33 - (لكم فيها منافع) كركوبها والحمل عليها ما لا يضرها (إلى أجل مسمى) وقت نحرها (ثم محلها) أي مكان حل نحرها (إلى البيت العتيق) أي عنده والمراد الحرم جميعه
اختلف أهل في معنى المنافع التي ذكر الله في هذه الآية ، واخبر عباده أنها إلى أجل مسمى ، على نحو اختلافهم في معنى الشعائر التي ذكرها جل ثناؤه في قله " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " فقال الذين قالوا عني بالشعائر : البدن ، معنى ذلك : لكم أيها الناس في البدن منافع . ثم اختلف أيضا الذين قالوا هذه المقالة في الحال التي لهم فيها منافع ، وفي الأجل الذي قال عز ذكره " إلى أجل مسمى " فقال بعضهم : الحال التي أخبر الله جل ثناؤه أن لهم فيها منافع ، هي الحال التي لم يوجبها صاحبها ، ولم يسمها بدنة ، ولم يقلدها ، قالوا : ومنافعها في هذه الحال : شرب ألبانها ، وركوب ظهورها ، وما يرزقهم الله من نتاجها وأولادها . قالوا : والأجل المسمى الذي أخبر جل ثناؤه أن ذلك لعباده المؤمنين منها إليه ، هو إلى إيجابهم إياها ، فإذا أوجبوها بطل ذلك ، ولم يكن لهم من ذلك شيء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى بن عيسى ، عن ابن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس في " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : ما لم يسم بدنا .
حدثنا عبد الحميد بن بيان ، قال : أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : الكوب واللبن والولد ، فإذا سميت بدنة أو هديا ذهب كله .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، في هذه الآية " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : لكم في ظهورها وألبانها وأوبارها ، حتى تصير بدنا .
قال : ثنا ابن عدي ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، بمثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، وليث عن مجاهد " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : في أشعارها وأوبارها وألبانها ، قبل أن تسميها بدنة .
قال : ثنا هارون بن المغيرة ، عن عنبسة ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : في البدن لحومها وألبانها وأشعارها وأوبارها وأصوافها قبل أن تسمى هديا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد مثله ، وزاد فيه : وهي الأجل المسمى .
حدثني يعقوب ن قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء أنه قال في قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق " قال : منافع في ألبانها وظهورها وأوبارها ، إلى أجل مسمى : إلى أن تقلد .
حدثني يعقوب ، قال : قال ابن علية : سمعت ابن أبي نجيح يقول في قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : إلى أن توجبها بدنة .
قال : ثنا ابن علية ، عن ابن أبي نجيح ، عن قتادة " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " يقول : في ظهروها وألبانها ، فإذا قلدت فمحلها إلى البيت العتيق .
وقال آخرون ممن قال : الشعائر : البدن في قوله " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " والهاء في قوله " لكم فيها " من ذكر الشعائر ، ومعنى قوله " لكم فيها منافع " لكم في الشعائر التي تعظمونها لله منافع بعد اتخاذكموها لله بدنا أو هديا ، بأن تركبوا ظهورها إذا احتجتم إلى ذلك ، وتشربوا ألبانها إن اضطررتم غليها . قالوا : والأجل المسمى الذي قال جل ثناؤه " إلى أجل مسمى " إلى أن تنحر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ابن أبي نجيح ، عن عطاء " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : هو ركوب البدن ، وشرب لبنها إن احتاج .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال عطاء بن أبي رباح في قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : إلى أن تنحر ، قال له أن يحملها عليها المعيي والمنقطع به من الضرورة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالبدنة إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها ويركب عند
منهوكه . قلت لعطاء : ما ؟ قال : الرجل الراجل ، والمنقطع به ، والمتبع وإن نتجت ، أن يحمل عليها ولدها ، ولا يشرب من لبنها إلا فضلا عن ولدها ، فإن كان في لبنها فضل فليشرب من أهداها ومن لم يهدها . وأما الذين قالوا : معنى الشعائر في قوله " ومن يعظم شعائر الله " : شعائر الحج ، وهي الأماكن التي ينسك عندها لله ، فإنهم اختلفوا أيضا في معنى المنافع التي قال الله " لكم فيها منافع " فقال بعضهم : معنى ذلك : لكم في هذه الشعائر التي تعظموها منافع بتجارتكم عندها ، وبيعكم وشرائكم بحضرتها وتسوقكم . والأجل المسمى : الخروج من الشعائر إلى غيرها ، ومن المواضع التي ينسك عندها إلى ما سواها في قول بعضهم .
حدثني الحسن بن علي الصدائي ، قال : ثنا أبو أسامة عن سليمان الضبي ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، في قوله " لكم فيها منافع " قال : أسواقهم ، فإنه لم يذكر منافع إلا للدنيا .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى ، قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " قال : والأجل المسمى : الخروج منه إلى غيره .
وقال آخرون منهم : المنافع التي ذكرها الله في هذا الموضع : العمل لله بما أمر من مناسك الحج قالوا : والأجل المسمى : هو انقضاء أيام الحج التي ينسك لله فيهن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق " فقرأ قول الله " ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب " لكم في تلك الشعائر منافع إلى أجل مسمى ، إذا ذهبت تلك الأيام لم تر أحدا يأتي عرفة يقف فيها ، يبتغي الأجر ، ولا المزدلفة ، ولا رمي الجمار ، وقد ضربوا من البلدان لهذه الأيام التي فيها المنافع ، وإنما منافعها إلى تلك الأيام ، وهي الأجل المسمى ، ثم محلها حين تنقضي تلك الأيام إلى البيت العتيق .
قال أبو جعفر : وقد دللنا قبل على أن قول الله تعالى ذكره " ومن يعظم شعائر الله " معني به : كل ما كان من عمل أو مكان جعله الله علما لمناسك حج خلقه ، إذ لم يخصص من ذلك جل ثناؤه شيئا في خبر ولا عقل . وإذ كان ذلك كذلك فمعلوم أن معنى قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " في هذه الشعائر منافع إلى أجل مسمى ، فما كان من هذه الشعائر بدنا وهديا ، فمنافعها لكم من حين تملكون ، إلى أن أوجبتموها هدايا وبدنا ، وما كان منها أماكن ينسك لله عندها ، فمنافعها التجارة لله عندها ، والعمل بما أمر به إلى الشخوص عنها ، وما كان منها أوقاتا بأن يطاع الله فيها بعمل أعمال الحج وبطلب المعاش فيها بالتجارة ، إلى أن يطاف بالبيت في بعض ، أو يوافي الحرم في بعض ، ويخرج عن الحرم في بعض .
وقد اختلف الذين ذكرنا اختلافهم في تأويل قوله " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى " في تأويل قوله " ثم محلها إلى البيت العتيق " فقال الذين قالوا : عني بالشعائر في هذا الموضع : البدن معنى ذلك ثم محل البدن إلى أن تبلغ مكة ، وهي التي بها البيت العتيق .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا حجاج ، عن عطاء " ثم محلها إلى البيت العتيق " إلى مكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ثم محلها إلى البيت العتيق " يعني محل البدن حين تسمى إلى البيت العتيق .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال " ثم محلها " حين تسمى هديا إلى البيت العتيق ، قال : الكعبة أعتقها من الجبابرة . فوجه هؤلاء تأويل ذلك إلى ثم منحر البدن والهدايا التي أوجبتموها إلى أرض الحرم ، وقالوا : عني بالبيت العتيق أرض الحرم كلها ، وقالوا : وذلك نظير قوله "فلا يقربوا المسجد الحرام " التوبة : 28 والمراد : الحرم كله .
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم محلكم أيها الناس من مناسك حجكم إلى البيت العتيق أن تطوفوا به يوم النحر ، بعد قضائكم ما أوجبه الله عليكم في حجكم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود بن أبي هند ، عن محمد بن أبي موسى " ثم محلها إلى البيت العتيق " قال : محل هذه الشعائر كله : الطواف بالبيت .
وقال آخرون : معنى ذلك : ثم محل منافع أيام الحج إلى البيت العتيق بانقضائها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " ثم محلها إلى البيت العتيق " حين تنقضي تلك الأيام ، أيام الحج إلى البيت العتيق .
وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب : قول من قال : معنى ذلك : ثم محل الشعائر التي لكم فيها منافع إلى أجل مسمى إلى البيت العتيق ، فما كان من ذلك هديا أو بدنا ، فبموافاته الحرم في الحرم ، وما كان من نسك ، فالطواف بالبيت .
وقد بينا الصواب في ذلك من القول عندنا في معنى الشعائر .
الخامسة: قوله تعالى: " لكم فيها منافع " يعني البدن من الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك، إذا لم يبعثها ربها هدياً، فإذا بعثها فهو الأجل المسمى، قاله ابن عباس. فإذا صارت بدناً فالمنافع فيها أيضاً ركوبها عند الحاجة، وشرب لبنها بعد ري فصيلها.
وفي الصحيح عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال:
اركبها، فقال: إنها بدنة. فقال: اركبها، فقال: إنها بدنة. قال: اركبها ويلك " في الثانية والثالثة. وروي عن جابر بن عبد الله و " سئل عن ركوب الهدي فقال:
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً ". والأجل المسمى على هذا القول نحرها، قاله عطاء بن أبي رباح.
السادسة: ذهب بعض العلماء إلى وجوب ركوب البدنة لقوله عليه الصلاة والسلام: " اركبها ". وممن أخذ بظاهره أحمد وإسحاق وأهل الظاهر. وروى ابن نافع عن مالك : لا بأس بركوب البدنة ركوباً غير فادح. والمشهور أنه لا يركبها إلا إن اضطر إليها لحديث جابر فإنه مقيد والمقيد يقضي على المطلق. وبنحو ذلك قال الشافعي و أبو حنيفة . ثم إذا ركبها عند الحاجة نزل، قاله إسماعيل القاضي. وهو الذي يدل عليه مذهب مالك ، وهو خلاف ما ذكره ابن القاسم أنه لا يلزمه النزول، وحجته إباحة النبي صلى الله عليه وسلم له الركوب فجاز له استصحابه. وقوله:
"إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً " يدل على صحة ما قاله الإمام الشافعي و أبو حنيفة رضي الله عنهما، وما حكاه إسماعيل عن مذهب مالك . وقد جاء صريحاً " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة وقد جهد، فقال: اركبها ". وقال أبو حنيفة و الشافعي : إن نقصها الركوب المباح فعليه قيمة ذلك ويتصدق به.
السابعة: قوله تعالى: " ثم محلها إلى البيت العتيق " يريد أنها تنتهي إلى البيت، وهو الطواف. فقوله: " محلها " مأخوذ من إحلال المحرم. والمعنى أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي ينتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق. فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه، قاله مالك في الموطأ . وقال عطاء : ينتهي إلى مكة. وقال الشافعي : إلى الحرم. وهذا بناء على أن الشعائر هي البدن، ولا وجه لتخصيص الشعائر مع عمومها وإلغاء خصوصية ذكر البيت. والله أعلم.
يقول تعالى هذا "ومن يعظم شعائر الله" أي أوامره "فإنها من تقوى القلوب" ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن, كما قال الحكم عن مقسم عن ابن عباس : تعظيمها استسمانها واستحسانها. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا حفص بن غياث عن ابن أبي ليلى عن ابن أبي نجيح , عن مجاهد عن ابن عباس "ذلك ومن يعظم شعائر الله" قال: الاستسمان والاستحسان والاستعظام. وقال أبو أمامة بن سهل : كنا نسمن الأضحية بالمدينة, وكان المسلمون يسمنون, رواه البخاري , وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين" رواه أحمد وابن ماجه , قالوا: والعفراء هي البيضاء بياضاً ليس بناصع, فالبيضاء أفضل من غيرها, وغيرها يجزىء أيضاً لما ثبت في صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين, وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن كحيل, يأكل في سواد, وينظر في سواد, ويمشي في سواد " , رواه أهل السنن وصححه الترمذي ـ أي فيه نكتة سوداء في هذه الأماكن.
وفي سنن ابن ماجه عن أبي رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوءين " , وكذا روى أبو داود وابن ماجه عن جابر : " ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين أملحين موجوءين. قيل: هما الخصيان, وقيل اللذان رض خصياهما ولم يقطعهما " , والله أعلم. وعن علي رضي الله عنه قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن, وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء " , رواه أحمد وأهل السنن, وصححه الترمذي ولهم عنه, قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضحي بأعضب القرن والأذن" , وقال سعيد بن المسيب : العضب النصف فأكثر, وقال بعض أهل اللغة: إن كسر قرنها الأعلى فهي قصماء, فأما العضب فهو كسر الأسفل, وعضب الأذن قطع بعضها. وعند الشافعي أن الأضحية بذلك مجزئة لكن تكره. وقال أحمد : لا تجزىء الأضحية بأعضب القرن والأذن لهذا الحديث. وقال مالك : إن كان الدم يسيل من القرن لم يجزىء وإلا أجزأ, والله أعلم.
وأما المقابلة فهي التي قطع مقدم أذنها, والمدابرة من مؤخر أذنها, والشرقاء هي التي قطعت أذنها طولاً, قاله الشافعي , وأما الخرقاء فهي التي خرقت السمة أذنها خرقاً مدوراً, والله أعلم. وعن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع لاتجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها, والمريضة البين مرضها, والعرجاء البين ظلعها, والكسيرة التي لاتنقى" رواه أحمد وأهل السنن, وصححه الترمذي , وهذه العيوب تنقص اللحم لضعفها وعجزها عن استكمال الرعي لأن الشاء يسبقونها إلى المرعى, فلهذا لا تجزيء التضحية بها عند الشافعي وغيره من الأئمة, كما هو ظاهر الحديث, واختلف قول الشافعي في المريضة مرضاً يسيراً على قولين, وروى أبو داود عن عتبة بن عبد السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء, فالمصفرة قيل الهزيلة, وقيل المستأصلة الأذن, والمستأصلة مكسورة القرن, والبخقاء هي العوراء, والمشيعة هي التي لا تزال تشيع خلف الغنم ولا تتبع لضعفها, والكسراء العرجاء, فهذه العيوب كلها مانعة من الإجزاء, فأما إن طرأ العيب بعد تعيين الأضحية فإنه لا يضر عند الشافعي خلافاً لأبي حنيفة , وقد روى الإمام أحمد عن أبي سعيد قال: اشتريت كبشاً أضحي به, فعدا الذئب فأخذ الألية, فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ضح به" ولهذا جاء في الحديث أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن, أي أن تكون الهدية أو الأضحية سمينة حسنة ثمينة, كما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمر قال: أهدى عمر نجيباً فأعطي بها ثلثمائة دينار, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا رسول الله إني أهديت نجيباً فأعطيت بها ثلثمائة دينار, أفأبيعها وأشتري بثمنها بدناً ؟ قال: لا انحرها إياها" وقال الضحاك عن ابن عباس البدن من شعائر الله. وقال محمد بن أبي موسى : الوقوف ومزدلفة والجمار والرمي والحلق والبدن من شعائر الله. وقال ابن عمر : أعظم الشعائر البيت.
وقوله: "لكم فيها منافع" أي لكم في البدن منافع من لبنها وصوفها وأوبارها وأشعارها وركوبها إلى أجل مسمى. قال مقسم عن ابن عباس في قوله: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى" قال: ما لم تسم بدناً. وقال مجاهد في قوله: "لكم فيها منافع إلى أجل مسمى" قال: الركوب واللبن والولد, فإذا سميت بدنة أو هدياً ذهب ذلك كله, وكذا قال عطاء والضحاك وقتادة وعطاء الخراساني وغيرهم. وقال آخرون: بل له أن ينتفع بها وإن كانت هدياً إذا احتاج إلى ذلك, كما ثبت في الصحيحين عن أنس "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة قال اركبها قال: إنها بدنة. قال اركبها ويحك في الثانية أو الثالثة " . وفي رواية لمسلم عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "اركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها" وقال شعبة عن زهير عن أبي ثابت الأعمى عن المغيرة عن علي أنه رأى رجلاً يسوق بدنة ومعها ولدها فقال: لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها, فإذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها.
وقوله: "ثم محلها إلى البيت العتيق" أي محل الهدي وانتهاؤه إلى البيت العتيق, وهو الكعبة, كما قال تعالى: "هدياً بالغ الكعبة" وقال: "والهدي معكوفاً أن يبلغ محله" وقد تقدم الكلام على معنى البيت العتيق قريباً, ولله الحمد. وقال ابن جريج عن عطاء قال: كان ابن عباس يقول: كل من طاف بالبيت فقد حل, قال الله تعالى: "ثم محلها إلى البيت العتيق".
33- "لكم فيها منافع" أي في الشعائر على العموم، أو على الخصوص، وهي البدن كما يدل عليه السياق. ومن منافعها الركوب والدر والنسل والصوف وغير ذلك "إلى أجل مسمى" وهو وقت نحرها "ثم محلها إلى البيت العتيق" أي حيث يحل نحرها، والمعنى: أنها تنتهي إلى البيت وما يليه من الحرم، فمنافعهم الدنيوية المستفادة منها مستمرة إلى وقت نحرها، ثم تكون منافعها بعد ذلك دينية. وقيل إن محلها ها هنا مأخوذ من إحلال الحرام، والمعنى: أن شعائر الحج كلها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي تنتهي إلى طواف الإفاضة بالبيت، فالبيت على هذا مراد بنفسه.
33. " لكم فيها " أي: في البدن قبل تسميتها للهدي، " منافع "، في درها ونسلها وأصوافها وأوبارها وركوب ظهورها، " إلى أجل مسمى "، وهو أن يسميها ويوجبها هدياً، فإذا فعل ذلك لم يكن له شيء من منافعها، هذا قول مجاهد ، وقول قتادة و الضحاك ، ورواه مقسم عن ابن عباس.
وقيل: معناه لكم في الهدايا منافع بعد إيجابها وتسميتها هدياً بأن تركبوها وتشربوا ألبانها عند الحاجة ((إلى أجل مسمى))، يعني: إلى أن تنحروها، وهو قول عطاء بن أبي رباح .
واختلف أهل العلم في ركوب الهدي:
فقال قوم: يجوز له ركوبها والحمل عليها غير مضر بها، وهو قول مالك ، و الشافعي ، و أحمد ، و إسحاق ، لما أخبر أبو الحسن السرخسي ، أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد ، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي ، أخبرنا مصعب عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسوق بدنة فقال له:اركبها، فقال يا رسول الله إنها بدنة، فقال: اركبها ويلك، في الثانية أو الثالثة "، وكذلك قال له: " اشرب لبنها بعدما فضل عن ري ولدها ".
وقال أصحاب الرأي: لا يركبها.
وقال قوم: لا يركبها إلا أن يضطر إليه.
وقال بعضهم: أراد بالشعائر: المناسك ومشاهد مكة. " لكم فيها منافع " بالتجارة والأسواق " إلى أجل مسمى " وهو الخروج من مكة.
وقيل: ((لكم فيها منافع)) بالأجر والثواب في قضاء المناسك. " إلى أجل مسمى"، أي: إلى انقضاء أيام الحج.
" ثم محلها " أي: منحرها، " إلى البيت العتيق " أي: منحرها عند البيت العتيق، يريد أرض الحرم كلها، كما قال: " فلا يقربوا المسجد الحرام " (التوبة:28) أي: الحرم كله.
وروي عن جابر في قصة حجة الوداع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ".
ومن قال: ((الشعائر)) المناسك، قال: معنى قوله " ثم محلها إلى البيت العتيق " أي: محل الناس من إحرامهم إلى البيت العتيق، أي: أن يطوفوا به طواف الزيارة يوم النحر.
33ـ " لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق " أي لكم فيها منافع درها ونسلها وصوفها وظهرها إلى أن تنحر ، ثم وقت نحرها منتهية إلى البيت أي ما يليه من الحرم ، و " ثم " تحتمل التراخي في الوقت والتراخي في الرتبة ، أي لكم فيها منافع دنيوية إلى وقت النحر وبعده منافع دينية أعظم منها ، وهو على الأولين إما متصل بحديث " الأنعام " والضمير فيه لها أو المراد على الأول لكم فيها منافع دينية تنتفعون بها إلى أجل مسمى هو الموت ، ثم محلها منتهية إلى البيت العتيق الذي ترفع إليه الأعمال أو يكون فيه ثوابها وهو البيت المعمور أو الجنة ، وعلى الثاني " لكم فيها منافع " التجارات في الأسواق إلى وقت المراجعة ثم وقت الخروج منها منتهية إلى الكعبة بالإحلال بطواف الزيارة .
33. Therein are benefits for you for an appointed term; and afterward they are brought for sacrifice unto the ancient House.
33 - In them ye have benefits For a term appointed: In the end their place Of Sacrifice is near The Ancient House.