(آمن) صدق (الرسول) محمد صلى الله عليه وسلم (بما أنزل إليه من ربه) من القرآن (والمؤمنون) عطف عليه (كلٌ) تنوينه عوض عن المضاف إليه (آمن بالله وملائكته وكتبه) بالجمع والإفراد (ورسله) يقولون (لا نفرق بين أحد من رسله) فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعل اليهود والنصارى (وقالوا سمعنا) أي ما أمرنا به سماع قبول (وأطعنا) نسألك (غفرانك ربنا وإليك المصير) المرجع بالبعث ، ولما نزلت الآية التي قبلها شكا المؤمنون من الوسوسة وشق عليهم المحاسبة بها فنزل:
قوله تعالى آمن الرسول الآية روى أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة لما نزلت وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله اشتد ذلك على الصحابة فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جثوا على الركب فقالوا قد أنزل عليك هذه الآية ولا نطيقها فقال أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم سمعنا وعصينا بل قولوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير فلما اقترأها القوم وذللت بها ألسنتهم أنزل الله في أثرها آمن الرسول الآية فلما فعلوا ذلك نسخها الله فأنزل لا يكلف الله نفسا إلاوسعها إلى آخرها وروى مسلم وغيره عن ابن عباس نحوه
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: صدق الرسول-يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقر- "بما أنزل إليه"، يعني: بما أوحي إليه من ربه من الكتاب، وما فيه من حلال وحرام، ووعد ووعيد، وأمر ونهي، وغير ذلك من سائر ما فيه من المعاني التي حواها. وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية عليه قال: يحق له.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه"، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية قال: ويحق له أن يؤمن .
وقد قيل: إنها نزلت بعد قوله: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير"، لأن المؤمنين برسول الله من أصحابه شق عليهم ما توعدهم الله به من محاسبتهم على ما أخفته نفوسهم، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلكم تقولون: سمعنا وعصينا كما قالت بنو إسرائيل! فقالوا: بل نقول: سمعنا وأطعنا! فأنزل الله لذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم وقول أصحابه : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله"، يقول: وصدق المؤمنون أيضا مع نبيهم بالله وملائكته وكتبه ورسله، الآيتين. وقد ذكرنا قائلي ذلك قبل.
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله: "وكتبه".
فقرأ ذلك عامة قرأة المدينة وبعض قرأة أهل العراق "وكتبه" على وجه جمع الكتاب، على معن : والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وجميع كتبه التي أنزلها على أنبيائه ورسله.
وقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل الكوفة: وكتابه، بمعنى: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وبالقرآن الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد روي عن ابن عباس أنه كان يقرأ ذلك: وكتابه، ويقول: الكتاب أكثر من الكتب. وكأن ابن عباس يوجه تأويل ذلك إلى نحو قوله: "والعصر * إن الإنسان لفي خسر" [العصر: ا - 2]، بمعنى جنس الناس وجنس الكتاب، كما يقال: ما أكثر درهم فلان وديناره، ويراد به جنس الدراهم والدنانير. وذلك، وإن كان مذهباً من المذاهب معروفاً، فإن الذي هو أعجب إلي من القراءة في ذلك أن يقرأ بلفظ الجمع. لأن الذي قبله جمع، والذي بعده كذلك -أعني بذلك: "وملائكته وكتبه ورسله"- فإلحاق الكتب في الجمع لفظاً به، أعجب إلي من توحيده وإخراجه في اللفظ به بلفظ الواحد، ليكون لاحقاً في اللفظ معنى بلفظ ما قبله وما بعده، وبمعناه. قال أبو جعفر: وأما قوله: "لا نفرق بين أحد من رسله"، فإنه أخبر جل ثناؤه بذلك عن المؤمنين أنهم يقولون ذلك. ففي الكلام في قراءة من قرأ "لا نفرق بين أحد من رسله" بالنون، متروك، قد استغني بدلالة ما ذكر عنه. وذلك المتروك هو: يقولون. وتأويل الكلام: والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، يقولون: لا نفرق بين أحد من رسله. وترك ذكر يقولون لدلالة الكلام عليه، كما ترك ذكره في قوله: "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب * سلام عليكم بما صبرتم" [الرعد: 23-24]، بمعنى: يقولون: سلام.
وقد قرأ جماعة من المتقدمين: لا يفرق بين أحد من رسله بـ الياء، بمعنى: والمؤمنون كلهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا يفرق الكل منهم بين أحد من رسله، فيؤمن ببعض ويكفر ببعض، ولكنهم يصدقون بجميعهم، ويقرون أن ما جاؤوا به كان من عند الله، وأنهم دعوا إلى الله وإلى طاعته، ويخالفون في فعلهم ذلك اليهود الذين أقروا بموسى وكذبوا عيسى، والنصارى الذين أقروا بموسى وعيسى وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وجحدوا نبوته، ومن شبههم من الأمم الذين كذبوا بعض رسل الله وأقروا ببعضهم، كما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: "لا نفرق بين أحد من رسله"، كما صنع القوم -يعني بني إسرائيل- قالوا: فلان نب ، وفلان ليس نبياً، وفلان نؤمن به، وفلان لا نؤمن به.
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا نستجيز غيرها في ذلك عندنا بالنون: "لا نفرق بين أحد من رسله"، لأنها القراءة التي قامت حجتها بالنقل المستفيض، الذي يمتنع معه التشاعر والتواطؤ والسهو والغلط، بمعنى ما وصفنا من: يقولون لا نفرق بين أحد من رسله، ولا يعترض بشاذ من القراءة، على ما جاءت به الحجة نقلاً ووراثة.
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: وقال الكل من المؤمنين "سمعنا" قول ربنا وأمره إيانا بما أمرنا به، ونهيه عما نهانا عنه، "وأطعنا"، يعن : أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه واستعبدنا به من طاعته، وسلمنا له. وقوله: "غفرانك ربنا"، يعن : وقالوا: "غفرانك ربنا"، بمعنى: اغفر لنا ربنا غفرانك، كما يقال: "سبحانك"، بمعن : نسبحك سبحانك.
وقد بينا فيما مضى أن الغفران والمغفرة، الستر من الله على ذنوب من غفر له، وصفحه له عن هتك ستره بها في الدنيا والآخرة، وعفوه عن العقوبة - عليه.
وأما قوله: "وإليك المصير"، فإنه يعني جل ثناؤه أنهم قالوا: إليك يا ربنا مرجعنا ومعادنا، فاغفر لنا ذنوبنا.
قال أبو جعفر: فإن قال لنا قائل: فما الذي نصب قوله: "غفرانك"؟.
قيل له: وقوعه وهو مصدر موقع الأمر. وكذلك تفعل العرب بالمصادر والأسماء إذا حلت محل الأمر، وأدت عن معنى الأمر نصبتها، فيقولون: شكرا لله يا فلان، وحمدا له، بمعنى: اشكر الله واحمده. والصلاة، الصلاة، بمعنى: صلوا. ويقولون في الأسماء: الله الله يا قوم، ولو رفع بمعنى: هو الله، و: هذا الله - ووجه إلى الخبر وفيه تأويل الأمر، كان جائزاً، كما قال الشاعر:
إن قوماً منهم عمير وأشبا 5 عمير ومنهم السفاح
لجديرون بالوفاء إذا قا ل أخو النجدة: السلاح السلاح
ولو كان قوله: "غفرانك ربنا" جاء رفعاً في القراءة، لم يكن خطأ بل كان صواباً على ما وصفنا.
وقد ذكر أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثناء من الله عليه وعلى أمته، قال له جبريل صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل قد أحسن عليك وعلى أمتك الثناء، فسل ربك.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن بيان، عن حكيم بن جابر قال: لما أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"، قال جبريل: إن الله عز وجل قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك، فسل- تعظيماً فسأل: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" إلى آخر السورة.
قوله تعال : "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" .
ذكر الأحاديث الواردة في فضل هاتين الايتين الكريمتين نفعنا الله بهما
(الحديث الأول) ـ قال البخاري: حدثنا محمد بن كثير, أخبرنا شعبة عن سليمان, عن إبراهيم, عن عبد الرحمن, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال من قرأ الايتين وحدثنا أبو نعيم: حدثنا سفيان, عن منصور, عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد, عن أبي مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ بالايتين ـ من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه" وقد أخرجه بقية الجماعة عن طريق سليمان بن مهران الأعمش بإسناده مثله وهو في الصحيحين من طريق الثوري, عن منصور , عن إبراهيم, عن عبد الرحمن عنه به, وهو في الصحيحين أيضاً عن عبد الرحمن, عن علقمة, عن ابن مسعود, قال عبد الرحمن: ثم لقيت أبا مسعود فحدثني به, وهكذا رواه أحمد بن حنبل, حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا شريك, عن عاصم, عن المسيب بن رافع, عن علقمة, عن ابن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "من قرأ الايتين من آخر سورة البقرة في ليلته كفتاه".
(الحديث الثاني) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا حسين, حدثنا شيبان, عن منصور, عن ربعي, عن خرشة بن الحر , عن المعرور بن سويد, عن أبي ذر , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبلي" قد رواه ابن مردويه من حديث الأشجعي, عن الثوري, عن منصور, عن ربعي, عن زيد بن ظبيان, عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطيت خواتيم سورة البقرة من كنز تحت العرش".
(الحديث الثالث) ـ قال مسلم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا أبو أسامة, حدثنا مالك بن مغول (ح) وحدثنا ابن نمير وزهير بن حرب, جميعاً عن عبد الله بن نمير , وألفاظهم متقاربة, قال ابن نمير: حدثنا أبي, حدثنا مالك ابن مغول عن الزبير بن عدي, عن طلحة, عن مرة, عن عبد الله, قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم, انتهى به إلى سدرة المنتهى, وهي في السماء السابعة, إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها, وإليها ينتهي ما يهبط من فوقها فيقبض منها, قال "إذ يغشى السدرة ما يغشى" قال: فراش من ذهب, قال: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس, وأعطي خواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لم يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات.
(الحديث الرابع) قال أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اقرأ الايتين من آخر سورة البقرة فإني أعطيتهما من كنز تحت العرش" هذا إسناد حسن ولم يخرجوه في كتبهم.
(الحديث الخامس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا أحمد بن كامل, حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي, أخبرنا مروان, أنبأنا ابن عوانة عن أبي مالك, عن ربعي, عن حذيفة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضلنا على الناس بثلاث أوتيت هذه الايات من آخر سورة البقرة من بيت كنز تحت العرش, لم يعطها أحد قبلي, ولا يعطاها أحد بعدي" ثم رواه من حديث نعيم بن أبي هند عن ربعي عن حذيفة بنحوه.
(الحديث السادس) ـ قال ابن مردويه: حدثنا عبد الباقي بن نافع, أنبأنا إسماعيل بن الفضل, أخبرنا محمد بن بزيع, أخبرنا جعفر بن عون عن مالك بن مغول, عن أبي إسحاق, عن الحارث, عن علي, قال: لا أرى أحداً عقل الإسلام ينام حتى يقرأ خواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم من تحت العرش, ورواه وكيع في تفسيره عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن عمير بن عمرو المخارقي, عن علي, قال: ما أرى أحداً يعقل, بلغه الإسلام, ينام حتى يقرأ آية الكرسي وخواتيم سورة البقرة, فإنها من كنز تحت العرش.
(الحديث السابع) ـ قال أبو عيسى الترمذي: حدثنا بندار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا حماد بن سلمة عن أشعث بن عبد الرحمن الجرمي, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث الصنعاني, عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: "إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام, أنزل منه آيتين ختم بهما سورة البقرة, ولا يقرأ بهن في دار ثلاث ليال فيقر بها شيطان" ثم قال: هذا حديث غريب, وهكذا رواه الحاكم في مستدركه من حديث حماد بن سلمة به وقال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه.
(الحديث الثامن) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن مدين, أخبرنا الحسن بن الجهم, أخبرنا إسماعيل بن عمرو , أخبرنا ابن مريم, حدثني يوسف بن أبي الحجاج, عن سعيد, عن ابن عباس, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ سورة البقرة وآية الكرسي ضحك وقال: "إنهما من كنز الرحمن تحت العرش" وإذا قرأ " من يعمل سوءا يجز به " " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى " استرجع واستكان.
(الحديث التاسع) قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن محمد بن كوفي, حدثنا أحمد بن يحيى بن حمزة, حدثنا محمد بن بكر, حدثنا مكي بن إبراهيم, حدثنا عبد الله بن أبي حميد, عن أبي مليح, عن معقل بن يسار , قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطيت فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة من تحت العرش والمفصل نافلة".
(الحديث العاشر) ـ قد تقدم في فضائل الفاتحة من رواية عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سعيد بن جبير , "عن ابن عباس, قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً فوقه, فرفع جبريل بصره إلى السماء, فقال له: أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة, لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيته" رواه مسلم والنسائي وهذا لفظه.
فقوله تعالى: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" إخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك, قال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة, قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال لما نزلت عليه هذه الاية "ويحق له أن يؤمن" وقد روى الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو النضر الفقيه, حدثنا معاذ بن نجدة القرشي, حدثنا خلاد بن يحيى, حدثنا أبو عقيل عن يحيى بن أبي كثير, عن أنس بن مالك, قال: لما نزلت هذه الاية على النبي صلى الله عليه وسلم "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "حق له أن يؤمن", ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وقوله "والمؤمنون" عطف على الرسول, ثم أخبر عن الجميع فقال "كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" فالمؤمنون يؤمنون بأن الله واحد أحد , فرد صمد , لا إله غيره, ولا رب سواه. ويصدقون بجميع الأنبياء والرسل والكتب المنزلة من السماء على عباد الله المرسلين والأنبياء, لا يفرقون بين أحد منهم, فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض, بل الجميع عندهم صادقون بارون راشدون مهديون هادون إلى سبيل الخير , وإن كان بعضهم ينسخ شريعة بعض بإذن الله حتى نسخ الجميع بشرع محمد صلى الله عليه وسلم, خاتم الأنبياء والمرسلين, الذين تقوم الساعة على شريعته, ولا تزال طائفة من أمته على الحق ظاهرين, وقوله "وقالوا سمعنا وأطعنا" أي سمعنا قولك يا ربنا وفهمناه, وقمنا به وامتثلنا العمل بمقتضاه, "غفرانك ربنا" سؤال للمغفرة والرحمة واللطف, قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا ابن فضل عن عطاء بن السائب, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قول الله " آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا " قال: قد غفرت لكم "وإليه المصير" أي المرجع والمآب يوم الحساب. قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد, حدثنا جرير عن بيان, عن حكيم, عن جابر, قال: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" قال جبريل: إن الله قد أحسن الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه, فسأل "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" إلى آخر هذه الأية, وقوله "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" أي لا يكلف أحداً فوق طاقته, وهذا من لطفه تعالى بخلقه ورأفته بهم وإحسانه إليهم, وهذه هي الناسخة الرافعة لما كان أشفق منه الصحابة في قوله "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" أي هو وإن حاسب وسأل, لكن لا يعذب إلا بما يملك الشخص دفعه, فأما مالا يملك دفعه من وسوسة النفس وحديثها, فهذا لا يكلف به الإنسان, وكراهية الوسوسة السيئة من الإيمان, وقوله "لها ما كسبت" أي من خير "وعليها ما اكتسبت" أي من شر وذلك في الأعمال التي تدخل تحت التكليف. ثم قال تعالى مرشداً عباده إلى سؤاله, وقد تكفل لهم بالإجابة كما أرشدهم وعلمهم أن يقولوا "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" أي إن تركنا فرضاً على جهة النسيان, أو فعلنا حراماً كذلك, أو أخطأنا أي الصواب في العمل جهلاً منا بوجهه الشرعي. وقد تقدم في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة, قال قال الله: نعم ولحديث ابن عباس, قال الله قد فعلت. وروى ابن ماجه في سننه وابن حبان في صحيحه من حديث أبي عمرو الأوزاعي, عن عطاء، قال ابن ماجه في روايته عن ابن عباس, وقال الطبراني وابن حبان, عن عطاء, عن عبيد بن عمير, عن ابن عباس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وقد روي من طريق آخر وأعله أحمد وأبو حاتم, والله أعلم. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن شهر, عن أم الدرداء, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث: عن الخطأ والنسيان, والاستكراه" قال أبو بكر: فذكرت ذلك للحسن, فقال: أجل, أما تقرأ بذلك قرآناً "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا".
وقوله "ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا" أي لا تكلفنا من الأعمال الشاقة وإن أطقناها كما شرعته للأمم الماضية قبلنا من الأغلال والاصار التي كانت عليهم, التي بعثت نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم, نبي الرحمة بوضعه في شرعه الذي أرسلته به من الدين الحنيفي السهل السمح, وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال قال الله: نعم وعن ابن عباس, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال قال الله قد فعلت. وجاء في الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بعثت بالحنيفية السمحة".
وقوله "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" أي من التكليف والمصائب والبلاء لا تبتلنا بما لا قبل لنا به, وقد قال مكحول في قوله "ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به" قال: العزبة والغلمة, رواه ابن أبي حاتم, قال الله: نعم, وفي الحديث الاخر: قال الله: قد فعلت.
وقوله "واعف عنا" أي فيما بيننا وبينك مما تعلمه من تقصيرنا وزللنا "واغفر لنا" أي فيما بيننا وبين عبادك فلا تظهرهم على مساوينا وأعمالنا القبيحة "وارحمنا" أي فيما يستقبل فلا توقعنا بتوفيقك في ذنب آخر , ولهذا قالوا: إن المذنب محتاج إلى ثلاثة أشياء: أن يعفو الله عنه فيما بينه وبينه, وأن يستره عن عباده فلا يفضحه به بينهم, وأن يعصمه فلا يوقعه في نظيره. وقد تقدم في الحديث أن الله قال: نعم, وفي الحديث الاخر : قال الله: قد فعلت.
وقوله "أنت مولانا" أي أنت ولينا وناصرنا, وعليك توكلنا, وأنت المستعان, وعليك التكلان, ولا حول لنا ولا قوة إلا بك, "فانصرنا على القوم الكافرين" أي الذين جحدوا دينك, وأنكروا وحدانيتك ورسالة نبيك, وعبدوا غيرك وأشركوا معك من عبادك, فانصرنا عليهم, واجعل لنا العاقبة عليهم في الدنيا والاخرة, قال الله: نعم. وفي الحديث الذي رواه مسلم عن ابن عباس, قال الله: قد فعلت. وقال ابن جرير: حدثني مثنى بن إبراهيم, حدثنا أبو نعيم, حدثنا سفيان عن أبي إسحاق أن معاذاً رضي الله عنه, كان إذا فرغ من هذه السورة "فانصرنا على القوم الكافرين" قال: آمين. ورواه وكيع عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن رجل, عن معاذ بن جبل, أنه كان إذا ختم البقرة قال: آمين.
قوله: 285- "بما أنزل إليه من ربه" أي بجميع ما أنزل الله "والمؤمنون" عطف على الرسول، وقوله: "كل" أي من الرسول والمؤمنين "آمن بالله" ويجوز أن يكون قوله: "والمؤمنون" مبتدأ. وقوله: "كل" مبتدأ ثان. وقوله: "آمن بالله" خبر المبتدأ الثاني، وهو وخبره خبر المبتدأ الأول، وأفراد الضمير في قوله: "آمن بالله" مع رجوعه إلى كل المؤمنين، لما أن المراد بيان إيمان كل فرد منهم من غير اعتبار الاجتماع كما اعتبر ذلك في قوله تعالى: "وكل أتوه داخرين". قال الزجاج: لما ذكر الله سبحانه في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة، وبين أحكام الحج، وحكم الحيض، والطلاق والإيلاء، وأقاصيص الأنبياء، وبين حكم الربا، ذكر تعظيمه سبحانه بقوله: "لله ما في السموات وما في الأرض" ثم ذكر تصديق نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه" أي صدق الرسول بجميع هذه الأشياء التي جرى ذكرها، وكذلك المؤمنون كلهم صدقوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقيل: سبب نزولها الآية التي قبلها. وقد تقدم بيان ذلك. قوله: "وملائكته" أي: من حيث كونهم عباده المكرمين المتوسطين بينه وبين أنبيائه في إنزال كتبه، وقوله: "وكتبه" لأنها المشتملة على الشرائع التي تعبد بها عباده. وقوله: "ورسله" لأنهم المبلغون لعباده ما نزل إليهم. وقرأ نافع وابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر "وكتبه" بالجمع. وقرأوا في التحريم " وكتبه " وقرأ ابن عباس هنا " وكتبه " وكذلك قرأ حمزة والكسائي، وروي عنه أنه قال: الكتاب أكثر من الكتب. وبينه صاحب الكشاف فقال: لأنه إذا أريد بالواحد الجنس والجنسية قائمة في وحدان الجنس كلها لم يخرج منه شيء، وأما الجمع فلا يدخل تحته إلا ما فيه الجنسية من الجموع انتهى. ومن أراد تحقيق المقام فليرجع إلى شرح التلخيص المطول عند قول صاحب التلخيص واستغراق المفرد أشمل. وقرأ الجمهور ورسله بضم السين. وقرأ أبو عمرو بتخفيف السين. وقرأ الجمهور "لا نفرق" بالنون. والمعنى: يقولون: لا نفرق. والمعنى: يقولون: لا نفرق. وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو زرعة وابن عمر وابن جرير ويعقوب لا يفرق بالياء التحتية. وقوله: "بين أحد" ولم يقل بين آحاد، لأن الأحد يتناول الواحد والجمع كما في قوله تعالى: "فما منكم من أحد عنه حاجزين" فوصفه بقوله: "حاجزين" لكونه في معنى الجمع، وهذه الجملة يجوز أن تكون في محل نصب على الحال وأن تكون خبراً آخر لقوله: "كل". وقوله: "من رسله" أظهر في محل الإضمار للاحتراز عن توهم اندراج الملائكة في الحكم، أو الإشعار بعلة عدم التفريق بينهم. وقوله: "وقالوا سمعنا وأطعنا" هو معطوف على قوله: "آمن" وهو وإن كان للمفرد وهذا للجماعة فهو جائز نظراً إلى جانب المعنى: أي أدركناه بأسماعنا وفهمناه وأطعنا ما فيه، وقيل معنى سمعنا: أجبنا دعوتك. قوله: "غفرانك" مصدر منصوب بفعل مقدر: أي اغفر غفرانك. قاله الزجاج وغيره، وقدم السمع والطاعة على طلب المغفرة لكون الوسيلة تتقدم على المتوسل إليه.
285.قوله تعالى: " آمن الرسول " أي صدق " بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله " يعني كل واحد منهم، ولذلك وحد الفعل و " ملائكته وكتبه ورسله " قرأ حمزة و الكسائي: كتابه، على الواحد يعني القرآن، وقيل معناه الجمع وإن ذكر بلفظ التوحيد كقوله تعالى: " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب " (213-البقرة) وقرأ اآخرون وكتبه بالجمع كقوله تعالى: " وملائكته وكتبه ورسله " (136-النساء)، " لا نفرق بين أحد من رسله " فنؤمن ببعض ونكفر ببعض كما فعلت اليهود والنصارى، وفيه إضمار تقديره يقولون لا نفرق، وقرأ يعقوب لا يفرق بالياء فيكون خبراً عن الرسول، أو معناه لا يفرق الكل وإنما قال (( بين أحد )) ولم يقل بين آحاد لأن الأحد يكون للواحد والجمع قال الله تعالى: " فما منكم من أحد عنه حاجزين " (47-الحاقة) " وقالوا سمعنا " قولك " وأطعنا " أمرك.
روى عن حكيم عن جابر رضي الله عنهما أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية، إن الله قد اثنى عليك وعلى أمتك فسل تعطه، فسأل بتلقين الله تعالى فقال " غفرانك " وهو نصب على المصدر أي اغفر غفرانك، أو نسألك غفرانك " ربنا وإليك المصير * لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " ظاهر الآية قضاء الحاجة، وفيها إضمار السؤال كأنه قال: وقالوا لا تكلفنا إلا وسعنا، وأجاب أي لا يكلف الله نفساً إلا وسعها أي طاقتها، والوسع: اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، واختلفوا في تأويله فذهب ابن عباس رضي الله عنه و عطاء وأكثر المفسرين إلى أنه أراد به حديث النفس الذي ذكر في قوله تعالى " وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه " كما ذكرنا، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: هم المؤمنون خاصة، وسع عليهم أمر دينهم ولم يكلفهم فيه إلا ما يستطيعون كما قال الله تعالى: " يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر " (185-البقرة) وقال الله تعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج " (78-الحج)
285-" آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه " شهادة وتنصيص من الله تعالى على صحة إيمانه والإعتداد به ، وإنه جازم في أمره غير شاك فيه . " والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله " لا يخلو من أن يعطف " المؤمنون " على " الرسول " ، فيكون الضمير الذي ينوب عنه التنوين راجعاً إلى " الرسول " " والمؤمنين " ، أو يجعل مبتدأ فيكون الضمير للمؤمنين . وباعتبار يصح وقوع كل بخبره خبر المبتدأ ،ويكون إفراد الرسول بالحكم إما لتعظيمه أو لأن إيمانه عن مشاهدة وعيان ، وإيمانهم عن نطر واستدلال . وقرأ حمزة و الكسائي وكتابه يعني القرآن ، أو الجنس . والفرق بينه وبين الجمع أنه شائع في وحدان الجنس والجمع في جموعه ولذلك قيل : الكتاب أكثر من الكتب . " لا نفرق بين أحد من رسله " أي يقولون لا تفرق . وقرأ يعقوب لا يفرق بالياء على أن الفعل لـ " كل " . وقرئ لا يفرقون حملاً على معناه كقوله تعالى : " وكل أتوه داخرين " واحد في معنى الجمع لوقوعه في سياق النفي كقوله تعالى : " فما منكم من أحد عنه حاجزين " . ولذلك دخل عليه بين ، والمراد نفي الفرق بالتصديق والتكذيب " وقالوا سمعنا " أجبنا . " وأطعنا " أمرك . " غفرانك ربنا " اغفر لنا غفرانك ، أو نطلب غفرانك . " وإليك المصير " المرجع بعد الموت وهو إقرار منهم بالبعث .
285. The messenger believeth in that which hath been revealed unto him from his Lord and (so do) the believers. Each one believeth in Allah and His angels and His scriptures and His messengers We make no distinction between any of His messengers and they say: We hear, and we obey. (Grant us) Thy forgiveness, our Lord. Unto Thee is the journeying.
285 - The apostle believeth in what hath been revealed to him from his Lord, as do the men of faith. each one (of them) believeth in God, his angels, his books, and his apostles. we make no distinction (they say) between one and another of his apostle s. and they say: we hear, and we obey: (we seek) thy forgiveness, our Lord, and to thee is the end of all journeys.