33 - (أولم يروا أن) يعلموا أي منكرو البعث (الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر) لم يعجز عنه (على) خبر أن وزيدت الباء فيه لأن الكلام في قوة أليس الله بقادر (أن يحيي الموتى بلى إنه) هو قادر على إحياء الموتى (على كل شيء قدير ويوم)
سقول تعالى ذكره : أو لم ينظر هؤلاء المنكرون إحياء الله خلقه من تعد وفاتهم ، وبعثه إياهم من قبورهم بعد بلائهم ، القائلون لآبائهم و أمهاتهم " أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي " الأحقاف:17 فلم يبعثوا في بأبصار قلوبهم ، فيروا و يعلموا أن الله الذي خلق السماوات السبع و الأرض ، فابتدعهن من غير شيء ، ولم يعي بإنشائهن ، فيعجز عن اختراعهن و إحداثهن " بقادر على أن يحيي الموتى " فيخرجهممن بعد بلائهمفي قبورهم أحياء كهيئتهم قبل وفاتهم .
واختلف أهل العربية في وجه دخول الباء في قوله " بقادر " فقال بعض نحويي البصرة : هذه الباء كالباء في قوله كفى بالله وهو مثل " تنبت بالدهن " المؤمنون:20 وقال بعض نحويي الكوفة: دخلت هذه الباء للك ، قال : والعرب تدخلها مع جحود إذاكانت رافعة لما قبلها ، وتدخلها إذا وقع عليها فعل يحتاج إلى اسمين مثل قولك : ما أظنك بقائم ، وما كنت بقائم ومت كنت بقائم فإذا خلعت الباء نصبت الذي كانت تعمل فيه ، بما تعمل فيه من الفعل ، قال : ولو ألقيت الباء من قادر في هذا الموضع رفع لأنه خبر لأن ، قال : وأنشدني بعضهم :
فما رجعت بخائبة ركاب حكيم بن المسيب منتهاها
فأدخل الباء في فعل لو ألقيت منه نصب بالفعل لا بالباء ، يقاس على هذا ما أشبهه .
وقال لعض من أنكر قول البصري الذي ذكرنا قوله : هذه الباء دخلت للجحد لأن المجحود في المعنى وإن كان قد حال بينهما بأن أو لم يروا أن الله قادر على أن يحيي الموتى قال ك فأن اسم يروا وما بعدها في صلتها ، لا تدخل فيه الباء ، ولكن معناه جحد ، فدخلت للمعنى .
وحكي عن البصري أنه كان يأبى إدخال إلا ، وأن النحويين من أهل الكوفة يجيزونه ، ويقولون : ما ظننت أن زيداً إلا قائماً ، وما ظننت أن زيداً بعالم جحد ، فدخلت للمعهى .
وحكي هم البصري أنه كان يأبى إدخال إلا ، وأن النحويين من أهل الكوفة يجيزونه ، ويقولون : ما ظننت أن زيداً إلا قائماً وما زننت أ، زيداً إلا بعالم . وينشد:
ولست بحالف لولدت منهم على عمية إلا زيادا
قال : فأدخل إلا بعد جواب اليمين ، قال : فأما كفى بالله فهذه لم تدخل لمعنى صحيح ، وهي للتعجب ، كما تقول لظرف بزيد . قال : وأما ( تنبت بالدهن ) فأجمعوا على أنها صلة . وأشبه الأقوال في ذلك بالصولب قول من قال : دخلت الباء في قوله " بقادر " للجحد ، لما ذكرنا لقائلي ذلك من العلل .
واختلفت القراء في قراءة قوله " بقادر " فقرأ ذلك عامة الامصار عليها . عن أبي إسحاق والجحدري والأعرج "بقادر " وهي الصحيحة عندنا لإجماع قراء الأمصار عليها . وأما الآخرون الذين ذكرتهم فإنهم فيما ذكر عنهم كانوا يقرءون ذلك يقدر : بالياء . وقد ذكر أنه في قراءة عبد الله بن مسعود أن الله الذي خلق السماوات و الارض قادر بغير باء ، ففي ذلك حجة لمن قرأه بقادر بالياء و الالف. وقوله " بلى إنه على كل شيء قدير " يقول تعالى ذكره : بلى ، يقدر الذي خلق السماوات والارض على إحياء الموتى : أي الذي خلق ذلك على كل شيء شاء خلقه ، وأرادوا فعله ذو قدرة لا يعجزو شيء أراده ، ولا يعييه شيء أراد فعله ، فيعييه إنشاء الخلق بعد الفناء لأن من عجز عن ذلك فضعيف ، فلا ينبغي أن يكون إلهاً من كان عما أراد ضعيفاً .
قوله تعالى : " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض " الرؤية هنا بمعنى العلم ، و( أن ) واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية ، " ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى " احتجاج على منكري البعث ، ومعنى ( لم يعي ) يعجز ويضعف عن إبداعهن ، يقال : عي بأمره ، وعيي إذا لم يهتد لوجهه ، والإدغام أكثر وتقول في الجمع عيوا ، مخففاً ، وعيوا أيضاً بالتشديد ، قال :
عيوا بأمرهم كما عيت بيضتها الحمامه
وعييت بأمري إذا لم تهتد لوجهه ، وأعياني هو ، وقرأ الحسن ( ولم يعي ) بكسر العين ، وإسكان الياء ، وهو قليل شاذ ، لم يأت إعلال العين وتصحيح اللام إلا في أسماء قليلة نحو غاية وآية ، ولم يأت في الفعل سوى بيت أنشده الفراء هو قول الشاعر :
فكأنها بين النساء سبيكة تمشي بسدة بيتها فتعي
" بقادر " قال أبو عبيدة و الأخفش : الباء زائدة للتوكيد كالباء في قوله : " وكفى بالله شهيدا " وقوله : " تنبت بالدهن " [ المؤمنون : 20 ] ، وقال الكسائي و الفراء و الزجاج : الباء فيه خلف الاستفهام والجحد في أول الكلام ، قال الزجاج : والعرب تدخلها مع الجحد تقول : ما ظننت أن زيداً بقائم ، ولا تقول : ظننت أن زيداً بقائم ، وهو لدخول ( ما ) ودخول ( أن ) للتوكيد ، والتقدير : أليس الله بقادر ، كقوله تعالى : " أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر " [ يس : 81 ] ، وقرأ ابن مسعود و الأعرج و الجحدري و ابن أبي إسحاق و يعقوب ( يقدر ) واختاهر أبو حاتم ، لأن دخول الباء في خبر ( أن ) قبيح واختاره أبو عبيد قراءة العامة ، لأنها في قراءة عبد الله ( خلق السموات والأرض قادر ) بغير باء والله أعلم .
يقول تعالى: أولم ير هؤلاء المنكرون للبعث يوم القيامة المستبعدون لقيام الأجساد يوم المعاد "أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن" أي ولم يكرثه خلقهم بل قال لها كوني فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة بل طائعة مجيبة وجلة, أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ؟ كما قال عز وجل في الاية الأخرى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون" ولهذا قال تعالى: "بلى إنه على كل شيء قدير". ثم قال جل جلاله مهدداً ومتوعداً لمن كفر به "ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق" أي يقال لهم أما هذا حق أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ؟ "قالوا بلى وربنا" أي لا يسعهم إلا الاعتراف " قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " ثم قال تبارك وتعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه: "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" أي على تكذيب قومهم لهم. وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال وأشهرها أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم, قد نص الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى, وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل فتكون "من" في قوله من الرسل لبيان الجنس, والله أعلم.
وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي, حدثنا السري بن حيان, حدثنا عباد بن عباد, حدثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة رضي الله عنها:" ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً ثم طواه ثم ظل صائماً ثم طواه ثم ظل صائماً ثم قال: يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لال محمد, يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على محبوبها, ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال: "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل" وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله " "ولا تستعجل لهم" أي لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله تبارك وتعالى: " وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا " وكقوله تعالى: "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً" "كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار" كقوله جل وعلا: "كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" وكقوله عز وجل: "ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم" الاية. وقوله جل وعلا: "بلاغ". قال ابن جرير يحتمل معنيين: أحدهما أن يكون تقديره, وذلك لبث بلاغ, والاخر أن يكون تقديره هذا القرآن بلاغ. وقوله تعالى: "فهل يهلك إلا القوم الفاسقون" أي لا يهلك على الله إلا هالك, وهذا من عدله عز وجل أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب, والله أعلم.
ثم ذكر سبحانه دليلاً على البعث، فقال: 32- "أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض" الرؤية هنا هي القلبية التي بمعنى العلم والهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر: أي ألم يتفكروا ولم يعلموا أن الذي خلق هذه الأجرام العظام من السموات والأرض ابتداء "ولم يعي بخلقهن" أي لم يعجز عن ذلك ولا ضعف عنه، يقال عي بالأمر وعيي: إذا لم يهتد لوجهه، ومنه قول الشاعر:
عيوا بأمرهم كما عيت ببيضتها الحمامة
قرأ الجمهور ولم يعي بسكون العين وفتح الياء مضارع عيي. وقرأ الحسن بكسر العين وسكون الياء "بقادر على أن يحيي الموتى". قال أبو عبيدة والأخفش: الباء زائدة للتوكيد، كما في قوله: "وكفى بالله شهيداً". قال الكسائي والفراء والزجاج: العرب تدخل الباء مع الجحد والاستفهام، فتقول ما أظنك بقائم، والجار والمجرور في محل رفع على أنهما خبر لأن، وقرأ ابن مسعود وعيسى بن عمر والأعرج والجحدي وابن أبي إسحاق ويعقوب وزيد بن علي "يقدر" على صيغة المضارع، واختار أبو عبيدة القراءة الأولى، واختار أبو حاتم القراءة الثانية قال: لأن دخول الباء في خبر أن قبيح "بلى إنه على كل شيء قدير" لا يعجزه شيء.
33. " أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن "، لم يعجز عن إبداعهن، " بقادر "، هكذا قراءة العامة، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه، فقال أبو عبيدة و الأخفش : الباء زائدة للتأكيد، كقوله: ((تنبت بالدهن)).
وقال الكسائي و الفراء : العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد، فتقول: ما أظنك بقائم.
وقرأ يعقوب : ((يقدر)) بالياء على الفعل، واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء.
" على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ".
33-" أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن " ولم يتعب ولم يعجز ، والمعنى أن قدرته واجبة لا تنقص ولا تنقطع بالإيجاد أبد الآباد . " بقادر على أن يحيي الموتى " أي قادر ، ويدل عليه قراءة يعقوب يقدر ، والباء مزيدة لتأكيد النفي فإنه مشتمل على " أن " وما في حيزها ولذلك أجاب عنه بقوله : " بلى إنه على كل شيء قدير " تقرير للقدرة على وجه عام يكون كالبرهان على المقصود ، كأنه صدر السورة بتحقيق المبدأ أراد ختمها بإثبات المعاد .
33. Have they not seen that Allah, Who created the heavens and the earth and was not wearied by their creation, is Able to give life to the dead? Aye, He verily is Able to do all things.
33 - See they not that God, Who created the heavens and the earth, and never wearied with their creation, is able to give life to the dead? Yea, verily he has power over all things.