33 - (والليل إذ) بفتح الذال (أدبر) جاء بعدها همزة أي مضى
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " والليل إذ أدبر " : إذ ولى .
وقال آخرون في ذلك ما :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " والليل إذ أدبر " دبوره : إظلامه .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة " إذ أدبر " وبعض قراء مكة والكوفة ( إذا أدبر ) .
والصواب من القول في ذلك عندنا ، أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
وقد أختلف أهل العلم بكلام العرب في ذلك ، فقال بعض الكوفيين : هما لغتان ، يقال : دبر النهار وأدبر، ودبر الصيف وأدبر ، قال : وكذلك قبل وأقبل ، فإذا قالوا : أقبل الراكب وأدبر لم يقولوه إلا بالألف .
وقال بعض البصريين : ( والليل إذا دبر ) يعني : إذا دبر النهار وكان في آخره قال : ويقال : دبرني : إذا جاء خلفي ، وأدبر : إذا ولى .
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما لغتان بمعنى ، وذلك أنه محكي عن العرب : قبح الله ما قبل منه وما دبر ، وأخرى أن أهل التفسير لم يميزوا في تفسيرهم بين القراءتين ، وذلك دليل على أنهم فعلوا ذلك كذلك ، لأنهما بمعنى واحد .
ثم اقسم على ذلك جل وعز بالقمر وبما بعده، فقال: " والليل إذ أدبر" أي ولى وكذلك ((دبر)). وقرأ نافع وحمزة وحفص((إذ ادبر)) الباقون ((اذا)) بألف و((دبر )) بغير الف وهما لغتان بمعنى، يقال : دبر وادبر، وكذلك قبل الليل واقبل. وقد قالوا: امس الدابر والمدبر، قال صخر بن عمرو بن الشريد السلمي:
ولقد قتلناكم ثناء وموحدا وتركت مرة مثل امس الدابر
ويروى المدبر وهذا قول الفراء والأخفش. وقال بعض اهل اللغة : دبر الليل : اذا مضى، وادبر : اخذ في الإدبار. وقال مجاهد : سألت ابن عباس عن قوله تعالى:(( والليل اذا دبر)) فسكت حتى اذا دبر قال : يا مجاهد، هذا حين دبر الليل . وقرأ محمد بن السميقع والليل إذا أدبر بألفين، وكذلك في مصحف عبد الله وابي بألفين. وقال قطرب من قرأ ((دبر )) فيعني اقبل، من قول العرب دبر فلان : اذا جاء من خلفي. قال ابو عمرو: وهي لغة قريش. وقال ابن عباس في رواية عنه: الصواب: ((ادبر)) انما يدبر ظهر البعير. واختار ابو عبيد: ((اذا ادبر)) قال : قال لأنها اكثر موافقة للحروف التي تليه.
يقول تعالى: "وما جعلنا أصحاب النار" أي خزانها "إلا ملائكة" زبانية غلاظاً شداداً, وذلك رد على مشركي قريش حين ذكروا عدد الخزنة فقال أبو جهل: يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم, فقال الله تعالى: "وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة" أي شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون, وقد قيل إن أبا الأشدين واسمه كلدة بن أسيد بن خلف قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر إعجاباً منه بنفسه, وكان قد بلغ من القوة فيما يزعمون أنه كان يقف على جلد البقرة ويجاذبه عشرة لينزعوه من تحت قدميه فيتمزق الجلد ولا يتزحزح عنه, قال السهيلي وهو الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصارعته, وقال إن صرعتني آمنت بك, فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم مراراً فلم يؤمن, قال وقد نسب ابن إسحاق خبر المصارعة إلى ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب . (قلت): ولا منافاة بين ما ذكراه والله أعلم.
وقوله تعالى: "وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا" أي إنما ذكرنا عدتهم أنهم تسعة عشر اختباراً منا للناس "ليستيقن الذين أوتوا الكتاب" أي يعلمون أن هذا الرسول حق فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله "ويزداد الذين آمنوا إيماناً" أي إلى إيمانهم أي بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم "ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض" أي من المنافقين "والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلاً" أي يقولون ما الحكمة في ذكر هذا ههنا ؟ قال الله تعالى: "كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء" أي من مثل هذا وأشباهه يتأكد الإيمان في قلوب أقوام ويتزلزل عند آخرين, وله الحكمة البالغة والحجة الدامغة.
وقوله تعالى: "وما يعلم جنود ربك إلا هو" أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط, كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة ومن الفلاسفة اليونانيين ومن شايعهم من الملتين الذين سمعوا هذه الاية فأرادوا تنزيلها على العقول العشرة والنفوس التسعة التي اخترعوا دعواها وعجزوا عن إقامة الدلالة على مقتضاها, فأفهموا صدر هذه الاية وقد كفروا بآخرها وهو قوله: "وما يعلم جنود ربك إلا هو" وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: "فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه آخر ما عليهم". وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود , حدثنا إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أصبع إلا عليه ملك ساجد, لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولا تلذذتم بالنساء على الفرشات ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى" فقال أبو ذر : والله لوددت أني شجرة تعضد, ورواه الترمذي وابن ماجه من حديث إسرائيل , وقال الترمذي حديث حسن غريب, ويروى عن أبي ذر موقوفاً, وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا خير بن عرفة المصري , حدثنا عروة بن مروان الرقي , حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في السموات السبع موضع قدم ولا شبر ولا كف إلا وفيه ملك قائم أو ملك ساجد أو ملك راكع, فإذا كان يوم القيامة قالوا جميعاً سبحانك ما عبدناك حق عبادتك إلا أنا لم نشرك بك شيئاً". وقال محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة: حدثنا عمرو بن زرارة , أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه إذ قال لهم: "هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا: ما نسمع من شيء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط. ما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك راكع أو ساجد".
وقال أيضاً: حدثنا محمد بن عبد الله بن قهذاذ , حدثنا أبو معاذ الفضل بن خالد النحوي , حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي سمعت الضحاك بن مزاحم يحدث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا وعليه ملك ساجد أو قائم وذلك قول الملائكة: "وما منا إلا له مقام معلوم * وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون"" وهذا مرفوع غريب جداً ثم رواه عن محمود بن آدم عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال: إن من السموات سماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك أو قدماه قائم ثم قرأ "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون".
ثم قال: حدثنا أحمد بن سيار , حدثنا أبو جعفر بن محمد بن خالد الدمشقي المعروف بابن أمه , حدثنا المغيرة بن عمر بن عطية من بني عمرو بن عوف , حدثني سليمان بن أيوب عن سالم بن عوف , حدثني عطاء بن زيد بن مسعود من بني الحبلى, حدثني سليمان بن عمرو بن الربيع من بني سالم, حدثني عبد الرحمن بن العلاء من بني ساعدة عن أبيه العلاء بن سعد وقد شهد الفتح وما بعده, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوماً لجلسائه: "هل تسمعون ما أسمع ؟ قالوا: وما تسمع يا رسول الله ؟ قال أطت السماء وحق لها أن تئط إنه ليس فيها موضع قدم إلا وعليه ملك قائم أو راكع أو ساجد وقالت الملائكة "وإنا لنحن الصافون * وإنا لنحن المسبحون" " وهذا إسناد غريب جداً.
ثم قال: حدثنا إسحاق بن محمد بن إسماعيل الفروي , حدثنا عبد الملك بن قدامة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن عبد الله بن عمر " أن عمر جاء والصلاة قائمة ونفر ثلاثة جلوس أحدهم أبو جحش الليثي, فقال: قوموا فصلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقام اثنان وأبى أبو جحش أن يقوم وقال لا أقوم حتى يأتي رجل أقوى مني ذراعين وأشد مني بطشاً, فيصرعني ثم يدس وجهي في التراب, قال عمر فصرعته ودسست وجهه في التراب, فأتى عثمان بن عفان فحجزني عنه فخرج عمر مغضباً حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما رأيك يا أبا حفص ؟ فذكر له ما كان منه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن رضي عمر رحمه, والله على ذلك لوددت أنك جئتني برأس الخبيث فقام عمر فوجه نحوه فلما أبعد ناداه فقال: اجلس حتى أخبرك بغناء الرب تبارك وتعالى عن صلاة أبي جحش وإن لله تعالى في السماء الدنيا ملائكة خشوعاً لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة, فإذا قامت رفعوا رؤوسهم ثم قالوا ربنا ما عبدناك حق عبادتك وإن لله في السماء الثانية ملائكة سجوداً لا يرفعون رؤوسهم حتى تقوم الساعة فإذا قامت الساعة رفعوا رؤوسهم وقالوا سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك".
فقال له عمر : " وما يقولون يا رسول الله ؟ فقال: أما أهل السماء الدنيا فيقولون سبحان ذي الملك والملكوت, وأما أهل السماء الثانية فيقولون سبحان ذي العزة والجبروت, وأما أهل السماء الثالثة فيقولون سبحان الحي الذي لا يموت, فقلها يا عمر في صلاتك, فقال عمر : يا رسول الله فكيف بالذي كنت علمتني وأمرتني أن أقوله في صلاتي ؟ فقال: قل هذا مرة وهذا مرة" وكان الذي أمره به أن يقوله: "أعوذ بعفوك من عقابك, وأعوذ برضاك من سخطك, وأعوذ بك منك جل وجهك" هذا حديث غريب جداً بل منكر نكارة شديدة, و إسحاق الفروي روى عنه البخاري , وذكره ابن حبان في الثقات وضعفه أبو داود والنسائي والعقيلي والدار قطني , وقال أبو حاتم الرازي : كان صدوقاً إلا أنه ذهب بصره فربما لقن وكتبه صحيحة, وقال مرة هو مضطرب و شيخه عبد الملك بن قدامة أبو قتادة الجمحي تكلم فيه أيضاً, والعجب من الإمام محمد بن نصر كيف رواه ولم يتكلم عليه, ولا عرف بحاله, ولا تعرض لضعف بعض رجاله, غير أنه رواه من وجه آخر عن سعيد بن جبير مرسلاً بنحوه ومن طريق أخرى عن الحسن البصري مرسلاً قريباً منه, ثم قال محمد بن نصر : حدثنا محمد بن عبد الله بن قهذاذ , أخبرنا النضر , أخبرنا عباد بن منصور قال: سمعت عدي بن أرطاة وهو يخطبنا على منبر المدائن قال سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن لله تعالى ملائكة ترعد فرائصهم من خيفته ما منهم ملك تقطر منه دمعة من عينه إلا وقعت على ملك يصلي, وإن منهم ملائكة سجوداً منذ خلق الله السموات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة, وإن منهم ملائكة ركوعاً لم يرفعوا رؤوسهم منذ خلق الله السموات والأرض ولا يرفعونها إلى يوم القيامة, فإذا رفعوا رؤوسهم نظروا إلى وجه الله عز وجل قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك" وهذا إسناد لا بأس به.
وقوله تعالى: "وما هي إلا ذكرى للبشر" قال مجاهد وغير واحد: "وما هي" أي النار التي وصفت "إلا ذكرى للبشر" ثم قال تعالى: "كلا والقمر * والليل إذ أدبر" أي ولى "والصبح إذا أسفر" أي أشرق "إنها لإحدى الكبر" أي العظائم يعني النار, قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وغير واحد من السلف "نذيراً للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر" أي لمن شاء أن يقبل النذارة ويهتدي للحق أو يتأخر عنها ويولي ويردها.
33- "والليل إذ أدبر" أي ولى. قرأ الجمهور "إذا" بزيادة الألف، "دبر" بزنة ضرب على أنه ظرف لما يستقبل من الزمان، وقرأ نافع وحفص وحمزة "إذ" بدون ألف، "أدبر" بزنة أكرم ظرف لما مضى من الزمان، ودب وأدبر لغتان، كما يقال أقبل الزمان وقبل الزمان، يقال دبر الليل وأدبر: إذا تولى ذاهباً.
33- "والليل إذ أدبر"، قرأ نافع وحمزة وحفص ويعقوب "إذ" بغير ألف، "أدبر" بالألف، وقرأ الآخرون إذا بالألف، دبر بلا ألف، لأنه أشد موافقة لما يليه، وهو قوله: "والصبح إذا أسفر"، ولأنه ليس في القرآن قسم بجانبه إذ وإنما بجانب الإقسام إذا، ودبر وأدبر كلاهما لغة، يقال: دبر الليل وأدبر إذا ولى ذاهباً. قال أبو عمرو: دبر لغة قريش، وقال قطرب: دبر أي أقبل، تقول العرب: دبرني فلان أي جاء خلفي، فالليل يأتي خلف النهار.
33-" والليل إذ أدبر " أي أدبر كقبل بمعنى أقبل ، وقرأ نافع و يعقوب و حفص إذا دبر على المضي .
33. And the night when it withdraweth
33 - And by the Night as it retreateth,