29 - ثم (قالت) لأشراف قومها (يا أيها الملأ إني) بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بقلبها واوا مكسورة (ألقي إلي كتاب كريم) مختوم
يقول تعالى ذكره : فذهب الهدهد بكتاب سليمان إليها ، فألقاه إليها ، فلما قرأته قالت لقومها " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " .
وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن بعض أهل العلم ، عن وهب بن منبه ، قال : كتب ، يعنى سليمان بن داود مع الهدهد : بسم الله الرحمن الرحيم ، من سليمان بن داود ، إلى بلقيس بنت ذي سرح وقومها ، أما بعد : فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين ، قال : فأخذ الهدهد الكتاب برجله ، فانطلق به حتى أتاها ، وكانت لها كوة في بيتها إذا طلعت الشمس نظرت إليها ، فسجدت لها ، فأتى الهدهد الكرة فسدها بجناحيه حتى ارتفعت الشمس ولم تعلم ، ثم ألقى الكتاب من الكوة ، فوقع عليها في مكانها الذي هي فيه ، فأخذته .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : بلغني أنها امرأة يقال لها بلقيس ، أحسبه قال : ابن شراحيل ، أحد أبويها من الجن ، مؤخؤ أحد قدميها كحافر الدابة ، وكانت في بيت مملكة ، وكان أولو مشورتها ثلاث مئة واثني عشر كل رجل منهم على عشرة آلاف ، وكانت بأرض يقال لها مأرب ، نم صنعاء على ثلاثة أيام ، فلما جاء الهدهد بخبرها إلى سليمان بن داود ، كتب الكتاب وبعث به مع الهدهد ، فجاء الهدهد وقد غلقت الأبواب ، وكانت تغلق أبوابها وتضع مفاتيحها تحت رأسها ، فجاء الهدهد فدخل من كوة ، فألقى الصحيفة عليها ، فقرأتها ، فإذا فيها : " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم *أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " وكذلك كانت تكتب الأنبياء لا تطنب ، إنما تكتب جملا .
قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : لم يزد سليمان على ما قص الله في كتابه : إنه وإنه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم " فمضى الهدهد بالكتاب ، حتى إذا حاذى الملكة وهي على عرشها القى اليها الكتاب .
وقوله " قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " والملأ : أشراف قومها ، يقول تعالى ذكره : قالت ملكة سبأ لأشراق قومها " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " .
واختلف أهل العلم في سبب وصفها الكتاب بالكريم ، فقال بعضهم : وصفته بذلك لأنه كان مختوما .
وقال آخرون : وصفته بذلك لأنه كان من ملك فوصفته بالكرم لكرم صاحبه . وممن قال ذلك ابن زيد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " إني ألقي إلي كتاب كريم " قال : هو كتاب سليمان حيث كتب إليها .
وقوله " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " كسرت إن الأولى والثانية على الرد على إني من قوله " إني ألقي إلي كتاب كريم " ومعنى الكلام : قالت : يا ايها الملأ إني ألقي إلي كتاب ، وإنه من سليمان .
وقوله " أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " يقول : ألقي إلي كتاب كريم ألا تعلوا علي .
ففي أن وجهان من العربية : إن جعلت بدلا من الكتاب كانت رفعا بما رفع به الكتاب بدلا منه ، وإن جعل معنى الكلام : إني ألقي إلي كتاب كريم ألا تعلوا علي كانت نصبا يتعلق الكتاب بها .
وعنى بقوله " أن لا تعلوا علي " : أن لا تكبروا ولا تتعاظموا عما دعوتكم إليه .
كما حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله " أن لا تعلوا علي " : أن لا تمتنعوا من الذي دعوتكم إليه إن امتنعتم جاهدتكم ، فقلت لابن زيد " أن لا تعلوا علي " أن لا تتكبروا عليى؟ قال : نعم ، قال : وقال ابن زيد " أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " ذلك في كتاب سليمان إليها . وقوله " وأتوني مسلمين " يقول : واقبلوا إلي مذعنين لله بالوحدانية والطاعة .
فيه ست مسائل :
الأولى : قوله تعالى : " قالت يا أيها الملأ " في الكلام حذف ، والمعنى : فذهب فأل5قاه إليهم فسمعها وهي تقول : " يا أيها الملأ " ثم وصف الكتاب بالكريم إما لأنه من عند عظيم في نفسها ونفوسهم فعزظمته إجلالاً لسليمان عليه السلام ، وهذا قول ابن زيد ن. وإما أنها أشارت إلى أنه مطبوع عليه بالخاتم ، فكرامة الكتاب ختمه ، وروي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقيل : لأنه بدأ فيه بـ(سم الله الرحمن الرحيم ) وقد قال صلى الله عليه وسلم : " كل كلام لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أجذم " وقيل : لأنه بدأ فيه بنفسه ، ولا يفعل ذلك إلا الجلة . وفي الحديث ابن عمر أنه كتب إلى عبد الملك بن مروان يبايعه : من عبد الله لعبد الملك بن مروان أمير المؤمنين ، إني أقر لك بالسمع والطاعة ما استطعت ، وإن بني قد أقروا لك بذلك . وقيل : توهمت أنه كتاب جاء من السماء إذا كان الموصل طيراً . وقيل : ( كريم ) حسن ، كقوله : " ومقام كريم " [ الشعراء : 58] أي مجلس حين . وقيل : وصفيه بذلك ، لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعاء إلى عبادة الله عزوجل ، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سبا ولالعناً ، ولا ما يغير النفس ، ومن غير كلام نازل ومسغلق ، على عادة الرسل في الدعاء إلى الله عز وجل ، ألا ترى إلى قول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " [ النحل : 125] وقوله لموسى وهارون : " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " [ طه : 44] وكلها وجوه حسان وهذا أحسنها . وقد روي أنه لم يكتب بسم الله الرحمن الرحيم أحد قبل سليمان . وفي قراءة عبد الله ( وإنه من سليمان ) بزيادة واو .
الثانية : نالوصف بالكريم في لكتاب غاية الوصف ، ألا ترى قوله تعالى : " إنه لقرآن كريم " [ الواقعة : 77] وأهل الزمان يصفون الكتاب بالخطير وبالأثير وبالمبرور ، فإن كان لملك قالوا : العزيز وأسقطوا الكريم غفلة ، وهو أفضلها خصلة . فأما الوصف بالعزيز فقد وصف به القرآن في قوله تعالى : " وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " [ فصلت : 41_42] فهذه عزته وليست لأحد إلا له ، فاجتنبوها في كتبكم ، واجعلوا بدلها العالي ، توفية لحق الولاية ، وحياطة للديانة ، قاله القاضي أبو بكر بن العربي .
الثالث : كان رسم المتقدمين إذا كتبوا أن يبدؤوا بأنفسهم من فلان إلى فلان ، وبذلك جاءت الآثار . وروى الربيع عن أنس قال : ما كان أحد أعظم حرمة من النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أصحابة إذا كتبوا بدؤوا بأنفسهم . وقال ابن سرين قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أهل فارس إذا كتبوا بدؤوا بعظمائهم فلا يبدأ الرجل إلا بنفسه " قال أبو ليث في كتاب البستان له : ولو بدأ بالمكتوب إليه لجاز ، لأن الأمة قد اجتمعت عليه وفعلوه لمصلحة رأوا في ذلك ، وأو نسخ ما كان من قبل ، فالأحسن في زماننا هذا أن يبدأ بالمكتوب إليه ، ثم بنفسه ، لأن البداية بنفسه تعد منه استخفافاً بالمكتوب إليه وتكبراً عليه ، إلا أن يكتب إلى عبد من عبيده ، أو غلام من غلمانه .
الرابعة : وإذا وردت على إنسان كتاب بالتحية أو نحوها ينبغي أن يرد الجواب ، لأن الكتاب من الغائب كالسلام من الحاضر . وروي عن ابن عباس أنه كان يرى رد الكتاب واجباً كما يرى رد السلام . والله أعلم .
الخامسة : اتفقوا على كتب (بسم الله الرحمن الرحيم ) في أو الكتب والرسائل ، وعلى ختمها ، لأنه أبعد من الريبة ، وعلى هذنا جرى الرسم ، وبه جاء الأثر عن عمر بن الخطاب أنه قال : أيما كتاب لم يكن مخنةماً فهو أغلف . وفي الحديث : " كرم الكتاب ختمه " وقال بعض الأدباء ، هو ابن المقفع : من كتب إلى أخيه كتاباً ولم يختمه فقد استخف به ، لأن الختم ختم .وقال أنس : لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب إلى المعجم فقيل له : إنهم لا يقبلون إلا كتاباً عليه ختم ، فاصطنع خاتماً ونقش على فصه (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وكأني أنظر إلى وبيصه وبياضه في كفه .
يقول تعالى مخبراً عن قيل سليمان للهدهد حين أخبره عن أهل سبأ وملكتهم "قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين" أي صدقت في إخبارك هذا "أم كنت من الكاذبين" في مقالتك لتتخلص من الوعيد الذي أوعدتك ؟ "اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون" وذلك أن سليمان عليه السلام كتب كتاباً إلى بلقيس وقومها. وأعطاه ذلك الهدهد فحمله, قيل في جناحه كما هي عادة الطير, وقيل بمنقاره, وجاء إلى بلادهم فجاء إلى قصر بلقيس إلى الخلوة التي كانت تختلي فيها بنفسها فألقاه إليها من كوة هنالك بين يديها, ثم تولى ناحية أدباً ورياسة, فتحيرت مما رأت وهالها ذلك, ثم عمدت إلى الكتاب فأخذته ففتحت ختمه وقرأته, فإذا فيه " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فجمعت عند ذلك أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها, ثم قالت لهم " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره كون طائر أتى به فألقاه إليها, ثم تولى عنها أدباً, وهذا أمر لا يقدر عليه أحد من الملوك, ولا سبيل لهم إلى ذلك, ثم قرأته عليهم " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * أن لا تعلوا علي وأتوني مسلمين " فعرفوا أنه من نبي الله سليمان عليه السلام, وأنه لا قبل لهم به, وهذا الكتاب في غاية البلاغة والوجازة والفصاحة, فإنه حصل المعنى بأيسر عبارة وأحسنها. قال العلماء: لم يكتب أحد بسم الله الرحمن الرحيم قبل سليمان عليه السلام. وقد روى ابن أبي حاتم في ذلك حديثاً في تفسيره حيث قال: حدثنا أبي , حدثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الخياط . حدثنا أبو يوسف عن سلمة بن صالح عن عبد الكريم أبي أمية عن ابن بريدة عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إني أعلم آية لم تنزل على نبي قبلي بعد سليمان بن داود قلت: يا نبي الله أي آية ؟ قال : سأعلمكها قبل أن أخرج من المسجد قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه, فقلت نسي ثم التفت إلي وقال: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم" هذا حديث غريب, وإسناده ضعيف. وقال ميمون بن مهران : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب: باسمك اللهم حتى نزلت هذه الاية. فكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" وقوله: " أن لا تعلوا علي " قال قتادة : يقول لا تجبروا علي "وأتوني مسلمين" وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : لا تمتنعوا ولا تتكبروا علي وأتوني مسلمين. قال ابن عباس : موحدين, وقال غيره: مخلصين, وقال سفيان بن عيينة : طائعين.
29- "قالت" أي بلقيس " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " في الكلام حذف، والتقدير: فذهب الهدهد فألقاه إليهم، فسمعها تقول: يا أيها المأ إلخ، ووصفت الكتاب بالكريم لكونه من عند عظيم في نفسها إجلالاً لسليمان، وقيل وصفته بذلك لاشتماله على كلام حسن، وقيل وصفته بذلك لكونه وصل إليها مختوماً بخاتم سليمان، وكرامة الكتاب ختمه كما روي ذلك مرفوعاً، ثم بينت ما تضمنه هذا الكتاب.
29- "قالت"، لهم بلقيس: "يا أيها الملأ"، وهم أشراف الناس وكبراؤهم "إني ألقي إلي كتاب كريم"، قال عطاء والضحاك: سمته كريماً لأنه كان مختوماً. وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كرامة الكتاب ختمه"، وقال قتادة ومقاتل: كتاب كريم أي: حسن، وهو اختيار الزجاج، وقال: حسن ما فيه، وروي عن ابن عباس: كريم، أي: شريف لشرف صاحبه، وقيل: سمته كريماً لأنه كان مصدراً ببسم الله الرحمن الرحيم.
29 -" قالت " أي بعد ما ألقى إليها . " يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم " لكرم مضمونه أو مرسله ، أو لأنه كان مختوماً أو لغرابة شأنه إذ كانت مستلقية في بيت مغلقة الأبواب فدخل الهدهد من كوة وألقاه على نحرها بحيث لم تشعر به .
29. (The Queen of Sheba ) said (when she received the letter): O chieftains! Lo! there hath been thrown unto me a noble letter.
29 - (The Queen) said: Ye chiefs! Here is delivered to me a letter worthy of respect.