30 - (أم) بل (يقولون) هو (شاعر نتربص به ريب المنون) حوادث الدهر فيهلك كغيره من الشعراء
أخرج ابن جرير عن ابن عباس أن قريشا لما اجتمعوا في دار الندرة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك كما هلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة فإنما هو كأحدهم فأنزل الله في ذلك أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون
وقوله " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " يقول جل ثناؤه : بل يقول المشركون يا محمد لك : هو شاعر نتربص به حوادث الدهر يكفيناه بموت او حادثة متلفة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل وإن اختلفت عباراتهم عنه فقال بعضهم فيه كالذي قلنا وقال بعضهم : هو الموت .
ذكر من قال : عني " ريب المنون " : حوادث الدهر .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله " ريب المنون " قال : حوادث الدهر .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان قال : قال مجاهد " ريب المنون " حوادث الدهر .
ذكر من قال : عني به الموت .
حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله " ريب المنون " يقول : الموت .
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال : ثني عمي قال : ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " نتربص به ريب المنون " قال : يتربصون به الموت .
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " قال : قال ذلك قائلون من الناس : تربصوا بمحمد صلى الله عليه وسلم الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة في قوله " ريب المنون " قال : هو الموت نتربص به الموت كما مات شاعر بني فلان وشاعر بني فلان .
وحدثني سعيد بن يحيى الأموي قال : ثني أبي قال : ثنا محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس أن قريشاً لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم : احبسوه في وثاق ثم تربصوا به المنون حتى يهلك من قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم فأنزل الله في ذلك من قولهم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " نتربص به ريب المنون " الموت وقال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها سيهلك عنها بعلها أو تسرح
وقال آخرون : معنى ذلك : ريب الدنيا وقالوا : المنون : الموت .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن أبي سنان " ريب المنون " قال : ريب الدنيا والمنون : الموت .
قوله تعالى " أم يقولون شاعر " أي بل يقولون محمد شاعر قال سيبويه خوطب العباد بما جرى في كلامهم قال أبو جعفر النحاس وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبين ولا مشروح يريد سيبويه أن أم في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث كما قال :
أتهجر غانية أم تلم
فتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال:
أم الحبل واه بها منجذم
فما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث والنحويون يمثلونها ببل . "نتربص به ريب المنون " قال قتادة قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان قال الضحاك هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر أي يهلك عن قريب كما هلك من قبل من الشعراء وأن أباه مات شابا فربما يموت كما مات أبوه . وقال الأخفش نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر كما تقول : قصدت زيدا وقصدت إلى زيد . والمنون : الموت في قول ابن عباس قال أبو الغول الطهوي :
هم منعوا حمى الوقبى بضرب يؤلف بين أشتات المنون
أي المنايا يقول إن الضرب يجمع بين قوم متفرقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم لأتتهم متفرقة ، فاجتمعوا في موضع واحد فأتتهم المنايا مجتمعة . وقال السدي عن أبي مالك عن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكانا واحدا في الطور "ريب المنون" يعني حوادث الأمور وقال الشاعر :
تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوما أو يموت حليلها
وقال مجاهد "ريب المنون" حوادث الدهر والمنون هو الدهر قال أبو ذؤيب:
أمن المنون وريبه تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
وقال الأعشى :
أأن رأت رجلا أعشى أضر به ريب المنون ودهر متبل خبل
قال الأصمعي المنون الليل والنهار وسميا بذلك لأنهما ينقصان الأعمار ويقطعان الآجال . وعنه أنه قيل للدهر منون لأنه يذهب بمنة الحيوان أي قوته وكذلك المنية أبو عبيدة قيل للدهر منون لأنه مضعف من قولهم حبل منين أي ضعيف والمنين الغبار الضعيف . قال الفراء : والمنون مؤنثة وتكون واحدا وجمعا . الأصمعي المنون واحد لا جماعة له الأخفش: هو جماعة لا واحد له والمنون يذكر ويؤنث فمن ذكره جعله الدهر أو الموت ومن أنثه فعلى الحمل على المعنى كأنه أراد المنية .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ رسالته إلى عباده, وأن يذكرهم بما أنزل الله عليه, ثم نفى عنه ما يرميه به أهل البهتان والفجور فقال: "فذكر فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون" أي لست بحمد الله بكاهن كما تقوله الجهلة من كفار قريش, والكاهن الذي يأتيه الرئي من الجان بالكلمة يتلقاها من خبر السماء "ولا مجنون" وهو الذي يتخبطه الشيطان من المس. ثم قال تعالى منكراً عليهم في قولهم في الرسول صلى الله عليه وسلم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " أي قوارع الدهر, والمنون الموت, يقولون ننتظره ونصبر عليه حتى يأتيه الموت فنستريح منه ومن شأنه, قال الله تعالى: "قل تربصوا فإني معكم من المتربصين" أي انتظروا فإني منتظر معكم, وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والاخرة. قال محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قريشاً لما اجتمعوا في دار الندوة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال قائل منهم: احتبسوه في وثاق وتربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء زهير والنابغة إنما هو كأحدهم, فأنزل الله تعالى ذلك من قولهم " أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ".
ثم قال تعالى: "أم تأمرهم أحلامهم بهذا" أي عقولهم تأمرهم بهذا الذي يقولونه فيك من الأقاويل الباطلة التي يعلمون في أنفسهم أنها كذب وزور "أم هم قوم طاغون" أي ولكن هم قوم طاغون ضلال معاندون, فهذا هو الذي يحملهم على ما قالوه فيك . وقوله تعالى: "أم يقولون تقوله ؟" أي اختلقه وافتراه من عند نفسه يعنون القرآن, قال الله تعالى: "بل لا يؤمنون" أي كفرهم هو الذي يحملهم على هذه المقالة "فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين" أي إن كانوا صادقين في قولهم تقوله وافتراه, فليأتوا بمثل ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من هذا القرآن, فإنهم لو اجتمعوا هم وجميع أهل الأرض من الجن والإنس ما جاءوا بمثله, ولا بعشر سور من مثله, ولا بسورة من مثله.
30- "أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون" أم هي المنقطعة، وقد تقدم الخلاف هل هي مقدرة ببل والهمزة، أو ببل وحدها. قال الخليل: هي هنا للاستفهام. قال سيبويه: خوطب العباد بما جرى في كلامهم. قال النحاس: يريد سيبويه أن أم في كلام العرب للخروج من حديث إلى حديث، ونتربص في محل رفع صفة لشاعر، وريب المنون: صرف الدهر، والمعنى: ننتظر به حوادث الأيام فيموت كما مات غيره، أو يهلك كما هلك من قبله، والمنون يكون بمعنى الدهر، ويكون بمعنى المنية. قال الأخفش: المعنى نتربص إلى ريب المنون، فحذف حرف الجر، كما تقول: قصدت زيداً وقصدت إلى زيد، ومن هذا قول الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها تطلق يوماً أو يموت خليلها
وقول أبي ذؤيب الهذلي:
أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع
قال الأصمعي: المنون راحد لا جمع له. قال الفراء: يكون واحداً وجمعاً. وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له.
30. " أم يقولون "، بل يقولون، يعني: هؤلاء المقتسمين الخراصين، " شاعر "، أي: هو شاعر، " نتربص به ريب المنون "، حوادث الدهر وصروفه فيموت ويهلك كما هلك من قبله من الشعراء، ويتفرق أصحابه وإن أباه مات شاباً ونحن نرجو أن يكون موته كموت أبيه، و ((المنون)) يكون بمعنى الدهر، ويكون بمهنى الموت، سميا بذلك لأنهما يقطعان الأجل.
30-" أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون " ما يقلق النفوس من حوادث الدهر ، وقيل ، " المنون " الموت فعول من منه إذا قطعه .
30. Or say they: (he is) a poet, (one) for whom we may expect the accident of time?
30 - Or do they say: A Poet! we await for him some calamity (hatched) by time!