحهم للعود إلى التراب، والمصير في البرزخ إلى يوم البعث، وأن الإحياء الثالث هو نفخ الأرواح فيهم لبعث الساعة ونشر القيامة.
وهذا تأويل إذا تدبره المتدبر وجده خلافًا لظاهر قول الله الذي زعم مفسره أن الذي وصفنا من قوله تفسيره. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه عن الذين أخبر عنهم من خلقه أنهم قالوا: "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين"، وزعم ابن زيد في تفسيره أن الله أحياهم ثلاث إحياءات، وأماتهم ثلاث إماتات. والأمر عندنا وإن كان فيما وصف من استخراج الله جل ذكره من صلب آدم ذريته، وأخذه ميثاقه عليهم كما وصف فليس ذلك من تأويل هاتين الآيتين أعني قوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا" الآية، وقوله: "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" في شيء. لأن أحدًا لم يذع أن الله أمات من ذرأ يومئذ غير الإماتة التي صار بها في البرزخ إلى يوم البعث، فيكون جائزًا أن يوجه تأويل الآية إلى ما وجهه إليه ابن زيد.
وقال بعضهم: الموتة الأولى مفارقة نطفة الرجل جسده إلى رحم المرأة، فهي ميتة من لدن فراقها جسده إلى نفخ الروح فيها. ثم يحييها الله بنفخ الروح فيها فيجعلها بشرًا سويًا بعد تارات تأتي عليها. ثم يميته الميتة الثانية بقبض الروح منه، فهو في البرزخ ميت إلى يوم ينفخ في الصور، فيرد في جسده روحه، فيعود حيًا سويًا لبعث القيامة. فذلك موتتان وحياتان. وإنما دعا هؤلاء إلى هذا القول، لأنهم قالوا: موت ذي الروح مفارقة الروح إياه. فزعموا أن كل شيء من ابن آدم حي ما لم يفارق جسده الحي ذا الروح. فكل ما فارق جسده الحي ذا الروح، فارقته الحياة فصار ميتًا. كالعضو من أعضائه مثل اليد من يديه، والرجل من رجليه لو قطعت فأبينت، والمقطوع ذلك منه حي، كان الذي بان من جسده ميتًا لا روح فيه بفراقه سائر جسده الذي فيه الروح. قالوا: فكذلك نطفته حية بحياته ما لم تفارق جسده ذا الروح، فإذا فارقته مباينة له صارت ميتة، نظير ما وصفنا من حكم اليد والرجل وسائر أعضائه. وهذا قول ووجه من التأويل، لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضى للقرآن تأويلهم.
وأولى ما ذكرنا من الأقوال التي بينا بتأويل قول الله جل ذكره: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم" الآية، القول الذي ذكرناه عن ابن مسعود وعن ابن عباس: من أن معنى قوله: "وكنتم أمواتا" أموات الذكر، خمولاً في أصلاب آبائكم نطفًا، لا تعرفون ولا تذكرون، فأحياكم بإنشائكم بشرًا سويًا حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم، ثم يميتكم بقبض أرواحكم وإعادتكم رفاتًا لا تعرفون ولا تذكرون في البرزخ إلى يوم تبعثون، ثم يحييكم بعد ذلك بنفخ الأرواح فيكم لبعث الساعة وصيحة القيامة، ثم إلى الله ترجعون بعد ذلك، كما قال: "ثم إليه ترجعون"، لأن الله جل ثناؤه يحييهم في قبورهم قبل حشرهم، ثم يحشرهم لموقف الحساب، كما قال جل ذكره: "يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون" (المعارج: 143) وقال: "ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون" (يس: 51).
والعلة التي من أجلها اخترنا هذا التأويل، ما قد قدمنا ذكره للقائلين به، وفساد ما خالفه بما قد أوضحناه قبل.
وهذه الآية توبيخ من الله جل ثناؤه للقائلين: "آمنا بالله وباليوم الآخر"، الذين أخبر الله عنهم أنهم مع قيلهم ذلك بأفواههم، غير مؤمنين به. وأنهم إنما يقولون ذلك خداعًا لله وللمؤمنين، فعذلهم الله بقوله: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم"، ووبخهم واحتج عليهم في نكيرهم ما أنكروا من ذلك وجحودهم ما جحدوا بقلوبهم المريضة فقال: كيف تكفرون بالله فتجحدون قدرته على إحيائكم بعد إماتتكم، لبعث القيامة، ومجازاة المسيء منكم بالإساءة والمحسن بالإحسان، وقد كنتم نطفًا أمواتًا فى أصلاب آبائكم، فأنشأكم خلقًا سويًا، وجعلكم أحياء، ثم أماتكم بعد إنشائكم. فقد علمتم أن من فعل ذلك بقدرته، غير معجزه بالقدرة التي فعل ذلك بكم إحياؤكم بعد إماتتكم، وإعادتكم بعد إفنائكم، وحشركم إليه لمجازاتكم بأعمالكم.
ثم عدد ربنا تعالى ذكره عليهم وعلى أوليائهم من أحبار اليهود الذين جمع بين قصصهم وقصص المنافقين في كثير من آي هذه السورة التي افتتح الخبر عنهم فيها بقوله:"إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " نعمه التي سلفت منه إليهم وإلى آبائهم، التي عظمت منهم مواقعها. ثم سلب كثيرًا منهم كثيرًا منها، بما ركبوا من الآثام، واجترموا من الأجرام، وخالفوا من الطاعة إلى المعصية، محذرهم بذلك تعجيل العقوبة لهم، كالتي عجلها للأسلاف والأفراط قبلهم، ومخوفهم حلول مثلاته بساحتهم كالذي أحل بأوليهم، ومعرفهم ما لهم من النجاة في سرعة الأوبة إليه، وتعجيل التوبة، ومن الخلاص لهم يوم القيامة من العقاب.
فبدأ بعد تعديده عليهم ما عدد من نعمه التي هم فيها مقيمون، بذكر أبينا وأبيهم آدم أبي البشر صلوات الله عليه، وما سلف منه من كرامته إليه، وآلائه لديه، وما أحل به وبعدوه إبليس من عاجل عقوبته بمعصيتهما التي كانت منهما، ومخالفتهما أمره الذي أمرهما به. وما كان من تغمده آدم برحمته إذ تاب وأناب إليه. وما كان من إحلاله بإبليس من لعنته في العاجل، وإعداده له ما أعد له من العذاب المقيم في الآجل، إذ استكبر وأبى التوبة إليه والإنابة، منبهًا لهم على حكمه في المنيبين إليه بالتوبة، وقضائه في المستكبرين عن الإنابة، إعذارًا من الله بذلك إليهم، وإنذارا لهم، ليتدبروا آياته وليتذكر منهم أولو الألباب. وخاصًا أهل الكتاب بما ذكر من قصص آدم وسائر القصص التي ذكرها معها وبعدها، مما علمه أهل الكتاب وجهلته الأمة الأمية من مشركي عبدة الأوثان بالاحتجاج عليهم دون غيرهم من سائر أصناف الأمم، الذين لا علم عندهم بذلك لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، ليعلموا بإخباره إياهم بذلك، أنه لله رسول مبعوث، وأن ما جاءهم به فمن عنده. إذ كان ما اقتص عليهم من هذه القصص، من مكنون علومهم، ومصون ما في كتبهم، وخفي أمورهم التي لم يكن يدعي معرفة علمها غيرهم وغير من أخذ عنهم وقرأ كتبهم.
وكان معلومًا من محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن قط كاتبًا، ولا لأسفارهم تاليًا، ولا لأحد منهم مصاحبًا ولا مجالسًا، فيمكنهم أن يدعوا أنه أخذ ذلك من كتبهم أو عن بعضهم، فقال جل ذكره في تعديده عليهم ما هم فيه مقيمون من نعمه، مع كفرهم به، وتركهم شكره عليها بما يجب له عليهم من طاعته: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم". فأخبرهم جل ذكره أنه خلق لهم ما في الأرض جميعًا، لأن الأرض وجميع ما فيها لبني آدم منافع. أما في الدين، فدليل على وحدانية ربهم، وأما في الدنيا فمعاش وبلاغ لهم إلى طاعته وأداء فرائضه.
فلذلك قال جل ذكره: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا".
وقوله: هو مكني من اسم الله جل ذكره عائد على اسمه في قوله: "كيف تكفرون بالله ".
ومعنى خلقه ما خلق جل ثناؤه، إنشاؤه عينه، وإخراجه من حال العدم إلى الوجود. و ما بمعنى الذي.
فمعني الكلام إذًا: كيف تكفرون بالله وكنتم نطفًا في أصلاب آبائكم فجعلكم بشرًا أحياء، ثم يميتكم، ثم هو محييكم بعد ذلك وباعثكم يوم الحشر للثواب والعقاب، وهو المنعم عليكم بما خلق لكم في الأرض من معايشكم وأدلتكم على وحدانية ربكم.
و كيف بمعنى التعجب والتوبيخ، لا بمعنى الاستفهام، كأنه قال: ويحكم كيف تكفرون بالله، كما قال: "فأين تذهبون" (التكوير: 26). وحل قوله:"وكنتم أمواتا فأحياكم" محل الحال. وفيه ضمير قد، ولكنها حذفت لما في الكلام من الدليل عليها. وذلك أن فعل إذا حلت محل الحال كان معلومًا أنها مقتضية قد، كما قال جل ثناؤه " أو جاؤوكم حصرت صدورهم" (النساء: 90)، بمعنى: قد حصرت صدورهم. وكما تقول للرجل: أصبحت كثرت ماشيتك، تريد: قد كثرت ماشيتك.
وبنحو الذي قلنا في قوله:"هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا"، كان قتادة يقول.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة، قوله: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا"، نعم والله سخر لكم ما في الأرض.
القول في تأويل قوله تعالى: "ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات".
قال أبو جعفر: اختلفوا في تأويل قوله: "ثم استوى إلى السماء".
فقال بعضهم: معنى استوى إلى السماء، أقبل عليها، كما تقول: كان فلان مقبلاً على فلان، ثم استوى علي يشاتمني واستوى إلي يشاتمني. بمعنى أقبل علي وإلي يشاتمني. واستشهد على ان الاستواء بمعنى الإقبال بقول الشاعر:
أقول وقد قطعن بنا شرورى سوامد، واستوين من الضجوع
فزعم أنه عنى به أنهن خرجن من الضجوع، وكان ذلك عندهم بمعنى: أقبلن. وهذا من التأويل في هذا البيت خطأ، وإنما معنى قوله: واستوين من الضجوع،استوين على الطريق خارجات، بمعنى استقمن عليه.
وقال بعضهم: لم يكن ذلك من الله جل ذكره بتحول، ولكنه بمعنى فعله، كما تقول: كان الخليفة في أهل العراق يواليهم، ثم تحول إلى الشام. إنما يريد: تحول فعله. وقال بعضهم: قوله: "ثم استوى إلى السماء"، يعني به: استوت،. كما قال الشاعر:
أقول له لما استوى في ترابه على أي دين قتل الناس مصعب
وقال بعضهم: "ثم استوى إلى السماء"، عمد لها. وقال: بل كل تارك عملاً كان فيه إلى آخر، فهو مستو لما عمد له، ومستو إليه.
وقال بعضهم: الاستواء هو العلو، والعلو هو الارتفاع. وممن قال ذلك الربيع بن أنس.
حدثت بذلك عن عمار بن الحسن، قال: حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: "ثم استوى إلى السماء"، يقول: ارتفع إلى السماء.
ثم اختلف متأولو الاستواء بمعنى العلو والارتفاع، في الذي استوى إلى السماء. فقال بعضهم: الذي استوى إلى السماء وعلا عليها، هو خالقها ومنشئها. وقال بعضهم: بل العالي عليها: الدخان الذي جعله الله للأرض سماءً.
قال أبوجعفر: الاستواء في كلام العرب منصرف على وجوه: منها انتهاء شباب الرجل وقوته، فيقال، إذا صار كذلك: قد استوى الرجل. ومنها: استقامة ما كان فيه أود من الأمور والأسباب، يقال منه: استوى لفلان أمره. إذا استقام بعد أود، ومنه قول الطرماح بن حكيم:
طال على رسم مهدد أبده وعفا واستوى به بلده
يعني: استقام به. ومنها: الإقبال على الشيء يقال استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوءه بعد الإحسان إليه. ومنها: الاحتياز والاستيلاء، كقولهم: استوى فلان على المملكة. بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها: العلو والارتفاع، كقول القائل، استوى فلان على سريره. يعني به علوه عليه. وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: "ثم استوى إلى السماء فسواهن"، علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سموات.
والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله: "ثم استوى إلى السماء"، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربًا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر. ثم لم ينج مما هرب منه فيقال له: زعمت أن تأويل قوله "استوى" أقبل، أفكان مدبرًا عن السماء فأقبل إليها فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولاً إلا ألزم في الآخر مثله. ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولاً، لقول أهل الحق فيه مخالفًا. وفيما بينا منه ما يشرف بذي الفهم على ما فيه له الكفاية إن شاء الله تعالى.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: أخبرنا عن استواء الله جل ثناؤه إلى السماء، كان قبل خلق السماء أم بعده؟
قيل: بعده، وقبل أن يسويهن سبع سموات، كما قال جل ثناؤه: "ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها" (فصلت:11). والاستواء كان بعد أن خلقها دخانًا، وقبل أن يسويها سبع سموات.
وقال بعضهم: إنما قال: "استوى إلى السماء"، ولا سماء، كقول الرجل لآخر:اعمل هذا الثوب، وإنما معه غزل.
وأما قوله "فسواهن" فإنه يعني هيأهن وخلقهن ودبرهن وقومهن. والتسوية في كلام العرب، التقويم والإصلاح والتوطئة، كما يقال: سوى فلان لفلان هذا الأمر، إذا قومه وأصلحه ووطأه له. فكذلك تسوية الله جل ثناؤه سمواته: تقويمه إياهن على مشيئته، وتدبيره لهن على إرادته، وتفتيقهن بعد ارتتاقهن.
كما: حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس: "فسواهن سبع سماوات" يقول: سوى خلقهن،"وهو بكل شيء عليم ".
وقال جل ذكره: "فسواهن"، فأخرج مكنيهن مخرج مكني الجميع، وقد قال قبل: "ثم استوى إلى السماء" فأخرجها على تقدير الواحد. وإنما أخرج مكنيهن مخرج مكني الجميع، لأن السماء جمع واحدها سماوة، فتقدير واحدتها وجميعها إذًا تقدير بقرة وبقر ونخلة ونخل، وما أشبه ذلك. ولذلك أنثت السماء مرة فقيل: هذه سماة، وذكرت أخرى فقيل: "السماء منفطر به" (المزمل: 18)، كما يفعل ذلك بالجميع الذي لا فرق بينه وبين واحده غير دخول الهاء وخروجها، فيقال: هذا بقر وهذه بقر، وهذا نخل وهذه نخل، وما أشبه ذلك.
وكان بعض أهل العربية يزعم أن السماء واحدة، غير أنها تدل على السموات، فقيل: "فسواهن"، يراد بذلك التي ذكرت وما دلت عليه من سائر السموات التي لم تذكر معها. قال: وانما تذكر إذا ذكرت وهي مؤنثة، فيقال: السماء منفطر به، كما يذكر المؤنث، وكما قال الشاعر:
فلا مزنة ودقت ودقها ولا أرض أبقل إبقالها
وكما قال أعشى بني ثعلبة:
فإما تري لمتي بدلت فإن الحوادث أزرى بها
وقال بعضهم: السماء وإن كانت سماء فوق سماء وأرضاً فوق أرض، فهي في التأويل واحدة إن شئت، ثم تكون تلك الواحدة جماعاً، كما يقال: ثوب أخلاق وأسمال، وبرمة أعشار، للمتكسرة، وبرمة أكسار وأجبار، وأخلاق، أي أن نواحيه أخلاق.
فإن قال لنا قائل: فإنك قد قلت إن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء وهي دخان قبل أن يسويها سبع سموات، ثم سواها سبعًا بعد استوائه إليها، فكيف زعمت أنها جماع؟
قيل: إنهن كن سبعًا غير مستويات، فلذلك قال جل ذكره: فسواهن سبعًا. كما:حدثني محمد بن حميد، قال حدثنا سلمة بن الفضل ، قال: قال محمد بن إسحق:كان أول ما خلق الله تبارك وتعالى النور والظلمة، ثم ميز بينهما، فجعل الظلمة ليلاً أسود مظلمًا، وجعل النور نهارًا مضيئًا مبصراً، ثم سمك السموات السبع من دخان يقال، والله أعلم، من دخان الماء حتى استقللن ولم يحبكهن. وقد أغطش في السماء الدنيا ليلها، وأخرج ضحاها، فجرى فيها الليل والنهار، وليس فيها شمس ولا قمر ولا نجوم. ثم دحا الأرض وأرساها بالجبال، وقدر فيها الأقوات، وبث فيها ما أراد من الخلق، ففرغ من الأرض وما قدر فيها من أقواتها في أربعة أيام. ثم استوى إلى السماء، هي دخان كما قال فحبكهن، وجعل في السماء الدنيا شمسها وقمرها ونجومها، وأوحى في كل سماء أمرها، فأكمل خلقهن في يومين، ففرغ من خلق السموات والأرض في ستة أيام. ثم استوى في اليوم السابع فوق سمواته، ثم قال للسموات والأرض: ائتيا طوعاً أو كرهًا لما أردت بكما، فاطمئنا عليه طوعاً أو كرهاً، قالتا: أتينا طائعين.
فقد أخبر ابن إسحق أن الله جل ثناؤه استوى إلى السماء بعد خلق الأرض وما فيها وهن سبع من دخان، فسواهن كما وصف. وإنما استشهدنا لقولنا الذي قلنا في ذلك بقول ابن إسحق، لأنه أوضح بياناً عن خلق السموات، أنهن كن سبعًا من دخان قبل استواء ربنا إليها لتسويتها من غيره، وأحسن شرحاً لما أردنا الاستدلال به، من أن معنى السماء التي قال الله تعالى ذكره فيها: " ثم استوى إلى السماء" بمعنى الجميع، على ما وصفنا. وأنه إنما قال جل ثناؤه: "فسواهن "، إذ كانت السماء بمعنى الجميع، على ما بينا.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فما صفة تسوية الله جل ثناؤه السموات التي ذكرها في قوله "فسواهن"، إذ كن قد خلقن سبًعا قبل تسويته إياهن؟ وما وجه ذكر خلقهن بعد ذكر خلق الأرض؟ ألأنها خلقت قبلها، أم لمعنى غير ذلك؟
قيل: قد ذكرنا ذلك في الخبر الذي رويناه عن ابن إسحق، ونؤكد تأكيدًا بما نضم إليه من أخبار بعض السلف المتقدمين وأقوالهم:
فحدثني موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ". قال: إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء. فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخاناً، فارتفع فوق الماء فسما عليه، فسماه سماء. ثم أيبس الماء فجعله أرضاً واحدة، ثم فتقها فجعل سبع أرضين في يومين في الأحد والاثنين، فخلق الأرض على حوت، والحوت هو النون الذي ذكره الله في القرآن: (ن والقلم)، والحوت في الماء، والماء على ظهر صفاة، والصفاة على ظهر ملك، والملك على صخرة، والصخرة في الريح وهي الصخرة التي ذكر لقمان ليست في السماء ولا في الأرض: فتحرك الحوت فاضطرب، فتزلزلت الأرض، فأرسى عليها الجبال فقرت، فالجبال تفخر على الأرض، فذلك قوله: "وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم" ( النحل: 15). وخلق الجبال فيها، وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومين، في الثلاثاء والأربعاء، وذلك حين يقول: " أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها " يقول: أنبت شجرها "وقدر فيها أقواتها" يقول: أقواتها لأهلها "في أربعة أيام سواء للسائلين " يقول: قل لمن يسألك: هكذا الأمر "ثم استوى إلى السماء وهي دخان" (فصلت: 9- 11) وكان ذلك الدخان من تنفس الماء حين تنفس، فجعلها سماء واحدة، ثم فتقها فجعلها سبع سموات في يومين في الخميس والجمعة، وإنما سمي يوم الجمعة لأنه جمع فيه خلق السموات والأرض وأوحى في كل سماء أمرها قال: خلق في كل سماء خلقها من الملائكة والخلق الذي فيها، من البحار وجبال البرد وما لا يعلم، ثم زين السماء الدنيا بالكواكب، فجعلها زينة وحفظاً، تحفظ من الشياطين. فلما فرغ من خلق ما أحب، استوى على العرش. فذلك حين يقول: "خلق السموات والأرض في ستة أيام" (الأعراف: 54). ويقول: "كانتا رتقا ففتقناهما" ( الأنبياء: 30).
وحدثني الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: "هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء". قال: خلق الأرض قبل السماء، فلما خلق الأرض ثار منها دخان، فذلك حين يقول: " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ". قال: بعضهن فوق بعض، وسبع أرضين، بعضهن تحت بعض.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: "فسواهن سبع سماوات "، قال: بعضهن فوق بعض، بين كل سماءين مسيرة خمسمئة عام.
حدثنا المثنى بن إبراهيم قال: حدثنا أبو صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله:حيث ذكر خلق الأرض قبل السماء، ثم ذكر السماء قبل الأرض، وذلك أن الله خلق الأرض بأقواتها من غير أن يدحوها قبل السماء " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات "، ثم دحا الأرض بعد ذلك، فذلك قوله: "والأرض بعد ذلك دحاها" (النازعات: 30).
حدثني المثنى، قال: حدثنا عبدالله بن صالح، قال حدثني أبو معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن عبدالله بن سلام أنه قال: إن الله بدأ الخلق يوم الأحد، فخلق الأرضين في الأحد والاثنين، وخلق الأقوات والرواسي في الثلاثاء والأربعاء، وخلق السموات في الخميس والجمعة، وفرغ في آخر ساعة من يوم الجمعة، فخلق فيها آدم على عجل. فتلك الساعة التي تقوم فيها الساعة.
قال أبو جعفر: فمعنى الكلام إذا: هو الذي أنعم عليكم، فخلق لكم ما في الأرض جميعًا وسخره لكم تفضلاً منه بذلك عليكم، ليكون لكم بلاغاً في دنياكم ومتاعاً إلى موافاة آجالكم، ودليلاً لكم على وحدانية ربكم. ثم علا إلى السموات السبع وهي دخان، فسواهن وحبكهن، وأجرى في بعضهن شمسه وقمره ونجومه، وقدرفي كل واحدة منهن ما قدر من خلقه.
القول في تأويل قوله: " وهو بكل شيء عليم ".
يعني بقوله جل جلاله: "وهو" نفسه، وبقوله: "بكل شيء عليم" أن الذي خلقكم، وخلق لكم ما في الأرض جميعًا، وسوى السموات السبع بما فيهن فأحكمهن من دخان الماء، وأتقن صنعهن، لا يخفى عليه-أيها المنافقون والملحدون الكافرون به من أهل الكتاب ما تبدون وما تكتمون في أنفسكم، وإن أبدى منافقوكم بألسنتهم قولهم: آمنا بالله وباليوم الآخر، وهم على التكذيب به منطوون. وكذبت أحباركم بما أتاهم به رسولي من الهدى والنور، وهم بصحته عارفون. وجحدوه وكتموا ما قد أخذت عليهم ببيانه لخلقي من أمر محمد ونبوته المواثيق وهم به عالمون. بل أنا عالم بذلك من أمركم وغيره من أموركم وأمور غيركم، إني بكل شيء عليم.
وقوله: "عليم " بمعنى عالم. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: هو الذي قد كمل في علمه.
حدثنيالمثنى،قال: حدثنا عبدالله بن صالح، قال: حدثنا معاوية بن صالح، قال: حدثني علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: العالم الذي قد كمل في علمه.
قوله تعالى : "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون" .
كيف سؤال عن الحال ، وهي اسم في موضع نصب بـ تكفرون ، وهي مبنية على الفتح وكان سبيلها أن تكون ساكنة ، لأن فيها معنى الاستفهام الذي معناه التعجب فأشبهت الحروف ، واختير لها الفتح لخفته ، أي هؤلاء ممن يجب ان يتعجب منهم حين كفروا وقد ثبتت عليهم الحجة .
فإن قيل : كيف يجوز أن يكون هذا الخطاب لأهل الكتاب وهم لم يكفروا بالله ؟ فالجواب ما سبق من أنهم لما لم يثبتوا أمر محمد عليه السلام ولم يصدقوه فيما جاء به فقدأشركوا ، لأنهم لم يقروا بأن القرآن من عند الله . ومن زعم أن القرآن كلام البشر فقد أشرك بالله وصار ناقضاً للعهد . وقيل كيف لفظه لفظ الاستفهام وليس به ، بل هو تقرير و توبيخ ، أي كيف تكفرون نعمه عليكم وقدرته هذه ! قال الواسطي : وبخهم بهذا غاية التوبيخ ، لأن الموات والجماد لا ينازع صانعه في شيء ، وإنما المنازعة من الهياكل الروحانية .
قوله تعالى : "وكنتم أمواتا" هذه الواو واو الحال ، وقد مضمرة . قال الزجاج : التقدير وقد كنتم ، ثم حذفت قد . وقال الفراء : أمواتا خبر كنتم .
"فأحياكم ثم يميتكم" هذا وقف التمام كذا قال أبو حاتم ثم قال : "ثم يحييكم" . واختلف أهل التأويل في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين ، وكم من موتة وحياة للإنسان ؟ فقال ابن عباس وابن مسعود : أي كنتم أمواتاً معدومين قبل أن تخلقوا فأحياكم ـ أي خلقكم ـ ثم يميتكم عند انقضاء آجالكم ، ثم يحييكم يوم القيامة . قال ابن عطية : وهذا القول هو المراد بالآية ، وهو الذي لا محيد للكفار عنه لإقرارهم بهما ، إذا أذعنت نفوس الكفار لكونهم أمواتاً معدومين ، ثم للإحياء في الدنيا ، ثم للإماتة فيها قوي عليهم لزوم الإحياء الآخر وجاء جحدهم له دعوى لا حجة عليها . قال غيره : والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم الدنيا . وقيل : لم يعتد بها كما لم يعتد بموت من أماته في الدنيا ثم أحياء في الدنيا . وقيل : كنتم أمواتاً في ظهر آدم ، ثم أخرجكم من ظهره كالذر ، ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم . وقيل : "كنتم أمواتا" : ـ أي نطفاً ـ في أصلاب الرجال وأرحام المساء ، ثم نقلكم من الأرحام فأحياكم ، ثم يميتكم بعد هذه الحياة ، ثم يحييكم في القبر للمسألة ، ثم يميتكم في القبر ، ثم يحييكم حياة النشر إلى الحشر ، وهي الحياة التي ليس بعدها موت .
قلت : فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات ، وثلاث إحياءات . وكونهم موتى في ظهر آدم ، وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفاً في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فعلى هذا تجيء أربع موتات وأربع إحياءات . وقد قيل : إن الله تعالى أوجدهم قبل خلق آدم عليه السلام كالهباء ثم أماتهم ، فيكون على هذا خمس موتات ، وخمس إحياءات . وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا النار ، لحديث أبي سعيد الخدري قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم ـ أو قال بخطاياهم ـ فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن في الشفاعة فيجيء بهم ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل يأهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل . فقال رجل من القوم : كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان بالبادية ". أخرجه مسلم .
قلت :فقوله : "فأماتهم الله" حقيقة في الموت ، لأنه أكده ، لأنه أكده بالمصدر ، وذلك تكريماً لهم . وقيل : يجوز أن يكون أماتهم عبارة عن تغييبهم عن آلامها بالنوم ، ولا يكون ذلك موتاً على الحقيقة ، والأول أصح . وقد أجمع النحويون على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازاً ، إنما هو على الحقيقة ، ومثله : "كلم الله موسى تكليما" على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . وقيل : المعنى وكنتم أمواتاً بالخمول فأحياكم بأن ذكرتم وشرفتم بهذا الدين والنبي الذي جاءكم ، ثم يميتكم فيموت ذكركم ، ثم يحييكم للبعث .
قوله تعالى : "ثم إليه ترجعون" أي إلى عذابه مرجعكم لكفركم . وقيل : إلى الحياة وإلى المسألة ، كما قال تعالى : "كما بدأنا أول خلق نعيده" فإعادتهم كابتدائهم ،فهو رجوع . و ترجعون قراءة الجماعة . ويحيى بن يعمر وابن ابي إسحاق و مجاهد وابن محيصن وسلام بن يعقوب يفتحون حرف المضارعة ويكسرون الجيم حيث وقعت .
يقول تعالى محتجاً على وجوده وقدرته وأنه الخالق المتصرف في عباده "كيف تكفرون بالله" أي كيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره "وكنتم أمواتاً فأحياكم" أي وقد كنتم عدماً فأخرجكم إلى الوجود كما قال تعالى " أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون * أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون " وقال تعالى: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً" والايات في هذا كثيرة، وقال سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا " قال هي التي في البقرة "وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم" وقال ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس: كنتم أمواتاً فأحياكم: أمواتاً في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئاً حتى خلقكم ثم يميتكم موتة الحق ثم يحييكم حين يبعثكم، قال وهي مثل قوله تعالى: " أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " قال كنتم تراباً قبل أن يخلقكم، فهذه ميتة، ثم أحياكم فخلقكم فهذه حياة، ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى، ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة أخرى، فهذه ميتتان وحياتان فهو كقوله "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم" وهكذا روي عن السدي بسنده عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة وعن أبي العالية والحسن ومجاهد وقتادة وأبي صالح والضحاك وعطاء الخراساني نحو ذلك، وقال الثوري عن السدي عن أبي صالح "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون" قال: يحييكم في القبر ثم يميتكم، وقال ابن جرير عن يونس عن ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خلقهم في ظهر آدم ثم أخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة. وذلك كقوله تعالى " قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " وهذا غريب والذي قبله. والصحيح ما تقدم عن ابن مسعود وابن عباس وأولئك الجماعة من التابعين وهو كقوله تعالى "قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه" الاية، كما قال تعالى في الأصنام "أموات غير أحياء وما يشعرون" الاية وقال: "وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون".
كيف مبنية على الفتح لخفته وهي في موضع نصب بتكفرون، ويسأل بها عن الحال، وهذا الاستفهام هو للإنكار عليهم والتعجيب من حالهم وهي متضمنة لهمزة الاستفهام، والواو في 28- "وكنتم" للحال وقد مقدرة كما قال الزجاج والفراء، وإنما صح جعل هذا الماضي حالاً لأن الحال ليس هو مجرد قوله: "كنتم أمواتاً" بل هو وما بعده إلى قوله: "ترجعون" كما جزم به صاحب الكشاف كأنه قال: كيف تكفرون؟ وقصتكم هذه: أي وأنتم عالمون بهذه القصة وبأولها وآخرها. والأموات جمع ميت، واختلف المفسرون في ترتيب هاتين الموتتين والحياتين- فقيل: إن المراد "كنتم أمواتاً" قبل أن تخلقوا: أي معدومين، لأنه يجوز إطلاق اسم الموت على المعدوم لاجتماعهما في عدم الإحساس "فأحياكم" أي خلقكم "ثم يميتكم" عند انقضاء آجالكم "ثم يحييكم" يوم القيامة. وقد ذهب إلى هذا جماعة من الصحابة فمن بعدهم. قال ابن عطية: وهذا القول هو المراد بالآية، وهو الذي لا محيد للكفار عنه، وإذا أذعنت نفوس الكفار بكونهم كانوا معدومين ثم أحياء في الدنيا ثم أمواتاً فيها لزمهم الإقرار بالحياة الأخرى. قال غيره: والحياة التي تكون في القبر على هذا التأويل في حكم حياة الدنيا. وقيل: إن المراد كنتم أمواتاً في ظهر آدم ثم أخرجكم من ظهره كالذر، ثم يميتكم موت الدنيا ثم يبعثكم. وقيل: "كنتم أمواتاً" أي نطفاً في أصلاب الرجال "فأحياكم" حياة الدنيا "ثم يميتكم" بعد هذه الحياة "ثم يحييكم" في القبور (ثم يميتكم) في القبر (ثم يحييكم) الحياة التي ليس بعدها موت. قال القرطبي: فعلى هذا التأويل هي ثلاث موتات وثلاث إحياءات وكونهم موتى في ظهر آدم وإخراجهم من ظهره والشهادة عليهم غير كونهم نطفاً في أصلاب الرجال، فعلى هذا يجيء أربع موتات وأربع إحياءات. وقد قيل: إن الله أوجدهم قبل خلق آدم كالبهائم وأماتهم فيكون على هذا خمس موتات وخمس إحياءات، وموتة سادسة للعصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث "ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم فأماتهم الله إماتة، حتى إذا كانوا فحماً أذن في الشفاعة فجيء بهم، إلى أن قال: فينبتون نبات الحبة في حميل السيل" وهو في الصحيح من حديث أبي سعيد. وقوله: "ثم إليه ترجعون" أي إلى الله سبحانه فيجازيكم بأعمالكم. وقد قرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق ومجاهد وسلام ويعقوب بفتح حرف المضارعة، وقرأ الجماعة بضمه. قال في الكشاف: عطف الأول بالفاء وما بعده بثم، لأن الإحياء الأول قد تعقب الموت بغير تراخ، وأما الموت فقد تراخى عن الإحياء، والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخياً ظاهراً، وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه، والرجوع إلى الجزاء أيضاً متراخ عن النشور انتهى. ولا يخفاك أنه إن أراد بقوله أن الأحياء الأول قد تعقب الموت أنه وقع على ما هو متصف بالموت، فالموت الآخر وقع على ما هو متصف بالحياة، وإن أراد أنه وقع الإحياء الأول عند أول اتصافه بالموت بخلاف الثاني فغير مسلم، فإنه وقع عند آخر أوقات موته كما وقع الثاني عند آخر أوقات حياته، فتأمل هذا. وقد أخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى: "وكنتم أمواتاً" الآية، قال: لم تكونوا شيئاً فخلقكم "ثم يميتكم ثم يحييكم" يوم القيامة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس نحوه. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه أيضاً. وأخرج ابن جرير عن أبي صالح قال: يميتكم ثم يحييكم في القبر ثم يميتكم. وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: "وكنتم أمواتاً" قال: حين لم تكونوا شيئاً، ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة، ثم يرجعون إليه بعد الحياة. وأخرج ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: خلقهم من ظهر آدم فأخذ عليهم الميثاق ثم أماتهم، ثم خلقهم في الأرحام، ثم أماتهم، ثم أحياهم يوم القيامة والصحيح الأول.
28. " كيف تكفرون بالله " بعد نصب الدلائل ووضوح البراهين ثم ذكر الدلائل فقال: " وكنتم أمواتاً " نطفاً في أصلاب آبائكم " فأحياكم " في الأرحام والدنيا " ثم يميتكم " عند انقضاء آجالكم " ثم يحييكم " للبعث " ثم إليه ترجعون " أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
قرأ يعقوب (( ترجعون )) في كل القرآن بفتح الياء والتاء على تسمية الفاعل.
28-" كيف تكفرون بالله " استخبار فيه إنكار ، وتعجيب لكفرهم بإنكار الحال التي يقع عليها على الطريق البرهاني ، فإن صدوره لا ينفك عن حال وصفة فإذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها استلزم ذلك إنكار وجوده ، فهو أبلغ وأقوى في إنكار الكفر ، من ( أتكفرون ) وأوفق لما بعده من الحال ، والخطاب مع الذين كفروا لما وصفهم بالكفر وسوء المقال وخبث الفعال ، خاطبهم على طريقة الالتفات ، ووبخهم على كفرهم مع علمهم بحالهم المقتضية خلاف ذلك ، والمعنى أخبروني على أي حال تكفرون .
" وكنتم أمواتاً " أي أجساماً لا حياة لها ، عناصر وأغذية ، وأخلاطاً ونطفاً ، ومضغاً مخلفة وغير مخلفة .
" فأحياكم " بخلق الأرواح ونفخها فيكم ، وإنما عطفه بالفاء لأنه متصل بما عطف عليه غير متراخ عنه بخلاف البواقي .
" ثم يميتكم " عندما تقضي آجالكم . " ثم يحييكم " بالنشور يوم ينفخ في الصور أو للسؤال في القبور " ثم إليه ترجعون " بعد الحشر فيجازيكم بأعمالكم . أو تنشرون إليه من قبوركم للحساب ، فما أعجب كفركم مع علمكم بحالكم هذه . فأن قيل : إن علموا أنهم كانوا أمواتاً فأحياهم ثم يميتهم ، لم يعلموا أنه يحييهم ثم إليه يرجعون . قلت : تمكنهم من العلم بهما لما نصب لهم من الدلائل منزل منزلة علمهم في إزاحة العذر ، سيما وفي الآية تنبيه على ما يدل على صحتهما وهو : أنه تعالى لما قدر على إحيائهم أولاً قدر على أن يحييهم ثانياً ، فإن بدء الخلق ليس بأهون عليه من إعادته . أو الخطاب مع القبيلين فإنه سبحانه وتعالى لما بين دلائل التوحيد والنبوة ، ووعدهم على الإيمان ، و أوعدهم على الكفر ، أكد ذلك بإن عدد عليهم النعم العامة والخاصة ، واستقبح صدور الكفر منهم واستبعده عنهم مع تلك النعم الجليلة ، فإن عظم النعم يوجب عظم معصية النعم ، فإن قيل : كيف تعد الإماتة من النعم المقتضية للشكر ؟ قلت : لما كانت وصلة إلى الحياة الثانية التي هي الحياة الحقيقية كما قال الله تعالى : " وإن الدار الآخرة لهي الحيوان " ، كانت من النعم العظيمة مع أن المعدود عليهم نعمة هو المعنى المنتزع من القصة بأسرها ، كما أن الواقع حالا هو العلم بها لا كل واحدة من الجمل ، فإن بعضها ماض وبعضها مستقبل وكلاهما لا يصح أن يقع حالا . أو مع المؤمنين خاصة لتقرير المنة عليهم ، و تبعيد الكفر عنهم على معنى ، كيف يتصور منكم الكفر وكنتم أمواتاً جهالاً ، فأحياكم بما أفادكم من العلم والإيمان ، ثم يميتكم الموت المعروف ، ثم يحييكم الحياة الحقيقية ، ثم إليه ترجعون ، فيثيبكم بما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر .والحياة حقيقية في القوة الحساسة ، أو ما يقتضيها وبها سمي الحيوان حيواناً مجازاً في القوة النامية ، لأنها من طلائعها ومقدماتها ، وفيما يخص الإنسان من الفصائل ، كالعقل والعلم والإيمان من حيث إنها كمالها وغايتها ، والموت بإزائها يقال على ما يقابلها في كل مرتبة قال تعالى : " قل الله يحييكم ثم يميتكم " . وقال : " اعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها " وقال : " أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس " وإذا وصف به الباري تعالى أريد بها صحة اتصافه بالعلم والقدرة اللازمة لهذه القوة فينا ، أو معنى قائم بذاته يقتضي ذلك على الاستعارة . وقرأ يعقوب ترجعون بفتح التاء في جميع القرآن .
28. How disbelieve ye in Allah when ye were dead and He gave life to you! Then he will give you death, then life again, and then unto Him ye will return.
28 - How can ye reject, the faith in God? Seeing that ye were without life, and he gave you life; Then will he cause you to die, and will again bring you to life; and again to him will ye return.