34 - (وما لهم أ) ن (لا يعذبهم الله) بالسيف بعد خروجك والمستضعفين وعلى القول الأول هي ناسخة لما قبلها وقد عذبهم الله ببدر وغيره (وهم يصدون) يمنعون النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين (عن المسجد الحرام) أن يطوفوا به (وما كانوا أولياءه) كما زعموا (إن) ما (أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون) أن لا ولاية لهم عليه
قال: فكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها يستغفرون - يعني بمكة - فلما خرجوا أنزل الله عليه: " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه ". قال: فأذن الله له في فتح مكة، فهو العذاب الذي وعدهم.
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا حصين، عن أبي مالك في قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يعني: من بها من المسلمين، " وما لهم أن لا يعذبهم الله "، يعني مكة، وفيهم الكفار.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن حصين، عن أبي مالك في قول الله: " وما كان الله ليعذبهم "، يعني أهل مكة، " وما كان الله معذبهم "، وفيهم المؤمنون يستغفرون، يغفر لمن فيهم من المسلمين.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحق بن إسماعيل الرازي، وأبو داود الحفري، عن يعقوب، عن جعفر، عن ابن أبزي: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: بقية من بقي من المسلمين منهم. فلما خرجوا قال: " وما لهم أن لا يعذبهم الله ".
... قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن حصين، عن أبي مالك : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، قال: أهل مكة.
... وأخبرنا أبي، عن سلمة بن نبيط، عن الضحاك : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: المؤمنون من أهل مكة، " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام "، قال: المشركون من أهل مكة.
... قال، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك : " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: المؤمنون يستغفرون بين ظهرانيهم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يقول: الذين آمنوا معك يستغفرون بمكة، حتى أخرجك والذين آمنوا معك.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج قال، قال ابن جريج ، قال ابن عباس: لم يعذب قريةً حتى يخرج النبي منها والذين آمنوا معه، ويلحقه بحيث أمر، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يعني المؤمنين. ثم عاد إلى المشركين فقال: " وما لهم أن لا يعذبهم الله ".
حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، قال: يعني أهل مكة.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب هؤلاء المشركين من قريش بمكة وأنت فيهم، يا محمد، حتى أخرجك من بينهم، " وما كان الله معذبهم "، وهؤلاء المشركون، يقولون: ((يا رب غفرانك!))، وما أشبه ذلك من معاني الاستغفار بالقول. قالوا: وقوله: " وما لهم أن لا يعذبهم الله "، في الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا عكرمة، عن أبي زميل، عن ابن عباس: " إن المشركين كانوا يطوفون بالبيت يقولون: ((لبيك، لبيك، لا شريك لك))، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: قد، قد!، فيقولون: ((إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك))، ويقولون: غفرانك، غفرانك!، فأنزل الله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " ". فقال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبي الله، والاستغفار. قال:فذهب النبي صلى الله عليه وسلم وبقي الاستغفار، " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون "، قال: فهذا عذاب الآخرة. قال:وذاك عذاب الدنيا.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو معشر، عن يزيد بن رومان، ومحمد بن قيس قالا: قالت قريش بعضها لبعض: محمد أكرمه الله من بيننا: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا " الآية. فلما أمسوا ندموا على ما قالوا، فقالوا: ((غفرانك اللهم!))، فأنزل الله: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " إلى قوله: " لا يعلمون ".
حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال: كانوا يقولون - يعني المشركين - : والله إن الله لا يعذبنا ونحن نستغفر، ولا يعذب أمة ونبيها معها حتى يخرجه عنها! وذلك من قولهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، يذكر له جهالتهم وغرتهم واستفتاحهم على أنفسهم، إذ قالوا: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء "، كما أمطرتها على قوم لوط. وقال، حين نعى عليهم سوء أعمالهم: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، أي: لقولهم: ((إنا نستغفر ومحمد بين أظهرنا))، " وما لهم أن لا يعذبهم الله "، وإن كنت بين أظهرهم، وإن كانوا يستغفرون كما يقولون، " وهم يصدون عن المسجد الحرام "، أي: من آمن بالله وعبده، أي: أنت ومن تبعك.
حدثنا الحسن بن الصباح البزار ... قال، حدثنا أبو بردة، عن أبي موسى قال: إنه كان قبل أمانان، قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد مضى، وأما الاستغفرا فهو دائر فيكم إلى يوم القيامة.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا يونس بن أبي إسحق، عن عامر أبي الخطاب الثوري قال: سمعت أبا العلاء يقول: كان لأمة محمد صلى الله عليه وسلم أمنتان، فذهبت إحداهما وبقيت الأخرى: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، الآية.
وقال آخرون: معنى ذلك: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، يا محمد، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون أي: لو استغفروا. قالوا: ولم يكونوا يستغفرون، فقال جل ثناؤه إذ لم يكونوا يستغفرون: " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ".
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: إن القوم لم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا. وكان بعض أهل العلم يقول: هما أمانان أنزلهما الله: فأما أحدهما فمضى، نبي الله. وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم، الاستغفار والتوبة.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: قال الله لرسوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يقول: ما كنت أعذبهم وهم يسستغفرون، ولو استغفروا وأقروا بالذنوب لكانوا مؤمنين، وكيف لا أعذبهم وهم لا يستغفرون؟ وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن محمد وعن المسجد الحرام؟
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال يقول: لو استغفروا لم أعذبهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان الله ليعذبهم وهم يسلمون. قالوا: و ((استغفارهم))، كان في هذا الموضع، إسلامهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا عبد الملك بن الصباح قال، حدثنا عمران بن حدير، عن عكرمة في قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: سألوا العذاب، فقال: لم يكن ليعذبهم وأنت فيهم، ولم يكن ليعذبهم وهم يدخلون في الإسلام.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله: " وأنت فيهم "، قال: بين أظهرهم، وقوله: " وهم يستغفرون "، قال: يسلمون.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " بين أظهرهم، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: وهم يسلمون، " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون "، قريش، " عن المسجد الحرام".
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا محمد بن عبيد الله، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، قال: بين أظهرهم، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: دخولهم في الإسلام.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وفيهم من قد سبق له من الله الدخول في الإسلام.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، يقول: ما كان الله سبحانه يعذب قوماً وأنبياؤهم بين أظهرهم حتى يخرجهم. ثم قال: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يقول: ومنهم من قد سبق له من الله الدخول في الإيمان، وهو الاستغفار. ثم قال: " وما لهم أن لا يعذبهم الله "، فعذبهم يوم بدر بالسيف.
وقال آخرون: بل معناه: وما كان الله معذبهم وهم يصلون.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يعني: يصلون، يعني بهذا أهل مكة.
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن منصور، عن مجاهد في قول الله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: يصلون.
حدثت عن الحسين بن فرج قال: سمعت أبا معاذ قال: حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك بن مزاحم يقول في قوله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، يعني أهل مكة. يقول: لم أكن لأعذبكم وفيكم محمد. ثم قال: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، يعني: يؤمنون ويصلون.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد في قوله: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، قال: وهم يصلون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وما كان الله ليعذب المشركين وهم يستغفرون. قالوا: ثم نسخ ذلك بقوله: " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام ".
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال في ((الأنفال)): " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، فنسختها الآية التي تليها: " وما لهم أن لا يعذبهم الله "، إلى قوله: " فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون "، فقوتلوا بمكة، وأصابهم في ها الجوع والحصر.
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب، قول من قال: تأويله: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم "، يا محمد، بين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم، لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها، " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، من ذنوبهم وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك، بل هم مصرون عليه، فهم للعذاب مستحقون، كما يقال: ((ماكنت لأحسن إليك وأنت تسيء إلي))، يراد بذلك: لا أحسن إليك، إذا أسأت إلي، ولو أسأت إلي لم أحسن إليك، ولكن أحسن إليك لأنك لا تسيء إلي. وكذلك ذلك، ثم قيل: " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام "، بمعنى: وما شأنهم، وما يمنعهم أن يعذبهم الله وهم لا يستغفرون الله من كفرهم فيؤمنوا له، وهم يصدون المؤمنين بالله ورسوله عن المسجد الحرام؟
وإنما قلنا: ((هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب))، لأن القوم - أعني مشركي مكة - كانوا استعجلوا العذاب، فقالوا: ((اللهم إن كان ما جاء به محمد هوالحق، فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم))، فقال الله لنبيه: ((ما كنت لأعذبهم وأنت فيهم، وما كنت لأعذبهم لو استغفروا، وكيف لا أعذبهم بعد إخراجك منهم، وهم يصدون عن المسجد الحرام؟)). فأعلمه جل ثناؤه أن الذي استعجلوا من العذاب حائق بهم ونازل، وأعلمهم حال نزوله بهم، وذلك بعد إخراجه إياه من بين أظهرهم. ولا وجه لإيعادهم العذاب في الآخرة، وهم مستعجلوه في العاجل، ولا شك أنهم في الآخرة إلى العذاب صائرون. بل في تعجيل الله لهم ذلك يوم بدر، الدليل الواضح على أن القول في ذلك ما قلنا.
وكذلك لا وجه لقول من وجه قوله: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، إلى أنه عني به المؤمنين، وهو في سياق الخبر عنهم، وعما الله فاعل بهم. ولا دليل على أن الخبر عنهم قد تقضى، وعلى ذلك كني به عنهم، وأن لا خلاف في تأويله من أهله موجود.
وكذلك أيضاً لا وجه لقول من قال: ذلك منسوخ بقوله: " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام "، الآية، لأن قوله جل ثناؤه: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون "، خبر، والخبر لا يجوز أن يكون فيه نسخ، وإنما يكون النسخ للأمر أو النهي.
واختلف أهل العربية في وجه دخول ((أن)) في قوله: " وما لهم أن لا يعذبهم الله ".
فقال بعض نحويي البصرة: هي زائدة ههنا، وقد عملت كما عملت ((لا)) وهي زائدة، وجاء في الشعر:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إلي، لام ذوو أحسابها عمرا
وقد أنكر ذلك من قوله بعض أهل العربية وقال: لم تدخل ((أن)) إلا لمعنى صحيح، لأن معنى: " وما لهم "، ما يمنعهم من أن يعذبوا. قال: فدخلت ((أن)) لهذا المعنى، وأخرج بـ((لا))، ليعلم أنه بمعنى الجحد، لأن المنع جحد. قال: و((لا)) في البيت صحيح معناها، لأن الجحد إذا وقع عليه جحد صار خبراً. وقال: ألا ترى إلى قولك: (( ما زيد ليس قائماً))، فقد أوجبت القيام؟ قال: وكذلك ((لا)) في هذا البيت.
القول في تأويل قوله: " وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما لهؤلاء المشركين ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام، ولم يكونوا أولياء الله، " إن أولياؤه "، يقول: ما أولياء الله، " إلا المتقون "، يعني: الذين يتقون الله بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه، " ولكن أكثرهم لا يعلمون "، يقول: ولكن أكثر المشركين لا يعلمون أن أولياء الله المتقون، بل يحسبون أنهم أولياء الله.
وبنحو ما قلنا قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون "، هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: " إن أولياؤه إلا المتقون "، من كانوا، وحيث كانوا.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق : " وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون "، الذين يحرمون حرمته، ويقيمون الصلاة عنده، أي: أنت- يعني النبي صلى الله عليه وسلم - ومن آمن بك، " ولكن أكثرهم لا يعلمون ".
قوله تعالى: " وما لهم أن لا يعذبهم الله " المعنى وما يمنعهم من أن يعذبوا. أي إنهم مستحقون العذاب لما ارتكبوا من القبائح والأسباب، ولكن لكل أجل كتاب، فعذبهم الله بالسيف بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك نزلت: "سأل سائل بعذاب واقع" [المعارج: 1] وقال الأخفش: إن أن زائدة. قال النحاس لو كان كما قال لرفع يعذبهم. "ولكن أكثرهم لا يعلمون" أي إن المتقين أولياؤه.
يخبر تعالى أنهم أهل لأن يعذبهم, ولكن لم يوقع ذلك بهم لبركة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم, ولهذا لما خرج من بين أظهرهم أوقع الله بهم بأسه يوم بدر, فقتل صناديدهم وأسر سراتهم وأرشدهم تعالى إلى الاستغفار من الذنوب التي هم متلبسون بها من الشرك والفساد. وقال قتادة والسدي وغيرهما: لم يكن القوم يستغفرون, ولو كانوا يستغفرون لما عذبوا. واختاره ابن جرير, فلولا ما كان بين أظهرهم من المستضعفين من المؤمنين المستغفرين لوقع بهم البأس الذي لا يرد, ولكن دفع عنهم بسبب أولئك, كما قال تعالى في يوم الحديبية " هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ". قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فأنزل الله "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم", قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فأنزل الله "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" , قال: وكان أولئك البقية من المسلمين الذين بقوا فيها مستضعفين, يعني بمكة "يستغفرون" فلما خرجوا أنزل الله " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه ", قال: فأذن الله في فتح مكة فهو العذاب الذي وعدهم. وروي عن ابن عباس وأبي مالك والضحاك وغير واحد نحو هذا, وقد قيل: إن هذه الاية ناسخة لقوله تعالى: "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون", على أن يكون المراد صدور الاستغفار منهم أنفسهم, قال ابن جرير: حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح عن الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة والحسن البصري قالا: قال في الأنفال "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون", فنسختها الاية التي تليها " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون * وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ", فقوتلوا بمكة فأصابهم فيها الجوع والضر, وكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث أبي نميلة يحيى بن واضح. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس "وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون" ثم استثنى أهل الشرك فقال " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام " ـ وقوله ـ " وما لهم أن لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي وكيف لا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام أي الذي بمكة يصدون المؤمنين الذين هم أهله عن الصلاة فيه والطواف به, ولهذا قال: "وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إلا المتقون" أي هم ليسوا أهل المسجد الحرام وإنما أهله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما قال تعالى: " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ", وقال تعالى: "وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله", الاية. وقال الحافظ أبو بكر بن مردويه في تفسير هذه الاية: حدثنا سليمان بن أحمد هو الطبراني, حدثنا جعفر بن إلياس بن صدقة المصري, حدثنا نعيم بن حماد, حدثنا نوح بن أبي مريم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولياؤك ؟ قال: "كل تقي" وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أولياؤه إلا المتقون". وقال الحاكم في مستدركه: حدثنا أبو بكر الشافعي, حدثنا إسحاق بن الحسن, حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان عن عبد الله بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فقال: "هل فيكم من غيركم ؟" فقالوا فينا ابن أختنا وفينا حليفنا وفينا مولانا فقال: "حليفنا منا وابن أختنا منا ومولانا منا إن أوليائي منكم المتقون" ثم قال هذا صحيح ولم يخرجاه, وقال عروة والسدي ومحمد بن إسحاق في قوله تعالى: "إن أولياؤه إلا المتقون" قال هم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم. وقال مجاهد: هم المجاهدون من كانوا وحيث كانوا, ثم ذكر تعالى ما كانوا يعتمدونه عند المسجد الحرام, وما كانوا يعاملونه به, فقال: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية", قال عبد الله بن عمرو وابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وأبو رجاء العطاردي ومحمد بن كعب القرظي وحجر بن عنبس ونبيط بن شريط وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هو الصفير, وزاد مجاهد وكانوا يدخلون أصابعهم في أفواههم, وقال السدي: المكاء الصفير على نحو طير أبيض يقال له المكاء ويكون بأرض الحجاز "وتصدية", قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو خلاد سليمان بن خلاد, حدثنا يونس بن محمد المؤدب, حدثنا يعقوب يعني ابن عبد الله الأشعري, حدثنا جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية", قال المكاء الصفير والتصدية التصفيق, قال قرة: وحكى لنا عطية فعل ابن عمر فصفر ابن عمر وأمال خده وصفق بيديه, وعن ابن عمر أيضاً أنه قال: إنهم كانوا يضعون خدودهم على الأرض ويصفقون ويصفرون رواه ابن أبي حاتم في تفسيره بسنده عنه. وقال عكرمة: كانوا يطوفون بالبيت على الشمال, قال مجاهد: وإنما كانوا يصنعون ذلك ليخلطوا بذلك على النبي صلى الله عليه وسلم صلاته, وقال الزهري يستهزئون بالمؤمنين, وعن سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن زيد "وتصدية" قال صدهم الناس عن سبيل الله عز وجل. قوله "فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون", قال الضحاك وابن جريج ومحمد بن إسحاق: هو ما أصابهم يوم بدر من القتل والسبي, واختاره ابن جرير ولم يحك غيره, وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال عذاب أهل الإقرار بالسيف وعذاب أهل التكذيب بالصيحة والزلزلة.
قوله: 34- " وما لهم أن لا يعذبهم الله " لما بين سبحانه أن المانع من تعذيبهم هو الأمران المتقدمان وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ظهورهم، ووقوع الاستغفار. ذكر بعد ذلك أن هؤلاء الكفار، أعني كفار مكة مستحقون لعذاب الله لما ارتكبوا من القبائح. والمعنى: أي شيء لهم يمنع من تعذيبهم؟ قال الأخفش: إن أن زائدة. قال النحاس: لو كان كما قال لرفع يعذبهم، وجملة "وهم يصدون عن المسجد الحرام" في محل نصب على الحال: أي وما يمنع من تعذيبهم؟ والحال أنهم يصدون الناس عن المسجد الحرام كما وقع منهم عام الحديبية من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من البيت، وجملة "وما كانوا أولياءه" في محل نصب على أنها حال من فاعل "يصدون"، وهذا كالرد لما كانوا يقولونه من أنهم ولاة البيت، وأن أمره مفوض إليهم، ثم قال مبيناً لمن له ذلك: "إن أولياؤه إلا المتقون" أي ما أولياؤه إلا من كان في عداد المتقين للشرك والمعاصي "ولكن أكثرهم لا يعلمون" ذلك، والحكم على الأكثرين بالجهل يفيد أن الأقلين يعلمون ولكنهم يعاندون.
34 - قوله تعالى : " وما لهم أن لا يعذبهم الله " أي : وما يمنعهم من أن يعذبوا، يريد بعد خروجك من بينهم ، " وهم يصدون عن المسجد الحرام " ،أي : يمنعون المؤمنين من الطواف بالبيت .
وقيل : أراد بالعذاب الأول عذاب الاستئصال ، وأراد بقوله " وما لهم أن لا يعذبهم الله " أي : بالسيف .
وقيل : أراد بالأول عذاب الدنيا ، وبهذه الآية عذاب الآخرة .
وقال الحسن : الآية الأولى وهي قوله " وما كان الله ليعذبهم " منسوخة بقوله تعالى : " وما لهم أن لا يعذبهم الله " .
" وما كانوا أولياءه " ، قال الحسن : كان المشركون يقولون نحن أولياء المسجد الحرام ، فرد الله عليهم بقوله : " وما كانوا أولياءه " أي : أولياء البيت ، " إن أولياؤه " أي : ليس أولياء البيت ، " إلا المتقون " ، يعني : المؤمنين الذين يتقون الشرك ، " ولكن أكثرهم لا يعلمون " .
34. " وما لهم أن لا يعذبهم الله " وما لهم مما يمنع تعذبيهم متى زال ذلك وكيف لا يعذبون . " وهم يصدون عن المسجد الحرام " وحالهم ذلك ومن صدهم عنه إلجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى الهجرة وإحصارهم عام الحديبية. " وما كانوا أولياءه " مستحقين ولاية أمره مع شركهم ، وهو رد لما كانوا يقولون نحن ولاة البيت والحرم فنصد من نشاء وندخل من نشاء . " إن أولياؤه إلا المتقون " من الشرك الذين لا يعبدون فيه غيره ، وقيل الضميران لله . " ولكن أكثرهم لا يعلمون " أن لا ولاية لهم عليه كأنه نبه بالأكثر أن منهم من يعلم ويعاند ، أو أراد به الكل كما يراد بالقلة العدم .
34. What (plea) have they that Allah should not punish them, when they debar (His servants) from the Inviolable Place of Worship, though they are not its fitting guardians. Its fitting guardians are those only who keep their duty to Allah. But most of them know not.
34 - But what plea have they that God should not punish them, when they keep out (men) from the sacred Mosque and they are not its guardians? no men can be its guardians except the righteous; but most of them do not understand.