3 - (ذرهم) اترك الكفار يا محمد (يأكلوا ويتمتعوا) بدنياهم (ويلههم) يشغلهم (الأمل) بطول العمر وغيره عن الإيمان (فسوف يعلمون) عاقبة أمرهم وهذا قبل الأمر بالقتال
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا ما هم آكلوه ، ويتمتعوا من لذاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الذي أجلت لهم ، ويلههم الأمل عن الأخذ بحظهم من طاعة الله فيها ، وتزودهم لمعادهم منها بما يقربهم من ربهم ، فسوف يعلمون غداً إذا وردوا عليه ، وقد هلكوا على كفرهم بالله وشركهم حين يعاينون عذاب الله أنهم كانوا من تمتعهم بما كانوا يتمتعون فيها من الملذات والشهوات كانوا في خسار وتباب .
فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا " تهديد لهم. " ويلههم الأمل " أي يشغلهم عن الطاعة. يقال: ألهاه عن كذا أي شغله. ولهي هو عن الشيء يلهى. " فسوف يعلمون " إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا. وهذه الآية منسوخة بالسيف.
الثانية: في مسند البزار عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربعة من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا ". وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء. وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والإعراض عن الآخرة. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخرها بالبخل والأمل ". ويروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قام على درج مسجد دمشق فقال: يا أهل دمشق، ألا تسمعون من أخ لكم ناصح، إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيراً ويبنون مشيداً ويأملون بعيدا، فأصبح جمعهم بوراً وبنيانهم قبوراً وأملهم غروراً. هذه عاد قد ملأت البلاد أهلاً ومالاً وخيلاً ورجالاً، فمن يشتري مني اليوم تركتهم بدرهمين! وأنشد:
يا ذا المؤمل آمالا وإن بعدت منه ويزعم أن يحظى بأقصاها
أنى تفوز بما ترجوه ويك وما أصبحت في ثقة من نيل أدناها
وقال الحسن: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل. وصدق رضي الله عنه! فالأمل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض ويميل إلى الهوى. وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يطلب صاحبه ببرهان، كما أن قصر الأمل يبعث على العمل، ويحيل على المبادرة، ويحث على المسابقة.
قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور. وقوله تعالى "ربما يود الذين كفروا" الاية, إخبار عنهم أنهم سيندمون على ما كانوا فيه من الكفر, ويتمنون لو كانوا في الدنيا مسلمين, ونقل السدي في تفسيره بسنده المشهور عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما من الصحابة, أن كفار قريش لما عرضوا على النار تمنوا أن لو كانوا مسلمين. وقيل: إن المراد أن كل كافر يود عند احتضاره أن لو كان مؤمناً. وقيل: هذا إخبار عن يوم القيامة, كقوله تعالى: "ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين" وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل, عن أبي الزعراء, عن عبد الله في قوله: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" قال: هذا في الجهنميين إذا رأوهم يخرجون من النار, وقال ابن جرير: حدثني المثنى, حدثنا مسلم, حدثنا القاسم, حدثنا ابن أبي فروة العبدي أن ابن عباس وأنس بن مالك كانا يتأولان هذه الاية "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" يتأولانها يوم يحبس الله أهل الخطايا من المسلمين مع المشركين في النار, قال: فيقول لهم المشركون: ما أغنى عنكم ما كنتم تعبدون في الدنيا, قال: فيغضب الله لهم بفضل رحمته فيخرجهم, فذلك حين يقول: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين".
وقال عبد الرزاق: أخبرنا الثوري عن حماد عن إبراهيم, وعن خصيف عن مجاهد قالا: يقول أهل النار للموحدين: ما أغنى عنكم إيمانكم ؟ فإذا قالوا ذلك, قال الله: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان, قال: فعند ذلك قوله: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين", وهكذا روي عن الضحاك وقتادة وأبي العالية وغيرهم, وقد ورد في ذلك أحاديث مرفوعة, فقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن العباس هو الأخرم, حدثنا محمد بن منصور الطوسي, حدثنا صالح بن إسحاق الجهبذ وابن علية يحيى بن موسى, حدثنا معروف بن واصل عن يعقوب بن نباتة عن عبد الرحمن الأغر, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم, فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قولكم لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار ؟ فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة, فيبرءون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه, ويدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين", فقال رجل: يا أنس أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار" نعم أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا, ثم قال الطبراني: تفرد به الجهبذ.
(الحديث الثاني) ـ قال الطبراني أيضاً: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثنا أبو الشعثاء علي بن حسن الواسطي, حدثنا خالد بن نافع الأشعري عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه, عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة, قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين ؟ قالوا: بلى, قالوا: فما أغنى عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار ؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها, فسمع الله ما قالوا فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا. فلما رأى ذلك من بقي من الكفار قالوا: ياليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا ـ قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين * ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين "" ورواه ابن أبي حاتم من حديث خالد بن نافع به, وزاد فيه: بسم الله الرحمن الرحيم عوض الاستعاذة.
(الحديث الثالث) قال الطبراني أيضاً: حدثنا موسى بن هارون, حدثنا إسحاق بن راهويه, قال: قلت لأبي أسامة أحدثكم أبو روق واسمه عطية بن الحارث حدثني صالح بن أبي طريف قال: سألت أبا سعيد الخدري فقلت له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الاية "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" ؟ قال: نعم سمعته يقول: "يخرج الله ناساً من المؤمنين من النار بعدما يأخذ نقمته منهم" وقال: "لما أدخلهم الله النار مع المشركين, قال لهم المشركون: تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فيما بلاكم معنا في النار, فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم, فتشفع لهم الملائكة والنبيون, ويشفع المؤمنون حتى يخرجوا بإذن الله, فإذا رأى المشركون ذلك قالوا: ياليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم ـ قال ـ فذلك قول الله "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين" فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم, فيقولون: يا رب أذهب عنا هذا الاسم, فيأمرهم فيغتسلون في نهر في الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم" فأقر به أبو أسامة وقال نعم.
(الحديث الرابع) قال ابن أبي حاتم, حدثنا علي بن الحسين, حدثنا العباس بن الوليد النرسي, حدثنا مسكين أبو فاطمة, حدثني اليمان بن يزيد عن محمد بن جبر عن محمد بن علي, عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه, ومنهم من تأخذه إلى حجزته, ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه, على قدر ذنوبهم وأعمالهم, ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها, ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها, وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلى أن تفنى, فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء, فيغضب الله لهم غضباً لم يغضبه لشيء فيما مضى, فيخرجهم إلى عين في الجنة وهو قوله: "ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين"". وقوله: "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا" تهديد شديد لهم ووعيد أكيد, كقوله تعالى: "قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار". وقوله: "كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون", ولهذا قال: "ويلههم الأمل" أي عن التوبة والإنابة "فسوف يعلمون" أي عاقبة أمرهم.
3- "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا" هذا تهديد لهم: أي دعهم عما أنت بصدده من الأمر لهم والنهي، فهم لا يرعوون أبداً ولا يخرجون من باطل ولا يدخلون في حق، بل مرهم بما هم فيه من الاشتغال بالأكل والتمتع بزهرة الدنيا، فإنهم كالأنعام التي لا تهتم إلا بذلك ولا تشتغل بغيره، والمعنى: اتركهم على ما هم عليه من الاشتغال بالأكل ونحوه من متاع الدنيا ومن إلهاء الأمل لهم عن اتباعك فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وسوء صنيعهم. وفي هذا من التهديد والزجر ما لا يقدر قدره، يقال ألهاه كذا: أي شغله، ولهى هو عن الشيء يلهى: أي شغلهم الأمل عن اتباع الحق، وما زالوا في الآمال الفارغة والتمنيات الباطلة حتى أسفر الصبح لذي عينين وانكشف الأمر ورأوا العذاب يوم القيامة، فعند ذلك يذوقون وبال ما صنعوا. والأفعال الثلاثة مجزومة على أنها جواب الأمر، وهذه الآية منسوخة بآية السيف.
3-"ذرهم"، يا محمد، يعني: الذين كفروا، "يأكلوا" في الدنيا، "ويتمتعوا"، من لذاتهم "ويلههم"، يشغلهم، "الأمل"، عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة، "فسوف يعلمون"، إذا وردوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا، وهذا تهديد ووعيد.
وقال بعض أهل العلم: "ذرهم" تهديد، وقوله: "فسوف يعلمون" تهديد آخر، فمتى يهنأ العيش بين تهديدين.
والآية نسختها آية القتال.
3."ذرهم"دعهم."يأكلوا ويتمتعوا "بدنياهم ."ويلههم الأمل"ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد ."فسوف يعلمون"سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه، والغرض إقناط الرسول صلى الله عليه وسلم من ارعوائهم وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان ، وإن نصحهم يعد اشتغال بما لا طائل تحته ، وفيه إلزام للحجة وتحذير عن إيثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل .
3. Let them eat and enjoy life, and let (false) hope beguile them. They will come to know!
3 - Leave them alone, to enjoy (the good things of this life) and to please themselves: let (false) hope amuse them: soon will knowledge (undeceive them).