33 - (فإذا جاءت الصاخة) النفخة الثانية
وقوله : " فإذا جاءت الصاخة " ذكر أنها اسم من أسماء القيامة ، وأحسبها مأخوذة من قولهم : صاخ فلان لصوت فلان : إذا استمع له ، إلا أن هذا يقال منه : هو مصيخ له ، ولعل الصوت هو الصاخ ، فإن يكن ذلك كذلك ، فينبغي أن يكون قيل ذلك لنفخة الصور .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ن عن ابن عباس ، في قوله " فإذا جاءت الصاخة " قال : هذا من أسماء يوم القيامة عظمه الله ، وحذره عباده .
قوله تعالى:" فإذا جاءت الصاخة" لما ذكر أمر المعاش ذكر أمر المعاد، ليتزودوا له بالأعمال الصالحة، وبالإنفاق مما امتن به عليهم. والصاخة: الصيحة التي تكون عنها القيامة، وهي النفخة الثانية، تصخ الأسماع: أي تصمها فلا تسمع إلا ما يدعى به للأحياء. وذكر ناس من المفسرين قالوا: تصيخ لها الأسماع، من قولك: أصاخ إلى كذا: أي استمع إليه، ومنه الحديث:
((ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة شفقاً من الساعة إلا الجن و الإنس)).
وقال الشاعر: لا تطلع الشمس ولا تغرب إلا
يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة المنشد للمنشد
قال بعض العلماء: وهذا يؤخذ على جهة التسليم للقدماء، فأما اللغة فمقتضاها القول الأول، قال الخليل: الصاخة: صيحة تصخ الآذان صحا أي تصمها بشدة وقعتها. وأصل الكلمة في اللغة: الصك الشديد. وقيل: هي مأخوذة من صحة بالحجر: إذا صكة، قال الزاجر:
يا جارتي هل لك أن تجالدي جلادة كالصك بالجلامد
ومن هذا الباب قول العرب: صحتهم الصاخة وباتتهم البائتة، وهي الداهية. الطبري: وأحسبه من صخ فلان فلاناً: إذا أصماه. قال ابن العربي: الصاخة التي تورث الصمم، وإنها لمسمعه، وهذا من بديع الفصاحة، حتى لقد قال بعض حديثي الأسنان حديثي الأزمان:
أصم بك الناعي وإن كان أسمعا
وقال آخر:
أصمني سرهم أيام فرقتهم فهل سمعتم بسر يورث الصمما
لعمر الله إن صيحة القيامة لمسمعه تصم عن الدنيا، وتسمع أمور الآخرة.
قال ابن عباس : الصاخة اسم من أسماء يوم القيامة عظمه الله وحذره عباده, وقال ابن جرير : لعله اسم للنفخة في الصور وقال البغوي : الصاخة يعني صيحة يوم القيامة, سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع أي تبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه " أي يراهم ويفر منهم ويبتعد منهم لأن الهول عظيم والخطب جليل. قال عكرمة : يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه أي بعل كنت لك ؟ فتقول: نعم البعل كنت وتثني بخير ما استطاعت فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين, فتقول له: ما أيسر ما طلبت ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئاً أتخوف مثل الذي تخاف. قال: وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني أي والد كنت لك ؟ فيثني بخير. فيقول له: يا بني إني احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى. فيقول ولده: يا أبت ما أيسر ما طلبت ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف فلا أستطيع أن أعطيك شيئاً, يقول الله تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه ". وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول: نفسي نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي, حتى إن عيسى ابن مريم يقول لا أسأله اليوم إلا نفسي لا أسأله مريم التي ولدتني, ولهذا قال تعالى: " يوم يفر المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه " قال قتادة : الأحب فالأحب والأقرب فالأقرب من هول ذلك اليوم.
وقوله تعالى: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " أي هو في شغل شاغل عن غيره, قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار بن الحارث , حدثنا الوليد بن صالح , حدثنا ثابت أبو زيد العباداني عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحشرون حفاة عراة مشاة غرلاً قال: فقالت زوجته يا رسول الله ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه ـ أو قال : ما أشغله عن النظر ـ".
وقد رواه النسائي منفرداً به عن أبي داود عن عارم عن ثابت بن يزيد هو أبو زيد الأحول البصري أحد الثقات عن هلال بن خباب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وقد رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن محمد بن الفضل عن ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تحشرون حفاة عراة غرلاً فقالت امرأة: أيبصر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال: يا فلانة لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه" ثم قال الترمذي : وهذا حديث حسن صحيح, وقد روى من غير وجه عن ابن عباس رضي الله عنهما, وقال النسائي : أخبرني عمرو بن عثمان , حدثنا بقية , حدثنا الزبيدي , أخبرني الزهري عن عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً فقالت عائشة: يا رسول الله فكيف بالعورات ؟ فقال: لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه" انفرد به النسائي من هذا الوجه, ثم قال ابن أبي حاتم أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا أزهر بن حاتم , حدثنا الفضل بن موسى عن عائذ بن شريح عن أنس بن مالك قال: سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: " يا رسول الله بأبي أنت وأمي, إني سائلتك عن حديث فتخبرني أنت به قال: إن كان عندي منه علم قالت: يا نبي الله كيف يحشر الرجال ؟ قال حفاة عراة ثم انتظرت ساعة فقالت: يا رسول الله كيف يحشر النساء ؟ قال: كذلك حفاة عراة قالت: واسوأتاه من يوم القيامة قال: وعن أي ذلك تسألين إنه قد نزل علي آية لا يضرك كان عليك ثياب أو لا يكون.
قالت: أية آية هي يا نبي الله ؟ قال: " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه " " وقال البغوي في تفسيره: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنبأنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني الحسين بن عبد الله , حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن , حدثنا محمد بن عبد العزيز , حدثنا ابن أبي أويس , حدثنا أبي عن محمد بن أبي عياش , عن عطاء بن يسار , عن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبعث الناس حفاة عراة غرلاً قد ألجمهم العرق وبلغ شحوم الاذان, فقلت يا رسول الله: واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض ؟ فقال: قد شغل الناس لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه" هذا حديث غريب من هذا الوجه جداً وهكذا رواه ابن جرير عن أبي عمار الحسين بن حريث المروزي عن الفضل بن موسى به ولكن قال أبو حاتم الرازي عائذ بن شريح ضعيف وفي حديثه ضعف, وقوله تعالى: " وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة " أي يكون الناس هنالك فريقين وجوه مسفرة أي مستنيرة "ضاحكة مستبشرة" أي مسروة فرحة من السرور في قلوبهم قد ظهر البشر على وجوههم وهؤلاء هم أهل الجنة "ووجوه يومئذ عليها غبرة * ترهقها قترة" أي يعلوها ويغشاها قترة أي سواد, قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا سهل بن عثمان العسكري حدثنا أبو علي محمد مولى جعفر بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يلجم الكافر العرق ثم تقع الغبرة على وجوههم" قال فهو قوله تعالى: "ووجوه يومئذ عليها غبرة" وقال ابن عباس "ترهقها قترة" أي يغشاها سواد الوجوه وقوله تعالى: "أولئك هم الكفرة الفجرة" أي الكفرة قلوبهم الفجرة في أعمالهم كما قال تعالى: "ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً". آخر تفسير سورة عبس ولله الحمد والمنة.
ثم شرع سبحانه في بيان أحوال المعاد فقال: 33- "فإذا جاءت الصاخة" يعني صيحة يوم القيامة، وسميت صاخة لشدة صوتها لأنها تصخ الأذان: أي تصمها فلا تسمع، وقيل سميت صاخة لأنها يصيخ لها الأسماع، من قولك أصاخ إلى كذا أي استمع إليه، والأول أصح. قال الخليل: الصاخة صيحة تصخ الآذان حتى تصمها بشدة وقعها، وأصل الكلمة في اللغة مأخوذة من الصك الشديد، يقال صخه بالحجر: إذا صكه بها، وجواب إذا محذوف يدل عليه قوله: "لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" أي فإذا جاءت الصاخة اشتغل كل أحد بنفسه.
ثم ذكر القيامة فقال: 33- "فإذا جاءت الصاخة"، يعني صيحة القيامة سميت بذلك لأنها تصخ الأسماع، أي تبالغ في الأسماع حتى تكاد تصمها.
33-" فإذا جاءت الصاخة " أي النفخة وصفت بها مجازاً لأن الناس يصخون لها .
33. But when the Shout cometh
33 - At length, when there comes the Deafening Noise,