(إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) وهي ما ورد عليها وعيد كالقتل والزنا والسرقة ، وعن ابن عباس: "هي إلى السبعمائة أقرب". (نكفر عنكم سيئاتكم) الصغائر بالطاعات (وندخلكم مُدخلا) بضم الميم وفتحها أي إدخالا أو موضعا (كريما) هو الجنة
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى الكبائر التي وعد الله جل ثناؤه عباده باجتنابها تكفير سائر سيئاتهم عنهم.
فقال بعضهم: الكبائر التي قال الله تبارك وتعالى: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"، هي ما تقدم الله إلى عباده بالنهي عنه من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين منها.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله قال: الكبائر، من أول سورة النساء إلى ثلاثين منها.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله بمثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا حجاج، قال، حدثنا حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود مثله.
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا وكيع قال، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم قال، حدثني علقمة، عن عبد الله قال: الكبائر، من أول سورة النساء إلى قوله "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".
حدثنا الرفاعي قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق قال: سئل عبد الله عن الكبائر، قال: ما بين فاتحة سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود قال: الكبائر، ما بين فاتحة سورة النساء إلى ثلاثين آية منها: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله أنه قال: الكبائر، من أول سورة النساء إلى الثلاثين منها: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن إبراهيم قال: كانوا يرون أن الكبائر فيما بين أول هذه السورة سورة النساء، إلى هذا الموضع: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه".
حدثني المثنى قال، حدثنا آدم العسقلاني قال، حدثنا شعبة، عى عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن ابن مسعود قال: الكبائر، من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها. ثم تلا: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما".
حدثني المثنى قال، حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مسعر، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش قال، قال عبد الله: الكبائر ما بين أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
وقال آخرون: الكبائر سبع.
ذكر من قال ذلك:
حدثني تميم بن المنتصر قال، حدثنا يزيد قال، أخبرنا محمد بن إسحق، عن محمد بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه قال: إني لفي هذا المسجد، مسجد الكوفة، وعلي يخطب الناس على المنبر، فقال: يا أيها الناس، إن الكبائر سبع، فأصاخ الناس، فأعادها ثلاث مرات ثم قال: ألا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، ما هي؟ قال: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة. فقلت لأبي: يا أبه، ما التعرب بعد الهجرة؟ كيف لحق ههنا؟ فقال: يا بني، وما أعظم من أن يهاجر الرجل، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد، خلع ذلك من عنقه، فرجع أعرابياً كما كان!!
حدثني محمد بن عبيد المحاربي قال، حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم، عن ابن إسحق، عن عبيد بن عمير قال: الكبائر سبع، ليس منهن كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله: الإشراك بالله منهن: "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء" [الحج: 31]، و"الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا" [النساء: 10]، و"الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" [البقرة: 275]، و"الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" [لنور: 23]، والفرار من الزحف: "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار" [الأنفال: 15]، والتعرب بعد الهجرة: "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى" [محمد: 25]، وقتل النفس.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن ابن إسحق، عن عبيد بن عمير الليثي قال: الكبائر سبع: الإشراك بالله: "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق"، وقتل النفس: "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم" الآية، [النساء: 93]، وأكل الربا: "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" الآية، وأكل أموال اليتامى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" الآية، وقذف المحصنة: "إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات" الآية، والفرار من الزحف: "ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة" الآية [الأنفال: 16]، والمرتد أعرابياً بعد هجرته: "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى" الآية.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن محمد قال: سألت عبيدة عن الكبائر فقال: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها، وفرار يوم الزحف، وأكل مال اليتيم بغير حقه، وأكل الربا، والبهتان. قال: ويقولون: أعرابية بعد هجرة. قال ابن عون: فقلت لمحمد: فالسحر؟ قال: إن البهتان يجمع شراً كثيراً.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا منصور وهشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة أنه قال: الكبائر: الإشراك، وقتل النفس الحرام، وأكل الربا، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف، والمرتد أعرابياً بعد هجرته.
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، حدثنا هشام، عن ابن سيرين، عن عبيدة بنحوه.
وعلة من قال هذه المقالة ما:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، أخبرني الليث قال، حدثني خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر قال: أخبرني صهيب مولى العتواري: "أنه سمع من أبي هريرة وأبي سعيد الخدري يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: والذي نفسي بيده -ثلاث مرات- ثم أكب، فأكب كل رجل منا يبكي، لا يدري على ماذا حلف، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشر، فكان أحب إلينا من حمر النعم، فقال: ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع، إلا فتحت له أبواب الجنة، ثم قيل: ادخل بسلام".
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء قال: الكبائر سبع: قتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف.
وقال آخرون هي تسع.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا زياد بن مخراق، عن طيسلة بن مياس قال: كنت مع النجدات، فأصبت ذنوباً لا أراها إلا من الكبائر! فلقيت ابن عمر فقلت: أصبت ذنوباً لا أراها إلا من الكبائر! قال: وما هي؟ قلت: كذا وكذا. قال: ليس من الكبائر -قال: لشيء لم يسمه طيسلة- قال: هي تسع، وسأعدهن عليك: الإشراك بالله، وقتل النسمة بغير حلها، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم ظلماً، وإلحاد في المسجد الحرام، والذي يستسحر، وبكاء الوالدين من العقوق. قال زياد: وقال طيسلة: لما رأى ابن عمر فرقي قال: أتخاف النار أن تدخلها؟ قلت: نعم! قال: وتحب أن تدخل الجنة؟ قلت: نعم! قال: أحي والداك؟ قلت: عندي أمي. قال: فوالله لئن أنت ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلن الجنة ما اجتنبت الموجبات.
حدثنا سليمان بن ثابت الخراز الواسطي قال، أخبرنا سلم بن سلام قال، أخبرنا أيوب بن عتبة، عن طيسلة بن علي النهدي قال: أتيت ابن عمر وهو في ظل أراك يوم عرفة، وهو يصب الماء على رأسه ووجهه، قال قلت: أخبرني عن الكبائر؟ قال: هي تسع. قلت: ما هن؟ قال: الإشراك بالله، وقذف المحصنة، قال قلت: قبل القتل؟ قال: نعم، ورغماً، وقتل النفس المؤمنة، والفرار من الزحف، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وإلحاد بالبيت الحرام، قبلتكم أحياء وأمواتاً.
حدثنا سليمان بن ثابت الخراز قال، أخبرنا سلم بن سلام قال، أخبرنا أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن عبيد بن عمير، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، إلا أنه قال: بدأ بالقتل قبل القذف.
وقال آخرون: هي أربع.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن مطرف، عن وبرة، عن ابن مسعود قال: الكبائر: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا مطرف، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن أبي الطفيل قال، قال عبد الله بن مسعود: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن وبرة بن عبد الرحمن قال، قال عبد الله: إن الكبائر: الشرك بالله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، والإياس من روح الله.
حدثنا أبو كريب وأبو السائب قالا، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت مطرفاً، عن وبرة، عن أبي الطفيل قال، قال عبد الله: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله.
حدثني محمد بن عمارة الأسدي قال، حدثنا عبد الله قال، أخبرنا شيبان، عن الأعمش، عن وبرة، عن أبي الطفيل قال: سمعت ابن مسعود يقول: أكبر الكبائر، الإشراك بالله.
حدثني محمد بن عمارة قال، حدثنا عبد الله قال، أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحق، عن وبرة، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بنحوه.
حدثني ابن المثنى قال، حدثني وهب بن جرير قال، حدثنا شعبة، عن عبد الملك، عن أبي الطفيل، عن عبد الله قال: الكبائر أربع: الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله.
وبه قال، حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بمثله.
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزة، عن أبي الطفيل، عن عبد الله بن مسعود بنحوه.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي الطفيل، عن ابن مسعود قال: الكبائر أربع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، والأمن لمكر الله، والإياس من روح الله.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن المسعودي، عن فرات القزاز، عن أبي الطفيل، عن عبد الله قال: الكبائر: القنوط من رحمة الله، والإياس من روح الله، والأمن لمكر الله، والشرك بالله.
وقال آخرون: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن منصور، عن ابن سيرين، عن ابن عباس قال: ذكرت عنده الكبائر فقال: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا أيوب، عن محمد قال: أنبئت أن ابن عباس كان يقول: كل ما نهى الله عنه كبيرة، وقد ذكرت الطرفة، قال: هي النظرة.
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا معتمر، عن أبيه، عن طاوس قال، قال رجل لـعبد الله بن عباس: أخبرني بالكبائر السبع! قال، فقال ابن عباس: هي أكثر من سبع وسبع، فما أدري كم قالها من مرة.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن سليمان التيمي، عن طاوس قال: ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا: هي سبع. قال : هي أكثر من سبع وسبع! قال سليمان: فلا أدري كم قالها من مرة.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وابن أبي عدي، عن عوف قال: قام أبو العالية الرياحي عن حلقة أنا فيها فقال: إن ناساً يقولون: الكبائر سبع، وقد خفت أن تكون الكبائر سبعين أو يزدن على ذلك.
حدثنا علي قال، حدثنا الوليد قال، سمعت أبا عمرو يخبر، عن الزهري، عن ابن عباس: أنه سئل عن الكبائر: أسبع هي؟ قال: هي إلى السبعين أقرب.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن قيس بن سعد، عن سعيد بن جبير، أن رجلاً قال لـابن عباس: كم الكبائر؟ أسبع هي؟ قال: إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن ليث، عن طاوس قال، جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن الله؟ ما هن؟ قال: هن إلى السبعين أدنى منها إلى سبع.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: قيل لابن عباس: الكبائر سبع؟ قال: هي إلى السبعين أقرب.
حدثنا أحمد بن حازم قال، أخبرنا أبو نعيم قال، حدثنا عبد الله بن سعدان، عن أبي الوليد قال: سألت ابن عباس عن الكبائر، قال: كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة.
وقال آخرون: هي ثلاث.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود قال: الكبائر ثلاث: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله.
وقال آخرون: كل موجبة، وكل ما أوعد الله أهله عليه النار، فكبيرة.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، قال: الكبائر، كل ذنب ختمه الله بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية قال، أخبرنا هشام بن حسان، عن محمد بن واسع قال، قال سعيد بن جبير: كل موجبة في القرآن كبيرة.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن محمد بن مهزم الشعاب، عن محمد بن واسع الأزدي، عن سعيد بن جبير قال: كل ذنب نسبه الله إلى النار، فهو من الكبائر.
حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا الوليد بن مسلم، عن سالم: أنه سمع الحسن يقول: كل موجبة في القرآن كبيرة.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، قال: الموجبات.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
حدثني يحيى بن أبي طالب قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك قال: الكبائر، كل موجبة أوجب الله لأهلها النار. وكل عمل يقام به الحد، فهو من الكبائر.
قال أبو جعفر: والذي نقول به في ذلك، ما ثبت به الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما:
حدثنا به أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة قال، حدثني عبيد الله بن أبي بكر قال: "سمعت أنس بن مالك قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو: سئل عن الكبائر، فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين. فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو قال: شهادة الزور"، قال شعبة: وأكبر ظني أنه قال: شهادة الزور.
حدثنا يحيى بن حبيب بن عربي قال، حدثنا خالد بن الحارث قال، حدثنا شعبة قال، أخبرنا عبيد الله بن أبي بكر، عن أنس، "عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكبائر قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وقول الزور".
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا يحيى بن كثير قال، حدثنا شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر، "عن أنس قال: ذكروا الكبائر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس. ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور".
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن فراس، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو، "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين- أو: قتل النفس -شعبة الشاك- واليمين الغموس".
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا عبيد الله بن موسى قال، حدثنا شيبان، عن فراس، عن الشعبي، عن عبدالله بن عمرو قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الكبائر؟ قال: الشرك بالله. قال: ثم مه؟ قال: وعقوق الوالدين. قال: ثم مه؟ قال: واليمين الغموس". قلت للشعبي: ما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمينه وهو فيها كاذب.
حدثني المثنى قال، حدثنا ابن أبي السري محمد بن المتوكل العسقلاني قال، حدثنا يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، عن أبي رهم، عن أبي أيوب الأنصاري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، واجتنب الكبائر، فله الجنة. قيل: وما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزحف".
حدثني عباس بن أبي طالب قال، حدثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر، عن ابن أبي جعفر، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد الله بن سلمان الأغر، عن أبيه أبي عبد الله سلمان الأغر قال، قال أبو أيوب خالد بن أيوب الأنصاري عقبي بدري قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من عبد يعبد الله لا يشرك به شيئاً، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر، إلا دخل الجنة. فسألوه: ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله، والفرار من الزحف، وقتل النفس".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن قال، حدثنا عباد بن عباد، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: "أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكئ، فقالوا: الشرك بالله، وأكل مال اليتيم، وفرار من الزحف، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزور، والغلول، والسحر، وأكل الربا: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين تجعلون: "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا"؟" إلى آخر الآية، [آل عمران: 77].
حدثنا عبيد الله بن محمد الفريابي قال، حدثنا سفيان، عن أبي معاوية، عن أبي عمرو الشيباني، "عن عبد الله قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: ما الكبائر؟ قال: أن تدعو لله نداً وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من أجل مأكل معك، أو تزني بحليلة جارك. وقرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون"" [الفرقان: 68].
حدثني هذا الحديث عبد الله بن محمد الزهري فقال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو معاوية النخعي -وكان على السجن- سمعه من أبي عمرو، "عن عبد الله بن مسعود: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أي العمل شر؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك، أو تزني بجارتك. وقرأ علي: "والذين لا يدعون مع الله إلها آخر"" [الفرقان: 68].
قال أبو جعفر: وأولى ما قيل في تأويل الكبائر بالصحة، ما صح به الخبر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون ما قاله غيره، وإن كان كل قائل فيها قولاً من الذين ذكرنا أقوالهم، قد اجتهد وبالغ في نفسه، ولقوله في الصحة مذهب. فالكبائر إذن: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس المحرم قتلها، وقول الزور -وقد يدخل في قول الزور، شهادة الزور- وقذف المحصنة، واليمين الغموس، والسحر -ويدخل في قتل النفس المحرم قتلها، قتل الرجل ولده من أجل أن يطعم معه- والفرار من الزحف، والزنا بحليلة ا لجار.
وإذ كان ذلك كذلك، صح كل خبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في معنى الكبائر، وكان بعضه مصدقاً بعضاً. وذلك أن الذي روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: هي سبع يكون معنى قوله حينئذ: هي سبع على التفصيل، ويكون معنى قوله في الخبر الذي روي عنه أنه قال: هي الإشراك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وقول الزور على الإجمال، إذ كان قوله: وقول الزور يحتمل معاني شتى، وأن يجمع جميع ذلك قول الزور.
وأما خبر ابن مسعود الذي حدثني به الفريابي على ما ذكرت، فإنه عندي غلط من عبيد الله بن محمد، لأن الأخبار المتظاهرة من الأوجه الصحاح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو الرواية التي رواها الزهري عن ابن عيينة. ولم يقل أحد منهم في حديثه عن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم: سئل عن الكبائر، فنقلهم ما نقلوا من ذلك عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، أولى بالصحة من نقل الفريابي.
قال أبو جعفر: فمن اجتنب الكبائر التي وعد الله مجتنبها تكفير ما عداها من سيئاته، وإدخاله مدخلاً كريماً، وأدى فرائضه التي فرضها الله عليه، وجد الله لما وعده من وعد منجزاً، وعلى الوفاء له ثابتاً.
وأما قوله: "نكفر عنكم سيئاتكم"، فإنه يعني به: نكفر عنكم، أيها المؤمنون، باجتنابكم كبائر ما ينهاكم عنه ربكم، صغائر سيئاتكم، يعني: صغائر ذنوبكم، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "نكفر عنكم سيئاتكم"، الصغائر.
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن ابن عون، عن الحسن: أن ناساً لقوا عبد الله بن عمرو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله، أمر أن يعمل بها، لا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك؟ فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن ناساً لقوني بمصر فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله تبارك وتعالى، أمر أن يعمل بها لا يعمل بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي. قال: فجمعتهم له، قال ابن عون: أظنه قال: في بهو، فأخذ أدناهم رجلاً فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك، أقرأت القرآن كله؟ قال: نعم. قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال، اللهم لا! قال: ولو قال: نعم لخصمه، قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم، فقال: ثكلت عمر أمه! أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله؟ قد علم ربنا أن ستكون لنا سيئات. قال: وتلا: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما". هل علم أهل المدينة -أو قال هل علم أحد- بما قدمتم؟ قالوا، لا! قال: لو علموا لوعظت بكم.
حدثني يعقوب قال، حدثنا ابن علية قال، حدثنا زياد بن مخراق، عن معاوية بن قرة قال: أتينا أنس بن مالك، فكان فيما حدثنا قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا، ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال! ثم سكت هنيهة، ثم قال: والله لقد كلفنا ربنا أهون من ذلك! لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر! فما لنا ولها؟. ثم تلا: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، الآية.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، الآية، إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر. وذكر لنا "أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: اجتبوا الكبا ئر، وسددوا، وأبشروا".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن رجل، عن ابن مسعود قال في خمس آيات من سورة النساء: لهن أحب إلي من الدنيا جميعاً: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"، وقوله: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها" [النساء: 40]، وقوله: "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" [النساء: 48، 116]، وقوله: "ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما" [النساء: 110]، وقوله: "والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما" [النساء: 152].
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني أبو النضر، عن صالح المري، عن قتادة، عن ابن عباس قال: ثمان آيات نزلت في سورة النساء، هي خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت: أولاهن: "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم" [النساء: 26]، والثانية: "والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما" [النساء: 27]، والثالثة: "يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا" [النساء: 28]، ثم ذكر مثل قول ابن مسعود سواء، وزاد فيه: ثم أقبل يفسرها في آخر الآية: وكان الله للذين عملوا الذنوب غفوراً رحيماً.
وأما قوله: "وندخلكم مدخلا كريما"، فإن القرأة اختلفت في قراءته.
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة وبعض الكوفيين: "وندخلكم مدخلا كريما" بفتح الميم، وكذلك الذي في الحج: "ليدخلنهم مدخلا يرضونه" [الحج: 59]، فمعنى: وندخلكم مدخلاً، فيدخلون دخولاً كريماً. وقد يحتمل على مذهب من قرأ هذه القراءة، أن يكون المعنى في المدخل: المكان والموضع. لأن العرب ربما فتحت الميم من ذلك بهذا المعنى، كما قال الراجز:
بمصبح الحمد وحيث نمسي
وقد أنشدني بعضهم سماعاً من العرب:
الحمد للة ممسانا ومصبحنا بالخير صبحنا ربي ومسانا
وأنشدني آخر غيره:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا
لأنه من أصبح وأمسى. وكذلك تفعل العرب فيما كان من الفعل بناؤه على أربعة، تضم ميمه في مثل هذا فتقول: دحرجته أدحرجه مدحرجاً، فهو مدحرج. ثم تحمل ما جاء على أفعل يفعل على ذلك. لأن يفعل من يدخل، وإن كان على أربعة، فإن أصله أن يكون على يؤفعل، يؤدخل ويؤخرج، فهو نظير يدحرج.
وقرأ ذلك عامة قرأة الكوفيين والبصريين: "مدخلا" بضم الميم، يعني: وندخلكم إدخالاً كريماً.
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب، قراءة من قرأ ذلك: "وندخلكم مدخلا كريما" بضم الميم، لما وصفنا، من أن ما كان من الفعل بناؤه على أربعة في فعل، فالمصدر منه مفعل. وأن أدخل ودحرج فعل منه على أربعة. فـالمدخل مصدره أولى من مفعل، من أن ذلك أفصح من كلام العرب في مصادر ما جاء على أفعل، كما يقال: أقام بمكان فطاب له المقام، إذ أريد به الإقامة، وقام في موضعه فهو في مقام واسع، كما قال جل ثناؤه: "إن المتقين في مقام أمين" [الدخان: 51]، من قام يقوم. ولو أريد به الإقامة لقرئ: إن المتقين في مقام أمين كما قرئ: "وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق" [الإسراء: 80]، بمعنى الإدخال والإخراج. ولم يبلغنا عن أحد أنه قرأ: مدخل صدق ولا مخرج صدق بفتح الميم.
وأما المدخل الكريم، فهو: الطيب الحسن، المكرم بنفي الآفات والعاهات عنه، وبارتفاع الهموم والأحزان ودخول الكدر في عيش من دخله، فلذلك سماه الله كريماً، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "وندخلكم مدخلا كريما"، قال: الكريم، هو الحسن في الجنة.
فيه مسألتان:
الأولى- لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر، وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر ودل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء وأن اللمسة والنظرة تكفر باجتناب الكبائر قطعاً بوعده الصدق وقوله الحق لا أنه يجب عليه ذلك ونظير الكلام في هذا ما تقدم بيانه في قبول التوبة في قوله تعالى :" إنما التوبة على الله " فالله تعالى يغفر الصغائر باجتناب الكبائر، لكن بضميمة أخرى إلى الاجتناب وهي إقامة الفرائض روى مسلم "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر" وروى أبو حاتم البستي في صحيح مسنده "عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال :
والذي نفسي بيده ثلاث مرات ثم سكت فأكب كل رجل منا يبكي حزيناً ليمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : ما من عبد يؤدي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يوم القيامة حتى إنها لصفق ثم تلا " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"" فقد تعاضد الكتاب وصحيح السنة بتكفير الصغائر قطعاً كالنظر وشبهه وبينت السنة أن المراد ب " تجتنبوا " ليس لك الاجتناب لجميع الكبائر والله أعلم وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر وإنما محمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء والمشيئة ثابتة ودل على ذلك أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض تكفير صغائره قطعاً لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بألا تباعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة، ولا صغيرة عندنا قال القشيري عبد الرحمن : والصحيح أنها كبائر ولكن بعضها أعظم وقعاً من بعض، والحكمة في عدم التمييز أن يجتنب العبد جميع المعاصي .
قلت: وأيضاً فإن من نظر إلى نفس المخالفة كما قال بعضهم: لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر من عصيت - كانت الذنوب بهذه النسبة كلها كبائر وعلى هذا النحو يخرج كلام القاضي أبي بكر بن الطيب والأستاذ أبي إسحاق الأسفرايني وأبي المعالي وأبي نصر عبد القشيري وغيرهم قالوا: وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها كما يقال الزنى صغيرة بإضافته إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالنسبة إلى الزنى، ولا ذنب بعندنا يغفر باجتناب ذنب آخر، بل كل ذلك كبيرة ومرتكبه في المشيئة غير الكفر، لقوله تعالى :" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " [النساء :48] واحتجوا بقراءة من قرأ إن تجتنبوا كبير ما تنهون عنه على التوحيد وكبير الإثم الشرك قالوا: وعلى الجمع فالمراد أجناس الكفر ، والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها قوله تعالى :" ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " واحتجوا بما روه مسلم وغيره "عن أبي أمامة أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال :
من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة فقال له رجل : يا رسول الله: وإن كان شيئاً يسيراً قال : وإن كان قضيباً من أراك" فقد جاء الوعيد الشديد على اليسير كما جاء على الكثير ، وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية وتصديقه قوله تعالى :" إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه " وقال طاوس: قيل لابن عباس الكبائر سبع؟قال : هي إلى السبعين أقرب وقال سعيد بن جبير : قال رجل لابن عباس الكبائر سبع قال : هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار وروي عن ابن مسعود أنه قال: الكبائر أربع: اليأس من روح الله والقنوط من رحمه الله والأمن من مكر الله ، والشرك بالله دل علها القرآن وروي عن ابن عمر: هي تسع : قتل النفس وآكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، ورمي المحصنة وشهادة الزور وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، والسحر ، والإلحاد في البيت الحرام ومن الكبائر عند العلماء : القمار والسرقة وشرب الخمر وسب السلف الصالح وعدول الحكام عن الحق واتباع الهوى واليمين الفاجرة والقنوط من رحمة الله وسب الإنسان أبويه_ بأن يسب رجلاً فيسب ذلك الجل أبويه- والسعي في الأرض فساداً- إلى غير ذلك مما يكثر تعداده حسب ما رجاء بيانها في القرآن، وفي أحاديث خرجها الأئمة، وقد ذكر مسلم في كتاب الإيمان منها جملة وافرة وقد اختلف الناس في تعدادها وحصرها لاختلاف الآثار فيها، والذي أقول : إنه قد جاءت فيها أحاديث كثيرة صحاح وحسان لم يقصد بها الحصر ولكن بعضها أكبر من بعض بالنسبة إلى ما يكثر ضرره، فالشرك أكبر ذلك كله ، وهو الذي لا يغفر لنص الله تعالى على ذلك وبعده اليأس من رحمة الله لأن فيه تكذيب القرآن إذ يقول وقوله الحق : " ورحمتي وسعت كل شيء " [ الأعراف :156] وهو يقول: لا يغفر له ، فقد حجر واسعاً هذا إذا كان معتقداً لذلك ولذلك قال الله تعالى :" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " [يوسف: 87] وبعد القنوط قال الله تعالى :" ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " [ الحجر : 56] وبعده الأمن مكر الله فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمه الله من غير عمل قال الله تعالى :" أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " [ الأعراف :99] وقال تعالى :
" وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " [ فصلت : 23] وبعده القتل ، لأن فيه إذهاب النفوس وإعدام الوجود واللواط فيه قطع النسل، والزنى فيه اختلاط الأنساب بالمياه والخمر فيه ذهاب العقل الذي هو مناط التكليف وترك الصلاة والأذان فيه ترك إظهار شعائر الإسلام، وشهادة الزور فيها استباحة الدماء والفروج، والأموال، إلى غير ذلك ما هو بين الضرر، فكل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده، أو عظم ضرره في الوجود كما ذكرنا فهو كبيرة وما عداه صغيرة فهذا يربط لك هذا الباب ويضبطه والله أعلم .
الثانية- قوله تعالى:" وندخلكم مدخلا كريما" قرأ أبو عمرو وأكثر الكوفيين مدخلاً بضم الميم، فيحتمل أن يكون مصدراً، أي إدخالاً والمفعول محذوف أي وندخلكم الجنة إدخالاً ويحتمل أن يكون بمعنى المكان فيكون مفعولاً وقرأ أهل المدينة بفتح الميم ، فيجوز أن يكون مصدر دخل وهو منصوب بإضمار فعل ، والتقدير وندخلكم فتدخلون مدخلاً ودل الكلام عليه ويجوز أن يكون اسم مكان فينتصب على أنه مفعول به أي وندخلكم مكاناً كريماً وهو الجنة وقال أبو سعيد بن الأعرابي: سمعت أبا داود السجستاني يقول:سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: المسلمون كلهم في الجنة، فقلت له وكيف؟ قال: يقول الله عز وجل " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما" يعني الجنة "قولا النبي صلى الله عليه وسلم :
ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " فإن كان الله عز وجل يغفر ما دون الكبائر والنبي صلى الله عليه ولم يشفع في الكبائر فأي ذنب يبقى على المسلمين . وقتل علماؤنا : الكبائر عند أهل السنة تغفر لمن أقلع عنها قبل الموت حسب ما تقدم وقد يغفر لمن ما ت عليها من المسلمين كما قال تعالى :" ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " والمراد بذلك من مات على الذنوب فلو كان المراد من تاب قبل الموت لم يكن للتفرقة الإشراك وغيره ومعنى إذ التائب من الشرك أيضاً مغفور له وروي عن ابن مسعود أنه قال: خمس آيات من سورة النساء هي أحب إلي من الدنيا جميعاً قوله تعالى :" إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه " وقوله :" إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر " [النساء :48] الآية وقوله تعالى : " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه " [النساء: 110] وقوله تعالى :" وإن تك حسنة يضاعفها " [النساء: 40] وقوله تعلى :" والذين آمنوا بالله ورسله " [ النساء:125] وقال ابن عباس: ثمان آيات في سورة النساء هن خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس وغربت " يريد الله ليبين لكم " " والله يريد أن يتوب عليكم "، " يريد الله أن يخفف عنكم " " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " الآية
" إن الله لا يغفر أن يشرك به " " إن الله لا يظلم مثقال ذرة" [ النساء:40] " ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه " " ما يفعل الله بعذابكم " [ النساء :147] الآية .
(ذكر أقوال السلف في ذلك)
قد تقدم ما روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما في ضمن الأحاديث المذكورة, وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية عن ابن عون, عن الحسن, أن أناساً سألوا عبد الله بن عمرو بمصر, فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله عز وجل أمر أن يعمل بها لا يعمل بها, فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك, فقدم وقدموا معه, فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: متى قدمت ؟ فقال: منذ كذا وكذا. قال: أبإذن قدمت ؟ قال: فلا أدري كيف رد عليه. فقال: يا أمير المؤمنين, إن ناساً لقوني بمصر فقالوا: إنا نرى أشياء في كتاب الله أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها, فأحبوا أن يلقوك في ذلك. قال: فاجمعهم لي. قال: فجمعتهم له. قال ابن عون: أظنه قال: في بهو, فأخذ أدناهم رجلاً فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك, أقرأت القرآن كله ؟ قال: نعم. قال: فهل أحصيته في نفسك ؟ فقال: اللهم لا. قال: ولو قال: نعم, لخصمه. قال: فهل أحصيته في بصرك ؟ فهل أحصيته في لفظك ؟ هل أحصيته في أمرك ؟ ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم قال: فثكلت عمر أمه, أتكلفونه أن يقيم الناس على كتاب الله, قد علم ربنا أنه ستكون لنا سيئات, قال: وتلا "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" الاية. ثم قال: هل علم أهل المدينة ؟ أو قال: هل علم أحد بما قدمتم ؟ قالوا: لا. قال: لو علموا لوعظت بكم, إسناد حسن ومتن حسن وإن كان من رواية الحسن عن عمر, وفيها انقطاع إلا أن مثل هذا اشتهر, فتكفي شهرته. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان, حدثنا أبو أحمد يعني الزبيري, حدثنا علي بن صالح عن عثمان بن المغيرة, عن مالك بن جوين, عن علي رضي الله عنه. قال: الكبائر الإشراك بالله, وقتل النفس, وأكل مال اليتيم, وقذف المحصنة, والفرار من الزحف, والتعرب بعد الهجرة, والسحر, وعقوق الوالدين, وأكل الربا, وفراق الجماعة, ونكث الصفقة. وتقدم عن ابن مسعود أنه قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله, واليأس من روح الله, والقنوط من رحمة الله, والأمن من مكر الله عز وجل. وروى ابن جرير من حديث الأعمش عن أبي الضحى, عن مسروق والأعمش, عن إبراهيم, عن علقمة, كلاهما عن ابن مسعود, قال: الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها, ومن حديث سفيان الثوري وشعبة عن عاصم بن أبي النجود, عن زر بن حبيش, عن ابن مسعود قال: الكبائر من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها ثم تلا "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الاية, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان, حدثنا يعلى بن عبيد, حدثنا صالح بن حيان عن ابن بريدة, عن أبيه, قال: أكبر الكبائر الشرك بالله, وعقوق الوالدين, ومنع فضول الماء بعد الري, ومنع طروق الفحل إلا بجعل.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ", وفيهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة, ولا يزكيهم, ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه ابن السبيل" وذكر تمام الحديث. وفي مسند الإمام أحمد من حديث عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده مرفوعاً "من منع فضل الماء وفضل الكلأ منعه الله فضله يوم القيامة". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي, حدثنا أبو أحمد عن سفيان, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق, عن عائشة, قالت: ما أخذ على النساء من الكبائر, قال ابن أبي حاتم: يعني قوله تعالى: "على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن" الاية, وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية, حدثنا زياد بن مخراق عن معاوية بن قرة, قال: أتينا أنس بن مالك فكان فيما حدثنا قال: لم أر مثل الذي بلغنا عن ربنا تعالى لم نخرج له عن كل أهل ومال, ثم سكت هنيهة ثم قال: والله لما كلفنا ربنا أهون من ذلك لقد تجاوز لنا عما دون الكبائر فما لنا ولها, وتلا "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الاية.
أقوال ابن عباس في ذلك
روى ابن جرير من حديث المعتمر بن سليمان عن أبيه, عن طاوس, قال: ذكروا عند ابن عباس الكبائر فقالوا: هي سبع, فقال: هي أكثر من سبع وسبع, قال: فلا أدري كم قالها من مرة, وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا قبيصة, حدثنا سفيان عن ليث عن طاوس, قال: قلت لابن عباس: ما السبع الكبائر ؟ قال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. ورواه ابن جرير عن ابن حميد, عن جرير, عن ليث, عن طاوس قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: أرأيت الكبائر السبع التي ذكرهن الله ؟ قال: هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع, وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن طاوس عن أبيه قال: قيل لابن عباس: الكبائر سبع ؟ قال: هن إلى السبعين أقرب, وكذا قال أبو العالية الرياحي رحمه الله. وقال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا أبو حذيفة, حدثنا شبل عن قيس بن سعد, عن سعيد بن جبير: أن رجلاً قال لابن عباس: كم الكبائر سبع ؟ قال: هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع, غير أنه لا كبيرة مع استغفار, ولا صغيرة مع إصرار, وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث شبل به, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب, رواه ابن جرير. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن حرب الموصلي, حدثنا ابن فضيل, حدثنا شبيب عن عكرمة, عن ابن عباس, قال: الكبائر كل ما وعد الله عليه النار كبيرة, وكذا قال سعيد بن جبير والحسن البصري. وقال ابن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا ابن علية, أخبرنا أيوب عن محمد بن سيرين, قال: نبئت أن ابن عباس كان يقول: كل ما نهى الله عنه كبيرة, وقد ذكرت الطرفة, قال: هي النظرة, وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن حازم, أخبرنا أبو نعيم, حدثنا عبدالله بن معدان عن أبي الوليد, قال: سألت ابن عباس عن الكبائر, فقال كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة.
(أقوال التابعين)
قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية عن ابن عون, عن محمد, قال: سألت عبيدة عن الكبائر فقال: الإشراك بالله, وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها, وفرار يوم الزحف, وأكل مال اليتيم بغير حقه, وأكل الربا, والبهتان. قال: ويقولون: أعرابية بعد هجرة, قال ابن عون: فقلت لمحمد: فالسحر ؟ قال: إن البهتان يجمع شراً كثيراً. وقال ابن جرير: حدثني محمد بن عبيد المحاربي, حدثنا أبو الأحوص سلام بن سليم, عن أبي إسحاق, عن عبيد بن عمير, قال: الكبائر سبع, ليس منهن كبيرة إلا وفيها آية من كتاب الله, الإشراك بالله منهن "ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح" الاية, و "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً" الاية, و "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس" " الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ", والفرار من الزحف "يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً" الاية, والتعرب بعد الهجرة "إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى", وقتل المؤمن "ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها" الاية, وكذا رواه ابن أبي حاتم أيضاً في حديث أبي إسحاق عن عبيد بن عمير بنحوه. وقال ابن جرير: حدثنا المثنى, حدثنا أبو حذيفة, حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح, عن عطاء يعني ابن أبي رباح, قال: الكبائر سبع: قتل النفس, وأكل مال اليتيم, وأكل الربا, ورمي المحصنة, وشهادة الزور, وعقوق الوالدين, والفرار من الزحف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا عثمان بن أبي شيبة, حدثنا جرير عن مغيرة, قال: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر. قلت: وقد ذهب طائفة من العلماء إلى تكفير من سب الصحابة, وهو رواية عن مالك بن أنس رحمه الله. وقال محمد بن سيرين: ما أظن أحداً ينتقص أبا بكر وعمر وهو يحب رسول الله صلى الله عليه وسلم, رواه الترمذي. وقال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا يونس, أخبرنا ابن وهب, أخبرني عبدالله بن عياش, قال زيد بن أسلم في قول الله عز وجل "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" من الكبائر: الشرك بالله, والكفر بآيات الله ورسله, والسحر, وقتل الأولاد, ومن دعى لله ولداً أو صاحبة ـ ومثل ذلك من الأعمال والقول الذي لا يصلح معه عمل. وأما كل ذنب يصلح معه دين, ويقبل معه عمل, فإن الله يغفر السيئات بالحسنات. وقال ابن جرير: حدثنا بشر بن معاذ, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الاية: إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر، وذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اجتنبوا الكبائر, وسددوا, وأبشروا" وقد روى ابن مردويه من طرق عن أنس وعن جابر مرفوعاً "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي", ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعف, إلا ما رواه عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن ثابت, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فإنه إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد رواه أبو عيسى الترمذي منفرداً به من هذا الوجه عن عباس العنبري, عن عبد الرزاق, ثم قال: هذا حديث حسن صحيح, وفي الصحيح شاهد لمعناه وهو قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الشفاعة "أترونها للمؤمنين المتقين ؟ لا ولكنها للخاطئين المتلوثين" وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حد الكبيرة, فمن قائل: هي ما عليه حد في الشرع, ومنهم من قال: هي ما عليه وعيد مخصوص من الكتاب والسنة, وقيل غير ذلك. قال أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي في كتابه الشرح الكبير الشهير في كتاب الشهادات منه: ثم اختلف الصحابة رضي الله عنهم, فمن بعدهم في الكبائر وفي الفرق بينها وبين الصغائر, ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوه (أحدها) أنها المعصية الموجبة للحد. (والثاني) أنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة, وهذا أكثر ما يوجد لهم, وهو إلى الأول أميل, لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر. (والثالث) قال إمام الحرمين في الإرشاد وغيره: كل جريمة تنبىء بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة, فهي مبطلة للعدالة. (والرابع) ذكر القاضي أبو سعيد الهروي أن الكبيرة كل فعل نص الكتاب على تحريمه وكل معصية توجب في جنسها حداً من قتل أو غيره, وترك كل فريضة مأمور بها على الفور والكذب في الشهادة والرواية واليمين, هذا ما ذكروه على سبيل الضبط, ثم قال: وفصل القاضي الروياني فقال: الكبائر سبع: قتل النفس بغير الحق, والزنا, واللواطة, وشرب الخمر, والسرقة, وأخذ المال غصباً, والقذف, وزاد في الشامل على السبع المذكورة: شهادة الزور, وأضاف إليها صاحب العدة: أكل الربا والإفطار في رمضان بلا عذر, واليمين الفاجرة, وقطع الرحم, وعقوق الوالدين, والفرار من الزحف, وأكل مال اليتيم, والخيانة في الكيل والوزن, وتقديم الصلاة على وقتها, وتأخيرها عن وقتها بلا عذر, وضرب المسلم بلا حق, والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمداً, وسب أصحابه, وكتمان الشهادة بلا عذر, وأخذ الرشوة, والقيادة بين الرجال والنساء, والسعاية عند السلطان, ومنع الزكاة,. وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة, ونسيان القرآن بعد تعلمه, وإحراق الحيوان بالنار, وامتناع المرأة من زوجها بلا سبب, واليأس من رحمة الله, والأمن من مكر الله, ويقال: الوقيعة في أهل العلم, وحملة القرآن, ومما يعد من الكبائر: الظهار, وأكل لحم الخنزير والميتة إلا عن ضرورة, ثم قال الرافعي: وللتوقف مجال في بعض هذه الخصال. قلت: وقد صنف الناس في الكبائر مصنفات منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي الذي بلغ نحواً من سبعين كبيرة, وإذا قيل: إن الكبيرة ما توعد عليها الشارع بالنار بخصوصها, كما قال ابن عباس وغيره وما تتبع ذلك, اجتمع منه شيء كثير, وإذا قيل كل ما نهى الله عنه فكثير جداً, والله أعلم.
قوله 31- "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم" أي: إن تجتنبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها "نكفر عنكم سيئاتكم" أي: ذنوبكم التي هي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها، وجعل اجتنابها شرطاً لتكفير السيئات.
وقد اختلف أهل الأصول في تحقيق معنى الكبائر ثم في عددها، فأما في تحقيقها فقيل: إن الذنوب كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال: الزنا صغيرة بالإضافة إلى الكفر، والقبلة المحرمة صغيرة بالإضافة إلى الزنا، وقد روي نحو هذا عن الاسفرايني والجويني والقشيري وغيرهم قالوا: والمراد بالكبائر التي يكون اجتنابها سبباً لتكفير السيئات هي الشرك، واستدلوا على ذلك بقراءة من قرأ " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه " وعلى قراءة الجمع، فالمراد أجناس الكفر، واستدلوا على ما قالوه بقوله تعالى "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء" قالوا: فهذه الآية مقيدة لقوله "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" وقال ابن عباس: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وقال ابن مسعود: الكبائر ما نهى الله عنه في هذه السورة إلى ثلاث وثلاثين آية. وقال سعيد بن جبير: كل ذنب نسبه الله إلى النار فهو كبيرة. وقال جماعة من أهل الأصول: الكبائر كل ذنب رتب الله عليه الحد أو صرح بالوعيد فيه. وقيل غير ذلك مما لا فائدة في التطويل بذكره. وأما الاختلاف في عددها فقيل: إنها سبع، وقيل: سبعون، وقيل: سبعمائة، وقيل: غير منحصرة، ولكن بعضها أكبر من بعض، وسيأتي ما ورد في ذلك إن شاء الله. قوله "وندخلكم مدخلاً" أي: مكان دخول وهو الجنة "كريماً" أي: حسناً مرضياً، وقد قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر والكوفيون "مدخلا" بضم الميم. وقرأ أهل المدينة بفتح الميم، وكلاهما اسم مكان، ويجوز أن يكون مصدراً.
وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبراني، قال السيوطي بسند صحيح عن ابن مسعود في قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" قال: إنها محكمة ما نسخت ولا تنسخ إلى يوم القيامة. وأخرج ابن جرير عن عكرمة والحسن في الآية قال: كان الرجل يتحرج أن يأكل عند أحد من الناس بعد ما نزلت هذه الآية، فنسخ ذلك الآية التي في النور "ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم" الآية. وأخرج ابن ماجه وابن المنذر عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما البيع عن تراض". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح وعكرمة في قوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم" قالا: نهاهم عن قتل بعضهم بعضاً. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن جرير عن عطاء بن أبي رباح نحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن السدي: "ولا تقتلوا أنفسكم" قال: أهل دينكم. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله "ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً" يعني: متعمداً اعتداءً بغير حق "وكان ذلك على الله يسيراً" يقول: كان عذابه على الله هيناً. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيت قوله تعالى "ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً" في كل ذلك أم في قوله "ولا تقتلوا أنفسكم"؟ قال: بل في قوله "ولا تقتلوا أنفسكم". وأخرج عبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: هان ما سألكم ربكم "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: كل ما نهى عنه فهو كبيرة، وقد ذكرت الطرفة: يعني النظرة. وأخرج ابن جرير عنه قال: كل شيء عصي الله فيه هو كبيرة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كل ما وعد الله عليه النار كبيرة. وأخرج ابن جرير والبيهقي في الشعب عنه قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب. وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير ما قدمناه عنه. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ابن عباس: أنه سئل عن الكبائر أسبع هي؟ قال: هي إلى السبعين أقرب. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه: أن رجلاً سأله كم الكبائر أسبع هي؟ قال: هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار. وأخرج البيهقي في الشعب عنه كل ذنب أصر عليه العبد كبيرة، وليس بكبيرة ما تاب عنه العبد. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي بكرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئاً فجلس فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت". وأخرج البخاري وغيره عن ابن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس شك شعبة واليمين الغموس". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه". والأحاديث في تعداد الكبائر وتعيينها كثيرة جداً، فمن رام الوقوف على ما ورد في ذلك، فعليه بكتاب الزواجر في الكبائر، فإنه قد أجمع فأوعى.
واعلم أنه لا بد من تقييد ما في هذه الآية من تكفير السيئات بمجرد اجتناب الكبائر بما أخرجه النسائي وابن ماجه وابن جرير وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وأبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال: "والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصفق، ثم تلا "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"". وأخرج أبو عبيد في فضائله وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن في سورة النساء خمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها، ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها: قوله تعالى "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" الآية، وقوله "إن الله لا يظلم مثقال ذرة" الآية، وقوله "إن الله لا يغفر أن يشرك به" الآية، وقوله " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك " الآية، وقوله "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الآية.
31-قوله تعالى:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه"، اختلفوا في الكبائر التي جعل الله اجتنابها تكفيراً للصغائر :أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا احمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا محمد بن مقاتل أنا النضر أخبرنا شعبة أنا فراسقال: سمعت الشعبي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" الكبائر: الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وقتل النفس ، واليمين الغموس".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا مسدد أنا بشر بن المفضل أنا الجريري عنعبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثاً قالوا : بلى يا رسول الله ، قال :الإشراك بالله عز وجل، وعقوق الوالدين ، وجلس وكان متكئاً فقال: ألا وقول الزور ألا وقول الزور ، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار أنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أنا محمد بن كثير أنا سفيان الثوري عن الأعمش ومنصور، وواصل الأحدب عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله رضي الله عنهما قال:" قلت يا رسول الله أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قلت : ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يأكل معك، قلت : ثم أي ؟قال :أن تزاني حليلة جارك /فأنزل الله تعالى تصديق قول النبي صلى الله عليه وسلم :" والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون " الآية".
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا عبد العزيز بن عبد الله حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أكبر الكبائر: الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي أنا علي بن الجعد أنا شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت جميد بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من الكبائر أن يسب الرجل والديه، قالوا: كيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه".
وعن سعيد بن جبير: أن رجلاً سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن الكبائر : أسبع هي ؟ قال: هن إلى السبعمائة أقرب إلا أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار، وقال: كل شيء عصي الله به فهو كبيرة ، فمن عمل شيئاً منها فليستغفر فإن الله لا يخلد في النار من هذه الأمة إلا راجعاً عن الإسلام أو جاحداً فريضة أو مكذباً بقدر.
وقال عبد الله بن مسعود: ما نهى الله تعالى عنه في هذه السورة إلى قوله تعالى:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه" فهو كبيرة.
وقال علي بن أبي طلحة: هي كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.
وقال الضحاك: ما أوعد الله عليه حداً في الدنيا أو عذاباً في الآخرة.
وقال الحسن بن الفضل: ما سماه الله في القرآن كبيراً أو عظيماً نحو قوله تعالى:"إنه كان حوباً كبيراً"(النساء-2) ،" إن قتلهم كان خطأ كبيرا "(الإسراء-31) ،"إن الشرك لظلم عظيم"(لقمان-13) ،"إن كيدكن عظيم"(يوسف-28) " هذا بهتان عظيم"(النور-16) " إن ذلكم كان عند الله عظيماً"(الأحزاب -53).
قال سفيان الثوري: الكبائر ما كان فيه المظالم بينك وبين العباد، والصغائر ما كان بينك وبين الله تعالى، لأن الله كريم يعفو، واحتج بما أخبرنا الشيخ أبو القاسم عبد الله بن علي الكرماني أنا أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي أنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد أنا الحسين بن داؤد البلخي أنا يزيد بن هارون أنا حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ينادى مناد من بطنان العرش يوم القيامة: يا أمة محمد إن الله عز وجل قد عفا عنكم جميعاً المؤمنين والمؤمنات، تواهبوا المظالم وادخلوا الجنة برحمتي".
وقال مالك بن مغول: الكبائر ذنوب أهل البدع، والسيئات ذنوب أهل السنة.
وقيل: الكبائر ذنوب المستحلين مثل ذنب إبليس، والصغائر ذنوب المستغفرين مثل ذنب آدم عليه السلام.
وقال السدي: الكبائر ما نهى الله عنه من الذنوب الكبائرن والسيئات مقدماتها وتوابعها ما يجتمع فيه الصالح والفاسق، مثل النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها . قال النبي صلى الله عليه وسلم :"العينان تزنيان، واليدان تزنيانن والرجلان تزنيان، ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه".
وقيل: الكبائر ما يستحقره العباد، والصغائر ما يستعظمونه فيخافون مواقعته ، كما أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا أبو الوليد أنا مهدي عن غيلان عن أنس قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.
وقيل: الكبائر الشرك، وما يؤدي إليه ، وما دون الشرك فهو السيئات، قال الله تعالى:"إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء"(النساء-48،116).
وقوله تعالى:"إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم"أي: من الصلاة إلى الصلاة ومن الجمعة إلى الجمعة ومن رمضان إلى رمضان.
أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي أنا إبراهيم بن محمد بن سفيان أنا مسلم بن الحجاج حدثني هارون بن عسيد الأيلي أنا ابن وهب عن أبي صخر أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنب الكبائر".
قوله تعالى:"وندخلكم مدخلاً كريماً"،أي: حسناً وهو الجنة، قرأ أهل المدينة"مدخلاً" بفتح الميم ها هنا وفي الحج ، وهو موضع الدخول ، وقرأ الباقون بالضم على المصدر بمعنى الإدخال.
31" إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه " كبائر الذنوب التي نهاكم الله ورسوله عنها، وقرئ كبير على إرادة الجنس. " نكفر عنكم سيئاتكم " نغفر لكم صغائركم ونمحها عنكم.
واختلف في الكبائر، والأقرب أن الكبير كل ذنب رتب الشارع علي حداً أو صرح بالوعيد فيه. وقيل ما علم حرمته بقاطع. وعن النبي صلى الله عليه وسلم "أنها سبع: الإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والربا، والفرار من الزحف، وعقوق الوالدين". وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: الكبائر إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع. وقيل أراد ههنا أنواع الشرك لقوله تعالى: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " وقيل صغر الذنوب وكبرها بالإضافة إلى ما فوقها وما تحتها، فأكبر الكبائر الشرك وأصغر الصغائر حديث النفس وبينهما وسائط يصدق عليها الأمران، فمن عن له أمران منها ودعت نفسه إليها بحيث لا يتمالك فكفها عن أكبرها كفر عنه ما ارتكبه لما استحق من الثواب على اجتناب الأكبر. ولعل هذا مما يتفاوت باعتبار الأشخاص والأحوال، ألا ترى أنه تعالى عاتب نبيه عليه الصلاة والسلام في كثير من خطواته التي لم تعد على غيره خطيئة فضلاً عن أن يؤاخذه عليها. " وندخلكم مدخلا كريما " الجنة وما وعد من الثواب، أو إدخالاً مع كرامة. وقرأ نافع هنا وفي الحج بفتح الميم وهو أيضاً يحتمل المكان والمصدر.
31. If ye avoid the great (things) which ye are forbidden, We will remit from you your evil deeds and make you enter at a noble gate.
31 - If ye (but) eschew the most heinous of the things which ye are forbidden to do, we shall expel out of you all the evil in your, and admit you to a gate of great honor.