29 - (ومن آياته خلق السماوات والأرض) خلق (وما بث) فرق ونشر (فيهما من دابة) هي ما يدب على الأرض من الناس وغيرهم (وهو على جمعهم) للحشر (إذا يشاء قدير) في الضمير تغليب العاقل على غيره
يقول تعالى ذكره : ومن حججه عليكم أيها الناس إنه القادر على إحيائكم بعد فنائكم ، وبعثكم من قبوركم من بعد بلائكم ، " خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة " يعني ما فرق في السماوات والأرض من دابة .
كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " وما بث فيهما من دابة " قال : الناس والملائكة " وهو على جمعهم إذا يشاء قدير " يقول : وهو على جمع ما بث فيهما من دابة إذا شاء جمعه ، ذو قدرة لا يتعذر عليه ، كما لم يتعذر عليه خلقه وتفريقه ، يقول تعالى ذكره : فكذلك هو القادر على جمع خلقه بحشر يوم القيامة بعد تفرق أوصالهم في القبور .
قوله تعالى : " ومن آياته خلق السماوات والأرض " أي علاماته الدالة على قدرته " وما بث فيهما من دابة " قال مجاهد : يدخل في هذا الملائكة والناس ، وقد قال تعالى : " ويخلق ما لا تعلمون " [ النحل : 8 ] ، وقال الفراء : أراد ما بث في الأرض دون السماء ، كقوله : " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرج من الملح دون العذب ، وقال أبو علي : تقديره وما بث في أحدهما ، فحذف المضاف ، وقوله : " يخرج منهما " أي من أحدهما " وهو على جمعهم " أي يوم القيامة : " إذا يشاء قدير " .
يقول تعالى: "ومن آياته" الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه القاهر "خلق السموات والأرض وما بث فيهما" أي ذرأ فيهما في السموات والأرض "من دابة" وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوانات على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وطباعهم وأجناسهم وأنواعهم وقد فرقهم في أرجاء أقطار السموات والأرض "وهو" مع هذا كله "على جمعهم إذا يشاء قدير" أي يوم القيامة يجمع الأولين والاخرين وسائرالخلائق في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق.
وقوله عز وجل: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" أي مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم "ويعفو عن كثير" أي من السيئات فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها "ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة" وفي الحديث الصحيح "والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها". وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا أيوب قال: قرأت في كتاب أبي قلابة قال نزلت "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" وأبو بكر رضي الله عنه يأكل فأمسك وقال: يا رسول الله إني أرى ما عملت من خير وشر, فقال: "أرأيت ما رأيت مما تكره, فهو من مثاقيل ذر الشر وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة" وقال: قال أبو إدريس: فإني أرى مصداقها في كتاب الله تعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم رواه من وجه آخر عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال والأول أصح.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع, حدثنا مروان بن معاوية الفزاري, حدثنا الأزهر بن راشد الكاهلي عن الخضر بن القواس البجلي عن أبي سخيلة عن علي رضي الله عنه قال: ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عز وجل, وحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير, وسأفسرها لك يا علي: ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الاخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه" وكذا رواه الإمام أحمد عن مروان بن معاوية وعبدة عن أبي سخيلة قال: قال علي رضي الله عنه فذكر نحوه مرفوعاً.
ثم روى ابن أبي حاتم نحوه من وجه آخر موقوفاً فقال: حدثنا أبي, حدثنا منصور بن أبي مزاحم, حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح عن أبي الحسن عن أبي جحيفة قال دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه ؟ قال: فسألناه فتلا هذه الاية "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال ما عاقب الله تعالى به في الدنيا فالله أحلم من أن يثني عليه بالعقوبة يوم القيامة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعود عفوه يوم القيامة. وقال الإمام أحمد: حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا طلحة يعني ابن يحيى عن أبي بردة عن معاوية هو ابن أبي سفيان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به من سيئاته " وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا حسين عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها".
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي, حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن هو البصري قال في قوله تبارك وتعالى: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" قال لما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر". وقال أيضاً: حدثنا أبي, حدثنا عمر بن علي, حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبأس لك لما نرى فيك, قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الاية "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير".
وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن الحميد الحماني, حدثنا جرير عن أبي البلاد قال: قلت للعلاء بن بدر "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم" وقد ذهب بصري وأنا غلام ؟ قال فبذنوب والديك. وحدثنا أبي, حدثنا علي بن محمد الطنافسي, حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن أبي داود عن الضحاك قال: ما نعلم أحداً حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير" ثم يقول الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.
ذكر سبحانه بعض آياته الدالة على كمال قدرته الموجبة لتوحيده وصدق ما وعد به من البعث، فقال: 29- "ومن آياته خلق السموات والأرض" أي خلقهما على هذه الكيفية العجيبة والصنعة الغريبة "وما بث فيهما من دابة" يجوز عطفه على خلق، ويجوز عطفه على السموات، والدابة اسم لكل ما دب. قال الفراء: أراد ما بث في الأرض دون السماء كقوله: "يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان" وإنما يخرج من الملح دون العذاب. وقال أبو علي الفارسي: تقديره وما بث في أحدهما، فحذف المضاف. قال مجاهد: يدخل في هذا الملائكة والناس، وقد قال تعالى: "ويخلق ما لا تعلمون"، "وهو على جمعهم" أي حشرهم يوم القيامة "إذا يشاء قدير" الظرف متعلق بجمعهم لا بقدير قال أبو البقاء، لأن ذلك يؤدي، وهو على جمعهم قدير إذا يشاء فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال. قال شهاب الدين: ولا أدري ما وجه كونه محالاً على مذهب أهل السنة، فإن كان يقول بقول المعتزلة وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده.
29. " ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير "، يعني: يوم القيامة.
29-" ومن آياته خلق السموات والأرض " فإنها بذاتها وصفاتها تدل على وجود صانع قادر حكيم . " وما بث فيهما " عطف على السموات ألو الـ" خلق " . " من دابة " من حي على إطلاق اسم المسبب على السبب ، أو مما يدب على الأرض وما يكون في أحد الشيئين يصدق أن فيها في الجملة . " وهو على جمعهم إذا يشاء " أي في أي وقت يشاء . " قدير " متمكن منه و " إذا " كما تدخل على الماضي تدخل على المضارع .
29. And of His portents is the creation of the heaven and the earth, and of whatever beasts He hath dispersed therein. And He is Able to gather them when He will.
29 - And among His Signs is the creation of the heavens and the earth, and the living creatures that He has scattered through them: and He has power to gather them together when He wills.