3 - (كتاب) خبره (فصلت آياته) بينت بالأحكام والقصص والمواعظ (قرآنا عربيا) حال من كتاب بصفته (لقوم) متعلق بفصلت (يعلمون) يفهمون ذلك وهم العرب
" كتاب فصلت آياته " يقول : كتاب بينت آياته .
كما حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " فصلت آياته " قال : بينت آياته .
وقوله : " قرآناً عربياً " يقول تعالى ذكره : فصلت آياته هكذا .
وقد اختلف أهل العربية في وجه نصب القرآن ، فقال بعض نحويي البصرة قوله : " كتاب فصلت " الكتاب خبر لمبتدأ أخبر أن التنزيل كتاب ، ثم قال " فصلت آياته قرآنا عربياً " شغل الفعل بالآيات حتى صار بمنزلة الفاعل ، فنصب القرآن ، وقال : " بشيراً ونذيراً " على أنه صفة ، وإن شئت جعلت نصبه على المدح كأنه حين ذكره أقبل في مدحته ، فقال : ذكرنا قرآنا عربياً بشيراً ونذيراً ، وذكرناه قرآناً عربياً ، وكان فيما مضى من ذكره دليل على ما أضمر . وقال بعض نحويي الكوفة : نصب قرآناً على الفعل : أي فصلت آياته كذلك . قال : وقد يكون النصب فيه على القطع ، لأن الكلام تام عند قوله < آياته > . قال : ولو كان رفعاً على أنه من نعت الكتاب كان صواباً ، كما قال في موضع آخر " كتاب أنزلناه إليك مبارك " [ ص : 29 ] وقال : وكذلك قوله : " بشيراً ونذيراً " فيه ما في " قرآناً عربياً " .
وقوله : " لقوم يعلمون " يقول : فصلت آيات هذا الكتاب قرآناً عربياً لقوم يعلمون اللسان العربي بشيراً لهم يبشرهم إن هم آمنوا به ، وعملوا بما أنزل فيه من حدود الله وفرائضه بالجنة ، ونذيراً : يقول : ومنذراً من كذب به ولم يعمل بما فيه بأمر الله في عاجل الدنيا ، وخلود الأبد في نار جهنم في آجل الآخرة .
وقوله : " فأعرض أكثرهم " يقول تعالى ذكره : فاستكبر عن الإصغاء له وتدبر ما فيه من حجج الله ، وأعرض عنه أكثر هؤلاء القوم الذين أنزل هذا القرآن بشيراً لهم ونذيراً ، وهم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم " فهم لا يسمعون " يقول : فهم لا يصغون له فيسمعوه إعراضاً عنه واستكباراً .
قوله تعالى : " كتاب فصلت آياته " وهذا قول البصريين . وقال الفراء : يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا . ويجوز أن يقال : ( كتاب ) بدل من قوله ( تنزيل ) وقيل : نعت لقوله : ( تنزيل ) وقيل : ( حم ) أي هذه ( حم ) كما تقول باب كذا ، أي هو باب كذا فـ( حم ) خبر ابتداء مضمر أي هو ( حم ) ، وقوله ( تنزيل ) مبتدأ آخر ، وقوله : ( كتاب ) خبره . ( فصلت آياته ) أي بينت وفسرت . قال قتادة : ببيان حلاله من حرامه ، وطاعته من معصيته . الحسن : بالوعد والوعيد . سفيان : بالثوب والعقاب . وقرئ ( فصلت ) أي فرقت بين الحق والباطل ، أون فصلت بعضها من بعض باختلاف معانيها ، من ولك فصلت أي تباعد من البلد . " قرآنا عربيا " في نصبه وجوه ، وقال الأخفش : هو نصب على المدح . وقيل :على إضمار فعل ، أي اذكر ( قرآنا عربياً ) . وقيل : على إعادة الفعل ، أي فصلنا ( قرآناً عربياً ) . وقيل : على الحال أي ( فصلت آياته ) في حال كونه ( قرآناً عربياً ) وقيل : لما شغل ( فصلت ) بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل انتصب ( قرآنا) لوقوع البيان عليه . وقيل : على القطع . " لقوم يعلمون " قال الضحاك : أي إن القرآن منزل من عند الله . وقال مجاهد : أي يعلموت أنه إليه واحد في التوراة والإنجيل . وقيل يعلمون العربية فيعجزون عن مثله . ولو كان غير عربي لما علموه قلت : هذا أصح والسورة نزلت تقريعاً وتوبيخاً لقريش في إزعاج القرآن .
يقول تعالى: " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم " يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله: "قل نزله روح القدس من ربك بالحق" وقوله: "وإنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين" وقوله تبارك وتعالى: "كتاب فصلت آياته" أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه "قرآناً عربياً" أي في حال كونه قرآناً عربياً بيناً واضحاً فمعانيه مفصلة وألفاظه واضحة غير مشكلة كقوله تعالى: "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير" أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد" وقوله تعالى: "لقوم يعلمون" أي إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون "بشيراً ونذيراً" أي تارة يبشر المؤمنين وتارة ينذر الكافرين "فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون" أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئاً مع بيانه ووضوحه "وقالوا قلوبنا في أكنة" أي في غلف مغطاة "مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر" أي صمم عما جئتنا به "ومن بيننا وبينك حجاب" فلا يصل إلينا شيء مما تقوله "فاعمل إننا عاملون" أي اعمل أنت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك, قال الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده: حدثني ابن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الزيال بن حرملة الأسدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: اجتمعت قريش يوماً فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه فقالوا ما نعلم أحداً غير عتبة بن ربيعة, فقالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال: يا محمد أنت خير أم عبد الله ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أنت خير أم عبد المطلب, فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الالهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك, إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومك منك, فرقت جماعتنا وشتت أمرنا, وعبت ديننا وفضحتنا في العرب, حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً وأن في قريش كاهناً والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى, أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً واحداً, وإن كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشراً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فرغت" قال نعم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بسم الله الرحمن الرحيم " " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم " حتى بلغ " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فقال عتبة حسبك حسبك ما عندك غير هذا, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا" فرجع إلى قريش فقالوا ما وراءك ؟ قال ما تركت شيئاً أرى أنكم تكلمون به إلا كلمته, قالوا فهل أجابك ؟ قال لا والذي نصبها بنية ما فهمت شيئاً مما قاله غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود, قالوا ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال ؟ قال لا والله ما فهمت شيئاً مما قال غير ذكر الصاعقة. وهكذا رواه الحافظ أيو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده مثله سواه, وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح وهو ابن عبد الله الكندي الكوفي وقد ضعف بعض الشيء عن الزيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث إلى قوله: "فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود" فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم, فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد, فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمداً أبداً وقال والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة إلى قوله تعالى: " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخشيت أن ينزل بكم العذاب, وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى والله تعالى أعلم, وقد أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط فقال حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال: حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيداً قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا ؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون, فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه, فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من السلطة في العشيرة والمكان في النسب, وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قل يا أبا الوليد أسمع" قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً, وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا, وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له, حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال: "أفرغت يا أبا الوليد ؟" قال نعم. قال "فاستمع مني" قال أفعل. قال: " بسم الله الرحمن الرحيم " " حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون " ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال "قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك" فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة, يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي خلوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ, فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه, قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. وهذا السياق أشبه من الذي قبله, والله أعلم.
ومعنى 3- "فصلت آياته" بينت أو جعلت أساليب مختلفة، قال قتادة: فصلت ببيان حلاله من حرامه وطاعته من معصيته. وقال الحسن: بالوعد والوعيد. وقال سفيان: بالثواب والعقاب ولا مانع من الحمل على الكل. والجملة في محل نصب صفة لكتاب. وقرئ فصلت بالتخفيف: أي فرقت بين الحق والباطل، وانتصاب "قرآناً عربيا" على الحال أي فصلت آياته حال كونه قرآناً عربياً. وقال الأخفش: نصب على المدح وقيل على المصدرية: أي يقرأه قرآناً، وقيل مفعول ثان لفصلت، وقيل على إضمار فعل يدل عليه فصلت: أي فصلناه قرآناً عربياً "لقوم يعلمون" أي يعلمون معانيه ويفهمونها: وهم أهل اللسان العربي. قال الضحاك أي يعلمون أي يعلمون معانيه ويفهمونها: وهم أهل اللسان العربي. قال الضحاك أي يعلمون أن القرآن منزل من عند الله. وقال مجاهد: أي يعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل، واللام متعلقة بمحذوف صفة أخرى لقرآن: أي كائناً لقوم أو متعلق بفصلت، والأول أولى.
3. " كتاب فصلت آياته "، بينت آياته، " قرآناً عربياً لقوم يعلمون "، اللسان العربي، ولو كان بغير لسانهم ما علموه ونصب قرآناً بوقوع البيان عليه أي: فصلناه قرآناً.
3-" كتاب " وهو على الأولين بدل منه أو خبر آخر أو خبر محذوف ، ولعل افتتاح هذه السور السبع بـ" حم " وتسميتها به لكونها مصدرة ببيان الكتاب متشاكلة في النظم والمعنى ، وإضافة الـ" تنزيل " إلى " الرحمن الرحيم " للدلالة على أنه مناط المصالح الدينية والدنيوية . " فصلت آياته " ميزت باعتبار اللفظ والمعنى . وقرئ " فصلت " أي فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني ، أو فصلت بين الحق والباطل . " قرآناً عربياً " نصب على المدح أو الحال من " فصلت " ، وفيه امتنان بسهولة قراءاته وفهمه . " لقوم يعلمون " أي لقوم يعلمون العربية أو لأهل العلم والنظر ، وهو صفة أخرى لـ" قرآناً " أو صلة لـ" تنزيل " ، أو لـ" فصلت " ، الأول أولى لوقوعه بين الصفات .
3. A scripture whereof the verses are expounded, a Lecture in Arabic for people who have knowledge.
3 - A Book, whereof the verses are explained in detail; a Quran in Arabic, for people who understand;