3 - (الذين يقيمون الصلاة) يأتون بها بحقوقها (ومما رزقناهم) أعطيناهم (ينفقون) في طاعة الله
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: الذين يؤدون الصلاة المفروضة بحدودها، وينفقون مما رزقهم الله من الأموال فيما أمرهم الله أن ينفقوها فيها، من زكاة وجهاد وحج وعمرة، ونفقة على من تجب عليهم نفقته، فيؤدون حقوقهم، " أولئك "، يقول: هؤلاء الذين يفعلون هذه الأفعال، " هم المؤمنون "، لا الذين يقولون بألسنتهم: قد "آمنا "، وقلوبهم منطوية على خلافه نفاقاً، لا يقيمون صلاة، ولا يؤدون زكاة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي، عن ابن عباس: " الذين يقيمون الصلاة "، يقول: الصلوات الخمس، " ومما رزقناهم ينفقون "، يقول: زكاة أموالهم،
"الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون" تقدم في أول سورة البقرة.
قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم". قال: المنافقون لا يدخل قلوبهم شيء من ذكر الله عند أداء فرائضه. ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ولا يتوكلون ولا يصلون إذا غابوا ولا يؤدون زكاة أموالهم, فأخبر الله تعالى أنهم ليسوا بمؤمنين, ثم وصف الله المؤمنين فقال "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" فأدوا فرائضه "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً" يقول زادتهم تصديقاً "وعلى ربهم يتوكلون" يقول لا يرجون غيره. وقال مجاهد "وجلت قلوبهم" فرقت أي فزعت وخافت, وكذا قال السدي وغير واحد, وهذه صفة المؤمن حق المؤمن الذي إذا ذكر الله وجل قلبه أي خاف منه, ففعل أوامره وترك زواجره, كقوله تعالى: " والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ", وكقوله تعالى: "وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى" ولهذا قال سفيان الثوري: سمعت السدي يقول في قوله تعالى: "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم". قال: هو الرجل يريد أن يظلم أو قال يهم بمعصية فيقال له: اتق الله فيجل قلبه, وقال الثوري أيضاً عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء في قوله "إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم" قال: الوجل في القلب كاحتراق السعفة, أما تجد له قشعريرة ؟ قال: بلى. قالت: إذا وجدت ذلك فادع الله عند ذلك, فإن الدعاء يذهب ذلك, وقوله "وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً", كقوله "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً ؟ فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون". وقد استدل البخاري وغيره من الأئمة بهذه الاية وأشباهها على زيادة الإيمان وتفاضلة في القلوب, كما هو مذهب جمهور الأمة, بل قد حكى الإجماع عليه غير واحد من الأئمة كالشافعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد, كما بينا ذلك مستقصى في أول شرح البخاري, ولله الحمد والمنة, "وعلى ربهم يتوكلون " أي لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه ولا يلوذون إلا بجنابه, ولا يطلبون الحوائج إلا منه, ولا يرغبون إلا إليه, ويعلمون أنه ما شاء كان, وما لم يشأ لم يكن, وأنه المتصرف في الملك, وحده لا شريك له ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب, ولهذا قال سعيد بن جبير: التوكل على الله جماع الإيمان. وقوله "الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون" ينبه تعالى بذلك على أعمالهم بعدما ذكر اعتقادهم وهذه الأعمال تشمل أنواع الخير كلها, وهو إقامة الصلاة وهو حق الله تعالى, وقال قتادة: إقامة الصلاة المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها, وقال مقاتل بن حيان: إقامتها المحافظة على مواقيتها وإسباغ الطهور فيها وتمام ركوعها وسجودها وتلاوة القرآن فيها والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هذا إقامتها, والإنفاق مما رزقهم الله يشمل إخراج الزكاة وسائر الحقوق للعباد من واجب ومستحب. والخلق كلهم عيال الله فأحبهم إلى الله أنفعهم لخلقه. قال قتادة في قوله "ومما رزقناهم ينفقون", فأنفقوا مما رزقكم الله فإنما هذه الأموال عواري وودائع عندك يا ابن آدم أوشكت أن تفارقها.
وقوله "أولئك هم المؤمنون حقاً", أي المتصفون بهذه الصفات هم المؤمنون حق الإيمان. وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا أبو كريب حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال عن محمد بن أبي الجهم, عن الحارث بن مالك الأنصاري, أنه مر برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: "كيف أصبحت يا حارث ؟" قال: أصبحت مؤمناً حقاً, قال: "انظر ما تقول, فإن لكل شيء حقيقة, فما حقيقة إيمانك ؟" فقال: عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري, وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً, وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها, وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها. فقال: "يا حارث عرفت فالزم" ثلاثاً. وقال عمرو بن مرة في قوله تعالى: "أولئك هم المؤمنون حقاً" إنما أنزل القرآن بلسان العرب كقولك فلان سيد حقاً, وفي القوم سادة. وفلان تاجر حقاً, وفي القوم تجار. وفلان شاعر حقاً, وفي القوم شعراء. وقوله "لهم درجات عند ربهم" أي منازل ومقامات ودرجات في الجنات كما قال تعالى: "هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون" "ومغفرة" أي يغفر لهم السيئات ويشكر لهم الحسنات. وقال الضحاك في قوله "لهم درجات عند ربهم" أهل الجنة بعضهم فوق بعض, فيرى الذي هو فوق فضله على الذي هو أسفل منه, ولا يرى الذي هو أسفل منه أنه فضل عليه أحد, ولهذا جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إن أهل عليين ليراهم من أسفل منهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق من آفاق السماء". قالوا: يا رسول الله, تلك منازل الأنبياء لا ينالها غيرهم فقال: "بلى والذي نفسي بيده, لرجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين". وفي الحديث الاخر الذي رواه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث أبي عطية عن ابن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أهل الجنة ليتراءون أهل الدرجات العلى كما تراءون الكوكب الغابر في أفق السماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما".
والموصول في قوله: 3- "الذين يقيمون الصلاة" في محل رفع على أنه وصف للموصول الذي قبله، أو بدل منه أو بيان له أو في محل نصب على المدح، وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه، و من في "مما" للتبعيض.
3- " الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون " .
3. " الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون" .
3. Who establish worship and spend of that We have bestowed on them.
3 - Who establish regular prayers and spend (freely) out of the gifts we have given them for sustenance: