)وعلم آدم الأسماء) أي أسماء المسميات (كلها) بأن ألقى في قلبه علمها (ثم عرضهم) أي المسميات وفيه تغليب العقلاء (على الملائكة فقال) لهم تبكيتا (أنبئوني) أخبروني (بأسماء هؤلاء) المسميات (إن كنتم صادقين) في أني لا أخلق أعلم منكم أو أنكم أحق بالخلافة ، وجواب الشرط دل عليه ما قبله
حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: بعث رب العزة ملك الموت فأخذ من أديم الأرض، من عذبها ومالحها، فخلق منه آدم، ومن ثم سمي آدم. لأنه خلق من أديم الأرض.
وحدثنا أحمد بن إسحق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا عمرو بن ثابت،عن أبيه، عن جده، عن علي، قال: إن آدم خلق من أديم الأرض، فيه الطيب والصالح والرديء، فكل ذلك أنت راء في ولده، الصالح والرديء.
حدثنا أحمد بن إسحق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال حدثنا مسعر، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: خلق آدم من أديم الأرض، فسمي آدم.
وحدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبي حصين، عن سعيد بن جبير، قال: إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض.
وحدثني موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن ملك الموت لما بعث ليأخذ من الأرض تربة آدم، أخذ من وجه الأرض وخلط فلم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين. ولذلك سمي آدم، لأنه أخذ من أديم الأرض.
وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يحقق ما قال من حكينا قوله في معنى آدم. وذلك ما: حدثني به يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن عوف وحدثنا محمد بن بشار، وعمربن شبة قالا: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا عوف وحدثنا ابن بشار، قال:حدثنا ابن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر، وعبد الوهاب الثقفي، قالوا حدثنا عوف حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا إسمعيل بن أبان، قال: حدثنا عنبسة عن عوف الأعرابي، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب ".
فعلى التأويل الذي تأول آدم من تأوله، بمعنى أنه خلق من أديم الأرض، يجب أن يكون أصل آدم فعلاً سمي به أبو البشر، كما سمي أحمد بالفعل من الإحماد، و أسعد من الإسعاد، فلذلك لم يجر. ويكون تأويله حينئذ: آدم الملك الأرض، يعني به بلغ أدمتها وأدمتها: وجهها الظاهر لرأي العين، كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة. ومن ذلك سمي الإدام إداماً، لأنه صار كالجلدة العليا مما هي منه ثم نقل من الفعل فجعل اسماً للشخص بعينه.
القول في تأويل قوله تعالى: " الأسماء كلها"
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في الأسماء التي علمها آدم ثم عرضها على الملائكة، فقال ابن عباس ما:حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: علم الله آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة وأرض وسهل وبحر وجبل وحمار، وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.
وحدثنا محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثني عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد وحدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: "وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء.
وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن مجاهد: "وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء.
وحدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم الجرمي، عن محمد بن مصعب، عن قيس بن الربيع، عن خصيف، عن مجاهد، قال: علمه اسم الغراب والحمامة واسم كل شيء. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، قال: علمه اسم كل شيء، حتى البعير والبقرة والشاة.
وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبي، عن شريك، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن معبد، عن ابن عباس، قال: علمه اسم القصعة والفسوة والفسية.
وحدثنا أحمد بن إسحق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عاصم بن كليب، عن الحسن بن سعد، عن ابن عباس: "وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: حتى الفسوة والفسية.
حدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا محمد بن مصعب، عن قيس، عن عاصم بن كليب، عن سعيد بن معبد، عن ابن عباس في قول الله: " وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء حتى الهنة والهنية والفسوة والضرطة.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن عاصم بن كليب، قال: قال ابن عباس: علمه القصعة من القصيعة والفسوة من الفسية.
وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، قوله: " وعلم آدم الأسماء كلها"، حتى بلغ " إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم"، فانبأ كل صنف من الخلق باسمه، وألجأه إلى جنسه.
وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة في قوله: "وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: علمه اسم كل شيء، هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء. ثم عرض تلك الأشياء على الملائكة فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج ، عن جرير بن حازم ومبارك، عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة، قالا: علمه اسم كل شيء: هذه الخيل، وهذه البغال والإبل والجن والوحش، وجعل يسمي كل شيء باسمه.
وحدثت عن عمار، قال: حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: اسم كل شيء.
وقال آخرون: علم آدم الأسماء كلها، أسماء الملائكة. ذكر من قال ذلك:حدثت عن عمار، قال: حدثنا عبدالله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قوله: "وعلم آدم الأسماء كلها"، قال: أسماء الملائكة.
وقال آخرون: إنما علمه أسماء ذريته كلها. ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن جرير، قال: حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: "وعلم آدم الأسماء كلها "، قال: أسماء ذريته أجمعين.
وأولى هذه الأقوال بالصواب، وأشبهها بما دل على صحته ظاهر التلاوة، قول من قال في قوله: "وعلم آدم الأسماء كلها"، أنها أسماء ذريته وأسماء الملائكة، دون أسماء سائر أجناس الخلق. وذلك أن الله جل ثناؤه قال: "ثم عرضهم على الملائكة "، يعني بذلك أعيان المسمين بالأسماء التي علمها آدم. ولا تكاد العرب تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة. وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سوى من وصفناها، فإنها تكني عنها بالهاء والألف أو بالهاء والنون، فقالت: عرضهن أو عرضها، وكذلك تفعل اذا كنت عن أصناف من الخلق كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمم وفيها أسماء بني آدم والملائكة، فإنها تكني عنها بما وصفنا من الهاء والنون أو الهاء والألف. وربما كنت عنها، إذا كان كذلك، بالهاء والميم، كما قال جل ثناؤه: " والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع" (النور: 45)، فكنى عنها بالهاء والميم، وهي أصناف مختلفة فيها الآدمي وغيره. وذلك، و إن كان جائزاً، فإن الغالب المستفيض في كلام العرب ما وصفنا، من إخراجهم كناية أسماء أجناس الأمم إذا اختلطت بالهاء والألف أو الهاء والنون. فلذلك قلت: أولى بتأويل الآية أن تكون الأسماء التي علمها آدم أسماء أعيان بني آدم وأسماء الملائكة، وإن كان ما قال ابن عباس جائزاً على مثال ما جاء في كتاب الله من قوله: "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه" ( النور: 45) الآية. وقد ذكر أنها في حرف ابن مسعود: ثم عرضهن ، وأنها في حرف أبي: ثم عرضها . ولعل ابن عباس تأول ما تأول من قوله: علمه اسم كل شيء حتى الفسوة والفسية، على قراءة أبي، فإنه فيما بلغنا كان يقرأ قراءة أبي. وتأويل ابن عباس على ما حكي عن أبي من قراءته غير مستنكر، بل هو صحيح مستفيض في كلام العرب، على نحو ما تقدم وصفي ذلك. القول في تأويل قوله تعالى:" ثم عرضهم على الملائكة".
قال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويل الذي هوأولى بالآية، على قراءتنا ورسم مصحفنا، وأن قوله:" ثم عرضهم"، بالدلالة على بني آدم والملائكة، أولى منه بالدلالة على أجناس الخلق كلها، وإن كان غير فاسد أن يكون دالاًص على جميع أصناف الأمم، للعلل التي وصفنا.
ويعني جل ثناؤه بقوله: "ثم عرضهم "، ثم عرض أهل الأسماء على الملائكة.
وقد اختلف المفسرون في تأويل قوله: "ثم عرضهم على الملائكة" نحو اختلافهم في قوله: "وعلم آدم الأسماء كلها". وسأذكر قول من انتهى إلينا عنه فيه قول.
حدثنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "ثم عرضهم على الملائكة "، ثم عرض هذه الأسماء، يعني جميع الأشياء، التي علمها آدم من أصناف جميع الخلق.
وحدثني موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم عرضهم"، ثم عرض الخلق على الملائكة.
وحدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أسماء ذريته كلها، أخذهم من ظهره، قال: ثم عرضهم على الملائكة.
وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة:" ثم عرضهم "، قال: علمه اسم كل شيء، ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن مجاهد: "ثم عرضهم"، عرض أصحاب الأسماء على الملائكة.
وحدثنا علي بن الحسن، قال: حدثنا مسلم، قال: حدثنا محمدبن مصعب، عن قيس، عن خصيف، عن مجاهد : "ثم عرضهم على الملائكة"، يعني عرض الأسماء، الحمامة والغراب.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثني حجاج ، عن جريربن حازم ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء: هذه الخيل، وهذه البغال، وما أشبه ذلك. وجعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضت عليه أمة أمة.
القول في تأويل قوله: " فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين".
قال أبو جعفر: وتأويل قوله " أنبئوني": أخبروني، كما: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا بشر، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: "أنبئوني"، يقول: أخبروني بأسماء هؤلاء.
ومنه قول نابغة بني ذبيان:
وأنبأه المنبىء أن حياً حلول من حرام أو جذام
يعني بقوله: أنبأه : أخبره وأعلمه.
القول في تأويل قوله جل ذكره: " بأسماء هؤلاء".
قال أبو جعفر:حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "بأسماء هؤلاء"، قال: بأسماء هذه التي حدثت بها آدم.
حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " يقول: بأسماء هؤلاء التي حدثت بها آدم. القول في تأويل قوله تعالى ذكره: " إن كنتم صادقين ".
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في ذلك:فحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشربن عمارة عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: " إن كنتم صادقين "، إن كنتم تعلمون لم أجعل في الأرض خليفة.
وحدثنا موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السدي في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "إن كنتم صادقين" أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.
وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا حجاج، عن جريربن حازم ومبارك عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " أني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه، فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الأية، تأويل ابن عباس ومن قال بقوله. ومعنى ذلك: فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيتها الملائكة القائلون: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء من غيرنا، أم منا، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ إن كنتم صادقين في قيلكم أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني ذريته وأفسدوا فيها وسفكوا الدماء، وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس. فإنكم إن كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي، وهم مخلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعلمه غيركم بتعليمي إياه فأنتم، بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد، وبما هو مستتر من الأمور التي هي موجودة عن أعينكم، أحرى أن تكونوا غير عالمين. فلا تسألوني ما ليس لكم به علم، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي.
وهذا الفعل من الله جل ثناؤه بملائكته الذين قالوا له: "أتجعل فيها من يفسد فيها"، من جهة عتابه جل ذكره إياهم نظير قوله جل جلاله لنبيه نوح صلوات الله عليه إذ قال " رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين" (هود: 45): " فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين" (هود: 45). فكذلك الملائكة سألت ربها أن تكون خلفاءه في الأرض ليسبحوه ويقدسوه فيها، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله في الأرض خليفة، يفسدون فيها ويسفكون الدماء، فقال لهم جل ذكره: "إني أعلم ما لا تعلمون ". يعني بذلك: إني أعلم أن بعضكم فاتح المعاصي وخاتمها، وهو إبليس، منكرًا بذلك تعالى ذكره قولهم. ثم عرفهم موضع هفوتهم في قيلهم ما قالوا من ذلك، بتعريفهم قصور علمهم عما هم له شاهدون عياناً فكيف بمالم يروه ولم يخبروا عنه؟ بعرضه ما عرض عليهم من خلقه الموجودين يومئذ، وقيله لهم: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" أنكم إن استخلفتكم في أرضي سبحتموني وقدستموني، وإن استخلفت فيها غيركم عصاني ذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء. فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم، وبدت لهم هفوة زلتهم، أنابوا إلى الله بالتوبة فقالوا: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا"، فسارعوا الرجعة من الهفوة، وبادروا الإنابة من الزلة، كما قال نوح حين عوتب في مسألته فقيل له: لا تسألن ما ليس لك به علم: "رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين" (هود: 47). وكذلك فعل كل مسدد للحق موفق له سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوبته.
وقد زعم بعض نحوي أهل البصرة أن قوله: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين "
، لم يكن ذلك لأن الملائكة ادعوا شيئاً، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب، وعلمه بذلك وفضله، فقال: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " كما يقول الرجل للرجل: أنبئني بهذا إن كنت تعلم ، وهو يعلم أنه لا يعلم، يريد أنه جاهل.
وهذا قول إذا تدبره متدبر، علم أن بعضه مفسد بعضاً. وذلك أن قائله زعم أن الله جل ثناؤه قال للملائكة إذ عرض عليهم أهل الأسماء-: أنبئوني بأسماء هؤلاء، وهو يعلم أنهم لا يعلمون، ولا هم ادعوا علم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول.
وزعم أن قوله: "إن كنتم صادقين " نظير قول الرجل للرجل: أنبئني بهذا إن كنت تعلم .
وهو يعلم أنه لا يعلم، يريد أنه جاهل.
ولا شك أن معنى قوله: "إن كنتم صادقين " إنما هو: إن كنتم صادقين، إما في قولكم، وإما في فعلكم. لأن الصدق في كلام العرب، إنما هو صدق في الخبر لا في العلم. وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال: صدق الرجل بمعنى علم. فإذ كان ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " وهو يعلم أنهم غير صادقين، يريد بذلك أنهم كاذبون. وذلك هو عين ما أنكره، لأنه زعم أن الملائكة لم تدع شيئاً، فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتم صادقين، فأنبئوني بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير.
وقد حكي عن بعض أهل التفسيرأنه كان يتأول قوله: "إن كنتم صادقين " بمعنى: إذ كنتم صادقين.
ولو كانت "إن " بمعنى إذ في هذا الموضع، لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها، لأن إذ إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببًا له. وذلك كقول القائل: أقوم إذ قمت . فمعناه أقوم من أجل أنك قمت. والأمر بمعنى الاستقبال، فمعنى الكلام لو كانت إن بمعنى إذ أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وضعت إن، مكان ذلك قيل: أنبئوني بأسماء هؤلاء أن كنتم صادقين، مفتوحة الألف. وفي إجماع جميع قراء أهل الإسلام على كسر الألف من إن ، دليل واضح على خطأ تأويل من تأول إن بمعنى إذ في هذا الموضع.
قوله تعالى : "وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" .
فيه سبع مسائل :
الأولى : قوله تعالى : "وعلم آدم الأسماء كلها" علم معناه عرف . وتعليمه هنا إلهام علمه ضرورة . ويحتمل أن يكون بواسطة ملك وهو جبريل عليه السلام ، على ما يأتي . وقريء : وعلم غير مسمى الفاعل . والأول أظهر ، على ما يأتي . قال علماء الصوفية : علمها بتعليم الحق إياه وحفظها بحفظه عليه ونسي ما عهد إليه ، لأن وكله فيه إلى نفسه فقال : "ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما" وقال ابن عطاء : لو لم يكشف لآدم علم تلك الأسماء لكان أعجز من الملائكة في الإخبار عنها . وهذا واضح .
وآدم عليه السلام يكنى أبا البشر . وقيل : أبا محمد ، كني بمحمد خاتم الأنبياء صلوات الله عليهم ، قاله السهيلي . وقيل : كنيته في الجنة أبو محمد ، وفي الأرض أبو البشر . وأصله بهمزتين ، لأنه أفعل إلا أنهم لينوا الثانية ، فإذا احتجت إلى تحريكها جعلتها واواً فقلت : أوادم في الجمع ، لأنه ليس لها أصل في الياء معروف ، فجعلت الغالب عليها الواو ، وعن الأخفش .
واختلف في اشتقاقه ، فقيل : هو مشتق من أدمة الأرض وأديمها وهو وجهها ، فسمي بما خلق منه ، قاله ابن عباس . وقيل : إنه مشتق من الأدمة وهي السمرة . واختلفوا في الأدمة ، فزعم الضحاك أنها السمرة ، وزعم النضر أنها البياض ، وأن آدم عليه السلام كان أبيض ، مأخوذ من قولهم : ناقة أدماء ، إذا كانت بيضاء . وعلى هذا الاشتقاق جمعه أدم وأوادم ، كحمر وأحامر ، ولا ينصرف بوجه .وعلى أنه مشتق من الأدمة جمع آدمون ، ويلزم قائلو هذه المقالة صرفه .
قلت : الصحيح أنه مشتق من أديم الأرض . قال سعيد بن جبير : إنما سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض ، وإنما سمي إنساناً لأنه نسي ، ذكره ابن سعد في الطبقات . وروى السدي عن ابي مالك وعن ابي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود في قصة خلق آدم عليه السلام قال : فبعث الله جبريل عليه السلام إلى الأرض ليأتيه بطين منها ، فقالت الأرض : أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني ، فرجع ولم يأخذ وقال : يا رب إنها عاذت بك فأعذتها . فبعث ميكائيل فعاذت منه فأعاذها ، فرجع فقال كما قال جبريل ، فبعث ملك الموت فعاذت منه فقال : وأما أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره . فأخذ من وجه الأرض وخلط ،ولم يأخذ من مكان واحد ، وأخذ من تربة حمراء وبيضاء وسوداء ، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين ـ ولذلك سمي آدم أنه أخذ من أديم الأرض ـ فصعد به ، فقال الله تعالى له : أما رحمت الأرض حين تضرعت إليك فقال : رأيت أمرك أوجب من قولها . فقال : انت تصلح لقبض أرواح ولده فبل التراب حتى عاد طيناً لازبا ، اللازب : هو الذي يلتصق بعضه ببعض ، ثم ترك حتى أنتن ، فذلك حيث يقول : "من حمإ مسنون" قال : منتن . ثم قال للملائكة : "إني خالق بشرا من طين" "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين" . فخلقه الله بيده لكيلا يتكبر إبليس عنه . يقول : أتتكبر عما خلقت بيدي ولم أتكبر أنا عنه ! فخلقه بشراً فكان جسداً من طين أربعين سنة من مقدار يوم الجمعة ، فمرت به الملائكة ففزعوا منه لما رأوه وكان أشدهم منه فزعاً إبليس فكان يمر به فيضربه الجسد كما يصوت الفخار تكون له صلصة ، فلذلك حين يقول : "من صلصال كالفخار" . ويقول لأمر ما خلقت ! . ودخل من فمه وخرج من دبره ، فقال إبليس للملائكة : لا ترهبوا من هذا فإنه أجوف ولئن سلطت عليه لأهلكنه . ويقال : إنه كان إذا مر عليه مع الملائكة يقول : أرأيتم هذا الذي لم تروا من الخلائق يشبهه إن فضل عليكم وأمرتم بطاعته ما أنتم فاعلون ! قالوا : نطيع امر ربنا ، فأسر إبليس في نفسه لئن فضل علي فلا أطيعه ، ولئن فضلت عليه لأهلكنه ، فلما بلغ الحين الذي أريد أن ينفخ فيه الروح قال للملائكة : إذا نفخت فيه من روحي فاسجدوا له ، فلما نفخ فيه الروح فدخل الروح في رأسه عطس ، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله ، فقال : الحمد لله . فقال الله له : رحمك ربك ، فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام فوثب قبل أن يبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك حين يقول : "خلق الإنسان من عجل" "فسجد الملائكة كلهم أجمعون" "إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين" وذكر القصة . وروى الترمذي عن ابي موسى الأشعري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
"إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن الخبيث والطيب" . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح . أديم : جمع آدم ، قال الشاعر :
الناس أخياف وشتى في الشيم وكلهم يجمعهم وجه الأدم
فآدم مشتق من الأديم والأدم لا من الأدمة ، والله أعلم . ويحتمل أن يكون منهما جميعاً . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في خلق آدم في الأنعام وغيرها إن شاء الله تعالى .
و آدم لا ينصرف . قال أبو جعفر النحاس : آدم لا ينصرف في المعرفة بإجماع النحويين ، لأنه على أفعل وهو معرفة ، ولا يمتنع شيء من الصرف عند البصريين إلا لعلتين . فإن نكرته ولم يكن نعتاً لم يصرفه الخليل و سيبويه ، وصرفه الأخفش سعيد ، لأنه كان نعتاً على وزن الفعل ، فإذا لم يكن نعتاً صرفه . قال أبو إسحاق الزجاج : القول قول سيبويه ، ولا يفرق بين النعت وغيره لأنه هو ذاك بعينه .
الثانية : قوله تعالى : "الأسماء كلها" الأسماء هنا بمعنى العبارات ، فإن الإسم قد يطلق ويراد به المسمى ، كقولك : زيد قائم ، والأسد شجاج . وقد يراد به التسمية ذاتها ، كقولك : اسد ثلاثة أحرف ، ففي الأول يقال : الاسم هو المسمى بمعنى يراد به المسمى ، وفي الثاني لا يراد به المسمى ، وقد يجري اسم في اللغة مجرى ذات العبارة وهو الأكثر من استعمالها ، ومنه قوله تعالى : "وعلم آدم الأسماء كلها" على أشهر التأويلات ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :
"إن لله تسعة وتسعين اسماً" . ويجري مجرى الذات ، يقال : ذات ونفس وعين واسم يمعنىً ، وعلى هذا حمل أكثر أهل العلم قوله تعالى : "سبح اسم ربك الأعلى" "تبارك اسم ربك" "إن هي إلا أسماء سميتموها" .
الثالثة : واختلف أهل التأويل في معنى الأسماء التي علمها لآدم عليه السلام ، فقال ابن عباس و عكرمة و قتادة و مجاهد وابن جبير : علمه أسماء جميع الأشياء كلها جليلها وحقيرها . وروى عاصم بن كليب عن سعد مولى الحسن بن علي قال : كنت جالساً عند ابن عباس فذكروا اسم الآنية واسم السوط ، قال ابن عباس : وعلم آدم الأسماء كلها .
قلت : وقد روي هذا المعنى مرفوعاً على ما يأتي ، وهو الذي يقتضيه لفظ كلها إذ هو اسم موضوع للإحاطة والعموم ، وفي البخاري من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
"ويجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء" الحديث . قال ابن خويز منداد : في هذا الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفاً ، وأن الله تعالى علمها آدم عليه السلام جملة وتفصيلاً . وكذلك قال ابن عباس : علمه أسماء كل شيء حتى الجفنة والمحلب .
وروى شيبان عن قتادة قال : علم آدم من الأسماء أسماء خلقه ما لم يعلم الملائكة ، وسمى كل شيء باسمه وانحى منفعة كل شيء إلى جنسه . قال النحاس : وهذا أحسن ما روي في هذا . والمعنى علمه أسماء الأجناس وعرفه منافعها ، هذا كذا ، وهو يصلح لكذا . وقال الطبري : علمه أسماء الملائكة وذريته ، واختار هذا ورجحه بقوله : "ثم عرضهم على الملائكة" . وقال ابن زيد : علمه أسماء ذريته كلهم . وقال الربيع من خثيم : اسماء الملائكة خاصة . وقال القتبي : اسماء ما خلق في الأرض . وقيل : أسماء الأجناس والأنواع .
قلت : القول الأول أصح ، لما ذكرنا آنفاً ولما نبينه إن شاء الله تعالى .
الرابعة : واختلف المتأولون أيضاً هل عرض على الملائكة أسماء الأشخاص أو الأسماء دون الأشخاص ، فقال ابن مسعود وغيره : عرض الأشخاص لقوله تعالى : عرضهم وقوله : "أنبئوني بأسماء هؤلاء" . وتقول العرب : عرضت الشيء فأعرض ، أي أظهرته فظهر . ومنه : عرضت الشيء للبيع . وفي الحديث :
"إنه عرضهم أمثال الذر" . وقال ابن عباس وغيره : عرض الأسماء . وفي حرف ابن مسعود : عرضهن ، فأعاد على الأسماء دون الأشخاص ، لأن الهاء والنون أخص بالمؤنث . وفي حرف أبي : عرضها . مجاهد : أصحاب الأسماء . فمن قال في الأسماء . إنها التسميات فاستقام على قراءة أبي عرضها . وتقول في قراءة من قرأ عرضهم : إن لفظ السماء يدل على أشخاص ، فلذلك ساغ أن يقال بلأسماء : عرضهم . وقال في هؤلاء المراد بالإشارة : إلى أشخاص الأسماء ،لكن وإن كانت غائبة فقد حضر ما هو منها بسبب وذلك أسماؤها . قال ابن عطية : والذي يظهر أن الله تعالى علم آدم ألسماء وعرضهن عليه مع تلك الأجناس بأشخاصها ، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن تسمياتها اتي قد تعلمها ، ثم إن آدم قال لهم : هذا اسمه كذا ، وهذا اسمه كذا . وقال الماوردي : وكان الأصح توجه العرض إلى المسمين . ثم في زمن عرضهم قولان : أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم . الثاني : أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم .
الخامسة : واختلف في أول من تكلم باللسان العربي ، فروي عن كعب الأحبار : أن أو من وضع الكتاب العربي و السريان والكتب كلها وتكلم بالألسنة كلها آدم عليه السلام . وقاله غير كعب الأحبار .
فإن قيل : قد روي عن كعب الأحبار من وجه حسن قال : أول من تكلم بالعربية جبريل عليه السلام وهو الذي ألقاها على لسان نوح عليه السلام وألقاها نوح على لسان ابنه سام ، ورواه ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن كعب . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"أول من فتق لسانه بالعربية المبينة إسماعيل وهو ابن عشر سنين" . وقد روي أيضاً : أن أول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان ، وقد روي غير ذلك . قلنا : الصحيح أن أول من تكلم باللغات كلها من البشر آدم عليه السلام ، والقرآن يشهد له ، قال الله تعالى : "وعلم آدم الأسماء كلها" واللغات كلها أسماء فهي داخلة تحته وبهذا جاءت السنة ، قال صلى الله عليه وسلم :
"وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة" وما ذكروه يحتمل أن يكون المراد به اول من تكلم بالعربية من ولد إبراهيم عليه السلام إسماعيل عليه السلام . وكذلك إن صح ما سواه فإنه يكون محمولاً على أن المذكور أول من تكلم من قبيلته بالعربية بدليل ما ذكرنا ، والله أعلم . وكذلك جبريل أول من تكلم بها من الملائكة وألقاها على لسان نوح بعد أن علمها الله آدم أو جبريل ، على ما تقدم ، والله أعلم .
قوله تعالى : "هؤلاء" لفظ مبني على الكسر . ولغة تميم وبعض قيس وأسد فيه القصر ، قال الأعشى :
هؤلاء ثم هؤلاء كل أعطيـ ت نعالا محذوة بمثال
ومن العرب من يقول : هؤلاء ، فيحذف الألف والهمزة .
السادسة : قوله تعالى : "إن كنتم صادقين" شرط ، والجواب محذوف تقديره : إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني ، قاله المبرد . ومعنى صادقين عالمين ، ولذلك لم يسغ للملائكة الاجتهاد وقالوا : سبحانك ! حكاه النقاش قال : ولو لم يشترط عليهم إلا الصدق في الإنباء لجاز لهم الاجتهاد كما جاز للذي أماته الله مائة عام حين قال له : "كم لبثت" فلم يشترط عليه الإصابة ، فقال ولم يصب ولم يعنف ، وهذا بين لا خفاء فيه . وحكى الطبري و أبو عبيد : أن بعض المفسرين قال إن معنى إن كنتم : إذ كنت ، وقالا : هذا خطأ . و أنبئوني معناه أخبروني . والنبأ : الخبر ، ومنه النبي بالهمز ، وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
السابعة : قال بعض العلماء : يخرج من هذا الأمر بالإنباء تكليف ما لا يطاق لأنه علم أنهم لا يعلمون . وقال المحققون من أهل التأويل : ليس هذا على جهة التكليف وإنما هو على جهة التقرير والتوقيف . وسيأتي القول في تكليف ما لا يطاق ـ هل وقع التكليف به أم لا ـ في آخر السورة ، إن شاء الله تعالى .
هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة بما اختصه من علم أسماء كل شيء دونهم وهذا كان بعد سجودهم له، وإنما قدم هذا الفصل على ذلك لمناسبة ما بين المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة حين سألوا عن ذلك، فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم فقال تعالى: "وعلم آدم الأسماء كلها" قال السدي عمن حدثه عن ابن عباس "وعلم آدم الأسماء كلها" قال: علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً والدواب فقيل: هذا الحمار ، هذا الجمل، هذا الفرس، وقال الضحاك عن ابن عباس "وعلم آدم الأسماء كلها" قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس إنسان ودابة وسماء وأرض وسهل وبحر وخيل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها، وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس "وعلم آدم الأسماء كلها" قال علمه اسم الصحفة والقدر ، قال نعم حتى الفسوة والفسية، وقال مجاهد "وعلم آدم الأسماء كلها" قال علمه اسم كل دابة وكل طير وكل شيء ، كذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف أنه علمه أسماء كل شيء، وقال الربيع في رواية عن أسماء الملائكة. وقال حميد الشامي أسماء النجوم. وقال عبد الرحمن بن زيد علمه أسماء ذريته كلهم، واختار ابن جرير أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية لأنه قال "ثم عرضهم" وهذا عبارة عما يعقل وهذا الذي رجح به ليس بلازم، فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم، ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب كما قال تعالى "والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير" وقد قرأ عبد الله بن مسعود ثم عرضهن، وقرأ أبي بن كعب ثم عرضها أي المسميات. والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها كما قال ابن عباس حتى الفسوة والفسية يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر ، ولهذا قال البخاري في تفسير هذه الاية في كتاب التفسير من صحيحه: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقال لي خليفة: حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلى ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا، فيقول لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي. ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض فيأتونه فيقول لست هناكم، ويذكر سؤاله ربه ما ليس له به علم فيستحي. فيقول ائتوا خليل الرحمن، فيأتونه فيقول لست هناكم، فيقول ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوراة فيقول لست هناكم. فيذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه. فيقول ائتوا عيسى عبد الله ورسوله وكلمة الله وروحه فيأتونه فيقول لست هناكم ائتوا محمداً عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيأذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود إليه فإذا رأيت ربي مثله ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة ثم أعود الرابعة فأقول ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود" هكذا ساق البخاري هذا الحديث ههنا، وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة به، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه من حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة، ووجه إيراده ههنا، والمقصود منه قوله عليه الصلاة والسلام فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شيء. فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات، ولهذا قال "ثم عرضهم على الملائكة" يعني المسميات كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، قال ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة "فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" وقال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة "وعلم آدم الأسماء كلها" ثم عرض الخلق على الملائكة، وقال ابن جريج عن مجاهد ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة, وقال ابن جرير: حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء, وجعل يسمي كل شيء باسمه وعرضت عليه أمة أمة, وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: "إن كنتم صادقين" إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين, وقال الضحاك عن ابن عباس "إن كنتم صادقين" إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة, وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة إن كنتم صادقين أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن قال بقوله، ومعنى ذلك فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيها الملائكة القائلون أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء. من غيرنا أم منا فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك. إن كنتم صادقين في قيلكم إني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني وذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس، فإذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم تشاهدونهم فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى أن تكونوا غير عالمين "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء وأن يعلموا شيئاً إلا ما علمهم الله تعالى ولهذا قالوا "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم" أي العليم بكل شيء الحكيم في خلقك وأمرك وفي تعليمك من تشاء ومنعك من تشاء لك الحكمة في ذلك والعدل التام. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس: سبحان الله، قال تنزيه الله نفسه عن السوء، ثم قال عمر لعلي وأصحابه عنده لا إله إلا الله قد عرفناه، فما سبحان الله ؟ فقال لي علي: كلمة أحبها الله لنفسه ورضيها وأحب أن تقال، قال: وحدثنا أبي حدثنا ابن نفيل حدثنا النضر بن عربي قال: سأل رجل ميمون بن مهران عن سبحان الله، قال: اسم يعظم الله به، ويحاشى به من السوء.
قوله تعالى: "قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" قال زيد بن أسلم قال أنت جبرائيل أنت ميكائيل أنت إسرافيل حتى عدد الأسماء كلها حتى بلغ الغراب، وقال مجاهد في قول الله "قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم" قال اسم الحمامة والغراب واسم كل شيء، وروي عن سعيد بن جبير والحسن وقتادة نحو ذلك، فلما ظهر آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء، قال الله تعالى للملائكة "ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" أي ألم أتقدم إليكم إني أعلم الغيب الظاهر والخفي كما قال تعالى "وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى" وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان " أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون * الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم " وقيل في قوله تعالى: "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" غير ما ذكرناه، فروى الضحاك عن ابن عباس "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" قال يقول: أعلم السر كما أعلم العلانية يعني ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار، وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قال قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء الاية، فهذا الذي أبدوا "وما كنتم تكتمون" يعني ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك الثوري. واختار ذلك ابن جرير وقال أبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة هو قولهم لم يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه، وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون" فكان الذي أبدوا هو قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا نحن أعلم منه وأكرم، فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم، وقال ابن جرير: حدثنا يونس حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قصة الملائكة وآدم، فقال الله للملائكة: كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها، هذا عندي قد علمته ولذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني، قال وقد سبق من الله "لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" قال: ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه، فقال: فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل. وقال ابن جرير وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس وهو أن معنى قوله تعالى: "وأعلم ما تبدون" وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض وما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم، فلا يخفى علي أي شيء سواء عندي سرائركم وعلانيتكم والذي أظهروه بألسنتهم قولهم: أتجعل فيها من يفسد فيها، والذي كانوا يكتمون ما كان عليه منطوياً إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته، قال: وصح ذلك كما تقول العرب قتل الجيش وهزموا، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم كما قال تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" ذكر أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم، قال وكذلك قوله "وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون".
31- "آدم" أصله أأدم بهمزتين إلا أنهم لينوا الثانية وإذا حركت قلبت واو، كما قالوا في الجمع أوادم، قاله الأخفش. واختلف في اشتقاقه، فقيل: من أديم الأرض وهو وجهها- وقيل: من الأدمة وهي السمرة. قال في الكشاف: وما آدم إلا اسم عجمي، وأقرب أمره أن يكون على فاعل كآزر وعازر وعابر وشالخ وفالغ وأشباه ذلك، و"الأسماء" هي العبارات والمراد: أسماء المسميات، قال: بذلك أكثر العلماء، وهو المعنى الحقيقي للاسم. والتأكيد بقوله: "كلها" يفيد أنه علمه جميع الأسماء ولم يخرج عن هذا شيء منها كائناً ما كان. وقال ابن جرير: إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم، ثم رجح هذا شيء منها كائناً ما كان. وقال ابن جرير: إنها أسماء الملائكة وأسماء ذرية آدم، ثم رجح هذا وهو غير راجح. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أسماء الذرية. وقال الربيع بن خيثم: أسماء الملائكة. واختلف أهل العلم هل عرض على الملائكة المسميات أو الأسماء، والظاهر الأول لأن عرض نفس الأسماء غير واضح. وعرض الشيء إظهاره، ومنه عرض الشيء للبيع. وإنما ذكر ضمير المعروضين تغليباً للعقلاء على غيرهم. وقرأ ابن مسعود: عرضهن وقرأ أبي: عرضها وإنما رجع ضمير عرضهم إلى مسميات مع عدم تقدم ذكرها، لأنه قد تقدم ما يدل عليها وهو أسماؤها. قال ابن عطية: والذي يظهر أن الله علم آدم الأسماء وعرض عليه مع ذلك الأجناس أشخاصاً، ثم عرض تلك على الملائكة وسألهم عن أسماء مسمياتها التي قد تعلمها آدم، فقال لهم آدم: هذا اسمه كذا وهذا اسمه كذا. قال الماوردي: فكان الأصح توجه العرض إلى المسمين. ثم في زمن عرضهم قولان: أحدهما أنه عرضهم بعد أن خلقهم. الثاني أنه صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم. وأما أمره سبحانه للملائكة بقوله: "أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" فهذا منه تعالى لقصد التبكيت لهم مع علمه بأنهم يعجزون عن ذلك. والمراد "إن كنتم صادقين" أن بني آدم يفسدون في الأرض فأنبئوني، كذا قال المبرد. وقال أبو عبيد وابن جرير: إن بعض المفسرين قال: معنى "إن كنتم صادقين" إذ كنتم، قالا: وهذا خطأ. ومعنى "أنبئوني" أخبروني.
31. قوله: " وعلم آدم الأسماء كلها " سمي آدم لأنه خلق أديم الأرض، وقيل: لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد وأبو البشر فلما خلقه الله تعالى علمه أسماء الأشياء وذلك أن الملائكة قالوا: لما قال الله تعالى: (( إني جاعل في الأرض خليفة )): ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم عليه منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره. فأظهر الله تعالى فضله عليهم بالعلم وفيه دليل على أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً كما ذهب إليه أهل السنة والجماعة قال ابن عباس و مجاهد و قتادة : علمه اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة وقيل: اسم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة. وقال الربيع بن أنس: أسماء الملائكة وقيل: أسماء ذريته، وقيل: صنعة كل شيء قال أهل التأويل: إن الله عز وجل علم آدم جميع اللغات ثم تكلم كل واحد من أولاده بلغة فتفرقوا في البلاد واختص كل فرقة منهم بلغة. " ثم عرضهم على الملائكة " إنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومالا يعقل يكنى عنها بلفظ من يعقل كما يكنى عن الذكور والإناث بلفظ الذكور وقال مقاتل خلق الله كل شيء الحيوان والجماد ثم عرض تلك الشخوص على الملائكة فالكناية راجعة إلى الشخوص فلذلك قال عرضهم " فقال أنبئوني " أخبروني " بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين " في أني لا أخلق خلقاً إلا وكنتم أفضل وأعلم منه فقالت الملائكة إقراراً بالعجز
31" وعلم آدم الأسماء كلها " إما بخلق علم ضروري بها فيه ، أو إلقاء في روعه ، ولا يفتقر إلى سابقة اصطلاح ليتسلسل . والتعليم فعل يترتب عليه العلم غالباً ، ولذلك يقال علمته فلم يتعلم . و " آدم " اسم أعجمي كآزر وشالخ ، واشتقاقه من الأدمة أو الأمة بالفتح بمعنى الأسوة ، أو من أديم الأرض لما روي عنه عليه الصلاة والسلام " أنه تعالى قبض قبضة من جميع الأرض سهلها وحزنها فخلق منها آدم " فلذلك يأتي بنوه أخيافاً ، أو من الأدم أو الأدمة بمعنى الألفة ، تعسف كاشتقاق إدريس من الدرس ، ويعقوب من العقب ، وإبليس من الإبلاس . والاسم باعتبار الاشتقاق ما يكون علامة للشئ ودليلاً يرفعه إلى الذهن مع الألفاظ والصفات والأفعال ، واستعماله فرفاً في اللفظ الموضوع لمعنى سواء كان مركباً أو مفرداً مخبراً أو رابطة بينهما .واصطلاحاً : في المفرد الدال على معنى يستلزم الأول ، لأن العلم بألفاظ من حيث الدلالة متوقف على العلم بالمعاني ، والمعنى أنه تعالى خلقه من أجزاء مختلفة وقوى متباينة ، مستعداً لإدراك أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات , والمتخيلات والموهومات . وألهمه معرفة ذوات الأشياء وخواصها وأسمائها وأصول العلوم وقوانين الصناعات وكيفية آلاتها .
" ثم عرضهم على الملائكة " الضمير فيه للمسميات المدلول عليها ضمناً إذ التقدير أسماء المسميات ، فحذف المضاف إليه لدلالة المضاف عليه وعوض عنه اللام كقوله تعالى : " واشتعل الرأس شيباً " لأن العرض للسؤال عن أسماء المعروضات فلا يكون المعروض نفس الأشياء سيما إن أريد به الألفاظ ، والمراد به ذوات الأشياء ، أو مدلولات الألفاظ ، وتذكيره ليغلب ما اشتمل عليه من العقلاء ، وقرئ عرضهن على معنى عرض مسمياتهن أو مسمياتها .
" فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء " تبكيت لهم وتنبيه على عجزهم عن أمر الخلافة ، فإن التصرف والتدبير إقامة المعدلة قبل تحقق المعرفة ، والوقوف على مراتب الاستعدادات وقدر الحقوق محال ، وليس بتكليف ليكون من باب التكليف بالمحال ، والإنباء : إخبار فيه إعلام ، ولذلك يجري مجرى كل واحد منهما .
" إن كنتم صادقين " في زعمكم أنكم أحقاء بالخلافة لعصمتكم ، أو أن خلقهم واستخلافهم وهذه صفتهم لا يليق بالحكيم ، وهو وإن لم يصرحوا به لكنه لازم مقالهم . والتصديق كما يتطرق إلى الكلام باعتبار منطوقه قد يتطوق إليه بفرض ما يلزم مدلوله من الأخبار ، وبهذا الاعتبار يعتري الإنشاءات .
31. And He taught Adam all the names, then showed them to the angels, saying: Inform me of the names of these, if ye are truthful.
31 - And he taught Adam the nature of all things; then he placed them before the angels, and said: tell me the nature of these if ye are right.