31 - ونزل لما قالوا له إن كنت نبياً فسيِّر عنا جبال مكة ، واجعل لنا فيها أنهاراً وعيوناً لنغرس ونزرع وابعث لنا آباءنا الموتى يكلموننا أنك نبي : (ولو أن قرآنا سُيِّرت به الجبال) نقلت عن أماكنها (أو قُطِّعت) شققت (به الأرض أو كُلِّم به الموتى) بأن يحيوا لما آمنوا (بل لله الأمر جميعاً) لا لغيره فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه دون غيره إن أوتوا ما اقترحوا ، ونزل لما أراد الصحابة إظهار ما اقترحوا طمعاً في إيمانهم (أفلم ييأس) يعلم (الذين آمنوا أن) مخففة أي أنه (لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً) إلى الإيمان من غير آية (ولا يزال الذين كفروا) من أهل مكة (تصيبهم بما صنعوا) بصنعهم أي كفرهم (قارعة) داهية تقرعهم بصنوف البلاء من القتل والأسر والحرب والجدب (أو تحُلُّ) يا محمد بجيشك (قريباً من دارهم) مكة (حتى يأتي وعد الله) بالنصر عليهم (إن الله لا يخلف الميعاد) وقد حل بالحديبية حتى أتى فتح مكة
وأخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس قال قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن كان كما تقول فأرنا أشياخنا الأول نكلمهم من الموتى وافسح لنا هذه الجبال جبال مكة التي قد ضمتنا فنزلت ولو أن قرآنا سيرت به الجبال الآية
ك وأخرج بن أبي حاتم وابن مردويه عن عطية العوفي قال قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح أو أحييت لنا الموتى
كما كان عيسى يحيي الموتى فأنزل الله ولو أن قرآنا الآية
قال ابو جعفر : يقول تعالى ذكره : "ولا يزال" ، يا محمد ، "الذين كفروا" ، من قومك ، "تصيبهم بما صنعوا" ، من كفرهم بالله ، وتكذيبهم إياك ، وإخراجهم لك من بين أظهرهم ، "قارعة" ، وهي ما يقرعهم من البلاء والعذاب والنقم ، بالقتل أحياناً ، وبالحروب أحياناً ، والقحط أحياناً ، "أو تحل" ، أنت يا محمد ، يقول : أو تنزل أنت ، "قريبا من دارهم" ، بجيشك وأصحابك ، "حتى يأتي وعد الله" ، الذي وعدك فيهم ، وذلك ظهورك عليهم ، وفتحك أرضهم ، وقهرك إياهم بالسيف ، "إن الله لا يخلف الميعاد" ، يقول : إن الله منجزك ، يا محمد ، ما وعدك من الظهور عليهم ، لأنه لا يخلف وعده .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا أبو داود قال ، حدثنا المسعودي عن قتادة عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : سرية : "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : يا محمد ، "حتى يأتي وعد الله" ، قال : فتح مكة .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن المسعودي ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، بنحوه ، غير أنه لم يذكر سرية .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا أبو قطن قال ، حدثنا المسعودي ، عن قتادة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : تلا هذه الآية : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : القارعة ، السرية ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : هو محمد صلى الله عليه وسلم ، "حتى يأتي وعد الله" ، قال : فتح مكة .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو غسان قال ، حدثنا زهير : أن خصيفاً حدثهم ، عن عكرمة في قوله : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : نزلت بالمدينة في سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، "أو تحل" ، أنت يا محمد ، "قريبا من دارهم" .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثني أبي ، عن النضر بن عربي ، عن عكرمة : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : سرية ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : أنت يا محمد .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، يقول : عذاب من السماء ينزل عليهم ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، يعني نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، تصاب منهم سرية ، أو تصاب منهم مصيبة ـ أو يحل محمد قريباً من دارهم ـ وقوله : "حتى يأتي وعد الله" ، قال : الفتح .
حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج قال ، حدثنا حماد بن زيد ،، عن عبد الله بن أبي نجيح : "أو تحل قريبا من دارهم" ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .
حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال حدثني حجاج ، عن ابن جريج، مجاهد ، نحو حديث الحسن ، عن شبابة .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا قيس ، عن خصيف ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : "قارعة" ، قال : السرايا .
قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عبد الغفار ، عن منصور ،عن مجاهد : "قارعة" ، قال : مصيبة من محمد ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : أنت يا محمد ، "حتى يأتي وعد الله" ، قال : الفتح .
قال ، حدثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد : "قارعة" ، قال : كتيبة .
قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا عمرو بن ثابت ، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير : "تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : سرية ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : انت يا محمد .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، أي: بأعمالهم أعمال السوء ، وقوله : "أو تحل قريبا من دارهم" ، أنت يا محمد ، "حتى يأتي وعد الله" ، ووعد الله ، فتح مكة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "قارعة" ، قال : وقيعة ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : يعني النبي صلى الله عليه وسلم . يقول : أو تحل أنت قريباً من دارهم .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا محمد بن طلحة ، عن طلحة ، عن مجاهد : "تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : سرية .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد : "تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : السرايا ، كان يبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ، "أو تحل قريبا من دارهم" ، أنت يا محمد ، "حتى يأتي وعد الله" ، قال : فتح مكة .
قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا إسرائيل ، عن بعض أصحابه ، عن مجاهد : "تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : كتيبة .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" ، قال : قارعة من العذاب .
وقال آخرون : معنى قوله :"أو تحل قريبا من دارهم" ، تحل القارعة قريباً من دارهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال ، قال الحسن : "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : أو تحل القارعة قريباً من دارهم .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عنالحسن قال : "أو تحل قريبا من دارهم" ، قال : أو تحل القارعة .
وقال آخرون في قوله : "حتى يأتي وعد الله" ، هو يوم القيامة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، حدثنا معلى بن أسد قال ، حدثنا إسماعيل بن حكيم ، عن رجل قد سماه ، عن الحسن في قوله : "حتى يأتي وعد الله" ، قال : يوم القيامة .
قوله تعالى: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " هذا متصل بقوله: " لولا أنزل عليه آية من ربه " ( الرعد: 27). وذلك " أن نفراً من مشركي مكة فيهم أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية المخزومتان جلسوا خلف الكعبة، ثم أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاهم، فقال له عبد الله: إن سرك أن نتبعك فسير لنا جبال مكة بالقرآن، فأذهبها عنا حتى تنفسخ، فإنها أرض ضيقة، واجعل لنا فيها عيوناً وأنهاراً، حتى تغرس ونزرع، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود حين سخر له الجبال تسير معه، وسخر لنا الريح فنركبها إلى الشام نقضي عليها ميرتنا وحوائجنا، ثم نرجع من يومنا، فقد كان سليمان سخرت له الريح كما زعمت، فلست بأهون على ربك من سليمان بن داود، وأحي لنا قصيا جدك، أو من شئت أنت من موتانا نسأله، أحق ما تقول أنت أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيى الموتى، ولست بأهون على الله منه، فأنزل الله تعالى: ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) الآية" قال معناه الزبير بن العوام ومجاهد وقتادة و الضحاك ، والجواب محذوف تقديره: لكان هذا القرآن، لكن حذف إيجازاً، لما في ظاهر الكلام من الدلالة عليه، كما قال امرؤ القيس:
فلو أنها نفس تمزت جميعةً ولكنها نفس تساقط أنفسا
يعني لهان علي، هذا معنى قول قتادة، قال: لو فعل هذا قرآن قبل قرآنكم لفعله قرآنكم. وقيل: الجواب متقدم، وفي الكلام تقديم وتأخير، أي وهم يكفرون بالرحمن لو أنزلنا القرآن وفعلنا بهم ما اقترحوا. الفراء: يجوز أن يكون الجواب لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن. الزجاج: ( ولن أن قرآنا) إلى قوله: ( الموتى) لما آمنوا، والجواب المضمر هنا ما أظهر في قوله: " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة " إلى قوله: " ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله " ( الأنعام: 111). " بل لله الأمر جميعا " أي هو المالك لجميع الأمور، الفاعل لما يشاء منها، فليس ما تلتمسونه مما يكون بالقرآن، إنما يكون بأمر الله.
قوله تعالى: " أفلم ييأس الذين آمنوا " قال الفراء قال الكلبي : ( ييئس) بمعنى يعلم، لغة النخع، وحكاه القشيري عن ابن عباس، أي أفلم يعلموا، وقاله الجوهري في الصحاح.
وقيل: هو لغة هوازن، أي أفلم يعلم، عن ابن عباس ومجاهد والحسن. وقال أبو عبيدة: أفلم يعلموا يتبينوا، وأنشد في ذلك أبو عبيدة لمالك بن عوف النصري:
أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
ييسرونني في الميسر، وقد تقدم في ( البقرة) ويروى يأسرونني من الأسر. وقال رباح بن عدي:
ألم ييئس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
في كتاب الرد إني أنا ابنه وكذا ذكره الغزنوي : ألم يعلم، والمعنى على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً من غير أن يشاهدوا الآيات. وقيل: هو من اليأس المعروف، أي أفلم ييئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم، لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات طمعاً في إيمان الكفار. وقرأ علي وابن عباس: ( أفلم يتبين الذين آمنوا) من البيان. قال القشيري : وقيل لابن عباس المكتوب ( أفلم ييئس) قال: أظن الكاتب كتبها وهو ناعس، أي زاد بعض الحروف حتى صار ( ييئس). قال أبو بكر الأنباري: روي عن عكرمة عن ابن أبي نجيح أنه قرأ - ( أفلم يتبين الذين آمنوا) وبها احتج من زعم أنه الصواب في التلاوة، وهو باطل عن ابن عباس، لأن مجاهداً وسعيد بن جبير حكيا الحرف عن ابن عباس، على ما هو في المصحف بقراءة أبي عمرو وروايته عن مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس، ثم إن معناه: أفلم يتبين، فإن كان مراد الله تحت اللفظة التي خالفوا بها الإجماع فقراءتنا تقع عليها، وتأتي بتأويلها، وإن أراد الله المعنى الآخر الذي اليأس فيه ليس من طريق العلم فقد سقط مما أوردوا، وأما سقوطه يبطل القرآن، ولزوم أصحابه البهتان. " أن لو يشاء الله " ( أن) مخففة من الثقيلة، أي أنه لو يشاء الله " لهدى الناس جميعا " وهو يرد على القدرية وغيرهم.
قوله تعالى: " ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة " أي داهية تفجؤهم بكفرهم وعتوهم، ويقال: قرعة أمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع الضرب، قال:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القواقيز أفواه الأباريق
أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة كما أصاب أربد أو من قتل أو من أسر أو جدب، أو غير ذلك ن العذاب والبلاء، كما نزل بالمستهزئين، وهم ؤساء المشركين. وقال عكرمة عن ابن عباس: القارعة النكبة. وقال ابن عباس أيضاً وعكرمة: القارعة الطلائع والسرابا التي كان ينفذها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم. " أو تحل " أي القارعة. " قريبا من دارهم " قاله قتادة والحسن. وقال ابن عباس: أو تحل أنت قريباً من دارهم. وقيل: نزلت الآية بالمدينة، أي لا تزال تصيبهم القوارع فتنزل بساحتهم أو بالقرب منهم كقرى المدينة ومكة. " حتى يأتي وعد الله " في فتح مكة، قاله مجاهد وقتادة. وقيل: نزلت بمكة، أي تصيبهم القوارع، وتخرج عنهم إلى المدينة يا محمد، فتحل قريباً من دارهم، أو تحل بهم محاصراً لهم، وهذه المحاصرة لأهل الطائف، ولقلاع خيبر، ويأتي وعد الله بالإذن لك في قتالهم وقهرهم. وقال الحسن: وعد الله يوم القيامة.
يقول تعالى مادحاً للقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ومفضلاً له على سائر الكتب المنزلة قبله "ولو أن قرآناً سيرت به الجبال" أي لو كان في الكتب الماضية كتاب تسير به الجبال عن أماكنها, أو تقطع به الأرض وتنشق, أو تكلم به الموتى في قبورهم, لكان هذا القرآن هو المتصف بذلك دون غيره, أو بطريق الأولى أن يكون كذلك لما فيه من الإعجاز الذي لا يستطيع الإنسان والجن عن آخرهم إذا اجتمعوا أن يأتوا بمثله, ولا بسورة من مثله, ومع هذا فهؤلاء المشركون كافرون به, جاحدون له "بل لله الأمر جميعاً" أي مرجع الأمور كلها إلى الله عز وجل, ما شاء الله كان, وما لم يشأ لم يكن, ومن يضلل الله فلا هادي له, ومن يهد الله فما له من مضل, وقد يطلق اسم القرآن على كل من الكتب المتقدمة, لأنه مشتق من الجميع.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن همام بن منبه. قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خففت على داود القراءة فكان يأمر بدابته أن تسرج, فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته, وكان لا يأكل إلا من عمل يديه" انفرد بإخراجه البخاري. والمراد بالقرآن هو الزبور. وقوله "أفلم ييأس الذين آمنوا" أي من إيمان جميع الخلق ويعلموا, أو يتبينوا "أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً" فإنه ليس ثم حجة ولا معجزة أبلغ ولا أنجع في العقول والنفوس من هذا القرآن الذي لو أنزله الله على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله. وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي إلا وقد أوتي ما آمن على مثله البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي, فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة", معناه أن معجزة كل نبي انقرضت بموته, وهذا القرآن حجة باقية على الاباد لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد ولا يشبع منه العلماء هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله, ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا منجاب بن الحارث, أنبأنا بشر بن عمارة, حدثنا عمر بن حسان عن عطية العوفي قال: قلت له: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال " الاية, قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع, فنحرث فيها, أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح, أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه, فأنزل الله هذه الاية, قال: قلت: هل تروون هذا الحديث عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: نعم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وكذا روى ابن عباس والشعبي وقتادة والثوري وغير واحد في سبب نزول هذه الاية, والله أعلم. وقال قتادة: لو فعل هذا بقرآن غير قرآنكم لفعل بقرآنكم.
وقوله "بل لله الأمر جميعاً" قال ابن عباس: أي لا يصنع من ذلك إلا ما شاء ولم يكن ليفعل, رواه ابن إسحاق بسنده عنه, وقاله ابن جرير أيضاً. وقال غير واحد من السلف في قوله "أفلم ييأس الذين آمنوا": أفلم يعلم الذين آمنوا, وقرأ آخرون: أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً. وقال أبو العالية: قد يئس الذين آمنوا أن يهدوا, ولو يشاء الله لهدى الناس جميعاً. وقوله: "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم" أي بسبب تكذيبهم لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا أو تصيب من حولهم, ليتعظوا ويعتبروا, كما قال تعالى: " ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون " وقال "أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون". قال قتادة عن الحسن "أو تحل قريباً من دارهم" أي القارعة وهذا هو الظاهر من السياق.
وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي عن قتادة عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس في قوله: "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" قال: سرية, "أو تحل قريباً من دارهم" قال محمد صلى الله عليه وسلم: "حتى يأتي وعد الله" قال "فتح مكة", وهكذا قال عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد في رواية, وقال العوفي عن ابن عباس "تصيبهم بما صنعوا قارعة" قال: عذاب من السماء ينزل عليهم "أو تحل قريباً من دارهم" يعني نزول رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم وقتاله إياهم, وكذا قال مجاهد وقتادة. وقال عكرمة في رواية عن ابن عباس "قارعة" أي نكبة. وكلهم قال "حتى يأتي وعد الله" يعني فتح مكة. وقال الحسن البصري: يوم القيامة, وقوله: "إن الله لا يخلف الميعاد" أي لا ينقض وعده لرسله بالنصرة لهم ولأتباعهم في الدنيا والاخرة "فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام".
قوله: 31- "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" قيل هذا متصل بقوله: "لولا أنزل عليه آية من ربه" وأن جماعة من الكفار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسير لهم جبال مكة حتى تنفسح فإنها أرض ضيقة، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم بهذا الجواب المتضمن لتعظيم شأن القرآن وفساد رأي الكفار حيث لم يقنعوا به وأصروا على تعنتهم وطلبهم ما لو فعله الله سبحانه لم يبق ما تقتضيه الحكمة الإلهية من عدم إنزال الآيات التي يؤمن عندها جميع العباد. ومعنى سيرت به الجبال: أي بإنزاله وقراءته فسارت عن محال استقرارها "أو قطعت به الأرض" أي صدعت حتى صارت قطعاً متفرقة "أو كلم به الموتى" أي صاروا أحياء بقراءته عليهم، فكانوا يفهمونه عند تكليمهم به كما يفهمه الأحياء.
وقد اختلف في جواب لو ماذا هو؟ فقال الفراء: هو محذوف، وتقديره: لكان هذا القرآن، وروي عنه أنه قال: إن الجواب لكفروا بالرحمن: أي لو فعل بهم هذا لكفروا بالرحمن، وقيل جوابه لما آمنوا كما سبق في قوله " ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله " وقيل الجواب متقدم، وفي الكلام تقديم وتأخير: أي وهم يكفرون بالرحمن لو أن قرآناً إلى آخره، وكثيراً ما تحذف العرب جواب لو إذا دل عليه سياق الكلام، ومنه قول امرئ القيس:
فلو أنها نفس تموت جميعة ولكنها نفس تساقط أنفسا
أي لهان علي ذلك "بل لله الأمر جميعاً" أي لو أن قرآناً فعل به ذلك لكان هذا القرآن، ولكن لم يفعل بل فعل ما عليه الشأن الآن، فلو شاء أن يؤمنوا لآمنوا وإذا لم يشأ أن يؤمنوا لم ينفع تسيير الجبال وسائر ما اقترحوه من الآيات، فالإضراب متوجه إلى ما يؤدي إليه كون الأمر لله سبحانه ويستلزمه من توقف الأمر على ما تقتضيه حكمته ومشيئته، ويدل على أن هذا هو المعنى المراد من ذلك قوله: "أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً" قال الفراء: قال الكلبي أفلم ييأس بمعنى أفلم يعلم، وهي لغة النخع. قال في الصحاح: وقيل هي لغة هوازن، وبهذا قال جماعة من السلف، قال أبو عبيدة: أفلم يعلموا ويتبينوا. قال الزجاج: وهو مجاز لأن اليائس من الشيء عالم بأنه لا يكون، نظيره استعمال الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في الترك لتضمنهما إياهما، ويؤيده قراءة علي وابن عباس وجماعة: أفلم يتبين، ومن هذا قول رباح بن عدي:
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
أي ألم يعلم، وأنشد في هذا أبو عبيدة قول مالك بن عوف النضري:
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا، فمعنى الآية على هذا: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً من غير أن يشاهدوا الآيات، وقيل إن الإياس على معناه الحقيقي: أي أفلم ييأس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء الكفار، لعلمهم أن الله تعالى لو أراد هدايتهم لهداهم، لأن المؤمنين تمنوا نزول الآيات التي اقترحها الكفار طمعاً في إيمانهم "ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة" هذا وعيد للكفار على العموم أو لكفار مكة على الخصوص: أي لا يزال الذين كفروا تصيبهم بسبب ما صنعوا من الكفر والتكذيب للرسل قارعة: أي داهية تفجؤهم، يقال قرعه الأمر إذا أصابه، والجمع قوارع، والأصل في القرع الضرب. قال الشاعر:
أفنى تلادي وما جمعت من نشب قرع القراقير أفواه الأباريق
والمعنى: أن الكفار لا يزالون كذلك حتى تصيبهم داهية مهلكة من قتل أو أسر أو جدب أو نحو ذلك من العذاب، وقد قيل إن القارعة: النكبة، وقيل الطلائع والسرايا، ولا يخفى أن القارعة تطلق على ما هو أعم من ذلك "أو تحل" أي القارعة "قريباً من دارهم" فيفزعون منها ويشاهدون من آثارها ما ترجف له قلوبهم وترعد منه بوادرهم وقيل إن الضمير في "تحل" للنبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى: أو تحل أنت يا محمد قريبا من دارهم محاصراً لهم آخذاً بمخانقهم كما وقع منه صلى الله عليه وسلم لأهل الطائف "حتى يأتي وعد الله" وهو موتهم، أو قيام الساعة عليهم، فإنه إذا جاء وعد الله المحتوم حل بهم من عذابه ما هو الغاية في الشدة، وقيل المراد بوعد الله هنا الإذن منه بقتال الكفار، والأول أولى "إن الله لا يخلف الميعاد" فما جرى به وعده فهو كائن لا محالة.
31- قوله عز وجل: "ولو أن قرآناً سيرت به الجبال"، الآية. نزلت في نفر من مشركي مكة، منهم أبو جهل بن هشام، وعبد الله بن أبي أمية، جلسوا خلف الكعبة وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم، فقال له عبد الله بن أبي أمية: إن سرك أن نتبعك فسير جبال مكة بالقرآن فأذهبها عنا حتى تنفسح، فإنها أرض ضيقة لمزارعنا، واجعل لنا فيها عيونا وأنهارا، لنغرس فيها الأشجار ونزرع، ونتخذ البساتين، فلست كما زعمت بأهون على ربك من داود عليه السلام حيث سخر له الجبال تسبح معه، أو سخر لنا الريح فنركبها إلى الشام لميرتنا وحوائجنا ونرجع في يومنا، فقد سخرت الريح لسليمان كما زعمت، ولست بأهون على ربك من سليمان، وأحيي لنا جدك قصيا أو من شئت من آبائنا وموتانا لنسأله عن أمرك أحق ما تقول أم باطل؟ فإن عيسى كان يحيي الموتى، ولست بأهون على الله منه فأنزل الله عز وجل: "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" فأذهبت عن وجه الأرض، "أو قطعت به الأرض"، أي: شققت فجعلت أنهارا وعيونا "أو كلم به الموتى" واختلفوا في جواب "لو":
فقال قوم: جوابه محذوف، اكتفى بمعرفة السامعين مراده وتقديره: لكان هذا القرآن، كقول الشاعر:.
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أراد: لرددناه، وهذا معنى قول قتادة قال: لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم لفعل بقرآنكم.
وقال آخرون: جواب لو مقدم. وتقدير الكلام: وهم يكفرون بالرحمن "ولو أن قرآناً سيرت به الجبال"، كأنه قال: لو سيرت به الجبال "أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" لكفروا بالرحمن ولم يؤمنوا، لما سبق من علمنا فيهم، كما قال: "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا" (الأنعام-111) ثم قال:
"بل لله الأمر جميعاً"، أي: في هذه الأشياء إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.
"أفلم ييأس الذين آمنوا"، قال أكثر المفسرين: معناه أفلم يعلم. قال الكلبي: هي لغة النخع.
وقيل: لغة هوازن، يدل عليه قراءة ابن عباس: أفلم يتبين الذين آمنوا.
وأنكر الفراء أن يكون ذلك بمعنى العلم، وزعم أنه لم يسمع أحدا من العرب يقول: يئستن بمعنى: علمت، ولكن معنى العلم فيه مضمر.
وذلك أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا هذا من المشركين طمعوا في أن يفعل الله ما سألوا فيؤمنوا فنزل: "أفلم ييأس الذين آمنوا" يعني: الصحابة رضي الله عنهم أجميعن من إيمان هؤلاء، أي لم ييأسوا علما، وكل من علم شيئا يئس من خلافه، يقول: ألم ييئسهم العلم: "أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً".
"ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا"، من كفرهم وأعمالهم الخبيثة "قارعة" أي: نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء، أحيانا بالجدب، وأحيانا بالسلب، وأحيانا بالقتل والأسر.
وقال ابن عباس: أراد بالقارعة: السرايا التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثهم إليهم.
"أو تحل"،يعني: السرية والقارعة، "قريباً من دارهم"، وقيل: أو تحل: أي تنزل أنت يا محمد بنفسك قريبا من ديارهم، "حتى يأتي وعد الله"، قيل: يوم القيامة. وقيل: الفتح والنصر وظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه. "إن الله لا يخلف الميعاد"، وكان الكفار يسألون هذه الأشياء على سبيل الاستهزاء فأنزل الله تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم:
31."ولو أن قرآناً سيرت به الجبال"شرط حذف جوابه والمراد منه تعظيم شأن القرآن ، أو المبالغة في عناد الكفرة وتصميمهم أي:ولو أن كتاباً زعزعت به الجبال عن مقارها."أو قطعت به الأرض"تصدعت من خشية الله عند قراءته أو شققت فجعلت أنهاراً وعيوناً."أو كلم به الموتى"فتسمع فتقرؤه ، أو فتسمع وتجيب عند قراءته لكان هذا القرآن لأنه الغاية في الإعجاز والنهاية في التذكير والإنذار ، أو لما آمنوا به كقوله: "ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة"الآية.وقيل إن قريشاً قالوا يا محمد إن سرك أن نتبعك فسير بقرآنك الجبال عن مكة حتى تتسع لنا فنتخذ فيها بساتين وقطائع ، أو سخر لنابه الريح لنركبها ونتجر إلى الشام، أو ابعث لنا به قصي بن كلاب وغيره من آبائنا ليكلمونا فيك،فنزلت .وعلى هذا فتقطيع الأرض قطعها بالسير ، وقيل الجواب مقدم وهو قوله:"وهم يكفرون بالرحمن"وما بينهما اعتراض تذكير"كلم "خاصة لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقي. "بل لله الأمر جميعاً"بل لله القدرة على كل شيء وهو إضراب عما تضمنته "لو"من معنى النفي أي : بل الله قادر على الإتيان بما اقترحوه من الآيات إلا أن إرادته لم تتعلق بدلك ، لعلمه بأنه لا تلين له شكيمتهم ويؤيد ذلك قوله:"أفلم ييأس الذين آمنوا"عن إيمانهم مع ما رأوا من أحوالهم ،وذهب أكثرهم إلى أن معناه أفلم يعلم لما روي أن علياً وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين قرؤوا أفلم يتبين،وهو تفسيره وإنما استعمل اليأس بمعنى العلم لأنه مسبب عن العلم ، فإن الميئوس عنه لا يكون إلا معلوماً ولذلك علقه بقوله:"أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً"فإن معناه نفى هدى بعض الناس لعدم تعلق المشيئة باهتدائهم،وهو على الأول متعلق بمحذوف تقديره أفلم ييأس الذين أمنوا عن إيمانهم علماً منهم أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً أو " آمنوا "."ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا"من الكفر وسوء الأعمال."قارعة"داهية تقرعهم وتقلقهم.."أو تحل قريباً من دارهم"فيفزعون منها ويتطاير إليهم شررها.وقيل الآية في كفار مكة فإنهم لا يزالون مصابين بما صنعوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنه عليه الصلاة والسلام كان لا يزال يبعث السرايا عليهم فتغير حواليهم وتختطف مواشيهم ،وعلى هذا يجوز أن يكون تحل خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام فإنه حل بجيشه قريباً من دراهم عام الحديبية ."حتى يأتي وعد الله"الموت أو القيامة أو فتح مكة." إن الله لا يخلف الميعاد "لامتناع الكذب في كلامه.
31. Had it been possible for a Lecture to cause the mountains to move, or the earth to be torn asunder, or the dead to speak, (this Quran would have done so). Nay, but Allah's is the whole command. Do not those who believe know that, had Allah willed, He could have guided all mankind? As for those who disbelieve, disaster ceaseth not to strike them because of what they do, or it dwelleth near their home until the threat of Allah come to pass. Lo! Allah faileth not to keep the tryst.
31 - If there were a Quran with which mountains were moved, or the earth were cloven asunder, or the dead were made to speak, (this would be the one) but, truly, the command is with God in all thing do not the believers know, that, had God (so) willed, he could have guided all mankind (to the right)? but the unbelievers, never will disaster cease to sieze them for their (ill) deeds, or to settle close to their homes, until the promise of God come to pass, for, verily, God will not fail in his promise.