3 - (وهو الذي مد) بسط (الأرض وجعل) خلق (فيها رواسي) جبالاً ثوابت (وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين) من كل نوع (يُغشي) يغطي (الليلَ) بظلمته (النهارَ إن في ذلك) المذكور (لآيات) دلالات على وحدانيته تعالى (لقوم يتفكرون) في صنع الله
قال ابو جعفر : يقول تعالى ذكره : والله الذي مد الأرض ، فبسطها طولاً وعرضاً .
وقوله : "وجعل فيها رواسي" ، يقول جل ثناؤه : وجعل في الأرض جبالاً ثابتة .
و الرواسي جمع راسية ، وهي الثابتة ، يقال منه : أرسيت الوتد في الأرض ، إذا أثبته ،كما قال الشاعر :
به خالدات ما يرمن وهامد وأشعث أرسته الوليدة بالفهر
يعني : أثبتته .
وقوله :"وأنهارا" ، يقول : وجعل في الأرض أنهاراً من ماء .
وقوله : "ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين" ، فـ من في قوله : "ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين" ، من صلة ، "جعل" ، الثاني لا الأول .
ومعنى الكلام :وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات : وعنى بـ "زوجين اثنين" ، من كل ذكر اثنان ، ومن كل انثى اثنان ، فذلك أربعة ، من الذكور اثنان ، ومن الإناث اثنتان ، في قول بعضهم .
وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين : زوجين ، والواحد من الذكور زوجاً لأنثاه ، وكذلك الأنثى الواحدة زوجاً ، و زوجة لذكرها ،بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
ويزيد ذلك أيضاحاً قول الله عز وجل : ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ) ، فسمى الاثنين الذكر والأنثى "زوجين" .
وإنما عني بقوله : "زوجين اثنين" ، نوعين وضربين .
وقوله : "يغشي الليل النهار" ، يقول : يجلل الليل النهار فيلبسه ظلمته ، والنهار الليل بضيائه ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "يغشي الليل النهار" ، أي : يلبس الليل النهار .
وقوله : "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" ، يقلو تعالى ذكره : إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء ، لدلالات وحججاً وعظات لقوم يتفكرون فيها ، فيستدلون ويعتبرون بها ، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبرها ،دون غيرها من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ،ولا لشيء غيرها ،إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء ، تبارك وتعالى ـ وأن القدرة التي أبدع بها ذلك ،هي القدرة التي لا يتعذر عليه إحياء من هلك من خلفه ، وإعادة نما فني منه ،وابتداع ما شاء ابتداعه ـ بها .
قوله تعالى: " وهو الذي مد الأرض " لما بين آيات السماوات بين آيات الأر، أي بسط الأرض طولاً وعرضاً. " وجعل فيها رواسي " أي جبالاً ثوابت، واحدها راسية، لأن الأرض ترسو بها، أي تثبت، والإرساء الثبوت، قال عنترة:
فصبرت عارفةً لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
وقال جميل:
أحبها والذي أرسى قواعده حباً إذا ظهرت آياته بطنا
وقال ابن عباس وعطاء: أول جبل وضع على الأرض أبو قبيس.
مسألة: في هذه الآية رد على من زعم أن الأرض كالكرة، ورد على من زعم أن الأرض تهوي أبوابها عليها، وزعم ابن الراوندي أن تحت الأرض جسماً صعاداً كالريح الصعادة، وهي منحدرة فاعتدل الهاوي والصعادي في الجرم والقوة فتوافقا. وزعم آخرون أن الأرض مركبة من جسمين، أحدهما منحدر، والآخر مصعد، فاعتدلا، فلذلك وقفت. والذي عليه المسلمون وأهل الكتاب القول بوقوف الأرض وسكونها ومدها، وأن حركتها إنما تكون في العادة بزلزلة تصيبها. وقوله تعالى: " وأنهارا " أي مياهاً جارية في الأرض، فيها منافع الخلق. " ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين " بمعنى صنفين. قال أبو عبيدة: الزوج واحد، ويكون اثنين. الفراء: يعني بالزوجين هاهنا الذكر والأنثى، وهذا خلاف النص. وقيل: معنى ( زوجين) نوعان، كالحلو والحامض، والرطب واليابس، والأبيض والأسود، والصغير والكبير. " إن في ذلك لآيات " أي دلالات وعلامات " لقوم يتفكرون ".
لما ذكر تعالى العالم العلوي, شرع في ذكر قدرته وحكمته وإحكامه للعالم السفلي, فقال: "وهو الذي مد الأرض" أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض, وأرساها بجبال راسيات شامخات, وأجرى فيها الأنهار والجداول والعيون, ليسقي ما جعل فيها من الثمرات المختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح "من كل زوجين اثنين" أي من كل شكل صنفان "يغشي الليل النهار" أي جعل كلاً منهما يطلب الاخر طلباً حثيثاً, فإذا ذهب هذا غشيه هذا, وإذا انقضى هذا جاء الاخر, فيتصرف أيضاً في الزمان كما يتصرف في المكان والسكان, " إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " أي في آلاء الله وحكمه ودلائله.
وقوله: "وفي الأرض قطع متجاورات" أي أراض يجاور بعضها بعضاً, مع أن هذه طيبة تنبت ما ينفع الناس وهذه سبخة مالحة لا تنبت شيئاً, هكذا روي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغير واحد. ويدخل في هذه الاية اختلاف ألوان بقاع الأرض, فهذه تربة حمراء, وهذه بيضاء, وهذه صفراء, وهذه سوداء, وهذه محجرة, وهذه سهلة, وهذه مرملة, وهذه سميكة, وهذه رقيقة, والكل متجاورات, فهذه بصفتها, وهذه بصفتها الأخرى, فهذا كله مما يدل على الفاعل المختار لا إله إلا هو ولا رب سواه. وقوله: "وجنات من أعناب وزرع ونخيل" يحتمل أن تكون عاطفة على جنات, فيكون "وزرع ونخيل" مرفوعين. ويحتمل أن يكون معطوفاً على أعناب, فيكون مجروراً, ولهذا قرأ بكل منهما طائفة من الأئمة.
وقوله: "صنوان وغير صنوان" الصنوان: هو الأصول المجتمعة في منبت واحد, كالرمان والتين, وبعض النخيل ونحو ذلك, وغير الصنوان: ما كان على أصل واحد, كسائر الأشجار, ومنه سمي عم الرجل صنو أبيه, كما جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمر: "أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه". وقال سفيان الثوري وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه: الصنوان هي النخلات في أصل واحد, وغير الصنوان المتفرقات, وقاله ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد.
وقوله: " يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل " قال الأعمش عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم "ونفضل بعضها على بعض في الأكل" قال "الدقل, والفارسي, والحلو, والحامض", رواه الترمذي وقال: حسن غريب, أي هذا الاختلاف في أجناس الثمرات والزروع في أشكالها وألوانها, وطعومها وروائحها, وأوراقها وأزهارها, فهذا في غاية الحلاوة, وهذا في غاية الحموضة, وذا في غاية المرارة, وذا عفص, وهذا عذب, وهذا جمع هذا وهذا, ثم يستحيل إلى طعم آخر بإذن الله تعالى, وهذا أصفر, وهذا أحمر, وهذا أبيض, وهذا أسود, وهذا أزرق, وكذلك الزهورات مع أنها كلها تستمد من طبيعة واحدة وهو الماء, مع الاختلاف الكثير الذي لا ينحصر ولا ينضبط ففي ذلك آيات لمن كان واعياً, وهذا من أعظم الدلالات على الفاعل المختار الذي بقدرته فاوت بين الأشياء, وخلقها على ما يريد, ولهذا قال تعالى: " إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ".
ولما ذكر الدلائل السماوية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية فقال 3- "وهو الذي مد الأرض" قال الفراء بسطها طولاً وعرضاً. وقال الأصم: إن المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، وعذا المد الظاهر للبصر لا ينافي كريتها في نفسها لتباعد أطرافها "وجعل فيها رواسي" أي جبالاص ثوابت. واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها: أي تثبت، والإرساء: الثبوت. قال عنترة:
فصرت عارفة لذلك حرة ترسو إذا نفس الجبان تطلع
وقال جميل:
أحبها والذي أرسى قواعده حتى إذا ظهرت آياته بطنا
"وأنهاراً" أي مياهاً جارية في الأرض فيها منافع الخلق، أو المراد جعل فيها مجاري الماء "ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين" من كل الثمرات متعلق بالفعل الذي بعده: أي جعل فيها من كل الثمرات زوجين اثنين: الزوج يطلق على الاثنين، وعلى الواحد المزاوج لآخر، والمراد هنا بالزوج الواحد، ولهذا أكد الزوجين بالأثنين لدفع توهم أنه أريد بالزوج هنا الاثنين. وقد تقدم تحقيق هذا مستوفى، أي عل كل نوع من أنواع ثمرات الدنيا ضنفين، أو في القدر كالصغر والكبر، أو في الكيفية كالحر والبرد. قال الفراء يعني بالزوجين هنا الذكر والأنثى، والأول أولى " يغشي الليل النهار " أي يلبس مكانه، فيصير أسود مظلماً بعدما كان أبيض منيراً شي\به إزالة نور الهدى بالظلمة بتغطية الأشياء الحسية بالأغطية التي تسترها. وقد سبق تفسير هذه في الأعراف "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" أي فيما ذكر من مد الأرض وإثباتها بالجبال، وما جعله الله فيها من الثمرات المتزاوجة، وتعاقب النور والظلمة آيات بينة للناظرين المتفكرين المعتبرين.
3- "وهو الذي مد الأرض"، بسطها، "وجعل فيها رواسي"، جبالا ثابتة، واحدتها: راسية، قال ابن عباس: كان أبو قبيس أول جبل وضع على الأرض، "وأنهاراً"، وجعل فيها أنهارا.
"ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين"، أي: صنفين اثنين أحمر وأصفر، وحلوا وحامضا، " يغشي الليل النهار "، أي: يلبس النهار بظلمة الليل، ويلبس الليل بضوء النهار، "إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"، فيستدلون. والتفكر: تصرف القلب في طلب معاني الأشياء.
3."وهو الذي مد الأرض"بسطها طولاً وعرضاً لتثبت عليها أقدام وينقلب عليها الحيوان . "وجعل فيها رواسي"جبالاً ثوابت من رسا الشيء إذا ثبت ، جمع راسية والتاء للتأنيث على أنها صفة أجبل أو للمبالغة . "وأنهاراً" ضمها إلى الجبال وعلق بهما فعلاً واحداً من حيث إن الجبال أسباب لتولدها. "ومن كل الثمرات"متعلق بقوله :"جعل فيها زوجين اثنين"أي وجعل فيها من جميع أنواع الثمرات صنفين أثنين كالحلو والحامض ، والأسود والأبيض والصغير والكبير ."يغشي الليل النهار"يلبسه مكانه فيصير الجو مظلماً بعدما كان مضيئاً ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر يغشي بالتشديد."إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون "فيها فإن تكونها وتخصصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيأ أسبابها.
3. And He it is who spread out the earth and placed therein firm hills and flowing streams, and of all fruits be placed therein two spouses (male and female). He covereth the night with the day. Lo! herein verily are portents for people who take thought.
3 - And it is he who spread out the earth, and set thereon mountains standing firm, and (flowing) rivers: and fruit of every kind he made in pairs, two and two: he draweth the night as a veil O'er the day. behold, verily in these things there are signs for those who consider