3 - (لم يلد) لانتفاء مجانسته (ولم يولد) لانتفاء الحدوث عنه
وقوله : " لم يلد " يقول : ليس بفان ، لأنه لا شيء يلد إلا وهو فان بائد ( ولم يولد ) يقول : وليس بحدث لم يكن فكان ، لأنه كل مولود فإنما وجد بع أن لم يكن ، وحدث بعد أن كان غير موجود ولكنه تعالى ذكره قديم لم يزل ، ودائم لم يبد ، ولا يزول ولا يفنى .
قوله تعالى:"لم يلد ولم يولد" قال ابي بن كعب: الصمد: الذي لا يلد ولايولد، لأنه ليس شيء إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا يورث. وقال علي وابن عباس أيضاً وابو وائل شقيق بن سلمة وسفيان: الصمد: هو السيد الذي قد انتهى سودده في أنواع الشرف والسودد، ومنه قول الشاعر:
علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيفة فأنت السيد الصمد
وقال أبو هريرة: إنه المستغني عن كل أحد، والمحتاج إليه كل أحد. وقال السدي: إنه المقصود في الرغائب، والمستعان به في المصائب. وقال الحسين بن الفضل: إنه الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقال مقاتل: إنه: الكامل الذي لا عيب فيه، ومنه قول الزبر قان:
سيروا جميعاً بنصف الليل واعتمدوا ولارهينة إلا سيد صمد
وقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير: الصمد: المصمت الذي لاجوف له، قال الشاعر:
شهاب حروب لا تزال جياده عوابس يعلكن الشكيم المصمد
قلت: قد أتينا على هذه الأقوال مبنية في الصمد، في (كتاب الأسنى) وأن الصحيح منها ما شهد له الاشتقاق، وهو القول الأول، ذكره الخطابي. وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه، وجعل النار مقامه ومثواه، وقرأ (الله الواحد الصمد) في الصلاة، والناس يستمعون، فأسقط: (قل هو)، وزعم أنه ليس من القرآن. وغير لفظ (أحد) وادعى أن هذا هو الصواب، والذي عليه الناس هو الباطل والمحال، فأبطل معنى الآية، لأن أهل التفسير قالوا: نزلت الآية جواباً لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: صف لنا ربك، أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر؟ فقال الله عز وجل رداً عليهم: " قل هو الله أحد" ففي (هو) دلالة على موضع الرد، ومكان الجواب، فإذا سقط بطل معنى الآية، وصح الافتراء على الله عز وجل، والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم . وروى الترمذي عن أبي بن كعب:
أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: انسب لنا ربك، فأنزل الله عز وجل: " قل هو الله أحد * الله الصمد" والصمد: الذي لم يلد ولم يولد، لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء يموت إلا سيورث، وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث.
قد تقدم ذكر سبب نزولها, وقال عكرمة . لما قالت اليهود نحن نعبد عزيراً ابن الله, وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن الله, وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر, وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان, أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم "قل هو الله أحد" يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل, ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله وقوله تعالى: "الله الصمد" قال عكرمة عن ابن عباس : يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده, والشريف الذي قد كمل في شرفه, والعظيم الذي قد كمل في عظمته, والحليم الذي قد كمل في حلمه, والعليم الذي قد كمل في علمه, والحكيم الذي قد كمل في حكمته. وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد, وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار, وقال الأعمش عن شقيق عن أبي وائل "الصمد" السيد الذي قد انتهى سؤدده, ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله.
وقال مالك عن زيد بن أسلم "الصمد" السيد, وقال الحسن وقتادة : هو الباقي بعد خلقه, وقال الحسن أيضاً "الصمد" الحي القيوم الذي لا زوال له وقال عكرمة : الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم وقال الربيع بن أنس هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له وهو قوله: "لم يلد ولم يولد" وهو تفسير جيد, وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير عن أبي بن كعب في ذلك وهو صريح فيه, وقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعكرمة أيضاً, و سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعطية العوفي والضحاك والسدي "الصمد" الذي لا جوف له. وقال سفيان عن منصور عن مجاهد "الصمد" المصمت الذي لا جوف له, وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب. وقال عبد الله بن بريدة أيضاً "الصمد" نور يتلألأ, روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني , وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده, وقال: حدثني العباس بن أبي طالب , حدثنا محمد بن عمرو بن رومي عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش , حدثنا صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: لا أعلم إلا قد رفعه قال: "الصمد الذي لا جوف له" وهذا غريب جداً والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة .
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عز وجل, هو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده, وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب, وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك. وقوله تعالى: " لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد " أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة. قال مجاهد "ولم يكن له كفواً أحد" يعني لا صاحبة له وهذا كما قال تعالى: "بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء" أي هو مالك كل شيء وخالقه فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه تعالى وتقدس وتنزه, قال الله تعالى: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ".
وقال تعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" وقال تعالى : " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون * سبحان الله عما يصفون " وفي صحيح البخاري "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك, وشتمني ولم يكن له ذلك, فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته, وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد" ورواه أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعاً بمثله تفرد بهما من هذين الوجهين. آخر تفسير سورة الإخلاص, ولله الحمد والمنة.
3- "لم يلد ولم يولد" أي لم يصدر عنه ولد، ولم يصدر هو عن شيء، لأنه لا يجانسه شيء، ولاستحالة نسبة العدم إليه سابقاً ولاحقاً. قال قتادة: إن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله. وقالت اليهود: عزيز ابن الله. وقال النصارى: المسيح ابن الله فأكذبهم الله فقال: "لم يلد ولم يولد" قال الرازي: قدم ذكر نفي الولد مع أن الولد مقدم للاهتمام لأجل ما كان يقوله الكفار من المشركين: إن الملائكة بنات الله، واليهود: عزيز ابن الله، والنصارى: المسيح ابن الله، ولم يدع أحد أن له والداً، فلهذا السبب بدأ بالأهم فقال: "لم يلد" ثم أشار إلى الحجة فقال: "ولم يولد" كأنه قيل الدليل على امتناع الولد اتفاقنا على أنه ما كان ولداً لغيره، وإنما عبر سبحانه بما يفيد انتفاء كونه لم يلد ولم يولد في الماضي ولم يذكر ما يفيد انتفاء كونه كذلك في المستقبل لأنه ورد جواباً عن قولهم: ولد الله كما حكى الله عنهم بقوله: " ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله " فلما كان المقصود من هذه الآية تكذيب قولهم، وهم إنما قالوا ذلك بلفظ يفيد النفي فيما مضى، وردت الآية لدفع قولهم هذا.
3- "لم يلد ولم يولد".
3-" لم يلد " لأنه لم يجانس ولم يفتقر إلى ما يعينه أو يخلف عنه لامتناع الحاجة والفناء عليه ، ولعل الاقتصاد على لفظ الماضي لوروده رداً على ما قال الملائكة بنات الله ، أو المسيح ابن الله أو ليطابق قوله : " ولم يولد " وذلك لأنه لا يفتقر إلى شيء ولا يسبقه عدم .
3. He begetteth not nor was begotten.
3 - He begetteth not, nor is He begotten;