28 - (ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك) كاختلاف الثمار والجبال (إنما يخشى الله من عباده العلماء) بخلاف الجبال ككفار مكة (إن الله عزيز) في ملكه (غفور) لذنوب عباده المؤمنين
وقوله " ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه " كما من الثمرات والجبال مختلف ألوانه بالحمرة والبياض والسواد والصفرة، وغير ذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، في قوله " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها " أحمر وأخضر وأصفر " ومن الجبال جدد بيض ": أي طرائق بيض " وحمر مختلف ألوانها " أي جبال حمر وبيض " وغرابيب سود " هو الأسود، يعني لونه، كما اختلف ألوان هذه اختلف ألوان الناس والدواب والأنعام كذلك.
حدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " ومن الجبال جدد بيض " طرائق بيض، وحمر وسود، وكذلك الناس مختلف ألوانهم.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان، عن جويبر، عن الضحاك قوله " ومن الجبال جدد بيض " قال: هي طرائق حمر وسود.
وقوله " إنما يخشى الله من عباده العلماء " يقول تعالى ذكره: إنما يخاف الله فيتقي عقابه بطاعته العلماء بقدرته على ما يشاء من شيء، وأنه يفعل ما يريد، لأن من علم ذلك أيقن بعقابه على معصيته، فخافه ورهبه خشية منه أن يعاقبه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " إنما يخشى الله من عباده العلماء " قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله " إنما يخشى الله من عباده العلماء " قال: كان يقال: كفى بالرهبة علماً.
وقوله " إن الله عزيز غفور " يقول تعالى ذكره: إن الله عزيز في انتقامه ممن كفر به، غفور لذنوب من آمن به وأطاعه.
" ومن الناس والدواب " وقرئ : (( والدواب )) مخففا . ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ : (( ولا الضالين )) لأن كل واحد منهما فر من التقاء الساكنين ، فحرك ذلك أولهما ، وحذف هذا آخرهما ، قاله الزمخشري . " والأنعام مختلف ألوانه " أي فيهم الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك ، وكل ذلك دليل على صانع مختار . وقال : (( مختلف ألوانه )) فذكر الضمير مراعاة لـ (( من )) ، قاله المؤرج . وقال أبو بكر بن عياش : إنما ذكر الكناية لأجل أنها مردودة إلى (( ما )) مضمرة ، مجازه : ومن الناس ومن الدواب ومن الأنعام ما هو مختلف ألوانه ، أي أبيض وأحمر وأسود . " وغرابيب سود " قال أبو عبيدة : الغربيب الشديد السواد ، ففي الكلام تقديم وتأخير ، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب . والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب . قال الجوهري : وتقول هذا أسود غربيب ، أي شديد السواد . وإذا قلت : غرابيب سود ، تجعل السود بدلا من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم . وفي الحديث " عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله يبغض الشيخ الغربيب )) " يعني الذي يخضب بالسواد0 . قال امرؤ القيس :
العين طامحة واليد سابحة والرجل لافحة والوجه غربيب
وقال آخر يصف كرما :
ومن تعاجيب خلق الله غاطية يعصر منها ملاحي وغربيب
" كذلك " هنا تمام الكلام ، أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية ، ثم استأنف فقال : " إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور " يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته ، فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) قال : الذين علموا أن الله على كل شيء قدير . وقال الربيع بن أنس : من لم يخش الله تعالى فليس بعالم . وقال مجاهد : إنما العالم من خشي الله عز وجل . وعن ابن مسعود : كفى بخشية الله تعالى علما وبالاغترار جهلا . وقيل لـ سعد بن إبراهيم : من أفقه أهل المدينة ؟ قال أتقاهم لربه عز وجل . وعن مجاهد قال : إنما الفقيه من يخاف اله عز وجل . وعن علي رضي الله عنه قال : إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرصخ لهم في معاصي الله تعالى ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره ، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها ، ولا علم لا فقه فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها . وأسند الدارمي أبو محمد عن مكحول قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم - ثم تلا هذه الآية - " إنما يخشى الله من عباده العلماء " . إن الله وملائكته وأهل سمواته وأهل أرضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير )) " الخبر مرسل . قال الدارمي : وحدثني أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن يزيد بن حازم قال حدثني عمي جرير بن زيد أنه سمع تبيعا يحدث عن كعب قال : إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل ، ويتفقهون لغير العبادة ، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة ، ويلبسون جلود الضأن ، قلوبهم أمر من الصبر ، فبي يغترون ، وإياي يخادعون ، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران . خرجه الترمذي مرفوعا من حديث أبي الدرداء وقد كتبناه في مقدمة الكتاب . الزمخشري : فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ (( إنما يخشى الله )) بالرفع (( من عباده العلماء )) بالنصب ، وهو عمر بن عبد العزيز ، وتحكى عن أبي حنيفة . قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة ، والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس من بين جميع عباده . " إن الله عزيز غفور " تعليل لوجوب الخشية ، لدلالته على عقوبة العصاة وقهرهم ، وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم . والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى .
يقول تعالى منبهاً على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد, وهو الماء الذي ينزله من السماء, يخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض إلى غير ذلك من ألوان الثمار, كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها, كما قال تعالى في الاية الأخرى: " وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
وقوله تبارك وتعالى: "ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها" أي وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان, كما هو المشاهد أيضاً من بيض وحمر, وفي بعضها طرائق وهي الجدد جمع جدة, مختلفة الألوان أيضاً قال ابن عباس رضي الله عنهما: الجدد الطرائق, وكذا قال أبو مالك والحسن وقتاده والسدي , ومنها غرابيب سود. قال عكرمة : الغرابيب الجبال الطوال السود, وكذا قال أبو مالك وعطاء الخراساني وقتادة : وقال ابن جرير : والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد قالوا: أسود غربيب, ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الاية: هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى: "وغرابيب سود" أي سود غرابيب, وفيما قاله نظر.
وقوله تعالى: "ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك" أي كذلك الحيوانات من الأناسي والدواب, وهو كل ما دب على القوائم, والأنعام, من باب عطف الخاص على العام كذلك هي مختلفة أيضاً, فالناس منهم بربر وحبوش وطماطم في غاية السواد وصقالبة وروم في غاية البياض, والعرب بين ذلك والهنود دون ذلك, ولهذا قال تعالى في الاية الأخرى: " واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " وكذلك الدواب والأنعام مختلفة الألوان حتى في الجنس الواحد بل النوع الواحد منهن مختلف الألوان, بل الحيوان الواحد يكون أبلق فيه من هذا اللون وهذا اللون, فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا الفضل بن سهل , حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان بن صالح , حدثنا زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيصبغ ربك ؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم صبغاً لا ينفض أحمر وأصفر وأبيض" وروي مرسلاً وموقوفاً, والله أعلم. ولهذا قال تعالى بعد هذا: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به, لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى, كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل كانت الخشية له أعظم وأكثر.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" قال: الذين يعلمون أن الله على كل شيء قدير وقال ابن لهيعة عن ابن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس قال: العالم بالرحمن من عباده من لم يشرك به شيئاً, وأحل حلاله وحرم حرامه, وحفظ وصيته وأيقن أنه ملاقيه ومحاسب بعمله. وقال سعيد بن جبير : الخشية هي التي تحول بينك وبين معصية الله عز وجل. وقال الحسن البصري : العالم من خشي الرحمن بالغيب, ورغب فيما رغب الله فيه, وزهد فيما سخط الله فيه, ثم تلا الحسن "إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ليس العلم عن كثرة الحديث, ولكن العلم عن كثرة الخشية. وقال أحمد بن صالح المصري عن ابن وهب عن مالك قال: إن العلم ليس بكثرة الرواية, وإنما العلم نور يجعله الله في القلب. قال أحمد بن صالح المصري : معناه أن الخشية لا تدرك بكثرة الرواية, وإنما العلم الذي فرض الله عز وجل أن يتبع, فإنما هو الكتاب والسنة وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة المسلمين, فهذا, لا يدرك إلا بالرواية, ويكون تأويل قوله: نور يريد به فهم العلم ومعرفة معانيه. وقال سفيان الثوري عن أبي حيان التيمي عن رجل قال: كان يقال العلماء ثلاثة: عالم بالله, عالم بأمر الله, وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله, وعالم بأمر الله, ليس بعالم بالله, فالعالم بالله وبأمر الله الذي يخشى الله تعالى ويعلم الحدود والفرائض, والعالم بالله ليس بعالم بأمر الله الذي يخشى الله ولا يعلم الحدود ولا الفرائض, والعالم بأمر الله ليس العالم بالله الذي يعلم الحدود والفرائض ولا يخشى الله عز وجل.
28- "ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه" قوله مختلف صفة لموصوف محذوف: أي ومنهم صنف، أو نوع أو بعض مختلف ألوانه بالحمرة والسواد والبياض والخضرة والصفرة. قال الفراء: أي خلق مختلف ألوانه كاختلاف الثمرات والجبال، وإنما ذكر سبحانه اختلاف الألوان في هذه الأشياء، لأن هذا الاختلاف من أعظم الأدلة على قدرة الله وبديع صنعه، ومعنى "كذلك" أي مختلفاً مثل ذلك الاختلاف، وهو صفة لمصدر محذوف، والتقدير مختلف ألوانه اختلافاً كائناً كذلك: أي كاختلاف الجبال والثمار. وقرأ الزهري والدواب بتخفيف الباء. وقرأ ابن السميفع ألوانها. وقيل إن قوله كذلك متعلق بما بعده: أي مثل ذلك المطر والاعتبار في مخلوقات الله واختلاف ألوانها يخشى الله من عباده العلماء، وهذا اختاره ابن عطية، وهو مردود بأن ما بعد إنما لا يعمل فيما قبلها. والراجح الوجه الأول، والوقف على كذلك تام. ثم استؤنف الكلام وأخبر سبحانه بقوله: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" أو هو من تتمة قوله: "إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب" على معنى إنما يخشاه سبحانه بالغيب العالمون به، وبما يليق به من صفاته الجليلة وأفعاله الجميلة، وعلى كل تقدير فهو سبحانه قد عين في هذه الآية أهل خشيته وهم العلماء به وتعظيم قدرته. قال مجاهد: إنما العالم من خشي الله عز وجل وقال مسروق: كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار جهلاً، فمن كان أعلم بالله كان أخشاهم له. قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم. وقال الشعبي: العالم من خاف الله، ووجه تقديم المفعول أن المقام مقام حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر. وقرأ عمر بن عبد العزيز برفع الاسم الشريف ونصب العلماء، ورويت هذه القراءة عن أبي حنيفة قال في الكشاف: الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى: أنه يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس، وجملة "إن الله عزيز غفور" تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب على معصيته غافر لمن تاب من عباده.
28- "ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه"، ذكر الكناية لأجل "من"، وقيل: رد الكناية إلى ما في الإضمار، مجازه: ومن الناس والدواب والأنعام ما هو مختلف ألوانه، "كذلك"، يعني كما اختلف ألوان الثمار والجبال، وتم الكلام ها هنا ثم ابتدأ فقال:
"إنما يخشى الله من عباده العلماء"، قال ابن عباس: يريد إنما يخافني من خلقني من علم جبروتي وعزتي وسلطاني.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عمر بن حفص، أخبرنا الأعمش، أخبرنا مسلم، عن مسروق/ عن عائشة رضي الله عنها: "صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فرخص فيه، فتنزه عنه قوم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخطب فحمد الله ثم قال: ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه فوالله إني لأعلمهم بالله وأشدهم له خشية".
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً".
وقال مسروق: كفى بخشية الله علماً وكفى بالاغترار بالله جهلاً. وقال رجل للشعبي: أفتني أيها العالم، فقال الشعبي: إنما العالم من خشي الله عز وجل.
"إن الله عزيز غفور"، أي: عزيز في ملكه غفور لذنوب عباده.
28 -" ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك " كاختلاف الثمار والجبال . " إنما يخشى الله من عباده العلماء " إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله ، فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك " قال عليه الصلاة والسلام : إني أخشاكم لله وأتقاكم له " ولذلك أتبعه بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته ، وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر . وقرئ برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيباً . " إن الله عزيز غفور " تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه .
28. And of men and beasts and cattle, in like manner, divers hues? The erudite among His bondsmen fear Allah alone. Lo! Allah is Mighty, Forgiving.
28 - And so amongst men and crawling creatures and cattle, are they of various colours. Those truly fear God, among His Servants, who have knowledge: for God is Exalted in Might Oft Forgiving.