32 - (قالت) امرأة العزيز لما رأت ما حل بهن (فذلكن) فهذا هو (الذي لمتنَّني فيه) في حبه بيان لعذرها (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم) امتنع (ولئن لم يفعل ما آمره) به (ليسجنن وليكوناً من الصاغرين) الذليلين فقلن له أطع مولاتك
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطعن أيديهن : فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ، وفي نظره منكن نظرتن إليه ما أصابكن من ذهاب العقل وعزوب الفهم ولهاً ، ألهتن حتى قطعتن أيديكن ، هو الذي لمتنني في حبي إياه ، وشغف فؤادي به ،فقلتن : قد شغف امرأة العزيز فتاها حباً ، إنا لنراها في ضلال مبين ! ثم أقرت لهن بأنها قد راودته عن نفسه ، وأن الذي تحدثن به عنها في أمره حق ، فقالت : "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" ، مما راودته عليه من ذلك كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ،عن أسباط ، عن السدي : "قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" ، تقول : بعد ما حل السراويل استعصى ، لا أدري ما بدا له !
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "فاستعصم" ، أي : فاستعصى .
حدثني علي بن داود قال ،حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قول ه: "فاستعصم" ، يقول : فامتنع .
وقوله : "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين" ، يقول : ولئن لم يطاوعني على ما أدعوه إليه من حاجتي إليه ، "ليسجنن" ، تقول : ليحبسن ، وليكوناً من أهل الصغار والذلة بالحبس والسجن ، ولأهيننه . والوقف على قوله : "ليسجنن" ، بالنون ،لأنها مشددة ، كما قيل : ( ليبطئن ) .
وأما قوله : "وليكونا" ، فإن الوقف عليه بالألف ، لأنها النون الخفيفة ، وهي شبيهة نون الإعراب في الأسماء في قول القائل : رأيت رجلا عندك ، فإذا وقف على الرجل قيل : رأيت رجلا فصارت النون ألفاً . فكذلك ذلك في : وليكونا : ومثله قوله :" لنسفعا بالناصية * ناصية " ـ الوقف عليه بالألف لما ذكرت ، ومنه قول الأعشى :
وصل على حين العشيات والضحى ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
وإنما هو : فاعبدن ، ولكن إذا وقف عليه ، كان الوقف بالألف .
قوله تعالى: " قالت فذلكن الذي لمتنني فيه " لما رأت افتتانهن بيوسف أظهرت عذر نفسها بقولها: ( لمتنني فيه) أي بحبه، و ( ذلك) بمعنى ( هذا) وهو اختيار الطبري . وقيل: الهاء للحب، و ( ذلك) على بابه، والمعنى: ذلكن الحب الذي لمتنني فيه، أي حب هذا هو ذلك الحب. واللوم الوصف بالقبيح. ثم أقرت وقالت: " ولقد راودته عن نفسه فاستعصم " أي امتنع، وسميت العصمة عصمة لأنها تمنع من ارتكاب المعصية. وقيل: ( استعصم) أي استعصى، والمعنى واحد. " ولئن لم يفعل ما آمره ليسجن " عاودته المراودة بمحضر منهن، وهتكت جلباب الحياء، ووعدت بالسجن إن لم يفعل، وإنما فعلت هذا حين لم تخش لوماً ولا مقالاً خلاف أول أمرها إذ كان ذلك بينه وبينها. " وليكونا من الصاغرين " أي الأذلاء. وخط المصحف ( وليكونا) بالألف وتقرأ بنون مخففة للتأكيد، ونون التأكيد تثقل وتخفف والوقف على قوله: ( ليسجنن) بالنون لأنها مثقلة، وعلى ( ليكونا) بالألف لأنها مخففة، وهي تشبه نون الإعراب في قولك: رأيت رجلاً وزيداً وعمراً، ومثله قوله: " لنسفعا بالناصية " ( العلق: 15) ونحوها الوقف عليها بالألف، كقول الأعشى :
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
أي أراد فاعبداً، فلما وقف عليه كان الوقف بالألف.
يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز, شاع في المدينة وهي مصر حتى تحدث به الناس "وقال نسوة في المدينة" مثل نساء الكبراء والأمراء, ينكرن على امرأة العزيز وهو الوزير ويعبن ذلك عليها "امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه" أي تحاول غلامها عن نفسه وتدعوه إلى نفسها "قد شغفها حباً" أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها وهو غلافه. قال الضحاك عن ابن عباس: الشغف الحب القاتل, والشغف دون ذلك, والشغاف حجاب القلب "إنا لنراها في ضلال مبين" أي في صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها إياه عن نفسه, "فلما سمعت بمكرهن" قال بعضهم: بقولهن ذهب الحب بها, وقال محمد بن إسحاق: بل بلغهن حسن يوسف, فأحببن أن يرينه, فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته, فعند ذلك "أرسلت إليهن" أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن " وأعتدت لهن متكئا ". قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والسدي وغيرهم: هو المجلس المعد فيه مفارش, ومخاد, وطعام فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه, ولهذا قال تعالى: "وآتت كل واحدة منهن سكيناً" وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته "وقالت اخرج عليهن" وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر "فلما" خرج " رأينه أكبرنه " أي أعظمنه أي أعظمن شأنه, وأجللن قدره, وجعلن يقطعن أيديهن دهشاً برؤيته, وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين, والمراد أنهن حززن أيديهن بها, قاله غير واحد, وعن مجاهد وقتادة: قطعن أيديهن حتى ألقينها, فالله أعلم.
وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن, ثم وضعت بين أيديهن أترجاً وآتت كل واحدة منهن سكيناً: هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن: نعم, فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن, فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن, ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلاً ومدبراً, فرجع وهن يحززن في أيديهن, فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن, فقالت: أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا, فكيف ألام أنا ؟ " وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " ثم قلن لها: وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا, لأنهن لم يرين في البشر شبيهه ولا قريباً منه, فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة, قال "فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" وقال حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن". وقال سفيان الثوري, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. وقال أبو إسحاق أيضاً, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, قال: كان وجه يوسف مثل البرق, وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به. ورواه الحسن البصري مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا, وأعطي الناس الثلثين", أو قال "أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث". وقال سفيان, عن منصور, عن مجاهد عن ربيعة الجرشي قال: قسم الحسن نصفين فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن, والنصف الاخر بين سائر الخلق.
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي: معناه أن يوسف عليه السلام كان على النصف من حسن آدم عليه السلام, فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها, ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله, وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه, فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته " حاش لله ". قال مجاهد وغير واحد: معاذ الله "ما هذا بشراً", وقرأ بعضهم ما هذا بشري أي بمشترى بشراء "إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه" تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله, "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي فامتنع. قال بعضهم: لما رأين جماله الظاهر أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن, وهي العفة مع هذا الجمال, ثم قالت تتوعده "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين" فعند ذلك استعاذ يوسف عليه السلام من شرهن وكيدهن, و"قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه" أي من الفاحشة "وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن" أي إن وكلتني إلى نفسي فليس لي منها قدرة ولا أملك لها ضراً ولا نفعاً إلا بحولك وقوتك, أنت المستعان وعليك التكلان, فلا تكلني إلى نفسي " أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه " الاية, وذلك أن يوسف عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة, وحماه فامتنع منها أشد الامتناع, واختار السجن على ذلك, وهذا في غاية مقامات الكمال أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته, وهي امرأة عزيز مصر, وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة, ويمتنع من ذلك ويختار السجن على ذلك خوفاً من الله ورجاء ثوابه.
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
32- "قالت فذلكن الذي لمتنني فيه" الإشارة إلى يوسف، والخطاب للنسوة: أي عيرتنني فيه. قالت لهن هذا لما رأت افتتانهن بيوسف إظهاراً لعذر نفسها، ومعنى فيه: أي في حبه، وقيل الإشارة إلى الحب، والضمير له أيضاً، والمعنى: فذلك الحب الذي لمتنني فيه هو ذلك الحب، والأول أولى. ورجحه ابن جرير. وأصل اللوم: الوصف بالقبيح، ثم لما أظهرت عذر نفسها عند النسوة بما شاهدته مما وقعن فيه عند ظهوره لهن ضاق صدرها عن كتم ما تجده في قلبها من حبه، فأقرت بذلك وصرحت بما وقع منها من المراودة له، فقالت "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي استعف وامتنع مما أريده طالباً لعصمة نفسه عن ذلك، ثم توعدته إن لم يفعل ما تريده كاشفة لجلباب الحياء هاتكة لستر العفاف فقالت "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين" أي لئن لم يفعل ما قد أمرته به فيما تقدم ذكره عند أن غلقت الأبواب وقالت هيت لك ليسجنن: أي يعتقل في السجن وليكونن من الصاغرين الأذلاء لما يناله من الإهانة، ويسلب عنه من النعمة والعزة في زعمها، قرئ ليكونن بالتثقيل والتخفيف، قيل والتخفيف أولى لأن النون كتبت في المصحف ألفاً على حكم الوقف، وذلك لا يكون إلا في الخفيفة، وأما ليسجنن فبالتثقيل لا غير، فلما سمع يوسف مقالها هذا، وعرف أنها عزمة منها مع ما قد علمه من نفاذ قولها عند زوجها العزيز قال مناجياً لربه سبحانه.
32-"قالت"، يعني: راعيل، "فذلكن الذي لمتنني فيه"، أي: في حبه، ثم صرحت بما فعلت، فقالت: "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم"، أي: فامتنع، وإنما صرحت به لأنها علمت أنه لا ملامة عليها منهم وقد أصابهن ما أصابها من رؤيته، فقلن له: أطع مولاتك. فقالت راعيل: "ولئن لم يفعل ما آمره"، ولئن لم يطاوعني فيما دعوته إليه، "ليسجنن"، أي: ليعاقبن بالحبس، " وليكونا من الصاغرين "، من الأذلاء. ونون التوكيد تثقل وتخفف، والوقف على قوله: "ليسجنن" بالنون لأنها مشددة، وعلى قوله "وليكونا" بالألف لأنها مخففة، وهي شبيهة بنون الإعراب في الأسماء، كقوله تعالى: رأيت رجلا، وإذا وقفت، قلت: رأيت رجلان بالألف، ومثله: " لنسفعا بالناصية * ناصية " (العلق-15،16).
فاختار يوسف عليه السلام السجن على المعصية حين توعدته المرأة.
32."قالت فذلكن الذي لمتنني فيه"أي فهو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتنني في الافتنان به قبل أن تتصورنه حق تصوره ، ولو تصورتنه بما عاينتن لعذرتنني أو فهذا هو الذي لمتنني فيه فوضع ذلك موقع هذا رفعاً لمنزلة المشار إليه ، "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم"فامتنع طلباً للعصمة ، أقرت لهن حين عرفت أنهن يعذرنها كي يعاونها على إلانة عريكته. " ولئن لم يفعل ما آمره" أي ما آمره به ،فحذف الجار أو أمري إياه بمعنى موجب أمري فيكون الضمير ليوسف . "ليسجنن وليكونا من الصاغرين"من الأذلاء وهو من صغر بالكسر يصغر صغراً وصغاراً والصغير من صغر الضم صغراً . وقرئ ليكونن وهو يخالف خط المصحف لأن النون كتبت فيه بالألف كـ" نسفعا " على حكم الوقف وذلك في الخفيفة لشبهها بالتنوين.
32. She said: This is he on whose account ye blamed me. I asked of him an evil act, but he proved continent, but if he do not my behest he verily shall be imprisoned, and verily shall him of those brought low.
32 - She said: there before you is the man about whom ye did blame me I did seek to seduce him from his (true) self but he did firmly save himself guiltless and now, if he doth not my bidding, he shall certainly be cast into prison, and (what is more) be of the company of the vilest!