اذكر (يوم تجد كل نفس ما عملتـ) ـه (من خير محضراً وما عملتـ) ـه (من سوء) مبتدأ خبره (تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) غاية في نهاية البعد فلا يصل إليها (ويحذركم الله نفسه) كرر للتأكيد (والله رؤوف بالعباد)
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ويحذركم الله نفسه في يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً موفراً، "ما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا"، يعني غاية بعيدة، فإن مصيركم أيها القوم يومئذ إليه، فاحذروه على أنفسكم من ذنوبكم.
وكان قتادة يقول في معنى قوله: "محضرا"، ما:
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا"، يقول: موفراً.
قال أبو جعفر: وقد زعم [بعض] أهل العربية أن معنى ذلك: واذكر يوم تجد. وقال: إن ذلك إنما جاء كذلك، لأن القرآن إنما نزل للأمر والذكر، كأنه قيل لهم: اذكروا كذا وكذا، لأنه في القرآن في غير موضع: واتقوا يوم كذا، وحين كذا.
وأما "ما" التي مع "عملت"، فبمعنى الذي، ولا يجوز أن تكون جزاءً، لوقوع "تجد" عليه. وأما قوله: "وما عملت من سوء"، فإنه معطوف على قوله: "ما" الأولى، و"عملت" صلة بمعنى الرفع، لما قيل: "تود".
فتأويل الكلام: يوم تجد كل نفس الذي عملت من خير محضراً، والذي عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً.
والأمد الغاية التي ينتهي إليها، ومنه قول الطرماح:
كل حي مستكمل عدة العمـ ـر، ومود إذا انقضى أمده
يعني: غاية أجله، وقد:
حدثني موسى بن هارون قال، حدثنا عمرو قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله : "وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا"، مكاناً بعيداً.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج: "أمدا بعيدا"، قال: أجلاً.
حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي قال، حدثنا عباد بن منصور، عن الحسن في قوله: "وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا"، قال: يسر أحدهم أن لا يلقى عمله ذاك أبداً، بكون ذلك مناه. وأما في الدنيا فقد كانت خطيئةً يستلذها.
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: "ويحذركم الله نفسه": أن تسخطوها عليكم بركوبكم ما يسخطه عليكم، فتوافونه يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً، وهو عليكم ساخط، فينالكم من أليم عقابه ما لا قبل لكم به.
ثم أخبر عز وجل أنه رؤوف بعباده رحيم بهم، وأن من رأفته بهم: تحذيره إياهم نفسه، وتخويفهم عقوبته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معاصيه، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمرو، عن الحسن في قوله: "ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد"، قال: من رأفته بهم أن حذرهم نفسه.
(( يوم )) منصوب متصل بقوله : " ويحذركم الله نفسه " . وقيل ك هو متصل بقوله : وإلى الله المصير يوم تجد . وقيل : هو متصل بقوله : والله على كل شيء قدير بوم تجد ويجوز أن يكون منقطعا على إضمار اذكر ، ومثله قوله : إن الله عزيز ذو انتقام يوم تبدل الأرض ومحضرا حال من الضمير المحذوف من صلة ما تقديره يوم تجد كل نفس ما عملته من خير محضرا . هذا على أن يكون تجد من وجدان الضالة . وما من قوله : وما عملت من سوء عطف على ما الأولى . و تود في موضع الحال من ما الثانية . وإن جعلت تجد . بمعنى تعلم كان محضرا المفعول الثاني ، وكذلك تكون تود في موضع المفعول الثاني ، تقديره يوم تجد كل نفس جزاء ما عملت محضرا . ويجوز أن تكون ما الثانية رفعا بالابتداء ، و تود في موضع رفع على أنه خير الابتداء ، ولا يصح أن تكون ما بمعنى الجزاء ، لأن تود مرفوع ، ولو كان ماضيا لجاز أن يكون جزاء ، وكان يكون معنى الكلام : وما عملت من سوء ودت لو أن بينهما وبينه أمدا بعيدا ، أي كما بين المشرق والمغرب . ولا يكون المستقبل إذا جعلت ما للشرط إلا مجزوما ، إلا أن تحمله على تقدير حذف الفاء ، على تقدير : وما عملت من سوء فهي تود . أبو علي : هو قياس قول الفراء عندي ، لأنه قال في قوله تعالى : وإن أطعتموهم إنكم لمشركون على الأمد ، أي غلب سابقا . قال النابغة:
إلا لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد
والأمد : الغضب . يقال : أمد أمدا ، إذا غضب غضبا .
يخبر تبارك وتعالى عباده أنه يعلم السرائر والضمائر والظواهر, وأنه لا يخفى عليه منهم خافية, بل علمه محيط بهم في سائر الأحوال والأزمان والأيام واللحظات وجميع الأوقات, وجميع ما في الأرض والسموات لا يغيب عنه مثقال ذرة, ولا أصغر من ذلك في جميع أقطار الأرض والبحار والجبال, "والله على كل شيء قدير" أي وقدرته نافذة في جميع ذلك, وهذا تنبيه منه لعباده على خوفه وخشيته لئلا يرتكبوا ما نهى عنه وما يبغضه منهم, فإنه عالم بجميع أمورهم, وهو قادر على معاجلتهم بالعقوبة, وإن أنظر من أنظر منهم, فإنه يمهل, ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر, ولهذا قال بعد هذا "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً" الاية, يعني يوم القيامة يحضر للعبد جميع أعماله من خير ومن شر, كما قال تعالى " ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر " فما رأى من أعماله حسناً سره ذلك وأفرحه, وما رأى من قبيح ساءه وغاظه وود لو أنه تبرأ منه وأن يكون بينهما أمد بعيد, كما يقال لشيطانه الذي كان مقروناً به في الدنيا, وهو الذي جرأه على فعل السوء " يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين", ثم قال تعالى مؤكداً ومهدداً ومتوعداً "ويحذركم الله نفسه" أي يخوفكم عقابه, ثم قال جل جلاله مرجياً لعباده لئلا ييئسوا من رحمته ويقنطوا من لطفه "والله رؤوف بالعباد" قال الحسن البصري : من رأفته بهم حذرهم نفسه وقال غيره: أي رحيم بخلقه يحب لهم أن يستقيموا على صراطه المستقيم ودينه القويم وأن يتبعوا رسوله الكريم.
قوله 30- "يوم تجد" منصوب بقوله "ويحذركم الله نفسه" وقيل بمحذوف: أي اذكر، و"محضراً" حال، وقوله "وما عملت من سوء" معطوف على ما الأولى: أي وتجد ما عملت من سوء محضراً تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً. فحذف محضراً لدلالة الأول عليه، وهذا إذ كان تجد من وجدان الضالة، وأما إذا كان من وجد بمعنى علم كان محضراً هو المفعول الثاني، ويجوز أن يكون قوله "وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً" جملة مستأنفة، ويكون ما في ما عملت مبتدأ ويود خبره. والأمد: الغاية، وجمعه آماد: أي تود لو أن بينها وبين ما عملت من السوء أمداً بعيداً، وقيل إن قوله "يوم تجد" منصوب بقوله "تود" والضمير في قوله "وبينه" لليوم، وفيه بعد، وكرر قوله "ويحذركم الله نفسه" للتأكيد وللاستحضار ليكون هذا التهديد العظيم على ذكر منهم، وفي قوله "والله رؤوف بالعباد" دليل على أن هذا التحذير الشديد مقترن بالرأفة منه سبحانه بعباده لطفاً بهم. وما أحسن ما يحكي عن بعض العرب أنه قيل له: إنك تموت وتبعث وترجع إلى الله فقال: أتهددونني بمن لم أر الخير قط إلا منه.
وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كان الحجاج بن عمرو حليف كعب بن الأشرف وابن أبي الحقيق وقيس بن زيد قد بطنوا بنفر من الأنصار ليفتنوهم عن دينهم، فقال رفاعة بن المنذر وعبد الله بن جبير وسعد بن خثمة لأولئك النفر: فأنزل الله فيهم "لا يتخذ المؤمنون الكافرين" إلى قوله "والله على كل شيء قدير". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عنه قال: نهى الله المؤمنين أن يلاطفوا الكفار ويتخذوهم وليجة من دون المؤمنين، إلا أن يكون الكفار عليهم ظاهرين فيظهرون لهم اللطف ويخالفونهم في الدين، وذلك قوله تعالى: "إلا أن تتقوا منهم تقاة". وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي "ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء" فقد برئ الله منه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله "إلا أن تتقوا منهم تقاة" قال: التقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به، وهو معصية الله فيتكلم به مخافة الناس وقلبه مطمئن بالإيمان فإن ذلك لا يضره، إنما التقية باللسان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عنه في الآية قال: التقاة التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان، ولا يبسط يده فيقتل ولا إلى إثم فإنه لا عذر له. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: التقية باللسان، وليس بالعمل. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة "إلا أن تتقوا منهم تقاة" قال: إلا أن يكون بينك وبينه قرابة فتصله لذلك. وأخرج عبد بن حميد والبخاري عن الحسن قال: التقية جائزة إلى يوم القيامة. وحكى البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا نبش في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم، ويدل على جواز التقية قوله تعالى "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم" ومن القائلين بجواز التقية باللسان أبو الشعثاء والضحاك والربيع بن أنس. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله "قل إن تخفوا" الآية قال: أخبرهم أنه يعلم ما أسروا وما أعلنوا. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله محضراً، يقول: موفراً. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: يسر أحدكم أن لا يلقى عمله ذلك أبداً، يكون ذلك مناه. وأما في الدنيا فقد كانت خطيئته يستلذها. وأخرجا أيضاً عن السدي "أمداً بعيداً" قال: مكاناً بعيداً. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أمداً قال: أجلاً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله "ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد" قال: من رأفته بهم حذرهم نفسه.أخرج
30-قوله تعالى"يوم تجد كل نفس" نصب يوماً بنزع حرف الصفة أي في يوم ، وقيل: بإضماء فعل أي : اذكروا واتقوا يوم تجد كل نفس" ما عملت من خير محضرا " لم يبخص منه شئ ، كما قال الله تعالى :"ووجدوا ما عملوا حاضراً"(49-الكهف) "وما عملت من سوء" جعله بعضهم خبراً في موضع النصب،أي تجد محضراً ماعملت من الخير(والشر فتسر بما عملت من الخير) وجعله بعضهم خبراً مستانفاً ، دليل هذا التاويل : قراءة ابن مسعود رضي الله عنهما وما عملت من سوء ودت لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً.
قوله تعالى " تود لو أن بينها " أي بين النفس " وبينه" يعني وبين السوء"أمداً بعيداً" قال السدي : مكاناً بعيداً، وقال مقاتل : كما بين المشرق والمغرب ، والأمد الأجل والغاية التي ينتهي إليها ، وقال الحسن : يسر أحدهم أن لا يلقي عمله أبداً ، وقيل يود أنه لم يعمله "ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد".
30"يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً" "يوم" منصوب بتود أي تتمنى كل نفس يوم تجد صحائف أعمالها، أو جزاء أعمالها من الخير والشر حاضرة لو أن بينها وبين ذلك اليوم، وهو له أمداً بعيداً، أو بمضمر نحو اذكر، و "تود" حال من الضمير في عملت أو خبر لما عملت من سوء وتجد مقصور على "ما عملت من خير" ولا تكون "ما" شرطية لارتفاع "تود". وقريء "ودت" وعلى هذا يصح أن تكون شرطية ولكن الحمل على الخبر أوقع معنى لأنه حكاية كائن وأوفق للقراءة المشهورة. "ويحذركم الله نفسه" كرره للتأكيد والتذكير. "والله رؤوف بالعباد" إشارة إلى أن الله تعالى إنما نهاهم رأفة بهم ومراعاة لصلاحهم، أو أنه لذو مغفرة وذو عقاب أليم فترجى رحمته ويخشى عذابه.
30. On the day when every soul will find itself confronted with all that it hath done of good and all' that it hath done of evil (every soul) will long that there might be a mighty apace of distance between it and that (evil). Allah biddeth you beware of Him. And Allah is full of pity for (His) bondmen.
30 - On the day when every soul will be confronted with all the good it has done, it will wish there where a great distance between it and its evil. but God caution you (to remember) himself. and God is full of kindness to those that serve him.