3 - (في أدنى الأرض) أقرب أرض الروم إلى فارس بالجزيرة التقى فيها الجيشان والبادي بالغزو الفرس (وهم) الروم (من بعد غلبهم) أضيف المصدر إلى المفعول أي غلبة فارس إياهم (سيغلبون) فارس
قوله تعالى " في أدنى الأرض " من أرض الشام إلى أرض فارس " وهم من بعد غلبهم " يقول: والروم من بعد غلبة فارس إياهم " سيغلبون " فارس " في بضع سنين لله الأمر من قبل " غلبتهم فارس " ومن بعد " غلبتهم إياها، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم على من أحب إظهاره عليه " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله " يقول: ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين، ونصرة الروم على فارس " ينصر " الله تعالى ذكره " من يشاء " من خلقه، على من يشاء، وهو نصرة المؤمنين على المشركين ببدر " وهو العزيز " يقول: والله الشديد في انتقامه من أعدائه، لا يمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بينه وبينه حائل " الرحيم " بمن تاب من خلقه، وراجع طاعته أن يعذبه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا محمد بن سعيد، أو سعيد الثعلبي الذي يقال له أبو سعد من أهل طرسوس، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان بن سعيد الثوري، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، "عن ابن عباس، قال: كان المسلمون يحبون أن تغلب الروم أهل الكتاب، وكان المشركون يحبون أن يغلب أهل فارس، لأنهم أهل أوثان، قال: فذكروا ذلك لأبي بكر، فذكره أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: أما إنهم سيهزمون، قال: فذكر ذلك أبو بكر للمشركين، قال: فقالوا: أفنجعل بيننا وبينكم أجلاً، فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا، قال: فجعلوا بينهم وبينه أجلاً خمس سنين، قال: فمضت فلم يغلبوا، قال: فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: أفلا جعلته دون العشر" قال سعيد: والبضع ما دون العشر، قال: فغلب الروم، ثم غلبت، قال: فذلك قوله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين " قال: البضع: ما دون العشر " لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله " قال سفيان: فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر
حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري، قال: ثنا موسى بن هارون البردي، قال: ثنا معن بن عيسى، قال: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن، عن ابن شهاب، عن عبيد الله، عن ابن عباس، قال: لما نزلت " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض " ... هلا احتطت فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع. قال الجمحي: المناحبة: المراهنة، وذلك قبل أن يكون تحريم ذلك.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " الم * غلبت الروم " ... إلى قوله " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله " قال: قد مضى كان ذلك في أهل فارس والروم، وكانت فارس قد غلبتهم، ثم غلبت الروم بعد ذلك، ولقي نبي الله صلى الله عليه وسلم مشركي العرب، يوم التقت الروم وفارس، فنصر الله النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين على مشركي العرب، ونصر أهل الكتاب على مشركي العجم، ففرح المؤمنون بنصر الله إياهم ونصر أهل الكتاب على العجم. قال عطية: فسألت أبا سعيد الخدري عن ذلك، فقال: التقينا مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشركي العرب، والتقت الروم وفارس، فنصرنا الله على مشركي العرب، ونصر الله أهل الكتاب على المجوس، ففرحنا بنصر الله إيانا على المشركين وفرحنا بنصر الله أهل الكتاب على المجوس، فذلك قوله " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ".
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، في قوله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون " غلبتهم فارس، ثم غلبت الروم.
حدثني أبو السائب، ثال: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش ، عن مسلم، عن مسروق، قال: قال عبد الله خمس قد مضين: الدخان، واللزام، والبطشة، والقمر، والرومز
حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر، عن ابن مسعود، قال: قد مضى " الم * غلبت الروم ".
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " الم * غلبت الروم " ... إلى قوله " أكثر الناس لا يعلمون " قال: ذكر غلبة فارس إياهم، وإدالة الروم على فارس، وفرح المؤمنون بنصر الروم أهل الكتاب على فارس من أهل الأوثان.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن عكرمة، أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض، قالوا: وأدنى الأرض يومئذ أذرعات، بها التقوا، فهزمت الروم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة، فشق ذلك عليهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، ففرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله " ... الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا؟ فلا تفرحوا، ولا يقرن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الروم على فارس، أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، فقام إليه أبي بن خلف، فقال: كذبت يا أبا فضيل، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: أناحبك عشر قلائص مني، وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت، وإن ظهرت فارس على الروم غرمت إلى ثلاث سنين، ثم جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: ما هكذا ذكرت، إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر، وماده في الأجل، فخرج أبو بكر فلقي أبياً، فقال: لعلك ندمت، فقال: لا، فقال: أزايدك في الخطر، وأمادك في الأجلن فاجعلها مئة قلوص لمئة قلوص إلى تسع سنين، قال: قد فعلت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر، عن عكرمة، قال: كانت في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال، فدعاها كسرى، فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشاً وأستعمل عليهم رجلاً من بنيك، فأشيري علي أيهم أستعمل، فقال: هذا فلان، وهو أروغ من ثعلب، وأحذر من صرد، وهذا فرخان، وهو أنفذ من سنان، وهذا شهربراز، وهو أحلم من كذا، فاستعمل أيهم شئت، قال: إني قد استعملت الحليم، فاستعمل شهربراز، فسار إلى الروم بأهل فارس، وظهر عليهم، فقتلهم، وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم، قال أبو بكر: فحدثت بهذا الحديث عطاء الخراساني فقال: أما رأيت بلاد الشام؟ قالت: لا، قال: أما إنك لو رأيتها، لرأيت المدائن التي خربت، والزيتون الذي قطع، فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته.
قال عطاء الخراساني: ثني يحيى بن يعمر، أن قيصر بعث رجلاً يدعى قطمة بجيش من الروم، وبعث كسرى شهر براز، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إليكم، فلقيت فارس الروم، فغلبتهم فارس، ففرح بذلك كفار قريش، وكرهه المسلمون، فأنزل الله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض " .... الآيات، ثم ذكر مثل حديث عكرمة، وزاد: فلم يزل شهربراز يطؤهم، ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج ثم مات كسرى، فبلغهم موته، فانهزم شهربراز وأصحابه، وأوعبت عليهم الروم عند ذلك، فأتبعوهم يقتلونهم قال: وقال عكرمة في حديثه: لما ظهرت فارس على الروم جلس فرخان يشرب، فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كسرى، فكتب إلى شهربراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان، فكتب إليه: أيها الملك، إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وضرباً في العدو، فلا تفعل. فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفاً منه، فعجل إلي برأسه، فراجعه، فغضب كسرى، فلم يجبه، وبعث بريداً إلى أهل فارس، إني قد نزعت عنكم شهربراز، واستعملت عليكم فرخان، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة: إذا ولي فرخان الملك، وانقاد له أخوه، فأعطه هذه، فلما قرأ شهربراز الكتاب، قال: سمعاً وطاعة، ونزل عن سريره، وجلس فرخان، ودفع الصحيفة إليه، قال: ائتوني بشهربراز، فقدمه ليضرب عنقه، قال: لا تعجل حتى أكتب وصيتي، قال: نعم، فدعا بالسفط، فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد، فرد الملك، وكتب شهربراز إلى قيصر ملك الروم: إن لي إليك حاجة لا يحملها البريد، ولا تبلغها الصحف، فالقني، ولا تلقني إلا في خمسين رومياً، فإني ألقاك في خمسين فارسياً، فأقبل قيصر في خمس مئة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسون رجلاً، ثم بسط لهما، والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما، مع كل واحد منهما سكين، فدعيا ترجماناً بينهما، فقال شهربراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي، بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا، فأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعاً، فنحن نقاتله معك، فقال: قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين، فإذا جاوز اثنين فشا. قال: أجل، فقتلا الترجمان جميعاً بسكينيهما، فأهلك الله كسرى، وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، ففرح ومن معه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " الم * غلبت الروم " قال: غلبتهم فارس على أدنى الشام " وهم من بعد غلبهم سيغلبون " ... الآية، قال: لما أنزل الله هؤلاء الآيات صدق المسلمون ربهم، وعلموا أن الروم سيظهرون على فارس، فاقتمروا هم والمشركون خمس قلائص، خمس قلائص، وأجلوا بينهم خمس سنين، فولي قمار المسلمين أبو بكر رضي الله عنه، وولي قمار المشركين أبي بن خلف وذلك قبل أن ينهى عن القمار، فحل الأجل، ولم يظهر الروم على فارس، وسأل المشركون قمارهم فذكر ذلك أصحاب النبي للنبي صلى الله عليه وسلم قال: لم تكونوا أحقاء أن تؤجلوا دون العشر، فإن البضع ما بين الثلاث إلى العشر، وزايدوهم في القمار، ومادوهم في الأجل، ففعلوا ذلك، فأظهر الله الروم على فارس عند رأس البضع سنين من قمارهم الأول، وكان ذلك مرجعه من الحديبية، ففرح المسلمون بصلحهم الذي كان وبظهور أهل الكتاب على المجوس، وكان ذلك مما شدد الله به الإسلام وهو قوله " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله " ... الآية)
حدثني يعقوب قال: ثنا ابن علية، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي ، في قوله " الم * غلبت الروم " ... إلى قوله " ويومئذ يفرح المؤمنون " قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر الناس بمكة أن الروم ستغلب، قال: فنزل القرآن بذلك، قال: وكان المسلمون يحبون ظهور الروم على فارس، لأنهم أهل الكتاب ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا المحاربي، عن داود بن أبي هند، عن عامر، عن عبد الله، قال: ( كانت فارس ظاهرة على الروم، وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم، وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس، لأنهم أهل كتاب، وهم أقرب إلى دينهم. فلما نزلت " الم * غلبت الروم " ... إلى " في بضع سنين " قالوا: " يا أبا بكر: إن صاحبك يقول: إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين، قال: صدق، قالوا: هل لك أن نقامرك؟ فبايعوه على أربع قلائص، إلى سبع سنين، فمضت السبع، ولم يكن شيء، ففرح المشركون بذلك، وشق على المسلمين، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما بضع سنين عندكم؟ قالوا: دون العشر، قال: اذهب فزايدهم وازدد سنتين قال: فما مضت السنتان، حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس، ففرح المسلمون بذلك، فأنزل الله " الم * غلبت الروم " ... إلى قوله " وعد الله لا يخلف الله وعده " ".
وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبي، عن الأعمش ، ومطر عن أبي الضحى، عن مسروق، عبد الله قال: مضت الروم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض " قال: أدنى الأرض: الشأم " وهم من بعد غلبهم سيغلبون " قال: كانت فارس قد غلبت الروم، ثم أديل الروم على فارس، وذكر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الروم ستغلب فارساً، فقال المشركون: هذا مما يتخرص محمد، فقال أبو بكر: تناجونني: والمناحبة: المجاعلة، قالوا: نعم، فناحبهم أبو بكر، فجعل السنين أربعاً أوخمساً، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن البضع فيما بين الثلاث إلى التسع، فارجع إلى القوم فزد في المناحبة، فرجع إليهم، قالوا: فناحبهم فزاد، قال: فغلبت الروم فارساً، فذلك قول الله " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء " يوم أديلت الروم على فارس ".
حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق الفزاري، عن سفيان، عن حبيب بن أبي عمرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس " الم * غلبت الروم " قال: غلبت وغلبت، فأما الذين قرءوا ذلك ( غلبت الروم) فتح الغين، فإنهم قالوا: نزلت هذه الآية خبراً من الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن غلبة الروم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا نصر بن علي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن سليمان، يعني الأعمش ، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال: لما كان يوم ظهر الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، فنزلت " الم * غلبت الروم " ... إلى آخر الآية.
حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي، قال: ثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش ، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: لما كان يوم بدر، ظهرت الروم على فارس، فأعجب ذلك المؤمنين، لأنهم أهل كتاب، فأنزل الله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض " قال: كانوا قد غلبوا قبل ذلك، ثم قرأ حتى بلغ " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ".
وقوله " في أدنى الأرض " قد ذكرت قول بعضهم فيما تقدم قبل، وأذكر قول من لم يذكر قوله.
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " في أدنى الأرض " يقول: في طرف الشام. ومعنى قوله أدنى: أقرب، وهو أفعل من الدنو والقرب. وإنما معناه: في أدنى الأرض من فارس، فترك ذكر فارس استغناء بدلالة ما ظهر من قوله " في أدنى الأرض " عليه منه. وقوله " وهم من بعد غلبهم " يقول: والروم من بعد غلبة فارس إياهم سيغلبون فارس. وقوله " من بعد غلبهم " مصدر من قول القائل: غلبته غلبة، فحذفت الهاء من الغلبة. وقيل: من بعد غلبهم، ولم يقل: من بعد غلبتهم للإضافة، كما حذفت من قوله ( وإقام الصلاة) ( البقرة: 177 - التوبة: 18) للإضافة. وإنما الكلام: وإقامة الصلاة.
وأما قوله " سيغلبون " فإن القراء أجمعين على فتح الياء فيها، والواجب على قراء من قرأ " الم * غلبت الروم " بفتح الغين، أن يقرأ قوله ( سيغلبون) بضم الياء، فيكون معناه: وهم من بعد غلبتهم فارس سيغلبهم المسلمون، حتى يصح معنى الكلام، وإلا لم يكن للكلام كبير معنى إن فتحت الياء، لأن الخبر عما قد كان يصير إلى الخبر عن أنه سيكون، وذلك إفساد أحد الخبرين بالآخر.
قوله تعالى : " في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون " .
نزلت هذه الايات حين غلب سابور ملك الفرس على بلاد الشام وما والاها من بلاد الجزيرة وأقاصي بلاد الروم. واضطر هرقل ملك الروم حتى ألجأه إلى القسطنطينية وحاصره فيها مدة طويلة, ثم عادت الدولة لهرقل كما سيأتي. قال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو , حدثنا أبو إسحاق عن سفيان عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض " قال غلبت وغلبت, قال: كان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم, لأنهم أصحاب أوثان, وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس, لأنهم أهل كتاب, فذكر ذلك لأبي بكر , فذكره أبو بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم, " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم,أما إنهم سيغلبون فذكره أبو بكر لهم, فقالوا: اجعل بيننا وبينك أجلاً, فإن ظهرنا كان لنا كذا وكذا, وإن ظهرتم كان لكم كذا وكذا, فجعل أجلاً خمس سنين, فلم يظهروا, فذكر ذلك أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم, فقال :ألا جعلتها إلى دون ـ أراه قال العشر ـ" قال سعيد بن جبير : البضع ما دون العشر, ثم ظهرت الروم بعد قال: فذلك قوله " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " هكذا رواه الترمذي والنسائي جميعاً عن الحسين بن حريث عن معاوية بن عمرو , عن أبي إسحاق الفزاري عن سفيان بن سعيد الثوري به. وقال الترمذي : حسن غريب إنما نعرفه من حديث سفيان عن حبيب ورواه ابن أبي حاتم عن محمد بن اسحاق الصاغاني عن معاوية بن عمرو به ورواه ابن جرير : حدثنا محمد بن المثنى , حدثنا محمد بن سعيد أو سعيد الثعلبي , الذي يقال له أبو سعد من أهل طرسوس, حدثنا أبو إسحاق الفزاري فذكره, وعندهم قال سفيان : فبلغني أنهم غلبوا يوم بدر.
(حديث آخر) قال سليمان بن مهران الأعمش عن مسلم عن مسروق قال: قال عبد الله : خمس قد مضين, الدخان, واللزام, والبطشة, والقمر, والروم, أخرجاه. وقال ابن جرير : حدثنا ابن وكيع , حدثنا المحاربي عن داود بن أبي هند , عن عامر ـ هو الشعبي ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان فارس ظاهراً على الروم, وكان المشركون يحبون أن تظهر فارس على الروم. وكان المسلمون يحبون أن تظهر الروم على فارس, لأنهم أهل كتاب وهم أقرب إلى دينهم, فلما نزلت " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين " قالوا: يا أبا بكر إن صاحبك يقول إن الروم تظهر على فارس في بضع سنين ؟ قال: صدق. قالوا: هل لك أن نقامرك ؟ فبايعوه على أربع قلائص إلى سبع سنين, فمضت السبع ولم يكن شيء, ففرح المشركون بذلك, وشق على المسلمين, فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "ما بضع سنين عندكم ؟ قالوا: دون العشر. قال اذهب فزايدهم, وازدد سنتين في الأجل قال: فما مضت السنتان حتى جاءت الركبان بظهور الروم على فارس, ففرح المؤمنون بذلك " , وأنزل الله تعالى: " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ".
(حديث آخر) قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين , حدثنا أحمد بن عمر الوكيعي , حدثنا مؤمن عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: لما نزلت " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون " قال المشركون لأبي بكر : " ألا ترى إلى ما يقول صاحبك يزعم أن الروم تغلب فارس ؟ قال: صدق صاحبي. قالوا: هل لك أن نخاطرك ؟ فجعل بينه وبينهم أجلاً, فحل الأجل قبل أن تغلب الروم فارس , فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فساءه ذلك وكرهه, وقال لأبي بكر : ما دعاك إلى هذا ؟ قال: تصديقاً لله ولرسوله. قال : تعرض لهم وأعظم الخطر واجعله إلى بضع سنين فأتاهم أبو بكر فقال لهم: هل لكم في العود, فإن العود أحمد ؟ قالوا: نعم, فلم تمض تلك السنون حتى غلبت الروم فارس, وربطوا خيولهم بالمدائن وبنوا الرومية, فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا السحت, قال : تصدق به " .
(حديث آخر) قال أبو عيسى الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل , حدثنا إسماعيل بن أبي أويس , أخبرني ابن أبي الزناد عن عروة بن الزبير عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: لما نزلت " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين " فكانت فارس يوم نزلت هذه الاية قاهرين للروم, وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم, لأنهم وإياهم أهل كتاب, وفي ذلك قول الله: " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم " وكانت قريش تحب ظهور فارس, لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب, ولا إيمان ببعث, فلما أنزل الله هذه الاية, خرج أبو بكر يصيح في نواحي مكة " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين " " قال ناس من قريش لأبي بكر : فذاك بيننا وبينكم, زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين,أفلا نراهنك على ذلك ؟ قال: بلى, وذلك قبل تحريم الرهان, فارتهن أبو بكر والمشركون, وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين, فسم بيننا وبينك وسطاً ننتهي إليه ؟ قال: فسموا بينهم ست سنين, قال: فمضت ست السنين قبل أن يظهروا, فأخذ المشركون رهن أبي بكر , فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس: فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين, قال: لأن الله قال في بضع سنين, قال: فأسلم عند ذلك ناس كثير " . هكذا ساقه الترمذي , ثم قال: هذا حديث حسن صحيح, لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد .
وقد روي نحو هذا مرسلاً عن جماعة من التابعين مثل عكرمة والشعبي ومجاهد وقتادة والسدي والزهري وغيرهم, ومن أغرب هذه السياقات ما رواه الإمام سنيد بن داود في تفسيره حيث قال: حدثني حجاج عن أبي بكر بن عبد الله عن عكرمة قال: كان في فارس امرأة لا تلد إلا الملوك الأبطال, فدعاها كسرى فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشاً وأستعمل عليهم رجلاً من بنيك, فأشيري علي أيهم أستعمل ؟! فقالت: هذا فلان وهو أروغ من ثعلب, وأحذر من صقر, وهذا فرخان وهو أنفذ من سنان, وهذا شهريراز وهو أحلم من كذا, تعني أولادها الثلاثة, فاستعمل أيهم شئت, قال: فإني استعملت الحليم, فاستعمل شهريراز فسار إلى الروم بأهل فارس, فظهر عليهم فقتلهم وخرب مدائنهم, وقطع زيتونهم, قال أبو بكر بن عبد الله : فحدثت بهذا الحديث عطاء الخرساني فقال: أما رأيت بلاد الشام ؟ قلت: لا, قال أما إنك لو رأيتها لرأيت المدائن التي خربت والزيتون الذي قطع, فأتيت الشام بعد ذلك فرأيته. قال عطاء الخراساني : حدثني يحيى بن يعمر أن قيصر بعث رجلاً يدعى قطمة بجيش من الروم, وبعث كسرى شهريراز فالتقيا بأذرعات وبصرى, وهي أدنى الشام إليكم, فلقيت فارس الروم فغلبتهم فارس, ففرحت بذلك كفار قريش, وكرهه المسلمون, قال عكرمة : ولقي المشركون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: إنكم أهل كتاب, والنصارى أهل كتاب, ونحن أميون, وقد ظهر إخواتكم من أهل فارس على إخواننا من أهل الكتاب, وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم, فأنزل الله تعالى: " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء " فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا, فلا تفرحوا ولا يقرن الله أعينكم, فوالله ليظهرن الله الروم على فارس, أخبرنا بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم, فقام إليه أبي بن خلف فقال: كذبت يا أبا فضيل, فقال له أبو بكر : أنت أكذب يا عدو الله, فقال: أناحبك عشر قلائص مني وعشر قلائص منك, فإن ظهرت الروم على فارس غرمت, وإن ظهرت فارس غرمت إلى ثلاث سنين, ثم " جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره, فقال :ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع, فزايده في الخطر وماده في الأجل فخرج أبو بكر فلقي أبيا, فقال: لعلك ندمت ؟ فقال: لا, تعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل, فاجعلها مائة قلوص لمائة قلوص إلى تسع سنين, قال: قد فعلت, فظهرت الروم على فارس قبل ذلك, فغلبهم المسلمون " . قال عكرمة : لما أن ظهرت فارس على الروم, جلس فرخان يشرب وهو أخو شهريراز, فقال: لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى, فبلغت كسرى, فكتب كسرى إلى شهريراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان, فكتب إليه: أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان له نكاية وصوت في العدو, فلا تفعل,فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفاً منه, فعجل إلي برأسه. فراجعه, فغضب كسرى فلم يجبه, وبعث بريداً إلى أهل فارس: إني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان, ثم دفع إلى البريد صحيفة لطيفة صغيرة, فقال: إذا ولي فرخان الملك وانقاد إليه أخوه, فأعطه هذه, فلما قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعاً وطاعة, ونزل عن سريره وجلس فرخان, ودفع إليه الصحيفة قال: ائتوني بشهريراز, وقدمه ليضرب عنقه, قال, لا تعجل حتى أكتب وصيتي, قال: نعم, فدعا بالسفط فأعطاه الصحائف, قال: كل هذا راجعت فيك كسرى وأنت أردت أن تقتلني بكتاب واحد, فرد الملك إلى أخيه شهريراز, وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد, ولا تحملها الصحف فالقني ولا تلقني إلا في خمسين رومياً, فإني ألقاك في خمسين فارسياً, فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي, وجعل يضع العيون بين يديه في الطريق, وخاف أن يكون قد مكر به حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلاً, ثم بسط لهما والتقيا في قبة ديباج ضربت لهما, مع كل واحد منهما سكين فدعيا ترجماناً بينهما, فقال شهريراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا, وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت, ثم أمر أخي أن يقتلني وقد خلعناه جميعاً, فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما, ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين, فإذا جاوز اثنين فشا, قال: أجل, فقتلا الترجمان جميعاً بسكينيهما, فأهلك الله كسرى, وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية, ففرح والمسلمون معه. فهذا سياق غريب وبناء عجيب.
ولنتكلم عن كلمات هذه الايات الكريمة, فقوله تعالى: " الم * غلبت الروم " قد تقدم الكلام على الحروف المقطعة في أوائل السور في أول سورة البقرة, وأما الروم فهم من سلالة العيص بن إسحاق بن إبراهيم, وهم أبناء عم بني إسرائيل, ويقال لهم بنو الأصفر, وكانوا على دين اليونان, واليونان من سلالة يافث بن نوح أبناء عم الترك, وكانوا يعبدون الكواكب السيارة السبعة, ويقال لها المتحيرة, ويصلون إلى القطب الشمالي, وهو الذين أسسوا دمشق, وبنوا معبدها, وفيه محاريب إلى جهة الشمال, فكان الروم على دينهم إلى بعد مبعث المسيح بنحو من ثلثمائة سنة, وكان من ملك الشام مع الجزيرة منهم يقال له قيصر, فكان أول من دخل في دين النصارى من الملوك قسطنطين بن قسطس وأمه مريم الهيلانية الفدقانية من أرض حران, كانت قد تنصرت قبله, فدعته إلى دينها, وكان قبل ذلك فيلسوفاً فتابعها, يقال تقية, واجتمعت به النصارى وتناظروا في زمانه مع عبد الله بن أريوس, واختلفوا اختلافاً منتشراً متشتتاً لا ينضبط, إلا أنه اتفق من جماعتهم ثلثمائة وثمانية عشر أسقفاً, فوضعوا لقسطنطين العقيدة, وهي التي يسمونها الأمانة الكبيرة, وإنما هي الخيانة الحقيرة, ووضعوا له القوانين يعنون كتب الأحكام من تحريم وتحليل, وغير ذلك مما يحتاجون إليه, وغيروا دين المسيح عليه السلام, وزادوا فيه ونقصوا منه, فصلوا إلى المشرق, واعتاضوا عن السبت بالأحد, وعبدوا الصليب وأحلوا الخنزير, واتخذوا أعياداً أحدثوها كعيد الصليب والقداس والغطاس وغير ذلك من البواعيث والثعابين, وجعلوا له الباب, وهو كبيرهم, ثم البتاركة, ثم المطارنة, ثم الأساقفة والقساقسة, ثم الشمامسة, وابتدعوا الرهبانية, وبنى لهم الملك الكنائس والمعابد, وأسس المدينة المنسوبة إليه وهي القسطنطينية, يقال إنه بنى في أيامه اثني عشر ألف كنيسة, وبنى بيت لحم بثلاث محاريب, وبنت أمه القمامة, وهؤلاء هم الملكية يعنون الذين هم على دين الملك.
ثم حدثت بعدهم اليعقوبية أتباع يعقوب الأسكاف, ثم النسطورية أصحاب نسطورا, وهم فرق وطوائف كثيرة, كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنهم افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة" والغرض أنهم استمروا على النصرانية, كلما هلك قيصر خلفه آخر بعده حتى كان آخرهم هرقل, وكان من عقلاء الرجال, ومن أحزم الملوك وأدهاهم, وأبعدهم غوراً, وأقصاهم رأياً, فتملك عليهم في رياسة عظيمة وأبهة كبيرة, فناوأه كسرى ملك الفرس وملك البلاد كالعراق وخراسان والري وجميع بلاد العجم, وهو سابور ذو الأكتاف, وكانت مملكته أوسع من مملكة قيصر, وله رياسة العجم, وحماقة الفرس, وكانوا مجوساً يعبدون النار, فتقدم عن عكرمة أنه: بعث إليه نوابه وجيشه فقاتلوه, والمشهور أن كسرى غزاه بنفسه في بلاده, فقهره وكسره وقصره, حتى لم يبق معه سوى مدينة قسطنطينية, فحاصره بها مدة طويلة, حتى ضاقت عليه, وكانت النصارى تعظمه تعظيماً زائداً, ولم يقدر كسرى على فتح البلد, ولا أمكنه ذلك لحصانتها لأن نصفها من ناحية البر, ونصفها الاخر من ناحية البحر, فكانت تأتيهم الميرة والمدد من هنالك, فلما طال الأمر, دبر قيصر مكيدة, ورأى في نفسه خديعة, فطلب من كسرى أن يقلع عن بلاده على مال يصالحه عليه ويشترط عليه ما شاء, فأجابه إلى ذلك, وطلب منه أموالاً عظيمة لايقدر عليها أحد من ملوك الدنيا من ذهب وجواهر وأقمشة وجوار وخدام وأصناف كثيرة, فطاوعه قيصر وأوهمه أن عنده جميع ما طلب, واستقل عقله لما طلب منه ما طلب, ولو اجتمع هو وإياه لعجزت قدرتهما عن جمع عشره, وسأل كسرى أن يمكنه من الخروج إلى بلاد الشام وأقاليم مملكته, ليسعى في تحصيل ذلك من ذخائره وحواصله ودفائنه, فأطلق سراحه, فلما عزم قيصر على الخروج من مدينة قسطنطينة فجمع أهل ملته وقال: إني خارج في أمر قد أبرمته في جند قد عينته من جيشي, فإن رجعت إليكم قبل الحول, فأنا ملككم, وإن لم أرجع إليكم قبلها, فأنتم بالخيار: إن شئتم استمررتم على بيعتي, وإن شئتم وليتم عليكم غيري, فأجابوه بأنك ملكنا مادمت حياً, ولو غبت عشرة أعوام, فلما خرج من القسطنطينية خرج جريدة في جيش متوسط هذا, وكسرى مخيم على القسطنطينية ينتظره ليرجع, فركب قيصر من فوره وسار مسرعاً حتى انتهى إلى بلاد فارس, فعاث في بلادهم قتلاً لرجالها ومن بها من المقاتلة أولاً فأولاً, ولم يزل يقتل حتى انتهى إلى المدائن وهي كرسي مملكة كسرى, فقتل من بها وأخذ جميع حواصله وأمواله, وأسر نساءه وحريمه, وحلق رأس ولده وركبه على حماره, وبعث معه من الأساورة من قومه في غاية الهوان والذلة, وكتب إلى كسرى يقول: هذا ما طلبت فخذه, فلما بلغ ذلك كسرى أخذه من الغم ما لا يحصيه إلا الله تعالى, واشتد حنقه على البلد, فاشتد في حصارها بكل ممكن, فلم يقدر على ذلك, فلما عجز ركب ليأخذ عليه الطريق من مخاضة جيحون التي لا سبيل لقيصر إلى القسطنطينية إلا منها, فلما علم قيصر بذلك, احتال بحيلة عظيمة لم يسبق إليها وهو أنه أرصد جنده وحواصله التي معه عند فم المخاضة, وركب في بعض الجيش, وأمر بأحمال من التبن والبعر والروث, فحملت معه, وسار إلى قريب من يوم في الماء مصعداً, ثم أمر بالقاء تلك الأحمال في النهر, فلما مرت بكسرى ظن وجنده أنهم قد خاضوا من هنالك, فركبوا في طلبهم فشغرت المخاضة عن الفرس, وقدم قيصر فأمرهم بالنهوض والخوض, فخاضوا وأسرعوا السير, ففاتوا كسرى وجنوده, ودخلوا القسطنطينية, فكان ذلك يوماً مشهوداً عند النصارى, وبقي كسرى وجيوشه حائرين لا يدرون ماذا يصنعون, لم يحصلوا على بلاد قيصر, وبلادهم قد خربتها الروم, وأخذوا حواصلهم, وسبوا ذراريهم, ونساءهم, فكان هذا من غلب الروم لفارس, وكان ذلك بعد تسع سنين من غلب الفرس للروم, وكانت الوقعة الكائنة بين فارس والروم حين غلبت الروم بين أذرعات وبصرى على ما ذكره ابن عباس وعكرمة وغيرهما, وهي طرف بلاد الشام مما يلي بلاد الحجاز, وقال مجاهد : كان ذلك في الجزيرة, وهي أقرب بلاد الروم من فارس, فالله أعلم.
ثم كان غلب الروم لفارس بعد بضع سنين وهي تسع, فإن البضع في كلام العرب ما بين الثلاث إلى التسع, وكذلك جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وغيرهما من حديث عبد الله بن عبد الرحمن الجمحي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر في مناحبة " الم * غلبت الروم " الاية "ألا احتطت يا أبا بكر, فإن البضع ما بين ثلاث إلى تسع ؟" ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وروى ابن جرير عن عبد الله بن عمرو أنه قال ذلك,.
وقوله تعالى: "لله الأمر من قبل ومن بعد" أي من قبل ذلك ومن بعده, فبني على الضم لما قطع المضاف, وهو قوله قبل عن الإضافة ونويت " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله " أي للروم أصحاب قيصر ملك الشام على فارس أصحاب كسرى, وهم المجوس, وكانت نصرة الروم على فارس يوم وقعة بدر في قوله طائفة كثيرة من العلماء, كابن عباس والثوري والسدي وغيرهم. وقد ورد في الحديث الذي رواه الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم والبزار من حديث الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: لما كان يوم بدر, ظهرت الروم على فارس, فأعجب ذلك المؤمنين ففرحوا به, وأنزل الله " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ".
وقال الاخرون: بل كان نصر الروم على فارس عام الحديبية. قاله عكرمة والزهري وقتاده وغير واحد. ووجه بعضهم هذا القول بأن قيصر كان قد نذر لئن أظفره الله بكسرى ليمشين من حمص إلى إيليا وهو بيت المقدس, شكراً لله تعالى ففعل, فلما بلغ بيت المقدس لم يخرج منه حتى وافاه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعثه مع دحية بن خليفة, فأعطاه دحية لعظيم بصرى, فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر. فلما وصل إليه سأل من بالشام من عرب الحجاز, فأحضر له أبو سفيان صخر بن حرب الأموي في جماعة من كبار قريش, وكانوا بغزة, فجيء بهم إليه فجلسوا بين يديه. فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي ؟ فقال أبو سفيان: أنا, فقال لأصحابه وأجلسهم خلفه: إني سائل هذا عن هذا الرجل, فإن كذب فكذبوه, فقال أبو سفيان, فو الله لولا أن يأثروا علي الكذب لكذبت, فسأله هرقل عن نسبه وصفته, فكان فيما سأله أن قال: فهل يغدر ؟ قال: قلت لا, ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها, يعني بذلك الهدنة التي كانت قد وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش عام الحديبية على وضع الحرب بينهم عشر سنين, فاستدلوا بهذا على أن نصر الروم على فارس كان عام الحديبية, لأن قيصر إنما وفى بنذره بعد الحديبية, والله أعلم.
ولأصحاب القول الأول أن يجيبوا عن هذا بأن بلاده كانت قد خربت وتشعثت, فما تمكن من وفاء نذره حتى أصلح ما ينبغي له إصلاحه وتفقد بلاده, ثم بعد أربع سنين من نصرته وفى بنذره, والله أعلم, والأمر في هذا سهل قريب, إلا أنه لما انتصرت فارس على الروم ساء ذلك المؤمنين, فلما انتصرت الروم على فارس, فرح المؤمنون بذلك, لأن الروم أهل كتاب في الجملة, فهم أقرب إلى المؤمنين من المجوس, كما قال تعالى: " لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ". وقال تعالى ههنا " ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ". وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة , حدثنا صفوان , حدثنا الوليد , حدثني أسيد الكلابي قال: سمعت العلاء بن الزبير الكلابي يحدث عن أبيه قال: رأيت غلبة فارس الروم, ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس, والروم كل ذلك في خمس عشرة سنة.
وقوله تعالى: "وهو العزيز" أي في انتصاره وانتقامه من أعدائه "الرحيم" بعباده المؤمنين. وقوله تعالى: "وعد الله لا يخلف الله وعده" أي هذا الذي أخبرناك به يا محمد من أنا سننصر الروم على فارس وعد من الله حق, وخبر صدق لا يخلف ولا بد من كونه ووقوعه, لأن الله قد جرت سنته أن ينصر أقرب الطائفتين المقتتلين إلى الحق, ويجعل لها العاقبة "ولكن أكثر الناس لا يعلمون" أي بحكم الله في كونه, وأفعاله المحكمة الجارية على وفق العدل.
وقوله تعالى: " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " أي أكثر الناس ليس لهم علم إلا بالدنيا وأكسابها وشؤونها وما فيها, فهم حذاق أذكياء في تحصيلها ووجوه مكاسبها, وهم غافلون عما ينفعهم في الدار الاخرة كأن أحدهم مغفل لا ذهن له ولا فكرة, قال الحسن البصري : والله لبلغ من أحدهم بدنياه أن يقلب الدرهم على ظفره, فيخبرك بوزنه وما يحسن أن يصلي. وقال ابن عباس في قوله تعالى: " يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون " يعني الكفار يعرفون عمران الدنيا, وهم في أمر الدين جهال.
ومعنى 4- "في أدنى الأرض" في أقرب أرضهم من أرض أرضهم من أرض العرب، أو في أقرب أرض العرب منهم، قيل هي أرض الجزيرة، وقيل أذرعات، وقيل كسكر، وقيل الأردن، وقيل فلسطين، وهذه المواضع هي أقرب إلى بلاد العرب من غيرها وإنما حملت الأرض على أرض العرب لأنها المعهود في ألسنتهم إذا أطلقوا الأرض أرادوا بها جزيرة العرب وقيل إن الألف واللام عوض عن المضاف إليه، والتقدير: في أدنى أرضهم فيعود الضمير إلى الروم، ويكون المعنى: في أقرب أرض الروم من العرب. قال ابن عطية: إن كانت الوقعة بأذرعات فهي من أدنى الأرض بالقياس إلى مكة، وإن كانت الوقعة بالجزيرة فهي أدنى بالقياس إلى أرض كسرى، وإن كانت بالأردن فهي أدنى إلى أرض الروم "وهم من بعد غلبهم سيغلبون" أي والروم من بعد غلب فارس سيغلبون أهل الفرس، والغلب والغلبة لغتان، والمصدر مضاف إلى المفعول على قراءة الجمهور، وإلى الفاعل على قراءة غيرهم. قرأ الجمهور، وإلى الفاعل على قراءة غيرهم. قرأ الجمهور "سيغلبون" مبنياً للفاعل وقرأ علي وأبو سعيد ومعاوية بن قرة وابن عمر وأهل الشام على البناء للمفعول، وابن السميفع من بعد غلبهم بسكون اللام.
3- " الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض "، سبب نزول هذه الآية على -ما ذكره المفسرون:- أنه كان بين فارس والروم قتال، وكان المشركون يودون أن تغلب فارس الروم، لأن أهل فارس كانوا مجوساً أميين، والمسلمون يودون غلبة الروم على فارس، لكونهم أهل كتاب، فبعث كسرى جيشاً إلى الروم واستعمل عليها/ رجلاً يقال له شهريراز، وبعث قيصر جيشاً إلى فارس واستعمل عليهم رجلاً يدعى يحفس، فالتقيا بأذرعات وبصرى، وهي أدنى الشام إلى أرض العرب والعجم، فغلبت فارس الروم، فبلغ ذلك المسلمين بمكة، فشق عليهم، وفرح به كفار مكة، وقالوا للمسلمين: إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل الفرس على إخوانكم من أهل الروم، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار، فقال: فرحتم بظهور إخوانكم، فلا تفرحوا فوالله ليظهرن على فارس على ما أخبرنا بذلك نبينا، فقام إليه أبي بن خلف الجمحي فقال: كذبت، فقال: أنت أكذب يا عدو الله، فقال: اجعل بيننا أجلاً أناحبك عليه- والمناحبة: المراهنة- على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك، فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت، ففعلوا، وجعلوا الأجل ثلاث سنين، فجاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، وذلك قبل تحريم القمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر وماده في الأجل، فخرج أبو بكر ولقي أبياً، فقال: لعلك ندمت؟ قال: لا، فتعال أزايدك في الخطر وأمادك في الأجل، فاجعلها مائة قلوص ومائة قلوص إلى تسع سنين، وقيل إلى سبع سنين، قال قد فعلت. فلما خشي أبي بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة أتاه فلزمه، وقال: إني أخاف أن تخرج من مكة فأقم لي كفيلاً، فكفل له ابنه عبد الله بن أبي بكر، فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحد أتاه عبد الله بن أبي بكر فلزمه، فقال: لا والله لا أدعك حتى تعطيني كفيلاً، فأعطاه كفيلاً. ثم خرج إلى أحد ثم رجع إلى أبي بن خلف فمات بمكة من جراحته التي جرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بارزه، وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين من مناحبتهم. وقيل: كان يوم بدر.
قال الشعبي: لم تمض تلك المدة التي عقدوا المناحبة بين أهل مكة، وفيها صاحب قمارهم أبي بن خلف، والمسلمون وصاحب قمارهم أبو بكر، وذلك قبل تحريم القمار، حتى غلبت الروم فارس وربطوا خيولهم بالمدائن وبنو الرومية فقمر أبو بكر أبياً وأخذ مال الخطر من ورثته، وجاء به يحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: تصدق به.
وكان سبب غلبة الروم فارساً -على ما قال عكرمة وغيره-: أن شهريراز بعدما غلبت الروم لم يزل يطؤهم ويخرب مدائنهم حتى بلغ الخليج، فبينا أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرف فقال لأصحابه: لقد رأيت كأني جالس على سرير كسرى، فبلغت كلمته كسرى، فكتب إلى شهريراز: إذا أتاك كتابي فابعث إلي برأس فرخان، فكتب إليه: أيها الملك إنك لن تجد مثل فرخان، إن له نكاية وصوتاً في العدو، فلا تفعل، فكتب إليه: إن في رجال فارس خلفاً منه، فعجل برأسه، فراجعه فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريداً إلى أهل فارس أني قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان الملك، ثم دفع إلى البريد صحيفة صغيرة أمره فيها بقتل شهريراز، وقال: إذا ولى فرخان الملك وانقاد له أخوه فأعطه، فلما قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعاً وطاعة، ونزل عن سريره وجلس فرخان ودفع إليه الصحيفة، فقال: ائتوني بشهريراز، فقدمه ليضرب عنقه، فقال: لا يعجل علي حتى أكتب وصيتي. قال: نعم، فدعا بالسفط فأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كل هذا راجعت فيك كسرى، وأنت تريد أن تقتلني بكتاب واحد؟ فرد الملك إلى أخيه، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقني، ولا تلقني إلا في خمسين رومياً، فإني ألقاك في خمسين فارسياً. فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، وجعل يضع العيون بين يديه في الطرق، وخاف أن يكون قد مكر به، حتى أتاه عيونه أنه ليس معه إلا خمسون رجلاً، ثم بسط لهما فالتقيا في قبة ديباج ضربت لهما، ومع كل واحد منهما سكين، فدعوا بترجمان بينهما، فقال شهريراز: إن الذين خربوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإن كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي فأبيت، ثم أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعاً فنحن نقاتله معك. قال: قد أصبتما، ثم أشار أحدهما إلى صاحبه أن السر بين اثنين فإذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان معاً بسكينهما، فأديلت الروم على فارس عند ذلك، فاتبعوهم يقتلونهم، ومات كسرى وجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ففرح ومن معه، فذلك قوله عز وجل:
" الم * غلبت الروم * في أدنى الأرض "، أي: أقرب أرض الشام إلى أرض الفرس، قال عكرمة: هي أذرعات وكسكر، وقال مجاهد: أرض الجزيرة. وقال مقاتل: الأردن وفلسطين. "وهم من بعد غلبهم"، أي: الروم من عبد غلبة الفرس إياهم، والغلب والغلبة لغتان، "سيغلبون"، فارساً.
3 -" في أدنى الأرض " أرض العرب منهم لأنها الأرض المعهودة عندهم ، أ, في أدنى أرضهم من العرب واللام بدل من الإضافة . " وهم من بعد غلبهم " من إضافة المصدر إلى المفعول ، وقرئ " غلبهم " وهو لغة كالجلب والجلب . " سيغلبون " .
3. In the nearer land, and they, after their defeat will be victorious
3 - In a land close by; but they, (even) after (This) defeat of theirs, will soon be victorious